على مدار الأعوام القليلة الماضية، ظهرت تقارير عن عدد من الدول الأفريقية التي تخطط لبناء محطات طاقة نووية. في الوقت الحالي، توجد محطة طاقة نووية وحيدة داخل القارة السمراء هي كويبرج في جنوب أفريقيا والتي تعد قدرتها 1.86 جيجاوات.
لكن ذلك ووفقًا لتصريحات بعض الزعماء الأفارقة على وشك أن يتغير. على سبيل المثال، خرجت تصريحات مثيرة للدهشة مؤخرًا من الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني حول أن بلاده تعتزم إنتاج 30 جيجاوات من الطاقة النووية بحلول العام 2026، يعادل ذلك 16 ضعف إجمالي الإنتاج الحالي من الطاقة النووية بكامل القارة الأفريقية.
تعد أوغندا واحدة من عدة دول مهتمة بالطاقة النووية. تتفاخر شركة «روس أتوم» الروسية بأنها أنهت توقيع مذكرة تفاهم في مجال الطاقة النووية مع كل من مصر وكينيا والنيجر والسودان وزامبيا وأوغندا أيضًا. وتعاني غالبية الدول الأفريقية من نقص شديد في الكهرباء وتحتاج الغالبية لمضاعفة توليد القدرة لتلبية الاحتياجات الحالية.
ووفقًا لأرقام للوكالة الدولية للطاقة، فإن كينيا والسودان وزامبيا يعتمدون بشكل أساسي على الطاقة الكهرومائية. من شأن مصنع نووي بقدرة 2.4 جيجاوات مضاعفة إنتاج الكهرباء لدى تلك الدول مجتمعة. إن المصدر الرئيسي للطاقة في نيجيريا هو الغاز، لذا فإن الأمر يستلزم مصنعًا لإنتاج الطاقة النووية بقدرة 4.8 جيجاوات لمضاعفة قدرتها. ومن بين الدول التي أبرمت اتفاقات مع «روس أتوم»، تمتلك مصر فقط خططًا ملموسة في حيز التنفيذ.
يُعتقد أن أمر ظهور محطة الضبعة النووية في مصر، والواقعة على البحر الأبيض المتوسط، بات وشيكًا، وتبلغ قدرتها لإنتاج الطاقة النووية 4.8 جيجاوات. وفي الدول الأخرى لم يتم تحديد نطاق المشروعات أو مواقعها حتى اللحظة. في أماكن أخرى من العالم، تقوم دول مثل ألمانيا وبلجيكا والولايات المتحدة بتقليص خططها النووية أو الخروج منها تمامًا. تشمل أسباب ذلك إدراك الخطر المتزايد في أعقاب كارثة فوكوشيما في اليابان بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية.
لقد انخفضت تكلفة توليد الكهرباء من تقنيات الطاقة الشمسية الضوئية والرياح بشكل كبير، كما أنها تتكلف أقل من الطاقة التي تنتجها المحطات النووية والطاقة المتجددة التي ستصبح أرخص بشكل كبير. وبالنظر إلى قيام جنوب أفريقيا بإيقاف خططها النووية استنادًا لقدرة تحمل التكاليف، هل ستجد الدول الأقل تمويلاً ماليًا الوضع أكثر صعوبة؟
اتفاقات القروض
تشتهر الاتفاقات الخاصة بالطاقة النووية بالسرية، لكن من المحتمل أن نستشف من خطط «روس أتوم» بإبرام عقود نووية مع الدول الأفريقية بالنظر إلى الأمثلة الأخيرة، أن تفاصيل الالتزامات المتبادلة في ذلك الصدد أصبحت معروفة للجميع. يقدم لنا الاتفاق المبرم مع بنجلاديش معيارًا مفيدًا يمكن من خلاله فهم الاتفاقات الأخرى التي تم إجراؤها مع روسيا.
في حالة محطة روبور للطاقة النووية البنغالية والتي تنتج طاقة بقدرة 2.4 جيجاوات، نجد أن شركة «روس أتوم» تقدم لها قرضًا بقيمة 12.65 مليار دولار. يغطي ذلك المبلغ فقط تكاليف الإنشاء، من المحتمل أن يصل المبلغ المستحق من الفائدة والتجاوزات المحتملة في التكاليف والعمليات وإيقاف التشغيل أكثر من ضعف ذلك المبلغ، ومن المرجح أن يسهم ذلك في رفع التكلفة الإجمالية لحوالي 30 مليار دولار.
