عودة رفات الجندي الإسرائيلي من سوريا بعد 37 عاماً… تفاصيل الدور الروسي والخطة الإسرائيليّة
ليست الصدفة أبداً التي جعلت إسرائيل تستعيد رفات جنديّها زاخاريا باوميل (Zachary Baumel) بعد 37 عاماً على اختفائه في معركة مع القوات السوريّة في منطقة السلطان يعقوب اللبنانيّة الحدوديّة. أثبتت التجربة أن مثل تلك الأمور لا تحدث صدفة. لقد أتى إعلان جيش الاحتلال عن استعادة الرفات قبل ستة أيام فقط من الانتخابات الإسرائيليّة، وعشيّة زيارة نتنياهو - المأزوم انتخابياً - للرئيس فلاديمير بوتين في موسكو.
مع تأكيده التام على أن الرفات تعود لباوميل، احتفى نتنياهو بـ"واحدة من أكثر اللحظات تأثيراً خلال فترة حكمه"، هو الذي ووجه بالكثير من الانتقادات من عائلة وأصدقاء بوميل وجنود آخرين مفقودين أو أسرى استغلّ اللحظة ليؤكد "استمراره في بذل كل جهد لإعادة المفقودين ومنهم إيلي كوهين ورون آراد وأورون شاؤول وهداد غولدين"، قائلاً "لن نتوقف عن هذه المهمة المقدسة".
لم يفت نتنياهو شكر "الموساد والشاباك والاستخبارات العسكرية والجيش على جهودهم التي شملت عملية دبلوماسيّة واسعة النطاق… سيتم سرد تفاصيلها مستقبلاً".
كيف وصلت الرفات إلى إسرائيل لتظهر من هناك بشكل مفاجئ، بينما من عادة مثل تلك الأمور أن تحصل ضمن مفاوضات تبادل أو تسويات معلنة؟ إلى جانب تحليل رمزيّة هذه الخطوة في حملة نتنياهو الانتخابيّة، شغل هذا السؤال متابعي الحدث ليقدّم الجانب الإسرائيلي جزءاً من تفاصيله وسط صمت سوري حتى هذه اللحظة.
التفاصيل الكاملة ستتكشّف مستقبلاً كعادة عمليات من هذا النوع، لكن إعلان المتحدث باسم جيش الاحتلال جوناثان كونريكس نتائج فحص الحمض النووي التي تؤكد عودة الرفات (مع بزة وحذاء بوميل)، تضمّن الإشارة إلى "طرف ثالث" تعاون مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة، مؤكداً استبعاد حصول أي صفقة مع دولة أخرى.
ورغم امتناع المسؤولين الإسرائيليين عن حسم هوية الطرف الثالث ومنهم نتنياهو الذي رفض الإجابة عن السؤال بينما كان متوجهاً صباح اليوم إلى موسكو، أشارت "تايمز أوف إسرائيل" إلى روسيا، التي كانت قد كشفت في سبتمبر الماضي أنها سبق وساعدت إسرائيل في البحث عن بقايا الجنود المفقودين (زاخاريا باوميل، يهوذا كاتز وتسفي فيلدمان) في المناطق التي يُسيطر عليها تنظيم "داعش".
من جهتها، نقلت مراسلة "هآرتس" من موسكو نوا لانداو قول بوتين إن الجنود الروس، بالتعاون مع السوريين، وجدوا رفات الجندي الإسرائيلي المفقود.
وفي مايو من العام الماضي، قال مسؤول في الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين - القيادة العامة إن عناصر من "داعش" قاموا بالحفر والتنقيب عن رفات باوميل وزملائه في المقبرة اليهودية قرب مخيّم اليرموك، لتعود وزارة الدفاع الروسية وتؤكد أنها عملت مع إسرائيل على تحديد مكان الرفات.
أما تعليقاً على إعلان عودة الرفات بالأمس، فقد صرّح القيادي في الجبهة الشعبية أنور رجا أن الأخيرة كانت موجودة في مخيم اليرموك في دمشق، مرجحاً أن تكون "المجموعات الإرهابية" التي سيطرت على المخيّم هي من سلمت رفات الجندي إلى تل أبيب، بتنسيق بينها وبين الاستخبارات الإسرائيلية. وادعى أن رفات باوميل نُقلت إلى تركيا التي سلمتها إلى إسرائيل.
وبحسب "القناة 13" الإسرائيليّة، فقد أُحضرت رفات عشرات الجثث إلى إسرائيل بغاية كشف مصير الجنود الثلاثة المفقودين منذ المعركة عام 1982 لكن وحدها رفات باوميل كانت موجودة دوناً عن تلك العائدة لفيلدمان وكاتز.
وأشارت "تايمز أوف أسرائيل" إلى أن تل أبيب كانت قد ناشدت موسكو مدّها بإحداثيات محددة في سوريا، مشيرة إلى ما قاله المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف: "تم تنظيم البحث بعد موافقة روسيا على العملية مع شركائنا السوريين".
وكان كوناشينكوف قد تحدث في سبتمبر 2018 عن ذلك كمثال في معرض كلامه عن عام 2015 وعن السبل التي ساعدت فيها موسكو إسرائيل مذ أرسلت أعداد كبيرة من القوات البريّة إلى سوريا.
وشرح "حينها أُجريت عملية البحث الخاصة في منطقة قتال يسيطر عليها داعش"، وقد "هاجم الإرهابيون فجأة الجنود الروس المشاركين في العملية. أصيب ضابط روسي. على الرغم من ذلك ، كانت روسيا على استعداد لمواصلة العملية".
