الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
بشكلٍ لافتٍ للغاية تصدّر خطاب السيّد حسن نصر الله بمناسبة ذكرى وضع حرب لبنان الثانية أوزارها المشهد الإسرائيليّ، وخلافًا لمرّاتٍ سابقةٍ، سلطّ الإعلام العبريّ، المرئي، المسموع والمكتوب الضوء على تصريحات سيّد المُقاومة، وبشكلٍ خاصٍّ عن قضية الأمونيا ومفاعل ديمونا.
وكان مُثيرًا للغاية تذكير الإعلام العبريّ بتصريح السيّد نصر الله في شهر حزيران (يونيو) الفائت بأنّه في الحرب القادمة ضدّ إسرائيل، سينضّم آلاف، بل مئات ألآلاف من المجاهدين من العالمين العربيّ والإسلاميّ إلى الجهاد ضدّ الدولة العبريّة.
ولكنّ العنوان، الذي بات يقُضّ مضاجع الإسرائيليين هو قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تغيير قانون الإعلان عن الحرب في جلسةٍ للمجلس الوزاريّ والأمنيّ المُصغّر، دون العودة إلى الحكومة، والذي يُعتبر دليلاً قاطعًا على أنّ ما وراء الأكمة ما وراءها، حيث تساءل بعض المحللين: هل تغيير القانون يُدلل على نيّة تل أبيب بفتح حربٍ جديدةٍ في الشمال ضدّ حزب الله، أوْ في الجنوب ضدّ حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزّة، أمْ أنّه جاء بهدف صرف الأنظار عن التحقيقات الجارية ضدّ نتنياهو وزوجته ونجله في العديد من قضايا الفساد، والرشا وإهدار المال العّام وخيانة الأمانة.
وفي هذا السياق، من الجدير بالذكر أنّ المُستشار القانونيّ للحكومة الإسرائيليّة قرر قبول توصيات الشرطة وتقديم لائحة اتهّام ضدّ سارة نتنياهو، عقيلة رئيس الوزراء بتهم فساد واستغلال أموال الدولة لغاياتٍ شخصيّةٍ، فيما يتواصل التحقيق ضدّ نتنياهو في عدّة ملّفات فساد، يتوقّع المراقبون والخبراء أنْ تؤدّي إلى تقديم لوائح اتهّام ضدّه، كما حدث مع سلفه، إيهود أولمرت، الذي طالبه حزبه آنذاك بالاستقالة، واضطر لتقديم استقالته من منصبه، واللافت أنّ نتنياهو، الذي كان في المعارضة صرحّ في تلك الفترة بأنّه من غير الممكن أنْ يُواصل أولمرت تبوأ منصبه، في الوقت الذي تتّم فيه محاكمته.
ولكن اليوم، بعد أنْ بات قاب قوسين أوْ أدنى من ظرف أولمرت، يؤكّد رئيس الوزراء عبر المُقرّبين منه أنّه لا ينوي الاستقالة ي حال تقديم لائحة اتهّام ضدّه، لا بلْ أكثر من ذلك، يُحرّض على اليسار الإسرائيليّ والإعلام العبريّ ويتهمهما بأنّهما يعملان بدون كللٍ أوْ مللٍ على إحداث انقلابٍ ضدّه.
أمّا العنوان الثاني الذي عمل الإعلام العبريّ على إبرازه، فكان تحذير رئيس الموساد يوسي كوهين، من تعاظم النفوذ الإيرانيّ في الشرق الأوسط، حيث أكّد على أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة ما زالت تُشكّل الخطر الأكبر على الأمن القوميّ الإسرائيليّ، علمًا أنّ التقدير الإستراتيجيّ للدولة العبريّة وضع إيران في المرتبة الثانية بعد حزب الله، وفي الثالث حركة حماس الفلسطينيّة.
كوهين، الصديق الشخصيّ لنتنياهو والذي يأتمر بأوامره مباشرةً، خضع هو الآخر للتحقيق بتهمة خيانة الأمانة، وبحسب موقع (WALLA) العبريّ فقد دعا حكومة تل أبيب إلى استغلال العلاقات الممتازة مع إدارة الرئيس ترامب من أجل إحداث تغييرٍ فيما يتعلّق بالملف الإيرانيّ، مُشدّدًا في الوقت عينه على أنّ إيران تتقدّم بشكلٍ كبيرٍ في مشاريعها العسكريّة في منطقة الشرق الأوسط.
ونقل الموقع العبريّ عن كوهين قوله للوزراء في جلسة الحكومة، أمس الأحد، إنّ الشرق الأوسط يشهد تغييرات ليست في صالح إسرائيل، لأنّ إيران تزداد قوّةً ما بعد الاتفاق النوويّ مع الدول الكبرى، ويزداد حضورها هي وحزب الله في المنطقة، بالإضافة لقوى شيعية أخرى في الوطن العربيّ التي تتجمع في المنطقة، والهدف الرئيسيّ، شدّدّ رئيس الموساد، يتحتّم أنْ يكون لجم هذا التوافد الشيعيّ والتعاظم الإيرانيّ، على حدّ قوله.
أقوال رئيس الموساد طالت أيضًا الشيعة في جميع الدول العربيّة والإسلاميّة، حيث حذّر مما اسماه “الهلال الشيعيّ”، الذي يمتد من بغداد ودمشق وصولاً إلى لبنان، مُوضحًا في الوقت عينه أنّ القوة الوحيدة في العالم التي تستطيع التصدي لـ”الهلال الشيعي” هي الولايات المتحدة الأميركية من خلال تأثيرها على دول المنطقة، وطالب حكومة نتنياهو باستغلال العلاقات الجيّدة مع إدارة ترامب لدفعه لاتخاذ خطواتٍ في هذا الصدد، على حدّ تعبيره.
من ناحيتها لفتت القناة الثانية في التلفزيون العبريّ إلى أنّ الاتفاق الأمريكيّ-الروسيّ لخفض التوتّر في جنوب سوريّة تمّ التوصّل إليه دون أنْ تتمكّن تل أبيب من التأثير عليه، بما يتماشى مع مصلحتها، وتحديدًا إبعاد إيران وحليفتها عن الحدود مع إسرائيل في مرتفعات الجولان العربيّ السوريّ المُحتّل. وبحسبه، فإنّ القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابيّ-التكفيريّ سيفتح الباب على مصراعيه أمام إيران وحليفاتها للاقتراب أكثر من الدولة العبريّة. ونُقل عن كوهين قوله في جلسة الحكومة إنّ الأماكن التي يتقلص فيها وجود داعش تعمل إيران على ملء الفراغ، بحسب توصيفه.
بكلماتٍ أخرى باتت المعادلة: القضاء على “داعش” يعني التعامل مع إيران، وهو الأمر الذي تخشاه الدولة اليهوديّة لأنّه بحسب تقديرات أجهزتها الأمنيّة والاستخباراتيّة، من المُمكن جدًا أنْ تُقيم إيران، بمساعدة حزب الله في المنطقة جبهةٍ جديدةٍ على غرار الجبهة التي كانت قائمةً في الجنوب اللبنانيّ، الذي كان يقع تحت الاحتلال الإسرائيليّ.
مهما يكُن من أمر، يُمكن القول والفصل أيضًا أنّ المُستجدّات الأخيرة على الساحة الإسرائيليّة تؤكّد على أنّ أركانها أقّروا، ولو بشكلٍ غيرُ مباشرٍ، سقوط رهاناتهم على تقسيم سوريّة، واندثار مقولة بعضهم بأنّ أيّام الأسد باتت معدودةً.
http://www.raialyoum.com/?p=726225