رميز نظمي
أسباب مختلفة دفعت الحكومة البريطانية إلى إصدار إعلان بلفور عام 1917، من جملتها سببان رئيسيان أحدهما تكتيكى و الآخر استراتيجى. السبب التكتيكى هو للحصول على تأييد “اليهودية العالمية” ، المزعوم وجودها، خلال الحرب العالمية الأولى. أما العامل الاستراتيجى فكان للمحافظة على مصالح الإمبراطورية البريطانية، منها النفطية، فى العالم العربى و ذلك بخلق “دولة” تابعة لها تقوم بكل ما يلزم لمنع نشوء أى تكامل عربى تحررى و فعّال قد يهدد تلك المصالح و الأطماع.
لا ريب أنّ كرم الطبقة البريطانية الحاكمة مع اليهود لم يكن الدافعَ المحوري لإصدار الإعلان؛ حيث إنّ بلفور منع اليهودَ الهاربين من اضطهاد روسيا القيصرية من دخول المملكة المتّحدة قبل اثنتي عشرة سنة من الإعلان، وبصفته رئيساً للوزراء، مرّر قانوناً عُرف “بقانون الغرباء” في 11 آب/أغسطس 1905، بهدف تقييد هجرة اليهود إلى بريطانيا، وصف بلفور اليهود، مبرّراً هذا القانون، بأنّهم “شعب مُغاير”.
على الرغم من دعم الطبقة الحاكمة البريطانية للصهيونية، إلا أن ميولها المعادية للسامية تجلت بوضوح متمثلة في تشرشل، “الصهيوني الفخري”. ففي مقالة لتشرشل بتاريخ 8 شباط/فبراير 1920، عزا الثورةَ البولشيفية عام 1917 إلى “مخططات اليهود العالميين”، وقال: “هذه الحركة في أوساط اليهود ليست جديدة، فبدءاً بعصر سبارتكوز (Spartacus) وفيزهوبت (Weishaupt) ومروراً بعصر كارل ماركس وانتهاءً بتروتسكي (Trotsky – روسيا) وبيلا كون (Bela Kun – هنغاريا)، وروزا لوكسمبورغ (Rosa Luxembourg – ألمانيا) وإيمّا غولْدمان (Emma Goldman – الولايات المتّحدة)، هذه المؤامرة العالمية لتقويض الحضارة… تتطوّر باطّراد”.
كما رأى تشرشل في “الدولة اليهودية “المقترَحة أداةً لإضعاف البولشيفية، فصرّح في المقالة آنفة الذكر بأنّ “الصهيونية أضحت الآن عاملاً في الاضطراب السياسي بروسيا… يجري وبشكل مباشر إحباط وإعاقة مخطّطات دولة شيوعية عالمية، خاضعة للهيمنة اليهودية، بهذا التوجه (الصهيوني) الجديد الذى يحشد طاقات اليهود وآمالهم في كلّ انحاء الأرض نحو هدف أبسط وأقْوَم وأكثر قابلية للتحقيق”. يظهر أنّ تشرشل أراد إغراء “اليهودية العالمية الماكرة” بالوقوف بجانب الصهيونية عوضاً عن البولشيفية بزعمه أنّ إقامة “دولة يهودية” في فلسطين أقرب إلى المنال من بناء “دولة شيوعية عالمية يهيمن عليها اليهود”!
الجدير بالذكر أن إدوين مونتاغو (Edwin Montagu)، الوزير اليهودي الوحيد في الحكومة البريطانية آنذاك، عارض بقوّة إعلان بلفور. و قد قال للُويد جورج، رئيس الوزراء: “أمضيتُ حياتي كلّها في محاولة الخروج من الغيتو، وأنت تريد إرغامي على العودة إليه”؟ وفي مذكّرة قُدّمت إلى الوزارة البريطانية في آب/أغسطس 1917، وصف مونتاغو الصهيونيةَ بأنّها “عقيدة سياسية خبيثة، لا يمكن لأيّ مواطن وطني في المملكة المتّحدة أن يدافع عنها”. وكتب: “أكاد أميل إلى اعتبار المنظّمة الصهيونية غير شرعية ومناوئة للمصلحة الوطنية”.
