أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
كان والده مهندس معماري، ميسور الحال، دائم التنقل، قضى آخر أيامه في كوبا ولم يكن له الدور الكبير في نشأة جيفارا لكن الأم عُرفت بأنها مثقفة ونشطة وهي التي نفخت في الفتى من روحها الشغوفة بتاريخ الأرجنتين، بل وأمريكا اللاتينية كلها.. وربته على سِيَر المحررين العظام أو "آباء الوطن"، وعلى قصائد الشعر لا سيما الشعر الأسباني والأدب الفرنسي.
كان الفتى النحيل الذي لا يتعدى طوله 173 سم يمارس الرياضة بانتظام لمواجهة نوبات الربو المزمن التي كانت تنتابه منذ صغره. أما روحه فكانت لاذعة ساخرة من كل شيء حتى من نفسه، وقد أجمعت آراء من اقتربوا منه أنه كان يحمل داخله تناقصا عجيبا بين الجرأة والخجل، وكان دافئ الصوت عميقه، كما كان جذابا وعبثي المظهر كذلك.
اضطرت العائلة إلى ترك العاصمة والانتقال إلى مكان أكثر جفافا؛ لأجل صحة الفتى العليل، وفي أثناء ذلك كان اللقاء الأول بين أرنستو والفقر المدقع والوضع الاجتماعي المتدني في أمريكا اللاتينية.
جيفارا الطبيب في مارس 1947 عادت الأسرة إلى العاصمة ليلتحق الفتى بكلية الطب، وعند نهاية المرحلة الأولى لدراسته حين كان في الحادية والعشرين من عمره قام بجولة طويلة استمرت حوالي 8 أشهر على الدراجة البخارية نحو شمال القارة مع صديق طبيب كان أكبر منه سنا وأقرب إلى السياسة.
ومن هنا بدأ استكشاف الواقع الاجتماعي للقارة، وبدأ وعيه يتفتح ويعرف أن في الحياة هموما أكثر من مرضه الذي كان الهاجس الأول لأسرته؛ فرأى حياة الجماعات الهندية، وعاين بنفسه النقص في الغذاء والقمع.. ومارس الطب مع عمال أحد المناجم وهو ما حدا بالبعض أن يصفه بأنه من الأطباء الحمر الأوروبيين في القرن 19 الذين انحازوا إلى المذاهب الاجتماعية الثورية بفعل خبرتهم في الأمراض التي تنهش الفقراء.
وفي عام 1953 بعد حصوله على إجازته الطبية قام برحلته الثانية وكانت إلى جواتيمالا، حيث ساند رئيسها الشاب الذي كان يقوم بمحاولات إصلاح أفشلتها تدخلات المخابرات الأمريكية، وقامت ثورة شعبية تندد بهذه التدخلات؛ ما أدى لمقتل 9 آلاف شخص، فآمن الطبيب المتطوع الذي يمارس هواياته الصغيرة: التصوير وصيد الفراشات، أن الشعوب المسلحة فقط هي القادرة على صنع مقدراتها واستحقاق الحياة الفضلى.
وفي عام 1955 قابل "هيلدا" المناضلة اليسارية من "بيرون" في منفاها في جواتيمالا، فتزوجها وأنجب منها طفلته الأولى، والعجيب أن هيلدا هي التي جعلته يقرأ للمرة الأولى بعض الكلاسيكيات الماركسية، إضافة إلى لينين وتروتسكي وماو غادر "جيفارا" جواتيمالا إثر سقوط النظام الشعبي بها بفعل الضربات الاستعمارية التي دعمتها الولايات المتحدة، مصطحبا زوجته إلى المكسيك التي كانت آنذاك ملجأ جميع الثوار في أمريكا اللاتينية.
كان قيام الانقلاب العسكري في كوبا في 10 مارس 1952 سبب تعارف جيفارا بفيدل كاسترو الذي يذكره في يومياته قائلا: "جاء فيدل كاسترو إلى المكسيك باحثا عن أرض حيادية من أجل تهيئة رجاله للعمل الحاسم".. وهكذا التقى الاثنان، وعلى حين كان كاسترو يؤمن أنه من المحررين، فإن جيفارا كان دوما يردد مقولته: "المحررون لا وجود لهم؛ فالشعوب وحدها هي التي تحرر نفسها". واتفق الاثنان على مبدأ "الكف عن التباكي، وبدء المقاومة المسلحة".
