[rtl]
إعداد – عبدالغفور أحمد محسن 

في ثمانينات القرن الماضي طلبت مصر من شركة صناعة طائرات أمريكية شراء مجموعة طائرات بدون طيار بمواصفات خاصة، ورغم العقبات العديدة التي واجهت الصفقة لكنها تمت بالفعل وأصبحت مصر هي الدولة الوحيدة التي تحوز هذا النوع من الطائرات، برغم أن الصفقة الغامضة في دوافعها أثارت آنذاك ضجة في الولايات المتحدة إذ أنها كانت تتيح للقاهرة – ببعض التعديلات على الطائرة - امتلاك نظام صاروخي متطور بوسعه النيل من الدول المجاورة.  

حكاية الطائرة التي كانت تضمن لمصر آنذاك تفوقا في عمليات الاستطلاع، بل ويمكن تطويرها حتى الآن لتصبح ذات استخدامات عسكرية مفيدة، نشرها موقع thedrive نقلا عن وثائق ومعلومات نشرتها الشركة الصانعة بنفسها على موقعها.   

في عام 2018 ، قامت شركة "سكاليد كومبوزيت" المتخصصة في صناعة الطائرات والمعروفة حاليا بتصاميمها المتطورة والمبتكرة -  تابعة حاليا لمجموعة "نورثروب جرومان" للصناعات الجوية والعسكرية -  بنشر سلسلة من الصور التي لم تُصدر من قبل على الإنترنت لطائرة استطلاع خفي بدون طيار تسمى Scarab أو "الجعران" كما يترجم اسمها إلى اللغة العربية (الجعران المقدسة هي أحد رموز الفراعنة).



قبل عقود من الزمن ، كانت شركة سكاليد قد بنت دفعة أولى من الطائرات بدون طيار نيابة عن شركة صناعة طائرات كانت موجودة آنذاك وتدعى "تيليدين ريان"، والتي قامت بدورها ببيع تلك الطائرات إلى عميل واحد فقط .. مصر.

طورت شركة "تيليدين ريان" التي أصبحت أيضا جزءًا من مجموعة "نورثروب جرومان" في عام 1999 ، طائرة سكاراب  (المعروفة أيضًا باسم الموديل 324) التي تعتمد في طيرانها على محرك صاروخي نفاث للانطلاق من مركبة أرضية"، خصيصًا لتلبية طلبية مصرية في أوائل الثمانينيات، وتولت شركة "سكاليد" تصميم الطائرة بالكامل وأجرت اختبارات تحليقها.



لماذا احتاجت مصر هذه الطائرة في الثمانينات؟

لم تضح الدوافع التي دفعت مصر لطلب مثل هذه الطائرة، إذ انه في عام 1978 (وقت الصفقة) كان الرئيس أنور السادات قد وقع على اتفاقيات كامب ديفيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحم بيجن. وقد أدت الاتفاقية إلى معاهدة سلام رسمية بين البلدين في العام التالي. وأدت الاتفاقية أيضا إلى تعهد الولايات المتحدة التي توسطت في الاتفاق بأنها ستزود كلا البلدين بكميات كبيرة من المساعدات العسكرية المتقدمة.

ربما كانت طائرة "سكاراب" جذابة للمصريين لأنها توفر أداة استطلاع جوي متقدمة وقادرة على التخفي من معظم - إن لم يكن كل -  تهديدات الدفاع الجوي في منطقة الشرق الأوسط آنذاك، وكان وجودها يعني أنه يمكنه جمع صور مفصلة عن مواقع العدو دون الحاجة للتفوق الجوي عليه.

مواصفات "الجعران" .. تصميم شبحي يساعدها على التخفي

كانت "سكاراب" مصممة على أحدث طراز في ذلك الوقت آخذة شكل الشبح وكان هذا مقصودا في بنائها لغرض التخفي أثناء التحليق،  وقبل بنائها كانت شركة "تيليدين ريان" تتمتع ببالفعل بسنوات من الخبرة في تصميمات الطائرات بدون طيار على شكل خفي للقوات الجوية الأمريكية، مثل طائرة بما في ذلك AQM-91 Firefly المعروف أيضًا باسم Compass Arrow ، و YQM-98A ، أو Compass Cope.



بعد إطلاقها يمكن أن تصل سرعة الطائرة القصوى إلى 650 ميل في الساعة تقريبًا، ويمكن أن تحلق لأعلى إلى 40 ألف قدم، وبإمكانها اصطحاب حمولة تزيد عن 250 رطلاً لرحلة مسافتها 1400 ميلا. وعندما تعود إلى القاعدة، سيتوقف محركها النفاث الصغير وتندفع مظلة ثم تتهادى إلى الأرض لتهبط على مجموعة من أكياس الهواء القابلة للنفخ مخبأة داخل جسم الطائرة والأجنحة.



وكان يمكن للأطقم الموجودة على الأرض التحكم في الطائرة أثناء بداية ونهاية رحلتها، أما بعيدًا عن نطاق محطة التحكم الأرضية، تستخدم الطائرة دربا مبرمجا مسبقًا ونظام توجيه ملاحي ذاتيًا للوصول إلى المنطقة المقصودة والعودة منها، وفي وقت لاحق طورت مصر الطائرة بنظام "جي بي إس" يساعد على التحكم في توجيهها.



عندما سلمت إلى مصر، كان يمكن لتلك الطائرات حمل كاميرا بصرية من KS-153A أو كاميرا تعمل بنظام ليزر الأشعة تحت الحمراء من نوع Loral D-500 وتتيح هذه الأخيرة التقاط الصور في الليل. ومع ذلك ، استخدمت كل من الكاميراتين أفلامًا تتطلب المعالجة بعد انتهاء المهمة، ولم يكن بإمكانها نقل أي صور إلى القاعدة أثناء الطيران.

