هذه مساهمة لي من منتدى اّخر (أقتبست فيها للأمانة من مصدر اّخر و هو صفحة على الفيسبوك تكاد تكون المصدر السوري الوحيد على الشبكة العنكبوتية و لا يوجد بديل عنها لمعرفة وجهة النظر السورية).
مقدمة: سمعت عن معركة اللاذقية (و هي للصدفة مدينتي) أول مرة من التلفيزيون العربي السوري أثناء الثمانينات عندما حلت ذكرى حرب تشرين 1973, و أذكر أن الإعلام السوري تحدث عن أداء بحريتنا الصغيرة بفخر مؤكداً أنها أفشلت الأهداف الأساسية للهجوم الإسرائيلي, و لقد فوجئت قبل سنوات بمطالعة مصادر غربية و عربية تتحدث عن المعركة كخسارة صافية لسلاح البحرية السوري و حدث إضافي يكشف التفوق التكنولوجي و البشري الغربي على أبناء هذه المنطقة من العالم, طبعاً من الطبيعي أن يمارس أي إعلام البروباغاندا (بما فيه إعلامنا السوري) و لكن لوجود خبرة سابقة لدي مع كذب الإعلام الغربي و الإسرائيلي و بالذات فيما يخص معارك الدبابات (معركة وادي الدموع) و المعارك الجوية (معركة البقاع 1982) حيث مورس الكذب بصورة تجاوزت المنطق رغم تسليمي بالإنتصار الإسرائيلي في الحدثين, أرتأيت أن أضع هذا الموضوع في المنتدى و أعرض فيه وجهتي النظر الإسرائيلية (المتبناة عربياً و غربياً) و السورية و أترك الحكم للقارئ الكريم لعله يفيدنا برأيه.
الرواية الإسرائيلية:
معركة اللاذقية، 7 أكتوبر 1973، هي معركة بحرية صغيرة لكن ثورية انهزمت فيها البحرية السورية. حدثت بعد يوم من معركة 6 أكتوبر 1973م، طرفيها هما سوريا، وإسرائيل. كانت أول معركة في التاريخ تحدث بين زورق صواريخ أرض-أرض (صواريخ بحر-بحر) وتستخدم فيها وسائل الحرب الإلكترونية.
في بداية القتال، أرادت البحرية الإسرائيلية تدمير القدرات البحرية للسوريين. كلا الطرفان كان مسلحاً بأحدث الأسلحة، فالبحرية الإسرائيلية تعتمد على الأسلحة البحرية القادمة من المعسكر الغربي، بينما تسلحت البحرية السورية بأسلحة بحرية قادمة من دول المعسكر الشرقي، وبخاصة الاتحاد السوفييتي.
حدثت المعركة في عرض البحر على بعد عدة اميال خارج المياة الإقليمية السورية مقابل ميناء مدينة اللاذقية السورية. قامت البحرية الإسرائيلية بتطبيق تكتيك يجعلون فيه السوريون يطلقون الصواريخ من مسافات بعيدة مع استخدام الإجراءات المضادة للرادار للدفاع عن القطع البحرية الإسرائيلية. أطلقوا صواريخهم على القطع البحرية السورية. فغرقت جميع السفن السورية.
مخطط يوضح كيفية المعركة
الرواية السورية:
معركة اللاذقية البحرية
تناقلت الكثير من المصادر الغربية الخادمة للمشروع الصهيوني أو المتأثرة به بل و حتى بعض الأوساط العربية المخدوعة بالدعاية الإسرائيلية-الغربية و لفترة زمنية طويلة رواية عن هذه المعركة التي دارت بين القوات البحرية السورية و القوات البحرية للعدو الصهيوني و هي رواية أقل ما يقال عنها أنها رواية تتضمن الكثير و الكثير من الكذب و المغالطات و ذلك من خلال تحريف مجريات المعركة و إخفاء الخسائر التي تعرضت لها القوات البحرية الإسرائيلية .... لذا كان لا بد من نشر الرواية الحقيقية – و ربما للمرة الأولى - حتى لا يقع القارئ العربي في فخ الأكاذيب الصهيونية و ليعلم حقيقة ما حدث في تلك المعركة التي كانت فصلاً من فصول حرب تشرين الأول عام 1973 التي دارت بين قوات الجيش العربي السوري و جيش الاحتلال الإسرائيلي .
سير المعركة (القصة الحقيقية) :
في الساعة (21.00) من يوم 6 تشرين الأول عام (1973) كانت جميع الوحدات البحرية في مواقع انتشارها في الموانئ و المراسي و كانت الزوارق و السفن المخصصة لأعمال المرور و الدورية قد أخذت مكانها على خطوط الدورية إلا زورقاً واحداً كان عليه أن يقوم على خط المرور بيروت-رأس جريكو غير أنه لم ينجح في اتخاذ موقعه لعطل طارئ في أجهزة الاتصال .
