ماجد كيالي
تثير المواقف الإسرائيلية والأمريكية المتعلقة بالتسلّح في منطقة الشرق الأوسط، الكثير من علامات الاستفهام والاستغراب، لما تحتويه من مفارقات ومتناقضات.
فإسرائيل، مثلا، التي تخصّص حوالي عشرة مليارات من الدولارات لنفقات الدفاع وللإمعان في تطوير ترسانتها الحربية، من موازنة حكومية قدرها 60 مليار دولار (بنسبة 16 بالمئة من الموازنة و10 بالمئة من الناتج السنوي المحلي)، تطالب بالحدّ من قدرات الدول العربية في مجال التسلح؛ علما أن موازنات الدول العربية، المجاورة لها (مصر وسورية والأردن ولبنان)، والمخصصة للدفاع لا تتجاوز 7.6 مليار دولار!
وبينما تطالب إسرائيل بمنع تواجد أي نوع من أسلحة الدمار الشامل، في الشرق الأوسط (وفي مجمل العالم الإسلامي)، مهما كان حجمه أو قدراته، تبرّر هي لنفسها امتلاك أكثر من 200 قنبلة نووية، إضافة إلى غيرها من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية!
وإذ تدعو إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول الكبرى، إلى مراقبة التسلح في المنطقة، وإجبار الدول العربية على التوقيع على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، ترفض هي التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات، مثلما ترفض إخضاع ترسانتها العسكرية لأية رقابة دولية، متعمّدة في ذلك استخدام ما يسمى استراتيجية "الغموض النووي"، مدعية أنها جزء من استراتيجية "الردع" التي تنتهجها، في مواجهة العالم العربي.
واللافت أن إسرائيل لا تطالب بتجريد الدول المجاورة لها من أسلحتها، أو الحد من قدراتها، فقط، مثلما تفعل باتجاه سورية، مثلا، وإنما هي تطالب بأن يشمل ذلك حتى الدول البعيدة عنها، مثل ليبيا أو إيران أو حتى كوريا الشمالية. كما أنها تراقب عن كثب مبيعات السلاح الأمريكية لمصر أو للمملكة العربية السعودية، وتثير مخاوف كبيرة حول مستوى تسلّح هاتين الدولتين.
والأهم من كل ذلك أن إسرائيل، التي تدّعي بأنها مجرد دولة صغيرة مستهدفة في وجودها ومحاطة ببيئة معادية، تتمتّع بامتيازات نوعية متعددة في مجال التسلح والدفاع، بالقياس للدول العربية فهي، أولا، تمتلك أقوى الأسلحة وأحدثها في منطقة الشرق الأوسط؛ وثانيا، لأنها في الواقع هي التي تهدّد استقرار البلدان العربية، فهي التي بادرت إلى شنّ العديد من الحروب ضد أكثر من دولة عربية، وترفض الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في العام 1967؛ وثالثا، لأنها تحظى بدعم وحماية العالم الغربي وخصوصا الولايات المتحدة، التي تهيمن على النظام العالمي، والتي تغدق عليها بالمساعدات المالية وبأحدث مبتكرات تكنولوجيا التسلح؛ ورابعا، لأنه ثمة فجوة نوعية بينها وبين العالم العربي، في مجال التسلح والعلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي ووسائل الاتصالات والإدارة؛ وحتى أن إسرائيل تنتج أسلحة حديثة، وهي من الدول المصدرة للسلاح (تصدر سنويا أسلحة قيمتها حوالي 2 مليار دولار) فيما العالم العربي يستورد الأسلحة؛ ورابعا، لأن مستوى التحصيل العلمي ومستوى المعيشة، للفرد في إسرائيل أعلى بكثير من المستويات العربية. فحصّة الفرد في إسرائيل سنويا من مخصصات التعليم تبلغ 1500 دولار، وفي مجال البحث العلمي 500 دولار، ومن إجمالي الناتج المحلي 18 ألف دولار، علما أن الناتج المحلي لإسرائيل يبلغ سبع الناتج المحلي لمجموع الدول العربية؛ أما في العالم العربي فإن حصة الفرد سنويا من مخصصات التعليم تبلغ 120 دولارا سنويا، وفي مجال البحث العلمي 8 دولارات، ومن الناتج المحلي 2600 دولارا.
ولعل هذه الجردة للسياسة الإسرائيلية، في مجال العسكرة، تفسّر نتائج استطلاعات الرأي التي اعتبر فيها أكثر من 60 بالمئة من الأوروبيين ونصف الأمريكيين بأن إسرائيل أكثر دولة تشكل تهديدا للأمن الدولي.