إنّ معارضة مونتاغو لإقامة “وطن قومي” لليهود في فلسطين اعتمدت في الأساس على ثلاثة عوامل: الأول أنّها ستؤدّي لا محالة إلى معاملة السكان المحلّيين غير اليهود، أي 90 في المئة من إجمالي السكّان، كأجانب في وطنهم. والثاني: أنّها ستحرم اليهود في أوطانهم الأمّ من حقوق المواطنة فيها. والثالث: انه ليست لليهود حقوق في فلسطين أكثر من المسيحيين أو المسلمين، وفي رغبة تنبع عن بُعْد نظر، لم يشأ مونتاغو أن تصبح فلسطين “الغيتو العالمي” لليهود.
كما لاقت الصهيونية معارضة قوية من يهود بريطانيين آخرين، منهم هيرمان أدْلِر (Hermann Adler)، كبير حاخامات بريطانيا، ودافيد ليندو ألكسندر (David Lindo Alexander)، رئيس مجلس النواب اليهود البريطانيين؛ وكلود مونتفْيور (Claude Montefiore)، رئيس الرابطة الأنغلو يهودية. طعن أدلِر بفكرة “دولة يهودية” في فلسطين كونها “مناقضة للمبادئ اليهودية”، وفي رسالة إلى صحيفة لندن تايمز (London Times) في 24 أيار/مايو 1917، كتب ألكسندر ومنتيفْيور: “لا بدّ وأنّ إنشاء قومية يهودية في فلسطين، على أساس نظرية التشرّد ، سيجعل اليهود في مجمل أنحاء العالم كما لو أنّهم غرباء في بلادهم”، كما أنّ “اقتراح منح المستوطنين اليهود في فلسطين حقوقاً خاصّة معيّنة تفوق الحقوق التي يتمتّع بها باقي السكّان…سيكون كارثة حقيقية تطال الشعب اليهودي برمّته”.
لم تكد تمضي أيام قلائل على صدور الإعلان حتى أسّس بريطانيون يهود بارزون آخرون “رابطة اليهود البريطانيين”، وهي منظّمة كُرّست لمحاربة الصهيونية، وكان من مؤسّسيها فيليب ماغنوس (Philip Magnus)، ولويس مونتاغو (البارون سوايْثلينغ Swaythling)، وليونيل ناثان دي روثْتشايلد (Lionel Nathan de Rothschild)، ولوسيان وولف (Lucien Wolf).. من الواضح إذاً أنّ فكرة دمج الدِّين مع القومية لم تلقّ قبول كثير من اليهود.
بالتالي، فإنّ ادعاء الصهاينة أنّ معاداة الصهيونية تعادل معاداة السامية هو زعم باطل و تدليس واضح و في الحقيقة هنالك تداخلُ بين أهداف الصهيونية ومعاداة السامية، فالصهيونية الحديثة، التي استحدثها اليهود الأوروبيون في أواخر القرن التاسع عشر كردّ فعل على اضطهادهم، استجابت من الناحية الفعلية لفرضية معاداة السامية القائلة بأنّ اليهود “شعب مغاير”، و من غير الممكن انصهارهم فى او تكاملهم مع المجتمعات التى يعيشون فيها؛ لذلك يمكن الاستنتاج بأن جذور الصهيونية قد نبعت من تربة معاداة السامية الآسنة، فإن لم تكن هنالك معاداة للسامية ينعدم أى مبرر فاعل لقيام الصهيونية ، و هذا يعنى أن مواجهة و قهر معاداة السامية سيجرد الصهيونية من أهم عوامل وجودها.
