كان لافتًا عسكريًا المعركة التي جرت في نيسان الماضي في الأجواء السورية، واستُهدِفت خلالها بعض المواقع المدنية والعسكرية السورية بصواريخ كروز غربية، فرنسية وبريطانية وأميركية، انطلاقًا من قاذفات استراتيجية ومن بوارج حربية. وقد تضاربت المعلومات حول نجاح هذه الصواريخ المتطورة بتحقيق أهدافها، أو فشلها واعتراض القسم الأكبر منها بواسطة منظومة دفاع جوي روسية قديمة العهد. سنحاول الإضاءة بطريقة موضوعية على المعطيات العسكرية والفنيّة والتقنيّة، التي رافقت هذه الضربة الصاروخية، بمعزل عن المعطيات الأخرى.
المعطيات العسكرية
لقد استعملت قوات الدفاع الجوي السورية في المواجهة صواريخ اعتراضية من طراز «إس-125» و«إس-200» و«بوك» و«كفادرات»، وهي لا تعتبر من المعدات العسكرية الحديثة، وادّعت هذه القوات أنّها أسقطت نسبة كبيرة من الصواريخ، ومن بينها «توماهوك» الأميركية، قبل الوصول إلى أهدافها. فما هي مميزات الصّواريخ الاعتراضية التي استُخدِمت في المواجهة؟
المنظومات الاعتراضية
• «إس – 125»:
بطاريات صاروخية قصيرة المدى دخلت الخدمة في الجيش السوفياتي في العام 1961 تحت اسم «إس-125 نيفا»، وتم تصديرها بمسمى «بيتشورا»، وتحمل حسب تصنيف البنتاغون والناتو اسم «SA-3 Goa».
تُستخدم هذه المنظومة للتصدي للأهداف الجوية بطيار ومن دون طيار على الارتفاعات المنخفضة التي تراوح بين 20 و18000 متر وعلى بعد 3.5 إلى 25 كلم.
• «إس-200»:
منصات دفاع جوي صاروخية بعيدة المدى مخصصة لحماية القوات والمنشآت من الطائرات القاذفة والصواريخ، منصات إطلاق صواريخها ثابتة، تمّ تصميمها في العام 1964 ودخلت الخدمة في الجيش السوفياتي منذ العام 1967، وحملت أسماء: «أنغارا» و«فيغا» و«دوبنا»، أما في تصنيف البنتاغون والناتو، فهي صواريخ «سام – 5».
• «منظومة بوك»:
منظومة دفاع جوي صاروخي سوفياتية متحركة، مخصّصة للتصدي للأهداف الجوية عالية المناورة على علوّ يراوح بين 14 كلم و30 كلم، وهي تعمل في ظروف التشويش الإلكتروني الشديد.
دخلت «بوك» الخدمة في الجيش السوفياتي في العام 1979، ولا تزال قيد الخدمة في الكثير من بلدان الشرق الأوسط وشرقي أوروبا، وقد خضعت للتحديث بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، تُعرَف في الناتو والبنتاغون باسم «سام – 11».
• «منظومة 2ك12 كوب»:
يُسمى النموذج التصديري «كفادرات»، ويطلق عليها في الخارج اسم «سام 6»، وهي مخصّصة للدفاع عن القوات ولحمايتها من الطائرات والقذائف المحلّقة على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة، وبسرعات أقل من سرعة الصوت وأكبر منها، ولا تزال في خدمة الجيش الروسي وجيوش الكثير من الدول.
أسقطت منظومة «سام 6» أول أهدافها الجوية في شباط 1963، وخضعت بعدها لسلسلة من التجارب الموسّعة حتى دخلت الإنتاج في العام 1967، ثمّ خضعت لعدة تحديثات لتلائم المتطلبات الحديثة في الدفاع الجوي في الدول التي صدّرت إليها، وبينها مصر وسوريا والعراق والجزائر وليبيا وإيران ودول أوروبا الشرقية.
المنظومات المُهاجِمة
أطلقت الوحدات الأميركية ما بين 100 و120 صاروخ كروز من طراز «توماهوك»، توزّعت منصات إطلاقها بين سفن حربية في البحر الأحمر، وقاذفات قنابل استراتيجية انطلقت من قاعدتي العديد في قطر وإنجرليك في تركيا. شاركت الوحدات البريطانية بواسطة 4 قاذفات مقاتلة نوع «تورنادو جي أر 4»، أطلقت صواريخ «ستورم شادو». أما الفرنسيون فشاركوا بإطلاق صواريخ موجهة مجهولة النوع من قاذفات «رافال».