كانت معلومات الاستطلاع تشير إلى أن وحدات بحرية معادية تبحر نحو الشمال دون أن يكون هناك أي تحديد لحجم هذه القوات و نوعها و ما هي وجهتها الحقيقية و الأعمال القتالية التي ستنفذها .
انطلاقاً من هذه الحقائق و بعد حساب الزمن المتوقع لوصول هذه الوحدات إلى سواحلنا أعطيت الأوامر لقيادة لواء زوارق الطوربيد و الصواريخ بوضع الوحدات في درجة الاستعداد الأولى و الخروج إلى البحر إلى نقاط التجمع الأكثر ملاءمة لخوض الأعمال القتالية . أبحرت المجموعة الصاروخية المتمركزة في الموانئ الشمالية (اللاذقية و ميناء البيضاء البحري) باتجاه طرطوس و عندما كانت هذه المجموعة في الموقع جنوب غرب اللاذقية مسافة 6.5 أميال أعلن قائد زورق الدورية النقيب البحري على يحيى الذي يقوم بالدورية على خط المرور رأس البسيط – رأس أندريا عن اشتباكه بثلاثة زوارق معادية بالمدفعية و استمر في اعلان الموقف حتى فقد الاتصال به . أعلن مركز القيادة الرئيسي للقوى البحرية عن وجود وحدات بحرية معادية و اشتباك أحد زوارق الدورية بهذه الوحدات المعادية على خط البسيط – رأس أندريا و أبلغ ذلك إلى جميع وحداتنا البحرية و أصدر الأمر إلى كاسحة الألغام الموجودة غربي اللاذقية بالإنسحاب باتجاه الشاطئ لتكون تحت حماية المدفعية الساحلية و بعيدة عن مسرح الاشتباكات البحرية القادمة بين زوارقنا و وحدات العدو البحرية المقتربة .
و في الوقت ذاته أعلنت مجموعة زوارق الصواريخ بقيادة المقدم البحري قاسم بيضون عن اكتشاف مجموعة أهداف باتجاه 275 درجة – مسافة 27 ميلاً من اللاذقية و مجموعة أهداف جنوب غربي اللاذقية على مسافة 18 ميلاً كان واضحاً كل الوضوح أن مجموعة الأهداف الأولى هي نفسها التي اشتبكت بزورق الدورية .
صدرت الأوامر من مركز القيادة الرئيسي إلى المجموعة الضاربة (مجموعة زوارق الصواريخ) بتدمير مجموعة الأهداف المكتشفة على مسافة 27 ميلاً اتجاه 275 درجة . قامت المجموعة الضاربة بتوجيه ضربة صاروخية على مجموعة الأهداف المعادية غير أن أحد صواريخ الزورق الرباعي لم ينطلق في أثناء المسير على خط القتال و بعد تنفيذ مناورة بالزوراق أعيدت تجربة إطلاق الصاروخ على الأهداف المعادية رغم معرفة قائد المجموعة و قائد الزورق بالخطر الكبير على انسحابهم لاقتراب المسافة بينهم و بين العدو و قد أعلن قائد المجموعة بكل ثقة و تأكيد عن أن نتيجة الضربة التي وجهوها أدت لتدمير خمسة أهداف بحرية معادية رصدت إصاباتها على شاشة الرادار .
بدأت بعد ذلك تظهر مجموعات الأهداف البحرية المعادية على شاشات الرادارات الساحلية حيث رصدت مجموعة أهداف سريعة مكونة من ثلاثة أهداف على مسافة 18 ميلاً من شمال غربي اللاذقية و مجموعة أخرى مكونة من عشرة أهداف يسير كل هدفين منها أحدهما قرب الآخر . و كانت هذه المجموعة بطيئة الحركة و كانت المجموعتان تتحركا باتجاه اللاذقية . كذلك أعلن في الوقت ذاته عن وجود ثلاث طائرات عمودية فوق مربض المدفعية الساحلية قرب قرية الشامية شمال اللاذقية كما أعلن عن وجود أربع طائرات عمودية فوق منطقة جبلة و التي تكفلت المدفعية المضادة للطائرات بإبعادها و أفادت المشاهدات البصرية أن صواريخ تطلق باتجاه منطقة وجود كاسحة الألغام .