لنفترض على سبيل المقارنة أنّ جماعة من الأمريكيين الأفارقة أسّسوا منظّمة تسمّى “الأفريكانية” ردّاً على التمييز ضدّهم، غايتها تشجيع الأمريكيين الأفارقة على مغادرة الولايات المتّحدة والهجرة إلى أفريقيا، هل سيكون هناك شكّ في أن العنصريين البيض سيدعمون هدف “الافريكانية” لغرض التخلص من الأمريكيين الأفارقة ؟
أذعنت الصهيونية لفكرة عدم إمكانية تكامل اليهود في مجتمعاتهم الأوروبية الأصلية، و خلَصت إلى أنّ حلّ “المشكلة اليهودية” يكمن في الهجرة إلى فلسطين، وإقامة “دولة يهودية”، وليس في محاربة العنصرية، وفي الكفاح لنيل حقوق متساوية في بلدانهم الأوروبية؛ و بذلك غدت إقامةُ “الدولة اليهودية” والمحافظة عليها، مهما كانت التكاليف، الأولويةَ القصوى للصهيونية، و فى هذا السياق شدد ثيودور هيرتزل (Theodor Herzl)، مؤسّس الصهيونية الحديثة، على أنّه “إذا تعيّن القضاء على قطاعات كاملة من اليهود، فالأمر يستأهل ذلك بشرط إقامة دولة يهودية في فلسطين”، وقال دافيد بن غوريون (DAVID BEN – GURION)، وهو من أبرز الزعماء الصهاينة: “إذا كان في استطاعتي إنقاذ أطفال ألمانيا (اليهود) بجلبهم جميعهم إلى إنكلترا، أو جلب نصفهم إلى إسرائيل، سأختار الحلّ الثاني”.
أى ادعاء بأنّ معاداة السامية هو السبب الرئيس لعداء الفلسطينيين للصهاينة ولـ”الدولة اليهودية” هو خطأً فاحش؛ فالعداء هو ردّ فعل طبيعى على الاقتلاع والتنكيل والاحتلال، وكلّ من يقترف هذه الجرائم سيلقى عداوة مشابهة، بل إنّ بيرنارد لويس (Bernard Lewis)، المؤرِّخ الصهيوني، أقرّ بأنّ “المعاداة الأوروبية للسامية، بنموذجيها اللاهوتي والعِرقي، غريبة بشكل أساسى عن التقاليد والثقافة والأنماط الفكرية الإسلامية “. وكتب أيضاً: “في نظر المسيحيين المعادين للسامية، المشكلة الفلسطينية ذريعة ومنفس لكراهيتهم، لكنّ معاداة المسلمين للسامية سببها المشكلة الفلسطينية”، وأكّد يهوشافاط هارْكابي (Yehoshafat Harkabi)، وهو برفسور في الجامعة العبرية بالقدس، ورئيس سابق للاستخبارات العسكرية، على أنّ “معاداة العرب للسامية إحدى نتائج الصراع وليست سببه، ولو تمّ التوصّل إلى تسوية للصراع العربي الإسرائيلي، لتلاشت مظاهر معاداة السامية”.
يرى بعض المفكرين أنّه لولا الحرب العالمية الأولى، ما نشبت ثورة روسية، ولما قام الرايخ الألمانى الثالث ولما تأسست “دولة يهودية” في فلسطين، بل إنّ الصلة بين الرايخ الثالث و”الدولة اليهودية” تمتدّ إلى ما هو أبعد من ذلك، ويمكن القول بأنّ تصوّر “الدولة اليهودية” برز في الحرب العالمية الأولى، لكنّه تبلور بفعل السياسات العِرقية الوحشية للرايخ الألمانى الثالث؛ ذلك أنّ الجاذبية المحدودة للصهيونية عند اليهود الأوروبيين قويت كثيراً في مستهلّ القرن العشرين لسطوة سياسات النازيين المعادية للسامية والتي تُوّجت بجريمة شنيعة في حقّ الإنسانية، المحرقة النازية، وهذا ما أشار إليه هيرتزل بقوله: “سيصبح معادو السامية أجود أصدقائنا، والبلدانُ المعادية للسامية حلفاءنا”.
وفي السياق نفسه، كتب جون نيوسينغِر (John Newsinger)، أستاذ مادّة التاريخ المعاصر في جامعة باث سبا (Bath Spa)، “لولا بروز معاداة السامية في ألمانيا وأوروبا الشرقية، لأخفق المشروع الصهيوني على الأرجح؛ لأنّه لم يكن سيتوفر العدد الكافى من النساء والرجال اليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين”، وأضاف: “إنّ المعاداة الأوروبية للسامية، التي تُوّجت بالقتل الجماعي والإبادة الجماعية المدبَّرة، هي التي جعلت المشروع الصهيوني قابلاً للاستمرار، وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ ذلك جاء على حساب الشعب الفلسطيني”.