تتشابه إجراءات التمويل تلك مع إجراءات تمويل مشروع الضبعة في مصر. فنجد أن «روس أتوم» قدمت قرضًا بقيمة 25 مليار دولار، والذي من المتوقع أن يغطي تكاليف الإنشاء فقط. تبلغ الفائدة السنوية على القروض المقدمة لكلا المشروعين في بنجلاديش ومصر 3%. بالإضافة إلى ذلك، تم وضع القرض بطريقة تضمن أن يبدأ السداد فقط في فترة تتراوح بين 10 و13 عامًا من تاريخه، والاستمرار في دفع أقساط سنوية لفترة تتراوح بين 22 و28 عامًا بعد ذلك.
لا تسدد الدولة التي ستُقام عليها المحطة النووية الكثير من الأموال في بداية الأمر، لكن عندما تبدأ مرحلة السداد ستواجه خزائن الدول والمستهلكون فجأة عبئًا ثقيلاً تعجز معظم اقتصادات الدول الأفريقية عن الوفاء بها. وبحلول ذلك الوقت، قد تزداد الفائدة السنوية «المقررة بنسبة 3%» لأكثر من 40% من المبلغ المستحق.
يحفل تاريخ صناعة الطاقة النووية بتجاوز التكاليف وتأخير الإنشاء. وبالتالي، ربما تواجه أية دولة وضعًا تحتاج خلاله خدمة تتجاوز ديونها الحد المتوقع، في حين تكون غير قادرة على تعويض الأموال من مبيعات الكهرباء. إن ما يثير القلق بالقدر نفسه هو أن الدين سيضع روسيا وقتها في موقف تصبح من خلاله قادرة على ممارسة نفوذ غير متكافئ على شئون البلد المقام على أرضه المحطة النووية.
تتطلع زامبيا لإنشاء محطة نووية على غرار محطة «روبوور» ببنجلاديش، من المتوقع أن تتكلف المحطة 30 مليار دولار. وبالنظر إلى أن ميزانية زامبيا السنوية تبلغ 7.2 مليار دولار، فإن ذلك لا يمكن تحمله. في حال قدرنا زيادة تكلفة إنتاج 2.4 جيجاوات من الطاقة النووية الخاصة بمحطة «روبوور» النووية، إلى 30 جيجاوات بمحطات الطاقة النووية المقترحة من موسيفيني، فإن الرقم سيتجاوز بـ 15 مرة الناتج الإجمالي المحلي السنوي والمقدر بـ 24 مليار دولار.
خيارات أقل تكلفة
هل هناك بدائل أقل تكلفة للطاقة النووية، للحد من نقص الطاقة في أفريقيا؟
كان هناك أمل كبير على مشروع «سد إنجا» على نهر الكونغو، لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة 40 جيجاوات، لكن المشروع لن يؤتي ثماره قريبًا بسبب تحديات التمويل. ويبدو أن الحل الواعد يأتي من خلال المبادرات المتعددة لإنتاج الطاقة على نطاق صغير، وبشكل خاص في الطاقة الحيوية والسخانات الشمسية ولوحات الطاقة الشمسية.
توفر هذه المصادر كهرباء أقل تكلفة من الطاقة النووية، كما أنها تخلق فرص عمل جديدة. وبفضل قطاعها الزراعي الواسع، تتمتع أفريقيا بكاملها بقدرات هائلة في تحويل النفايات إلى طاقة. وقد أظهرت كينيا أن ثمة إمكانيات ممتازة لاستخراج الطاقة الحرارية الأرضية على طول الوادي المتصدع.
تتمتع العديد من الدول، بما في ذلك مصر وكينيا، بأشعة شمس مشرقة ما يجعلها مثالية في مسألة توليد الطاقة الشمسية، ومن خلال الحوافز المناسبة يمكنها أن تدفع لازدهار في توليد الطاقة بالقارة الأفريقية.
الكاتب هارتموت وينكلر
أستاذ الفيزياء بجامعة جوهانسبرج
اضغط هنا