يمثل
قرار حظر بناء المآذن فى سويسرا واحدا من حلقات مسلسل الحرب على الإسلام
الذى يقوده الغرب منذ قرون بعيدة بدءا من الحروب الصليبية وحتى الآن، ولكن
فيما يبدو أن صراعات الغرب الداخلية خلال القرن العشرين وخاصة بين
المعسكرين الشيوعى والرأسمالى قد أجلت حدة هذا الصراع او الإعلان عنه
بصورة صريحة فاكتسب صفة النعومة ليتحرك فى الخفاء بخطى حثيثة لتحقيق
أهدافه المرحلية، متفاديا صداما غير محسوب مع العالم الإسلامى، فلما انتهى
الصراع الغربى الداخلى بسقوط المعسكر الشيوعى لصالح المعسكر الرأسمالى،
كان الإعلان الصريح من رئيس خلف الناتو أن الخطر القادم هو الخطر الإسلامى
وأن الصراع القادم سيكون مع الإسلام، هكذا بدون مواربة ولا خجل " قَدْ
بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُ".
ومنذ ذلك التاريخ بدأ الصراع العلنى يتحرك من خلال محاور عدة أولها المحور
العسكرى وبخاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، حيث كان الحراك العسكرى
بتحريك حملة عسكرية همجية شرسة على أفغانستان ونظام طالبان ثم إعلان الحرب
على العراق ونظام صدام حسين، بدعوى أن هذه الأنظمة تدعم الإرهاب، وفى
حقيقة الأمر أن هذه الأنظمة هى صنيعة الغرب وربيبته وبخاصة الأمريكان، وما
كانت فى يوم من الأيام تتحرك فى اتجاه معاكس لهوى الأمريكان، فأصبحت بين
يوم وليلة هى العدو الأول ولابد من القضاء عليها، ثم جاءت تصريحات قادة
الغرب تصب باتجاه تكريس العداء للإسلام والمسلمين، فها هو رئيس الولايات
المتحدة ورئيس النظام العالمى الجديد بوش الابن يصف ما تقوم به أمريكا فى
تصريح له يوم 16/9/2001 بأنها حملة صليبية، ووصف جميع أنواع المقاومة
الإسلامية ومنظمات الجهاد بالإرهاب، ثم يثنى تونى بلير فى 17/9/2001 بأن
هذه الحرب هى حرب المدنية والحضارة والغرب ضد البربرية فى الشرق " وَدَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ
وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً".
أما على صعيد المحور السياسى فقد جاءت تصريحات قادة الغرب تنبئ عما تقيح
به صدورهم من بغض وكره ثم تعالٍ على الإسلام والمسلمين فيقول بيرلسكونى
رئيس وزراء إيطاليا إن الحضارة الغربية أرقى من الحضارة الإسلامية ولا بد
من انتصار الحضارة الغربية وأن الإسلام يجب أن يُهزم لأنه لا يعرف الحرية
ولا التعددية ولا حقوق الإنسان، وأن الغرب سيواصل تعميم حضارته وفرض نفسه،
أما مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا تقول فى مقال لها ملخصه أن
المسلمين الذين يرفضون القيم الغربية أعداء أمريكا وأعداؤنا، فى حين صرح
بوش أن الحضارة الغربية التى أعلن الحرب للدفاع عنها هى حضارة اليهود
والمسيحيين، ووجه تحذيرا لبعض الحكام يطالب فيه بتوقف الإعلام فى بلادهم
عن حملة الكراهية لأمريكا وإسرائيل، ثم لنستمع إلى تصريح وزير العدل
الأمريكى جون اشكروفت حيث قال: إن المسيحية دين أرسل الرب فيه ابنه ليموت
من أجل الناس، أما الإسلام فهو دين يطلب الله فيه من الشخص إرسال ابنه
ليموت من أجل هذا الإله، أما وزير الداخلية الألمانى أوتوشيلى يقول إن
عقيدة الإسلام عقيدة هرطقة وضلال...