أكّد البروفسور نيوسينغِر أيضاً على أنّه “لو فتحت الولاياتُ المتّحدة وبريطانيا ودول أخرى أبوابها لليهود الفارّين من النازية، لكانت تلك الدول على، نحو شبه مؤكَّد، المقصدَ النهائي للغالبية العظمى من اليهود الأوروبيين، وعوضاً عن ذلك، بقيت الأبواب مؤصدة إلاّ أمام حفنة قليلة منهم، وهنا أيضاً يظهر عملياً أثر معاداة السامية”.
سيكون من الخطأ الافتراض بأنّ الصهاينة الألمان دخلوا في صراع وجودي مع النظام النازي غداة وصوله إلى السلطة في سنة 1933، فعلى عكس المنظّمات اليهودية الألمانية غير الصهيونية التي حاربت معاداة السامية، مثل سنترا فيرين (Centra Verein)، واتّحاد المحاربين القدامى اليهود(RjF)، ورابطة اليهود الوطنيين الألمان(LEAGUE OF NATIONAL GERMAN JEWS)، أقام الصهاينة الألمان علاقة، وإن كانت معقّدة، مع النازيين.فقد كان نبذ استيعاب يهود ألمانيا فى المجتمع الألمانى هدفاً مشتركاً للفريقين،و كذلك رغبة الصهاينة فى تهجير الألمان اليهود إلى فلسطين لم تتعارض مع غاية النازيين الشريرة فى تطهير ألمانيا من اليهود.
ما إن مضت شهور قليلة على تعيين هتلر مستشاراً لألمانيا في سنة 1933 حتى وقّعت الحكومة النازية اتفاقية الترحيل هافارا (HAAVARA TRANSFER AGREEMENT) مع اتّحاد صهاينة ألمانيا؛ يسّرت هذه الاتفاقيةُ هجرةَ أعداد ضخمة من اليهود إلى فلسطين، و فتحت أبواب فلسطين أمام الصادرات الألمانية، وأضعفت المقاطعةَ الاقتصادية الدولية لألمانيا النازية.
التجلّي الآخر للارتباط بين الصهاينة الألمان والنازيين، كان نشر اثنتي عشرة مقالة في شهري أيلول/سبتمبر، وتشرين الأول/أكتوبر 1934، مدحاً في المستوطنات الصهيونية في فلسطين للكاتب ليبولود فون مايلْدينشتاين (Leopold von Mildenstein)، وهو ضابط كبير في فرقة الأس أس(SS). صدرت المقالات، وكانت غايتها تشجيع اليهود الألمان على الهجرة إلى فلسطين، على صفحات صحيفة “الهجوم” (ASSAULT) الواسعة الانتشار، والتي كان يشرف عليها جوزف غوبلز (Joseph Goebbels)، وزير الإعلام السيئ الصيت لدى هتلر. واحتفاءً بهذه المقالات، أوعز غوبلز بإصدار ميدالية حملت على أحد وجهيها الصليبَ المعقوف، ونجمة داود على وجهها الآخر.
وفي أيلول/سبتمبر 1935، كتب راينْهارد هيدريتش (Reinhard Heydrich)، رئيس وكالة الاستخبارات الألمانية (SD) وأحد مصمّمي المحرقة النازية لاحقاً، بأنّ النظام النازي “على وئام تام مع الحركة الروحية العظيمة في أوساط اليهود أنفسهم، والتي تسمّى الصهيونية، الداعية إلى تضامن اليهود في شتّى ربوع العالم، ورفضهم الأفكار الاستيعابية بجميع صورها”، وعن ذلك تقول سارة ريغير (Sara Reguer)، أستاذة الدراسات اليهودية في كلّية بروكلين بجامعة مدينة نيويورك، “ساعد النازيون، وحتى فرقة الأس أس، على هجرة اليهود غير الشرعية إلى فلسطين”، وفي الموضوع نفسه، كتب فرانسيس نيكوسيا (Frances Nicosia)، وهو بروفسور في التاريخ وفي دراسات المحرقة النازية بجامعة فيرمونت، ” سياساتُ ألمانيا بين عامي 1933 و1940 شجعت وروّجت بنشاط للهجرة اليهودية إلى فلسطين، واعترفت و احترمت المصالح الإمبريالية البريطانية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وبقيت عديمة المبالاة بدرجة كبيرة بمُثُل القومية العربية وأهدافها”.