ومعنى ذلك أن مخاوف إسرائيل التي تبرّر فيها "حقّها" في احتكار التسلح النووي والتفوق العسكري، في المنطقة، بدعوى أنها دولة صغيرة تدافع عن وجودها، ليست إلا ادعاءات للمراوغة على الرأي العام العالمي ومحاولة منها لتغطية نزعتها العسكرية والعدوانية في المنطقة العربية.
أما من جهة الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه الدولة التي تدّعي الحرص على الاستقرار والسلم العالمي، تعتبر من أهم مصادر التسلح في العالم، بل إنها أول مزوّد للأسلحة فيه، منذ سنوات عديدة، بحسب تقرير نشره مؤخرا اتحاد العلماء الأمريكيين.
فالولايات المتحدة أمّنت في العام 2001 حوالي 49 بالمئة من مبيعات الأسلحة في العالم، مقابل 47,6 في المئة في العام 1998 (حلت بريطانيا في المرتبة الثانية 18,7في المئة، وبعدها فرنسا 12,4 في المئة، ثم روسيا 6,6 في المئة)..وبحسب التقرير فإن حجم سوق الأسلحة المباعة في العالم في العام 2002 بلغ 29,2 مليار دولار، وقد بلغت حصة البلدان النامية من هذه المبيعات 62,2 في المئة، وبلغت عائدات الولايات المتحدة من هذه المبيعات حوالي 13.3 مليار دولار.
أيضا فإن موازنة الإنفاق على الدفاع والتسلح، في الولايات المتحدة، هي الأكبر في العالم، إذ بلغت في العام 2003 حوالي 400 مليار دولار، وهي تشكل 45 ـ 48 بالمئة من مخصصات الإنفاق على الدفاع في العالم التي تبلغ 840 مليار دولار.
كذلك بالنسبة لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، فإن الولايات المتحدة هي الأولى في عدد الرؤوس النووية مع 15 ألف رأس وحوالي 700 غواصة نووية ومع 500 قاذفة استراتيجية، وهي مازالت منخرطة في برنامج حرب النجوم، وترصد مبالغ طائلة على البحث العلمي في مجال تكنولوجيا التسلح. وأخيرا وكما هو معروف فإن الإدارة الأمريكية الحالية تراجعت عن اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة الباليستية التي كانت وقعتها مع الاتحاد السوفييتي.
وفوق كل ما تقدم فإن الولايات المتحدة تنتهج سياسة مساعدات تقوم على نشر التسلح في العالم، إذ أنها تقدم جزءا كبيرا من مساعداتها للدول النامية على شكل أسلحة؛ بدلا من التركيز على المساعدات التقنية والاقتصادية. وفي هذا الإطار فإنه ثمة دول عديدة في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وأسيا وأفريقيا (ضمنها دول عربية) تتلقى مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة. ومعروف أن إسرائيل تتلقى مساعدة عسكرية قدرها 1.8 مليار دولار سنويا، من مساعدات قدرها 3 مليارات دولار؛ وهي بالطبع مساعدات تفوق المساعدات الأمريكية المقدمة للعالم العربي بمجمله، برغم ما لهذه المساعدات من دور في تشجيع إسرائيل على انتهاج سياسة عسكرية وعدوانية في المنطقة العربية.
وهكذا فإن الموقف الإسرائيلي أو الأمريكي من قضية التسلح في المنطقة إنما يستهدف، في الحقيقة، إضعاف البلدان العربية وتجريدها من الحد الأدنى من عناصر القدرة على الدفاع عن النفس، فهنا أيضا ثمة ممارسة لسياسة المعايير المزدوجة، وانتهاكا للمعايير الدولية.
وفي ذلك فإن إسرائيل والولايات المتحدة تحاولان فرض سياستهما على العالم، بحكم قانون القوة والغطرسة واملاءات الأمر الواقع، وهو ما يتناقض مع معايير السياسة والقانون والأخلاق.
أما بالنسبة لمحاولة إسرائيل والولايات المتحدة تغطية هذا الموقف بحجة انتمائهما إلى منظومة الدول "الديمقراطية"، أو بدعوى نزع أسلحة الدمار الشامل أو محاربة الإرهاب، فهي مجرد محاولات مكشوفة للتلاعب بالحقائق، فهل قيم الديمقراطية تبيح لدولة ما ماتحرمه على غيرها؟ وهل من حق الدول الديمقراطية امتلاك واحتكار أسلحة الدمار الشامل، التي تعتبر أكبر تهديد للنوع البشري وللبيئة؟! وهل بات من حق الدول الديمقراطية ممارسة إرهاب الدولة المنظم وشنّ الحروب واحتلال الدول الأخرى واستعباد الشعوب؟