بدأت المدفعية الساحلية اشتباكها بالأهداف المعادية المتقدمة نحو ميناء اللاذقية بينما كانت هذه الأهداف تدخل المدى الأقصى للمدفعية الساحلية و عند وصولها إلى مسافة 9 – 10 أميال من الميناء و تحت ضغط رمايات المدفعية الساحلية التي كانت كفاءتها في العمل عالية و مردودها ممتازاً غيرت خط سيرها و استمرت المدفعية بقصف الأهداف المعادية المتقدمة فانقسمت هذه الأهداف إلى مجموعتين إحداهما مكونة من 6 أهداف سريعة سيرها باتجاه الجنوب الشرقي متحاشية رمايات المدفعية الساحلية السورية و في هذه الأثناء رصدت رمايات صواريخ معادية و اشتباك متبادل بالمدفعية الخفيفة بين زوارق البحرية السورية و زوارق العدو جنوبي جنوب غربي جبلة و على مقربة من الساحل و أثناء ذلك قطع الاتصال بمجموعة الزوارق الصاروخية بعد إصابة عدد من زوارقها ما أدى لإصابة و استشهاد عدد من افرادها و طواقمها منهم رئيس أركان المجموعة الشهيد الرائد البحري منير صقر و قائد الزورق الصاروخي الشهيد النقيب البحري نبيه زيفا و إصابة عدد آخر منهم قائد الزورق الثاني النقيب البحري بسام أبو عسلي و قائد الزورق الثالث النقيب البحري طلال المفتي .
و عملت رمايات المدفعية الساحلية على تشتيت المجموعة المعادية و إبعادها عن السواحل و في الساعة (00.40) بدأت الوحدات المعادية بالانسحاب من مسرح العمليات البحري ثم تم رصد عدد من الطائرات العمودية المعادية تعمل في منطقة الضربة التي قامت بها الزوارق السورية لمدة تزيد على الساعة بعد انسحاب الوحدات البحرية كما رصدت وحدة بحرية كبيرة في المنطقة نفسها إلى جانب وحدة بحرية أخرى على مسافة 40 ميلاً من شمال غربي اللاذقية .
الإستنتاج :
من تشكيل وحدات العدو البحرية و الجوية و تقدير الموقف يمكننا أن نستنتج ما يلي :
1-أشرك العدو في هذه العملية ما بين (18-20) وحدة بحرية و من (6-8) طائرات عمودية و على هذا الأساس فإن العدو كان يستهدف أحد الغرضين التاليين :
-اقتحام ميناء اللاذقية و تدمير الوحدات البحرية الموجودة فيه و تدمير المنشآت و تعطيل المرفأ لفترة من الزمن ثم الانسحاب .
-القيام بانزال بحري في جنوب اللاذقية – و هو الاحتمال الأضعف – لا سيما أن القوات التي يمكن أن يحملها العدو على السفن و الزوارق التي رصدت على مسرح العمليات لا تتيح له القيام بمثل هذا العمل .
2-فقد العدو بعض وحداته و هو أمر رصدته و أثبتته الوحدات البحرية السورية التي نفذت الضربة كما رصدت أثناء انسحاب العدو أن محطته اللاسلكية الرئيسية تنادي خمس وحدات بحرية من وحداته و تسأل الوحدات الأخرى التي اشتركت في المعركة عنها إلا أنه لم يردها أي جواب من الوحدات الخمس المذكورة كما التقط على الشاطئ السوري رداءا إنقاذ لبحارين إسرائيليين عليهما آثار دماء .
3-سواء كان العدو سينفذ أياً من الاحتمالين السابق ذكرهما فمما لا شك فيه أن مفاجأته بضربة صاروخية قوية من وحداتنا بعد أقل من 30 دقيقة من تماسه بها و هي تقوم بالمرور و من اتجاه غير متوقع قد جعله في وضع حرج كل الحرج كما أن نيران المدفعية الساحلية التي أسرعت بصب قذائفها على تشكيلاته بعنف و غزارة أثرت تأثيراً كبيراً على قراره لا سيما أن دقة النيران و غزارتها كانتا تزدادان كلما اقترب العدو من الشواطئ السورية .
إن هذه المعركة البحرية الصغيرة بحجمها كانت كبيرة بنتائجها إذ لم يحقق العدو أهدافه العسكرية من هذه العملية على الرغم من اشتراك العدد الكبير من وحداته البحرية بها كما أن قيادة القوات البحرية السورية استطاعت في هذه المعركة أن تعرف الكثير عن تكتيك العدو و تشكيلاته و طريقة تنفيذه للأعمال القتالية و هي أمور كانت مجهولة كل الجهل و على ضوء هذه المعركة تم تغيير أسلوب القتال من جانب البحرية السورية و تم اتباع تكتيكات مناسبة لمواجهة القوات المعادية في المعارك التالية .
marshal