إضافة إلى ذلك أقامت وكالة الاستخبارات الألمانية اتصالات في سنة 1936 مع منظّمة الهاغاناه (Haganah)، وهي ميليشيا صهيونية مسلّحة في فلسطين، وكانت ثمرة هذه الاتّصالات تهريب الأسلحة الألمانية إلى المنظّمة التي بدورها أعانت البريطانيين على قمع الثورة الفلسطينية بين عامي 1936 و1939، و كان هناك أيضاً جماعة إرهابية صهيونية أخرى، وهي عصابة شتيرن (Stern) (ليهي)،
والتى بذلت مساعي حثيثة لإقامة حلف مع النازيين، ومع الفاشيين الإيطاليين، لمحاربة البريطانيين في مقابل ترحيل كلّ اليهود من أوروبا الواقعة تحت الاحتلال النازي إلى فلسطين”.
هل توقّع هيرتزل حقاً أن تحلّ “دولتُه اليهودية” المقترَحة “المشكلةَ اليهودية” وتكون كياناً أخلاقياً؟ إذا كانت الحال كذلك، أثبتت الحوادث أنّه ارتكب خطأً فاحشاً؛ لأنّ معاداة السامية في الخارج تبدو في تنامى فى العالم كلّه، بل إنّ الاعتداءات حتى فى الولايات المتحدة زادت بشكل حادّ، لا سيما منذ انتخاب رئيسها اليميني الحالى.. ومن الأمور المعبّرة أنّ الرئيس الجديد الذي وصفه أبرز الصهاينة الأمريكيين بأنّه “أفضل رئيس على الإطلاق إلى إسرائيل”، قد عيّن مساعداً، له صلة “برموزٍ نازية، وبسياسات أقصى اليمين، وبأحزاب معادية للسامية”، وهذا برهان آخر على كون الصهيونية ومعاداة السامية ليستا على طرفي نقيض. فكما أكدّ البروفسور جون شارملى (John Charmley)، استاذ التاريخ الحديث فى جامعة إيست انجليا، ” ليس هناك تعارض بين أن يكون الشخص صهيونياً و معاداً للسامية فى آن واحد”، فلهذا ليس من الغريب أن أنصار الكيان الصهيونى قد يكونوا أيضاً أعداء اليهود، و العكس صحيح.
وفي هذا السياق، أشار جوناثان غرينْبلات (Jonathan Greenblatt)، رئيس “مكافحة التشهير”، وهي منظّمة يهودية أمريكية بارزة، إلى أنّ الرئيس الجديد ساعد على خلق جو مشجع للمتطرفين العنصريين، ومن الأمور التي تثير الإعجاب أنّ جماعات مسلمة ويهودية تضامنت في تحدّي التمييز العنصري، فجمع مسلمون عشرات آلاف الدولارات لمقابر يهودية تعرّضت للتخريب، فيما عارض يهود الحظر الذي فرضته الإدارة الأمريكية على مسافرين من بعض الدول الإسلامية .. عموماً لا يفرق العنصريون البيض بين اليهود والمسلمين والبوذيين والهندوس، أو بين العرب والأفريقيين والآسيويين واللاتينيين، فكل هؤلاء في نظرهم “شعب مغاير”.
وفي الداخل، فإن “الدولة اليهودية” ضالعة منذ بدايتها في قتال لا ينتهي وغارقة في سياسات مُشينة. وقد أقرّ دافيد بن غوريون ، أوّل رئيس لحكومتها، قائلاً: “لو كنتُ زعيماً عربياً، ما كنتُ لأوقّع اتّفاقية مع إسرائيل، هذا أمر طبيعي؛ فقد استولينا على بلادهم. صحيح أنّ الإلٓه وعدنا بها، لكن ما هو اهتمامهم في ذلك؟ إلٓهنا ليس إلٓههم. كان هناك معاداة للسامية، والنازيون، وهتلر، وآوشفيتز (Auschwitz)، لكن هل كان ذلك خطأهم؟ العرب لا يرون سوى شيء واحد: لقد جئنا إلى بلادهم وسلبناهم إيّاها. لماذا سيقبلون بذلك؟” … توقّع هيرتزل في سنة 1869 بأنّه “متى استقرّ اليهود في دولتهم، يرجَّح ألاّ يكون هناك اعداء” .. هل يمكن أن يوجد تكهّن خاطئ و مثير للشفقة أكبر من هذا في تاريخ الإنسانية؟!
http://www.raialyoum.com/?p=770424