رادار كمومي قادر على كشف حتى أكثر الطائرات شبحية
تعتبر المنطقة القطبيّة الكنديّة المتجمّدة مكاناً غير مناسبٍ للإمساك بالجواسيس، كونها من أكثر المناطق قرباً من القطب المغناطيسيّ الشّماليّ للكرة الأرضيّة، حيث تكون أكثر عرضةً لزيادة الأيونات والجسيمات المشحونة نتيجةً لوجود البقع والتّوهّجات الشّمسيّة، فيصبح من الصّعب فصل الإشارات الرّاديويّة عن الضّجيج الأيونيّ، وخاصّة أثناء كشف الصّواريخ المصمّمة لصدّ الموجات الراديويّة، ممّا جعل العلماء الكندييّن يُبدون رغبةً في رفع مستوى تقنيّات التّجسّس في بلادهم من خلال استبدال محطّات الرّادار التّقليديّة بأخرى تعتمد على الرّادار الكموميّ Quantum Radar فائق الفاعليّة المدعوم بأحد أكبر ألغاز الفيزياء الكموميّة، وهي ظاهرة التّشابك الكموميّ quantum entanglement.
وتنطوي ظاهرة التّشابك الكموميّ على خلق ثنائيّات أو مجموعة من الجزيئات الّتي ترتبط مع بعضها البعض للأبد، ويمكن أن يكون لها دورٌ حاسم في كشف الدّروع الراديويّة لطائرات الشّبح الحربيّة الأمريكيّة، حيث أعلنت مجموعةٌ من الباحثين الكنديّين في جامعة واترلو University of Waterloo شروعهم في اتّخاذ خطوةٍ كبيرةٍ للقيام بهذا الأمر، والجدير ذكره هو أنّ هذا النّوع من الرّادارات لم يُختبر خارج إطار المختبرات بعد.
ويقول جوناثان بو Jonathan Baugh عضو الهيئة التّدريسيّة في معهد واترلو للحوسبة الكموميّة IQC) Waterloo's Institute for Quantum Computing): "إنّ الهدف الأساسيّ من المشروع هو إنشاء مصدر قويّ للفوتونات المتشابكة والّتي يمكن توليدها بضغطة زرّ واحدة، سيُتيح لنا هذا المشروع تطوير تقنيّاتٍ لنقل الرّادار الكموميّ من المختبر إلى أرض الواقع ممّا سيغير من أسلوب تفكيرنا حول الأمن القوميّ".
لكن ما علاقة الفوتونات والجزيئات الضّوئيّة بعمليّة الكشف عن طائرات الشّبح والصّواريخ؟ كلّ ذلك يتوقّف على السّلوك الغامض لهذه الجزيئات، والّتي حيّرت العلماء منذ زمن آينشتاين، ففي الفيزياء الكموميّة، ترتبط الجسيمات -فوتونان مثلاً- مع بعضهما البعض برابط من نوعٍ خاصّ، فإذا تأثّر أحدها بقوّة أو ظاهرة أو حدث معيّن فسوف يتأثّر الجسم الآخر المرتبط به بنفس الطّريقة وفي نفس الوقت حتّى عند وجود مسافةٍ كبيرةٍ بين الجسمين قد تصل إلى 100000 سنةٍ ضوئّيةٍ على سبيل المثال، إذ يحدث هذ التّغيير على الجسمين معاً بسرعةٍ أكبرَ من سرعة الضّوء. وقد أزعجت هذه الظّاهرة آينشتاين الّذي أطلق عليها اسم التّأثر الشّبحي عن بعد Spooky Action at a Distance ،وأظهرت التّجارب المختبريّة الحديثة أن هذه الظّاهرة تحدث بالفعل.
في الرّادار الكموميّ، ترتبط الثّنائيّات الفوتونيّة المتشابكة مع بعضها البعض على مسافاتٍ مقاسةٍ بالأميال بدلاً من السّنوات الضّوئيّة، حيث من الضّروريّ قطع مجموعات الفوتونات الفرديّة بواسطة بلورةٍ من الكريستال، وكل فوتونٍ مقطوعٍ يصبح جزءً من زوجٍ متشابكٍ من الفوتونات، فيوضع أحد الفوتونين في محطّة الرّادار بينما ينقل الثّاني إلى المجال الجوّيّ، وعند الاصطدام بأحد الأجسام في السّماء سيؤدّي ذلك إلى كشف هذا الجسم من خلال انحراف الفوتون، وبالتّالي حساب موقعه وسرعته الجديدين.
تحاول طائرات الشّبح الحربيّة الإفلات من الموجات الراديويّة، لذلك فإن الأساليب الضّوئيّة ستكون أكثر فاعليّةً تجاهها، حيث إنّ أيّ محاولةٍ لتغيير الموقع أو ضرب الفوتون الطّائر ستعكس ذلك الأثر على الفوتون الأرضيّ نتيجةً لتشابكهما، فيسمح هذا التّشابك بفصل الإشارات المتشابكة المرتدّة عن إشارات الضّجيج والجسيمات الأخرى الموجودة في الفضاء الجويّ القطبيّ كتلك الناتجة عن النّشاط الشّمسي، وبذلك سيتمكّن الّرادار من كشف جميع الأجسام الّتي كانت مصمّمةً سابقاً للإفلات من أنظمة الرّادار التّقليديّة.
وتبقى تقنيّة الرّادار الكموميّ نظريّةً إلى حدٍّ كبير، على الرّغم من ادّعاء الصّحيفة الصّينيّة الحكوميّة أنّ الصّين قد حقّقت بالفعل أوّل رادارٍ كموميّ حقيقيّ في عام 2016، حيث يشكّك بعض الخبراء في هذا الادّعاء، لكنّ الباحثين في جميع أنحاء العالم بما فيهم خبراء جامعة واترلو وشركة لوكهيد مارتن Lockheed Martin يواصلون التّقدم في هذا المجال.
المصدر العربي
المصدر