بداية الثورة اتجها إلى كوبا، وبدأ الهجوم الأول الذي قاما به، ولم يكن معهم سوى ثمانين رجلا لم يبق منهم سوى 10 رجال فقط، بينهم كاسترو وأخوه راءول وجيفارا، ولكن هذا الهجوم الفاشل أكسبهم مؤيدين كثيرين خاصة في المناطق الريفية.
وظلت المجموعة تمارس حرب العصابات لمدة سنتين حتى دخلت العاصمة هافانا في يناير 1959 منتصرين بعد أن أطاحوا بحكم الديكتاتور "باتيستا"، وفي تلك الأثناء اكتسب جيفارا لقب "تشي" يعني رفيق السلاح، وتزوج من زوجته الثانية "إليدا مارش"، وأنجب منها أربعة أبناء بعد أن طلّق زوجته الأولى.
وقتها كان "تشي جيفارا" قد وصل إلى أعلى رتبة عسكرية (قائد)، ثم تولى بعد استقرار الحكومة الثورية الجديدة -وعلى رأسها فيدل كاسترو- مناصب:
- سفير منتدب إلى الهيئات الدولية الكبرى.
- منظم الميليشيا.
- رئيس البنك المركزي.
- مسئول التخطيط.
- وزير الصناعة.
ومن مواقعه تلك قام جيفارا بالتصدي بكل قوة لتدخلات الولايات المتحدة؛ فقرر تأميم جميع مصالح الدولة بالاتفاق مع كاسترو؛ فشددت الولايات المتحدة الحصار، وهو ما جعل كوبا تتجه تدريجيا نحو الاتحاد السوفيتي وقتها. كما أعلن عن مساندته حركات التحرير في كل من: تشيلي، وفيتنام، والجزائر.
ثورات جيفارا وعلى الرغم من العلاقة العميقة القوية بين جيفارا وكاسترو، فإن اختلافا في وجهتي نظريهما حدث بعد فترة؛ فقد كان كاسترو منحازا بشدة إلى الاتحاد السوفيتي، وكان يهاجم باقي الدول الاشتراكية.
كما اصطدم جيفارا بالممارسات الوحشية التي كان يقوم بها قادة حكومة الثورة وقتها، والتي كانت على عكس ما يرى في الماركسية من إنسانية.. فقرر جيفارا مغادرة كوبا متجها إلى الكونغو الديمقراطية (زائير)، وأرسل برسالة إلى كاسترو في أكتوبر 1965 تخلى فيها نهائيا عن مسؤولياته في القيادة وعن منصبه كوزير، وعن رتبته كقائد، وعن وضعه ككوبي، إلا أنه أعلن عن أن هناك روابط طبيعة أخرى لا يمكن القضاء عليها بالأوراق الرسمية، كما عبر عن حبه العميق لكاسترو ولكوبا، وحنينه لأيام النضال المشترك.
وذهب "تشي" لأفريقيا مساندا للثورات التحررية، قائدا لـ 125 كوبيا، ولكن فشلت التجربة الأفريقية لأسباب عديدة، منها عدم تعاون رؤوس الثورة الأفارقة، واختلاف المناخ واللغة، وانتهى الأمر بجيفارا في أحد المستشفيات في براغ للنقاهة، وزاره كاسترو بنفسه ليرجوه العودة.
بوليفيا والثورة الأخيرة
بعد إقامة قصيرة في كوبا إثر العودة من زائير اتجه جيفارا إلى بوليفيا التي اختارها، ربما لأن بها أعلى نسبة من السكان الهنود في القارة.
لم يكن مشروع "تشي" خلق حركة مسلحة بوليفية، بل التحضير لرص صفوف الحركات التحررية في أمريكا اللاتينية لمجابهة النزعة الأمريكية المستغلة لثروات دول القارة.
وقد قام "تشي" بقيادة مجموعة من المحاربين لتحقيق هذه الأهداف، وقام أثناء تلك الفترة الواقعة بين 7 نوفمبر 1966 و7 أكتوبر 1976 بكتابه يوميات المعركة.