ومن خلال محور الغزو الثقافى جاءت تصريحات أشهر كتاب ومفكرى الاستراتيجية
فى أمريكا صموئيل هنتجنون وفرانسوا فوكوياما تدعو لتكون الحرب داخل
الإسلام حتى يقبل الإسلام الحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ
المسيحى–العلمانى– فصل الدين عن الدولة، والحداثة فى المصطلح الغربى تعنى
القطيعة المعرفية مع الموروث الدينى، وجعل الإنسان سيد الكون ،ومحور
الثقافة – بدلاً من الله – وإحلال العقل والعلم والفلسفة محل الله والدين
, وأن الحرب الحقيقية هى ضد الفكر الإسلامى والتربية والتعليم الإسلاميين،
ولم يقتصر الأمر على التصريحات والإعلانات بل شرعت أمريكا ومنذ سنوات
وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر , فى إصدار الأوامر للأنظمة فى العالم العربى
والإسلامى بتغيير المناهج التربوية وبخاصة مناهج التعليم الدينى ، وقد
استجابت الكثير من الأنظمة لذلك, بل طلب بوش الابن رسمياً من الحكومات فى
العالم العربى والإسلامى حذف ثقافة الشهادة والاستشهاد من مواد الفكر
والثقافة والإعلام , ثم تبع ذلك تكريم الكتاب والأدباء الفاشلين الذين
احترفوا الهجوم على الإسلام وقيمه وثقافته ومقدساته وتشجيع قوى التغريب
على نشر التغريب والعلمنة وحسن معاملة النُخب المقربة ومكافأتها بالمال
والإعلام والتوظيف .
اما التحرك بالنسبة للمحور الاقتصادى فقد تم الضغط فيه على الأنظمة
العربية والاسلامية لتعديل منظوماتها القانونية فى ميدان الاقتصاد بما
يفتح الباب أمام الشركات المتعددة الجنسيات ويمكنها من وضع يدها على مصادر
الثروة وبخاصة النفط والذهب والحديد واليورانيوم ، وقد تجاوب كثير من
الأنظمة مع ذلك ، تحت أعذار مختلفة منها الرغبة فى جلب الاستثمار الأجنبى
وتنويع مصادر الدخل القومى .. فكانت النتيجة رهن أهم مصادر الدخل لإرادة
تلك الشركات والمؤسسات المالية , ثم جاء الضغط على الأنظمة للارتماء فى
أحضان المؤسسات المالية الأجنبية ، مثل صندوق النقد الدولى والبنك العالمى
واستغلال ذلك لفرض تصورات ضارة بالسيادة والاستقلال وضارة بالوضع
الاقتصادى والاجتماعى والتربوى ، فقد أصبحت الدول التى ارتمت فى أحضات تلك
المؤسسات فاقدة لقرارها فى الكثير من الميادين ، مثل سياسة الأجور والرسوم
وسياسة التعليم وسياسات العمل والتوظيف .
ثم جاء المحور الاعلامى ليلقى طعنة جديدة من خلال هذه الاحداث , بان تطل
علينا الدنمارك بالرسوم المسئية للرسول صلى الله عليه وسلم , ثم يلى ذلك
فيلم فتنة الهولندى المسئ للاسلام والمسلمين , وكأن الغرب يجرب فى ذلك لون
من الوان جس نبض الحياة لدى المجتمعات العربية والاسلامية , وهل لازال
الاسلام يمثل لها شئ ينبغى الحراك من اجله ؟ ام ان الاسلام ضاع من قلوب
وصدور العرب والمسلمين كما ضاع فى كثير من معاملاتهم ؟ , ثم تبع ذلك
اعتداءات اعلامية صارخة على الاسلام والمسلمين من خلال العديد من الافلام
والبرامج الغربية ووسائل الاعلام المختلفة دون ان يكون هناك حراك مناسب من
قبل الاعلام العربى او الاسلامى او حراك مناسب من قبل الجهات السياسية او
المؤسسات الرسمية او حتى من الهيئات والجهات الاهلية .
وعلى الرغم من حرب الغرب للاسلام خارج ارضه , كانت المفاجأة انه وجد
الاسلام ينمو فى مجتمعاته وبين بنى جلدته وهذا امر طبيعى نظرا لحالة
الخواء الروحى والايمانى الذى تعيشه المجتمعات الغربية وسيطرة اشباع
الشهوات والرغبات الشخصية التى لاتشبع حتى يصل الامر الى حد الانتحار بدون
سبب بنظر البعض قد يكون وجيها وهكذا , فماذا صنع الغرب الذى يدعى الحرية
والديمقراطية ؟ لقد بدأ التضيق على مظاهر الالتزام بتعاليم الاسلام ممثلة
فى محاربة الحجاب فى فرنسا واعتقال فيمن يشتبه فيه التزامه بالاسلام
واخضاعه للتحقيق والاستجواب تحت دعوى مكافحة الارهاب, ثم اخيرا وليس اخرا
حظر بناء المآذن والتى وجدت اصواتا عالية فى الغرب تدعمه وتؤيده كتوطئة
لحظر بناء المساجد هناك , فماذا ننتظر نحن العرب والمسلمون ؟ هل ننتظر ان
يأتى اليوم الذى يحظر فيه بناء المآذن والمساجد فى بلادنا ؟ ام انه وجب ان
يكون هناك حراكا مناسبا على كافة الاصعدة والمستويات لمجابهة هذه الحرب
الضروس على الاسلام والمسلمين ؟ اترك لك عزيزى القارئ الجواب على هذه
التسآؤلات, والسلام ختام .