أمريكا تمنع تصدير ألياف الكربون .. لكن الصفقة تمر بـ"ابتكار فعّال"

كان تصميم "سكاراب" يحتم أن تتمتع بهيكل خفيف الوزن للمساهمة في تحسين أدائها وتقليل قدرة الرادارات على رصدها، وللتغلب على قوانين التصدير التي كانت تمنع شركتي "تيليدين ريان" و"سكاليد كومبوزيت" من استخدام ألياف الكربون في الطائرات المعدة للتصدير، ابتكرت الشركة الأخيرة تركيبة من الألياف الزجاجية وألياف الكيفلار (يستخدم في صناعة الواقي من الرصاص) ونوع من أنواع الفوم، لاستكمال بناء الطائرة وتصديرها دون عوائق قانونية، وقد أثبتت تلك المكونات متانتها، وقد كانت تلك المتانة مطلوبة لاسيما وأن الطائرة تطلق أصلا من قاذفة أرضية باستخدام محرك صاروخي معدل من صاروخ مضاد للسفن من طراز هاربون.



قالت شركة سكاليد إنه في إحدى المرات ، انفجر صاروخ الإطلاق الذي يزن 18 الف رطل وقذف بالسيارة التي تحمل منصة الإطلاق 10 أقدام عموديًا في الهواء، ثم سقطت السيارة وارتدت في الصحراء، وبالفحص تبين سلامة خزان وقود الطائرة بالكامل رغم الحادث.



اغتيال السادات .. ومبارك يستكمل المهمة 

لم يتمكن الرئيس أنور السادات ، الذي اغتيل عام 1981 ، من رؤية الطائرات التي قامت بأول رحلة لها عام 1987، وقد وافق خليفته  الرئيس حسني مبارك على النسخ الأولى من الطائرات في العام التالي.

قامت شركة سكاليد بتصنيع ما مجموعه 29 طائرة من "الجعران" لصالح " تيليدين ريان" التي شحنتهم إلى مصر ودرّبت أفراد من سلاح الجو المصري على كيفية استخدامها، ثم بنت " تيليدين ريان" 30 طائرة أخرى بشكل مستقل كدفعة ثانية وسلّمت أيضا إلى مصر.



كانت هذه المرة الأولى التي تصدر فيها شركة "تيليدين" طائرة بدون طيار من أي نوع.

أمريكا تطلب من مصر إشراك الطائرات في "عاصفة الصحراء" 

تقول تقارير إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة خلال عملية عاصفة الصحراء ، طلب من المصريين أن يستخدموا تلك الطارات للمساعدة في زيادة التغطية الاستطلاعية الشاملة، وسواء كانت هذه التقارير صحيحة أم لا، فقد انتهت الحرب قبل أن تعمل الطائرات بدون طيار.

قلق في واشنطن .. الطائرات قد تتحول إلى صواريخ كروز !

تسبب تسليم الطائرات بدون طيار إلى مصر بشيء من الضجة داخل وخارج الولايات المتحدة. كان مصدر القلق الأكبر هو أن المصريين قد يحاولون تعديل الطائرة إلى صواريخ كروز متخفية  يمكن إطلاقها من الأرض، وهو ما يشكل تهديدًا كبيرًا لدول أخرى في المنطقة، لكن نظام تحكم تكنولوجيا القذائف (شراكة طوعية غير رسمية بين 34 دولة لمنع انتشار تقنية القذائف والمركبات الجوية بدون طيار( الذي كان قائما في ذلك الوقت، كان يحظر فقط تصدير طائرات يمكنها حمل حمولة تزيد على 1100 رطل لمسافات تزيد عن 185 ميلا، ولم يكن هذا ينطبق على "الجعران" في ظل سعة حمولته المعلنة، وعلى الرغم من ذلك كان من الممكن زيادة حمولة الطائرة على حساب المسافة التي ستقطعها، وعلى أي حال لم تبع شركة "تيلدين" طائرات السكاراب إلى أي عملاء آخرين.

تطوير الطائرة بإمكانيات حديثة "أمر ممكن"

حاليا فإن مصير تلك الطائرات غير واضح، إذ أنه منذ أواخر التسعينات كانت شركة "تيلدين" لا تزال تقدم برنامج دعم للطائرات في مصر، وبعد أن استحوذت مجموعة "نورثروب جرومان" على الشركة في عام 1999 استحوذت أيضا على عقد الدعم هذا.

وفي عام 2006 قال ريك لودفيج ، مدير تطوير أنظمة الأعمال في شركة نورثروب جرومان للأنظمة المتكاملة، لموقع "فلايت جلوبال" المتخصص في تغطية أخبار صناعة الطائرات، إن شركته تعمل على عقد مع المصريين للقيام بترقيات على تلك الطائرة "نتفاوض على ذلك .. لا تزال تلك الطائرات تطير مرة واحدة في الشهر تقريبا".



وفي العام التالي ، قالت شركة نورثروب جرومان إنها لا تزال تجري محادثات مع مصر حول إمكانية الترقية لتشمل أنظمة توجيه جديدة وأجهزة استشعار، وإضافة كاميرات رقمية ثابتة أو الفيديوية ووصلة بيانات بالاقمار الصناعية ثنائية الاتجاه لإرسال الصور إلى القاعدة خلال التحليق بشكل شبه مباشر، وهو ما يحسن قدرات الطائرة بشكل كبير، لكن لا يوجد دليل واضح على أن برنامج الترقية هذا قد مضى قدمًا بسبب التطورات السياسية التي حدثت في مصر منذ عام 2011[/rtl]