وعن هذه اليوميات يروي فيدل كاسترو: "كانت كتابة اليوميات عادة عند تشي لازمته منذ أيام ثورة كوبا التي كنا فيها معا، كان يقف وسط الغابات وفي وقت الراحة ويمسك بالقلم يسجل به ما يرى أنه جدير بالتسجيل، هذه اليوميات لم تُكتب بقصد النشر، وإنما كُتبت في اللحظات القليلة النادرة التي كان يستريح فيها وسط كفاح بطولي يفوق طاقة البشر".
اللحــــــــــــــــــظات الأخيرة في يوم 8 أكتوبر 1967 وفي أحد وديان بوليفيا الضيقة هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 فرد مجموعة جيفارا المكونة من 16 فردا، وقد ظل جيفارا ورفاقه يقاتلون 6 ساعات كاملة وهو شيء نادر الحدوث في حرب العصابات في منطقة صخرية وعرة، تجعل حتى الاتصال بينهم شبه مستحيل.
وقد استمر "تشي" في القتال حتى بعد موت جميع أفراد المجموعة رغم إصابته بجروح في ساقه إلى أن دُمّرت بندقيته (M-2) وضاع مخزن مسدسه وهو ما يفسر وقوعه في الأسر حيا.
نُقل "تشي" إلى قرية "لاهيجيراس"، وبقي حيا لمدة 24 ساعة، ورفض أن يتبادل كلمة واحدة مع من أسروه.
وفي مدرسة القرية نفذ ضابط الصف "ماريو تيران" تعليمات ضابطيه: "ميجيل أيوروا" و"أندريس سيلنيش" بإطلاق النار على "تشي".
دخل ماريو عليه مترددا فقال له جيفارا: "أطلق النار، لا تخف؛ إنك ببساطة ستقتل مجرد رجل"، ولكنه تراجع، ثم عاد مرة أخرى بعد أن كرر الضابطان الأوامر له فأخذ يطلق الرصاص من أعلى إلى أسفل تحت الخصر حيث كانت الأوامر واضحة بعدم توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، إلى أن قام رقيب ثمل بإطلاق رصاصه من مسدسه في الجانب الأيسر فأنهى حياته.
وقد رفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأخيه أو حتى تعريف أحد بمكانه أو بمقبرته حتى لا تكون مزارا للثوار من كل أنحاء العالم. اغتيل جيفارا, هو ذاك الطبيب والشاعر, هو الثائر وصائد الفراشات. وحتى بعد مرور وقت طويل على مقتله, ما زالت بعض الاسئلة من الصعب الاجابة عليها, فلم يحسم احد حتى اليوم أمر الوشاية بجيفارا. وأيضاً لا أحد يعرف أين قبر جيفارا الحقيقي مع أن البعض زعم اكتشافه.
ففي عام 1998 وبعد مرور 30 عاما على رحيله انتشرت في العالم كله حمّى جيفارا؛ حيث البحث الدءوب عن مقبرته، وطباعة صوره على الملابس والأدوات ودراسة سيرته وصدور الكتب عنه.
اصبح جيفارا رمز الثورة واليسار في العالم اجمع, فيراه اليساريون صفحة ناصعة في تاريخهم المليء بالانتصارات والأخطاء، وأسطورة لا يمكن تكرارها على مستوى العمل السياسي العسكري، وهذا ما تؤيده مقولته الرائعة لكل مناضل ومؤمن بمبدأ على اختلاف اتجاهه "لا يستطيع المرء أن يكون متأكدا من أن هنالك شيئا يعيش من أجله إلا إذا كان مستعدا للموت في سبيله".
مات الثوري وماتت الاسطورة النادرة, مات ذلك الجسد الذي لم ينهكه الربو, بل اغتالته الديكتاتورية. لكن الروح لم تمت لتبقى خالدة, لتبقى رمز الثورة والنصر.