من جهتها، لفتت "جيروزاليم بوست" إلى أن عملية التفاوض بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 شكلت "بذرة المعلومات الاستخبارية" حول مكان دفن الجنود الثلاثة المفقودين.
وذكرت أنه في نوفمبر من عام 1993، تسلمّ إسحاق رابين الصفيحة المعدنيّة التي تحمل بيانات باوميل، ووفقاً للصحيفة شكلت تلك الصفيحة، بالإضافة إلى معلومات جزئية قدمها رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات "مصدراً حقيقياً وباباً للتقدم نحو تحديد مكان دفن الجنود المفقودين".
استمرت هذه العملية في النصف الثاني من التسعينيات وبداية العقد الأول من القرن العشرين ، مع فريق تحقيق خاص يتولى قيادته إدارة المخابرات العسكرية ومسؤولو الموساد، ما أدى إلى "الحصول على معلومات موثوقة ومحدثة ، والتي سمحت للجيش الإسرائيلي بصياغة تقييم استخباراتي بشأن موقع باوميل".
ولفتت الصحيفة إلى أن العملية كانت بقيادة العقيد أ. من فرع الاستخبارات وقد تم التخطيط لها في الأشهر الأخيرة بكثافة، مضيفة أن العملية بلغت ذروتها قبل أسبوع، حتى وصلت رفات الجثة إلى مطار بن غوريون منذ عدة أيام على متن طيارة "شركة العال".
يُذكر هنا أن معركة السلطان يعقوب التي دارت بين الجيشين الإسرائيلي والسوري، بعد أسبوع من بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان قد كبّدت الاحتلال 20 قتيلاً و30 جريحاً، وستة مفقودين وثماني دبابات. عُرف مصير الثلاثة البقية، إذ عاد اثنان منهم في وقت سابق ضمن صفقة تبادل عام 1985 وعادت رفات الثالث عام 1986.
وفي عام 2016، جرى الإعلان عن تسليم روسيا لإسرائيل دبابة كانت قد غنمتها سوريا من الجيش الإسرائيلي في معركة "السلطان يعقوب"، وكانت سلمتها دمشق إلى موسكو بحجة دراسة ميّزاتها التقنيّة وطريقة عملها.
لفتت "هآرتس" إلى استغلال نتنياهو لدور "الطرف الثالث" في حملته الانتخابيّة، من إعلان ترامب سلطة إسرائيل على الجولان، ثم زيارة الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو هذا الأسبوع، إلى الدور الروسي الذي يترافق معه تقارير صحفيّة تتحدث عن نقاش سيدور اليوم بين الرجلين حول "التسوية السورية وتأمين الحدود الجنوبيّة ودرء الخطر الإيراني".
وادعى الإعلام الإسرائيلي أن خطة نتنياهو التي تنص على إخراج إيران من سورية حظيت بقبول بوتين، في وقت يستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه التطورات كرسالة انتخابيّة تؤكد على "دوره الاستثنائي" كلاعب دولي، وقلب الأوراق الداخليّة لدى الناخبين مدللاً على براعته في عالم الدبلوماسية.
وصرّح نتنياهو أثناء توجهه إلى موسكو قائلاً: "سوف نتباحث بشأن الأحداث في سوريا، والتي تتراكم، وسنناقش التنسيق المنتظم والخاص بين جيوشنا إضافة الى مسائل هامة لدولة إسرائيل".
موقع "ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي قال إن تسليم الجندي المفقود يمثل لفتة استثنائية من حسن النية من قبل بوتين تجاه إسرائيل ورئيس وزرائها ، ويؤكد عزمه على إعطاء إسرائيل دوراً في تحديد مستقبل سوريا. يأتي ذلك بعد اجتماع سابق عقد في 17 فبراير ، واستمر ثلاث ساعات ، بتشكيل لجنة مشتركة للتعامل مع انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا.
لقد أدى ذلك، بحسب "ديبكا"، إلى إدخال إسرائيل لأول مرة في عملية صنع القرار فيما يتعلق بالدولة العربية، ويبدو أن هذا الاتفاق قد فتح الباب أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في الجولان.
ويأتي ذلك بالتزامن مع كشف تقارير صحافية أن الحكومة الإسرائيلية، أبدت رغبة ملحة في إتمام صفقة تبادل أسرى مع "حماس"، في إطار المفاوضات التي أُجريت عبر الوسيط المصري وسط إصرار من نتنياهو على تنفيذ تلك الصفقة قبل إجراء الانتخابات الإسرائيلية المقررة في التاسع من أبريل.
في اليومين المقبلين، سيُمعن نتنياهو في استعراض "الإنجاز الكبير… وسداد الدين الأخلاقي أمام الجنود وذويهم"، بينما تؤكد روسيا على دورها المتزايد في الشرق الأوسط من هذا الباب كذلك على حساب الدور الذي لعبه الألمان على مدى العقدين الماضيين في صفقات تبادل أسرى سابقة (حوالي ستة) بين إسرائيل وأعدائها.
المرحلة المقبلة سيُرافقها كذلك حديث متزايد عن رون آراد، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قد بلّغ عائلة آراد والمفقودين والأسرى الآخرين بشكل خاص نتائج التحقيق حول بوميل، مؤكداً لذويهم "المضيّ قدماً في عمليّة البحث".
.