السلام عليكم
تعود جذور هذه الحرب إلى الأطماع التوسعية الأمريكية في منطقة البحر الكاريبي . و إلى إنهيار الإمراطورية الإسبانية التي لم تعد قادرة على السيطرة على مستعمراتها. فلقد كانت كوبا مستعمرة إسبانية، غير أنها شهدت نضالات واسعة من أجل الاستقلال خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر . و كان الأمريكيون قد استثمروا 50 مليون دولار في مزارع السكر الكوبية. كما كانت الاحتكارات البترولية الأمريكية و ملاك المناجم و الاحتكارات الصحفية ترغب في شن حرب ضد إسبانيا. و يضاف إلى هؤلاء كبار العسكريين الأمريكيين الذين كانوا يطمحون إلى السيطرة على المواقع الاستراتيجية الخاضعة لإسانيا في كل من البحر الكاريبي و المحيط الهادئ. و كانت كوبا تعيش أجواء انتفاضة عامة بدءا من العام 1895، حاول الإسبان بشتى الطرق القضاء عليها.
و جاءت الذريعة للحرب في فبراير 1898، حين وقع انفجار في البارجة الأمريكية "مين" التي كانت راسية في ميناء هافانا ، مما أدى إلى مقتل 260 أمريكي. و على الرغم من أن الأسباب الحقيقية وراء الانجار لم تعرف حتى اليوم، فلقد أفادت الولايات المتحدة من الحادث لتبرر الانجراف نحو الحرب. و حاول الإسبان تجنب الحرب مقدمين شتى التنازلات، غير أن جهودهم باءت بالفشل.
و في 11-4-1898، طالب الرئيس الأمريكي "ماكينلي" الكونغرس السماح له "بإنهاء الحرب الأهلية في كوبا". و بعد مضي 8 أيام، اتخذ الكونغرس 3 قرارات تعترف باستقلال كوبا و تطالب بانسحاب الإسبان من الجزيرة، و تمنح الرئيس الأمريكي حق استخدام القوات المسلحة الأمريكية لتنفيذ القرارين السابقين. و سرعان ما قامت إسبانيا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة احتجاجا على تلك القرارات. و في 25-4 أعلن الكونغرس الأمريكي وجود حالة حرب مع إسبانيا منذ 21-4 في منطقة الكاريبي و المحيط الهادي.
و في 27-4، أبحر السرب البحري الآسيوي الأمريكي من المياه الصينية حيث كان متمركزا باتجاه الفيليبن ، و وصل إلى خليج مانيلا في 30-4. و في صباح اليوم التالي، هاجمت القوة الأمريكية قوة إسبانية بحرية أضعف منها في الخليج. و سرعان ما تمكنت القوة الأمريكية من تحييد القوة الإسبانية، و قامت بفرض الحصار على "مانيلا" بانتظار وصول قوة برية للاستيلاء عليها. و في 30-6، وصلت تلك القوة، غير أنها لم تهاجم المدينة حتى 13-8، حين تمكنت من الاستيلاء عليها بعد مقاومة رمزية أبدتها الحامية الإسبانية.
و في 22-4، و قبل الإعلان الرسمي عن بدء الحرب، أبحرت قوة بحرية أمريكية لفرض حصار على هافانا. و بعد مضي أسبوع على ذلك، أبحرت قوة إسبانية بحرية من جزر الرأس الأخضر باتجاه كوبا. و تمكنت هذه القوة في 19-5 من الوصول إلى "سانتياغو دي كوبا". و سرعان ما قامت القوة البحرية الأمريكية بفرض حصار على المرفأ المذكور.
و في 14 يونيو، أبحر فيلق أمريكي بقيادة اللواء "شافتز" من الولايات المتحدة نحو كوبا. و تم إنزال الفيلق قرب سانتياغو في 22-25/6/1898، و على الرغم من وجود 200 ألف جندي إسباني في الجزيرة، فإن القوة المتواجدة في منطقة سانتياغو لم تتعد 25 ألف، كما أن حامية المدينة كان عددها 13 ألف. و سرعان ما حاول الأمريكيون الاستيلاء على مرتفعات مشرفة، فنشبت معركتا "سان خوان" و "الكاني" في 1-7. و برز في المعركة الأولى "تيودور روزفلت" الذي أصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة. و تمكن الأمريكيون من الاستيلاء على المرتفعات بعد أن منوا بخسائر كبيرة.
و في 3-7، نشبت معركة خليج سانتياغو البحرية التي أدت إلى انتصار القوة البحرية الأمريكية. و ما لبثت سانتياغو أن استسلمت في 17-7، رغم وجود قوات كبيرة إسبانية لم تكن قد دخلت ميدان العمليات حتى ذلك الوقت، و ذلك نظرا لسيطرة الأمريكيين على البحار، الأمر الذي عزل القوات الإسبانية المتواجدة على الجزيرة. كما أن القائد الإسباني لم يدرك حقيقة أن القوات الأمريكية بدأت تعاني أمراض عديدة كالحكمى الصفراء و حمى الملاريا.
و في 25-7، نزلت قوة أمريكية في جزيرة "بويرتو ريكو"، و تمكنت من السيطرة عليها بعد سلسلة من العمليات. و توقفت العمليات العسكرية في 12-8 وفق أحكام ببروتوكول تم التوصل إليه بمساعدة من "جول كامبون" السفير الفرنسي لدى "واشنطن". و قد نصت أحكام البروتوكول المذكور على تخلى إسبانيا عن كوبا، و تسليم الولايات المتحدة "بويرتو ريكو" و إحدى جزر الماريانا ، و موافقتها على احتلال الولايات المتحدة للفيليين ريثما يتم حل النزاع في معاهدة سلام. و تم توقيع معاهدة السلام في 10-12-1898 في باريس ، و وافق عليها مجلس الشيوخ الأمريكي في 6-2-1898، و استكملت بنود المعاهدة بنود البروتوكول التي أكدت استيلاء الولايات المتحدة على الفيليبين مقابل 20 مليون دولار تدفعها لإسبانيا.
و لقد أقام الأمريكيون إدارة عسكرية مؤقته في كوبا، فلم تمنح الجزيرة استقلالها حتى العام 1902، و بعد إدخال تعديلات متعددة على الدستور الكوبي تعطي الولايات المتحدة حق التدخل في الجزيرة و إقامة قواعد بحرية فيها. و يعود التواجد الأمريكي في قاعدة غوانتنامو إلى ذلك التاريخ.
و لقد كانت معظم أوروبا متعاطفة مع إسبانيا خلال هذه الحرب. غير أن بريطانيا كانت أبرز امتعاطفين مع الولايات المتحدة. الأمر الذي ساهم في تمهيد الطريق أمام التحالف الأمريكي البريطاني في القرن العشرين و خلال حربين عالميتين. و لقد كانت الحرب الأمريكية-الإسبانية نقطة تحول حقيقية في التاريخ العالمي الحديث، إذ شهدت ظهور الولايات المتحدة كقوة عالمية تمتد مطامحها عبر العالم.