موضوع جميل ياnad_am بس ممكن توضيح مش جيفارا اخو كاسترو بتاع كوبا و لا انا غلطان
لا ليس بأخاه
mohamed farouk1
جــندي
الـبلد : العمر : 40المزاج : سلطان زمانىالتسجيل : 25/01/2008عدد المساهمات : 18معدل النشاط : 0التقييم : 0الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: تشى جيفارا الثلاثاء 29 يناير - 20:00
بجد بجد بجد موضوع رائع جدااااااااااااااااااااا مشكور أخى
tsh1
عمـــيد
الـبلد : العمر : 42التسجيل : 20/08/2007عدد المساهمات : 1754معدل النشاط : 411التقييم : 56الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: تشى جيفارا الثلاثاء 29 يناير - 22:27
كالعادة موضيع متميزة كصاحبها
TAKICHI
مـــلازم
الـبلد : العمر : 48المهنة : مدير تجاري في شركة خاصةالمزاج : حمل وديعالتسجيل : 20/08/2007عدد المساهمات : 680معدل النشاط : 51التقييم : 2الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: تشى جيفارا الأربعاء 30 يناير - 14:19
بارك الله فيك اخي الكريم نادام وشكرا لك على طرحك الموضوع المميز عن السيرة الشخصية الثورية لشي غيفارا تحياتي
العلاقة بين جمال عبد الناصر وتشي غيفارا كما رواها المصريون
مع بدايات عام 1959 سقطت الديكتاتورية العسكرية في كوبا بعد ثورة اشتهر من قادتها أرنستو تشي غيفارا وفيديل كاسترو. كان قد مر على ثورة 23 يوليو 1952 المصرية نحو سبع سنوات وكانت قد أنجزت الأخيرة إصلاحاً زراعياً يُقال إن غيفارا أعجب به. في يونيو 1959، لوّح غيفارا بيده للصحافيين وكبار رجال دولة كوبا قبل أن تقلع به الطائرة من مطار هافانا نحو مصر والابتسامات ترتسم على وجهه. حسب رواية محمد حسنين هيكل في كتاب "عبد الناصر والعالم"، لم تكن الثورة الكوبية موضع اهتمام جمال عبد الناصر لشكه في أن الاستخبارات الأمريكية تدعمها. وبالرغم من ذلك، استقبل ضيفه بحفاوة شديدة في قصر القبة. ففي تلك الفترة، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد دبرت انقلاباً على رئيس غواتيمالا جاكوبو أربينز للإطاحة به، ولذلك طرأ على مخيلة عبد الناصر أن أمريكا هي التي تشعل فتيل الثورة الكوبية بزعامة غيفارا وكاسترو للانقلاب على الديكتاتور "باتيستا".
قال غيفارا لعبد الناصر إنه أعجب بشجاعة وصمود الجنود المصريين في مطاردة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل أثناء العدوان الثلاثي على مصر، وأن ذلك أثّر إيجابياً على الكوبيين الثائرين ضد "باتيستا" عام 1956، إذ كانت التجربة المصرية بمثابة قوة روحية للشعب الكوبي لمجابهة النكسات في حرب العصابات التي خاضها في التلال، حسبما روى الكاتب عصام عبد الفتاح في كتابه "غيفارا قديس الثورة... أمير الثوار"، ناسباً هذا الكلام إلى حديث دار بين الثائر والرئيس.
يحكي هيكل في كتابه "عبد الناصر والعالم" أن الاختلاف بين عبد الناصر وغيفارا بدا واضحاً حينما تطرق الزعيم المصري الراحل للحديث عن الإصلاح الزراعي وقال إن ما يفعله هو تصفية امتيازات طبقة معينة وتفتيت سلطة الإقطاعيين. تشي غيفارا كان يُقيس عمق التحوّل الاجتماعي بعدد الأشخاص الذين يمسهم تأثير الإصلاح، لذلك وجه إلى عبد الناصر سؤالاً: كم من اللاجئين المصريين أُجبروا على مغادرة البلاد؟ كان ردّ عبد الناصر أن الأغلبية كانت من المصريين من ذوي اللون الأبيض، أي من فئة أصحاب الجنسيات الأجنبية الذين تمصّروا بحكم إقامتهم في مصر، بحسب كتاب "غيفارا قديس الثورة". رحل غيفارا عن مصر ولم تتمخض زيارته عن شيء يُذكر، حسبما وصف هيكل اللقاء في كتابه المذكور.
