بَيْنَ الرَّافِعِيِّ الإِمَامِ، وَبَيْنَ الحِمَارِ الشَّانِئِ لِلُغَةِ القُرْآنِ المُنْكِرِ لِآيَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ، الجَاحِدِ لِأَحَادِيثِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة!
قال الرافعي -رحمه الله- في معرض رده على طه حسين في كتابه (تحت راية القرآن)، في مقال بعنوان: (الجملة القرآنية):
" ... على أني لا أعرف من السبب في ضعف الأساليب الكتابية، والنزول باللغة دون منزلتها، إلا واحدًا من ثلاثة:
- فإما مستعمرون يهدمون الأمة في لغتها وآدابها؛ لتتحول عن أساس تاريخها الذي هي به أمة ولن تكون أمة إلا به.
- وإما النشأة في الأدب على مثل منهج الترجمة في الجملة الإنجيلية، والانطباع عليها، وتعويج اللسان بها.
- وإما الجهل من حيث هو الجهل، أو من حيث هو الضعف.
فإنه ليس كل كاتب يبلغ، ولا كل من ارتهن نفسه بصناعة نبغ فيها، وإن هو نُسب إليها وإن عُدَّ في طبقة من أهلها.
ثم يقول بعد ذلك معقبا على المتهجمين على العلوم وهم ليسوا من أهلها:
" ألا إن الأوزان بمقاديرها في الميزان وفاء ونقصا، لا بمقاديرها في أنفسها زعما ودعوى! فلا تزعُمَنّ لي أنك أنت من أنت، وأن لغتك هي ما هي، وأن الرأي ما ترى والكتابة ما تكتب. بل هلُمَّ إلى ميزانك من علماء الكلام، وإلى ميزان لغتك من اللغة، وإلى رأيك من الحقيقة، وإلى كتابتك من الكتابة؛ وأنت بعدُ .. وقبلُ أيضا لا تستطيع أن تهجم على علم من العلوم فتقول فيه قولا، إلا على قياس من العلم نفسه تردُّ إليه قولك وتقيم به حجتك، ثم لا يُقبل قولك مع هذا ولا يُعدُّ قولا حتى تكون من أهل العلم وممن لابسوه وقتلوا مسائله درسا وبحثا!
قلتُ: أفهمت هذا يا جُوَيْهِلَ قومك؟!
ثم يقول: وأنت كذلك إذا عرضت لك مسألة في فن من الفنون وعلم من العلوم، رجعت إلى كتبها وإلى أهلها ففتشت أقوالهم قبل أن تقول شيئا، وعرفت حكمهم قبل أن تنطق بشيء، واتّقيت الخطأ بصوابهم، وتحاميت التقصير باجتهادهم.
ثم ما هو إلا أن تنزل على رأيهم في العلم والفن، لا تحاول مكرا، ولا تتكل على خداع من الرأي، ولا تتعلل بعذر من العذر؛ فليت شعري، لم يكون ذلك منك
في كل علم وفي كل فن، ولا يكون كذلك في الدين وعلومه، واللغة وأصولها، والكتابة وأساليبها، والبلاغة ومذاهبها؟!
قلت: أوعاها عقلك يا منزوع العقل؟!
ثم قال: فأما ألا تقدر أيها الجويهل ، وتزعم العفة، وأن تعجز ثم تجنح إلى الرأي، وأن تضعف ثم تتمدَّح بالسلامة، فهذه أساليب ابتدعها من قبلك ثعلبٌ من أذكياء الثعالب ... وزعموا أنه اقتصر على القول بأن العُنقود حامض.
وأُراه ما اقتصر على ذلك إلا لأن زمنه كان أحسن من زننا وأسلم وأقرب إلى الصدق .. فلو هو كان من ثعالبنا؛ لزعم أنه ابتاع زجاجة من الخل، وصبّها بيده في حبّات العنقود الحلو، وبذا صار إلى الحموضة ولهذا تركه!
وكيف تريد ممن عجز عن الفصيح أن يثنيَ عليه، وهو لو أثنى عليه لطُولِب به، ولو طُولِب به لبان عجزه وقصوره، ولو ظهر الناس منه على العجز والقصور لما عادوه في شيء، ولذهب عندهم قليل ما لا يحسنه بالكثير الذي يحسنه!
قلتُ : فإلى جُويهل قومه، العار على أمته: إياك أعني، واسمعي يا جارة!
................................
منقول من المصدر المومى إليه بتصرف يسير