• «توماهوك بي جي أم-109»:
صاروخ عابر للقارات دخل الخدمة في العام 1983، واستُخدم لضرب أهداف محددة بعيدة، يزن 1.5 طن ومزوّد شحنة ناسفة وزنها 450 كيلوغرامًا، ويمكن تزويده رأسًا نوويًا.
يتم إطلاقه من غواصات وسفن كبيرة. ويسير نحو هدفه بسرعة 880 كيلومترًا في الساعة، ويمكن أن يبلغ مداه 2500 كيلومتر (بحسب الأنواع)، ودقّته محددة ببضعة أمتار.
تم استخدامه في غالبية معارك الأميركيين في أفغانستان والعراق وسوريا، وكانت نسبة إصابته لأهدافه مرتفعة جدًا (282 من أصل 297 هدفًا).
بفضل نظام توجيهه بالرادار يمكن لـ«توماهوك» أن يحلّق على علوّ يراوح بين 15 و100 متر عن الأرض، ويتكيف مع تضاريسها ليبقى خفيًا قدر الإمكان. وهو ذو فاعلية مرتفعة ضدّ البنى التحتية المهمة مثل الأبنية والثكنات والمطارات والأهداف المحصّنة.
يمتاز «توماهوك» بأنظمة التوجيه الذاتي، ويَستعمل خارطة رادارية مبرمجة للتأقلم مع التضاريس على المسار، فضلًا عن جهاز استشعار كهربائي بصري، يُمَكِّنه من البقاء على أقل ارتفاع ممكن تفاديًا للدفاعات الصاروخية. كما أنه يمتاز أيضًا بنظام ذاتي متطوّر لإصابة الهدف، يقارن من خلاله الصور المخزّنة لديه عن الهدف مع صور حديثة يحصل عليها من نظامه الخاص، ويُجري تصحيحًا ذاتيًا لأي تغيير أو تعديل بالهدف مع إعادة برمجة معطياته.
ما الذي حصل؟
لقد أكّدت وزارة الدفاع الروسية سقوط نسبة كبيرة من صواريخ الـ«كروز» المتطوّرة وخصوصًا الـ«توماهوك»، باعتراضها من قبل منظومة الدفاع الجوي السورية، ولم ينفِ الأميركيون ذلك بشكلٍ واضح، إذ قالوا فقط إنّ صواريخهم حقّقت أهدافها، الأمر الذي لا ينفي سقوط عدد منها. ومع التصريح الروسي الرسمي بأن الوحدات الروسية في حميميم لم تستعمل منظومات «إ س 300» أو «إ س 400»، بل عملت فقط على تزويد منظومات الدفاع السورية إحداثيات صواريخ «توماهوك»، يمكن استنتاج ما حصل من خلال التقنية الآتية:
تعتبر تقنية تتبّع الأهداف الطائرة (صواريخ وطائرات) الأساس في تطور منظومات الدفاع الجوي المضادة للأهداف الطائرة، وخصوصًا تلك التي تتمتع بقدرة على التخفي مثل صاروخ الـ«توماهوك». فالأخير يستطيع اعتماد مسار يرتفع عن سطح الأرض بحدود 80 مترًا. في المقابل يستطيع الـ«إ س 300» اكتشاف الأهداف الطائرة على ارتفاع بحدود 25 مترًا فقط، لكنه يتميّز بقدرة راداراته على تتبع أكثر من 100 هدف في الوقت نفسه وتحديد إحداثياتها بدقة وبسرعة، وبإمكان موالفة منظومة التتبع والتوجيه لديه مع منظومات أخرى، أي يمكنه تزويد المنظومات الروسية الأخرى هذه المعطيات وبالتالي استثمارها.
استنادًا إلى هذه المعطيات، يمكننا الاعتبار أن إسهام منظومة التتبع والتوجيه الخاصة بالـ«إ س 300» في إعطاء المنظومات السورية المعطيات الضرورية عن إحداثيات صواريخ «توماهوك» ومساراتها في الوقت المناسب، كان كافيًا لاعتراضها بنجاح.
اضغط هنا