مع الزيارة الثانية لغيفارا إلى القاهرة عام 1965، كان عبد الناصر قد نبذ فكرة دعم أمريكا للثورة الكوبية وحاول أن يفتح قلبه للثائر الأرجنتيني ليتحدث معه باستفاضة عما يحدث في كوبا وطبيعة العلاقة بينه وبين كاسترو.
أخذ غيفارا ينفث دخان سيجاره وهو يخطو خطواته مع عبد الناصر في أروقة قصر القبة. علامات الغضب كانت تسيطر على ملامح تشي وكان منطوياً لا يتحدث كثيراً. هيمن الصمت على أروقة القصر. فحاول عبد الناصر أن يحثه على الكلام بسؤالين: كيف تسير الأحوال في كوبا؟ هل كل شيء على ما يرام بينك وبين فيديل كاسترو؟ وبحسب كتاب "غيفارا قديس الثورة"، كانت الأخبار المتواترة من الكونغو تترك في قلب غيفارا غصة، لذلك اقترح على الرئيس المصري النضال في الكونغو لتحرير إفريقيا من الاستغلال والهيمنة.
أمضى تشي أوقاتاً كثيرة في التفكير خلال إقامته في فندق "شبرد" ليطرح على عبد الناصر فكرة قيام الثورة في الكونغو. وحينما أتى الرئيس المصري إلى الفندق في اليوم الثاني قال غيفارا إن السفير الكوبي في تنزانيا "ريفالتا" صنع يدوياً سيجارين بالغي الطول وهو يفكّر في قيام الثورة في الكونغو ليشرح له صعوبة الموقف في اتخاذ القرار وطيلة المدة، يروي عادل عبد الناصر شقيق الرئيس الراحل. وكان "ريفالتا"، الزعيم السابق لنقابة عمال السيجار في كوبا، يرافق غيفارا في فندق "شبرد" أثناء زيارته الثانية لعبد الناصر، ويصحب معه التبغ الكوبي ويصنع السيجار كلما أتيح له الوقت. ورداً على قوله بإشعال الثورة في كاتانغا، وصف عبد الناصر تشي بـ"طرزان"، في تعبير أراد منه القول له إنه غير واقعي، بحسب هيكل.
حينما ألح تشي على عبد الناصر بفكرة إشعال فتيل الثورة في الكونغو قال له: عليك أن تنسى فكرة الذهاب للكونغو لأنك رجل أبيض ولن تنجح وسيُكتشف أمرك بسهولة وإذا رافقك آخرون ستعطي فرصة للاستعماريين ليقولوا إن ليس هناك فرق بينك وبين جيوش المرتزقة. رفض عبد الناصر مشاركة تشي في الكونغو ورفض إرسال جيوش مصرية معه لأن الثورة هناك ستنتهي بالفشل، بحسب تقديره، على ما يروي هيكل. خيبة الأمل كانت واضحة في حديث غيفارا لعبد الناصر عن المشاكل التي هيمنت على كوبا عقب الثورة. تناول الحوار رؤساء الهيئات الحكومية الجالسين في الهواء المكيف والخاضعين للفتيات الساحرات. كانت الشيوعية تسيطر على مخيلة غيفارا وكان متردداً بين الثورة والدولة، حسبما قال بنفسه في كتابه "مذكرات مقاتل". حينما تحدث غيفارا عن الثورة العالمية الكبرى في بوليفيا، شبّه عبد الناصر الثورة بالزيجة، وقال: "نعيش هيام الحب، نحب الثورة، نحب التمرد إلى أن نصل للزواج. أنت تريد فقط من الثورة ما هو قبل الزواج"، بحسب كتاب عصام عبد الفتاح. عوامل الثورة الناجحة من وجهة نظر عبد الناصر تختلف كثيراً عما يدور في ذهن غيفارا. بين طيات صفحات كتاب هيكل "عبد الناصر والعالم"، ظهر ذلك من قول ناصر لغيفارا إن الثورة تنشب إذا وجدت نواة من البورجوازية الصغيرة والعمال ولا داعي لوجود البروليتاريا. ورأى ناصر أنه لا يمكن أن تقوم ثورة جماهيرية حقيقية من دون توافر المقومات الأساسية لمرافق الخدمات العامة، وقال إن "الأفكار تحتاج إلى المواصلات مثلما يحتاج إليها الاقتصاد، وإذا كان الاقتصاد في حاجة إلى طرق ومطارات فإن الأفكار تحتاج أيضاً إلى وسائل الانتقال". لخّص عبد الناصر لغيفارا رأيه بعوامل النجاح في عبارة: "ليلة اندلاع الثورة مثل ليلة الزفاف، ولكن عليك بعد الزفاف أن تجعل الزواج ناجحاً بالإنجاب والعمل والمال"، كما ورد في كتاب "عبد الناصر والعالم". لم يقتنع تشي غيفارا بما قاله عبد الناصر مبرراً ذلك بأنه حينما يصل الثوريون إلى المناصب يقومون بالتخطيط فيتحولون إلى طبقة بيروقراطية تجهض الثورة.
"بناء المصانع وإدارتها يشكلان عبئاً عسيراً يبعث الملل والقنوط"، قال غيفارا مبرراً موقفه من البناء. ولكن حين تجوّل غيفارا مع عبد الناصر خلال افتتاح أحد المصانع في المنوفية، دب الحماس في وجدانه لما شاهده من حفاوة الاستقبال التي يحظى بها عبد الناصر.
خلال ذلك، قال غيفارا لمضيفه: "هذا ما أريده، هذا هو الغليان الثوري، ولكن جمال عبد الناصر أشار له بيده نحو المصانع والجمهور، موضحاً أنه لن يُجنى ذلك إلا إذا شُيّدت مصانع ومؤسسات للشعب"، يقول هيكل. وقبل أن يرحل غيفارا من المنوفية ويصافح الرئيس عبد الناصر قال له: يا حبذا لو أستطيع أن أصوت لك في الانتخابات الرئاسية. انتهت رحلة تنقل غيفارا مع جمال عبد الناصر خلال الـ15 يوماً التي قضاها في مصر، ونصحه الأخير بأن فكرة الثورة في إفريقيا ستجهض ويخلق استعمار جديد، وبالتالي لا فائدة منها، بحسب رواية هيكل. في السابع من نوفمبر 1967، دخل غيفارا الأراضي البوليفية رافعاً راية الثورة، ولكنه وجد ما كان يحذره منه عبد الناصر. قُتل بين أحراشها. إلا أن الثائر الأرجنتيني ترك رسالة مقتضبة للزعيم فيدل كاسترو لينقلها إلى شعبه في كوبا وفيها: "أريدك أن تعرف أنني أرحل بمزيج من الغبطة والألم"، قالت ابنته إليدا غيفارا في مقابلة متلفزة لقناة "بي بي سي".
لم يطمح غيفارا إلى أن يكون رئيساً، بل كان يمضي ثائراً ساخطاً يُحدث الثورات من أجل تحقيق مصالح الفقراء، بحسب المؤرخ عاصم الدسوقي. وهذا ما يقوله الكاتب عصام عبد الفتاح في كتابه "غيفارا قديس الثورة"، مستنداً إلى عبارة قالها تشي: "لا أطمح أن أحصل على مناصب في الوزارات، أحلم بانتصار الخير على الشر". أما عبد الناصر فكان يرى أن الثوار يجلسون في مقاعد الحكم بعد الثوة حتى يستطيعوا إدارة البلاد وإحداث التغيير، قال الدسوقي . ولكن هذه القصة لا تخلو من بعض الالتباس، لأنها مروية عن لسان مصريين فقط بينما لا يصح أن يعتمد التأريخ للأحداث التاريخية واللقاءات بين الزعماء على شخص بعينه، ولا بد أن يكون هناك تنوع في المصادر، بحسب رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة الدكتور محمد عفيفي. ويضيف عفيفي أن هيكل كان يلقّب في الستينيات من القرن الماضي بصحافي الرئيس جمال عبد الناصر لأنه كان مقرّباً منه بشدة. ويشير إلى أن هيكل لم يطلق على نفسه لقب المؤرخ بل كان يقول إنه راوٍ لتاريخ الزعماء والأحداث العالمية التي كان شاهداً عليها. ويرى أن هيكل قد يكون روى كواليس اللقاء وأضفى عليه شيئاً من الـ"بهارات" نظراً لحبه لعبد الناصر.