كورونا يلغي النظام الطبقي في الهند ويضع رئيس الوزراء أمام مأزق
كان أمام رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، أكثر من عام للاستعداد لموجة كورونا الثانية، التي ابتلعت الهند، وأطلقت العنان للموت واليأس في جميع أنحائها. ولكن عندما ضربت في نهاية المطاف، لم يكن مستعدًا، بحسب تقرير لمجلة ”فورين بوليسي“.
في الثقافة الهندوسية؛ ترمز اللحية البيضاء الطويلة التي أطلقها مودي، خلال العام الماضي، إلى الحكمة أو الامتناع عن الملذات الدنيوية. ولا تعتبر لحية مودي الطويلة، خيارًا جماليًا، بقدر ما هي إستراتيجية سياسية، تهدف إلى التلاعب بالهندوس الذين يشكلون غالبية قاعدته الانتخابية؛ فهي تهدف إلى تصويره كزعيم حكيم، وتصوير الجائحة ككارثة طبيعية، لا يمكن تجنبها، وفقًا للتقرير.
وهي؛ أي اللحية، بمثابة أداة تمنح مودي هالة الزهد، وتمكّنه من تجاهل المساءلة عن الفوضى التي سببها وباء كورنا في بلاده، بما في ذلك عددٌ لا يحصى من الوفيات التي كان يمكن تج،نبها لو كانت حكومته مستعدة بالأكسجين، واللقاحات وأسرة المستشفيات.
ووفقًا لمجلة ”فورين بوليسي“، غالبًا ما صُوَّر مودي على أنه تجسيد لإله هندوسي، من قِبل أتباعه والذين دائمًا ما يشار إليهم باسم البهاكتس، أو المتعبدين.
إلا أنه، ومع إصابة الفيروس لملايين الهنود، وقتل مئات الآلاف عبر مختلف الأطياف الدينية والطبقات، بدأ العديد من مؤيدي مودي الهندوس يسألون لأول مرة، عمّا إذا كان الرجل الذي اعتبروه مخلصًا، مجرد شخص أعماه الجشع السياسي والغطرسة، وببساطة، غير قادرٍ على قيادة البلاد في وقت كهذا.
وكان العلماء قد حذروا حكومته من اقتراب الموجة الثانية، وانتشار سلالة هندية أكثر عدوى، والتي اكتُشفت في ديسمبر. ومع ذلك، لم يركّز مودي على الاحتواء، وبدلًا من ذلك، ضلّل حزبه السياسي، حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي، الناس، وجعلهم يعتقدون أن مودي هزم كورونا، بحسب فورين بوليسي.
ونظّم الحزب مسيرات سياسية حاشدة، ورفضت الحكومة حظر الفعاليات التي قد تساهم في نشر الفيروس، مثل احتفالات كومبه بيلا الشهر الماضي، التي تجمع خلالها ملايين الهندوس، وغطَسوا في الأنهار التي يعتبرونها مقدّسة.
وعلى الرغم من وجود شركة أدوية هندية، تُسمى ”معهد المصل الهندي“ (SII)، تصنع نسخة من لقاح إسترازينيكا منذ فترة، إلا أن حكومة مودي، لم تشترِ الجرعات المطلوبة، لتطعيم سكان الهند في الوقت المناسب.
وبموجب النظام الفيدرالي في الهند، ترجع إدارة الرعاية الصحية إلى الولايات الفردية. وبالتالي، فإن القادة المحليين من أحزاب أخرى، غير حزب مودي، يتقاسمون -أيضًا- المسؤولية عن الكارثة الحالية. ولكن هناك إجماعًا تقريبًا، على أن الحكومة المركزية التي يديرها مودي، كان بوسعها أن تبذل المزيد من الجهود.
هذا، وكان الفيروس مساويًا في بلد يعاني من عدم المساواة، حيث أصاب الهنود عشوائيًا، عبر المجتمعات المحلية والطبقات الاجتماعية، ولكن حتى الآن، لم يتضح بعد، ما إذا كان هذا التأثير المتساوي للكارثة، سيوحد الهنود في نهجهم السياسي في الانتخابات المقبلة، بحسب التقرير.
وخسر حزب بهاراتيا جاناتا، الانتخابات الأخيرة في ولاية البنغال الغربية الشرقية، لكن المحللين السياسيين الهنود، حذروا من عزو الخسارة، إلى سوء التعامل مع الوباء، كما أنهم قلقون من المبالغة في التوصل لاستنتاجات حول خسائر حزب بهاراتيا جاناتا، في انتخابات مجالس القرى المحلية في ولاية أوتار براديش، الأكثر اكتظاظًا بالسكان. وبالتالي، الأكثر أهمية من الناحية السياسية.
التقرير يضيف: ”ومع ذلك، يعتبر الغضب أكثر وضوحًا بين قاعدة دعم مودي، التي تتشكل غالبيتها من الهندوس من الطبقة العليا، في ولاية أوتار براديش“.
وقال رجل هندوسي من الطبقة العليا، يبحث يائسًا عن أسرة مستشفى مزوّدة بأجهزة تنفس اصطناعية لوالديه المرضى للغاية، في مدينة في ولاية أوتار براديش الغربية، إن الهنود ”في يد الله“، ورفض الكشف عن هويته؛ خوفًا من انتقام الحكومة واضطهادها.
ويُذكر أن حكومة أوتار براديش، تُدار من قِبل أحد أتباع مودي، من حزب بهاراتيا جاناتا.
وقالت جيوتي ياداف، الصحفية الهندية التي سافرت إلى ما لا يقل عن 15 بلدة ومدينة في الولاي، وقدّمت تقارير عن حزن الناس، فضلًا عن إجراءات الولاية غير اللائقة، إن المناطق الريفية في الولاية أسوأ حالًا.
وشرحت: ”لقد تيتّم المواطنون على يد الدولة، ولا توجد حكومة، ولا أحد يتحمل المسؤولية، والناس في القرى لا يعرفون حتى ممن يطلبون المساعدة“.
وروت ياداف، قصة زيارتها إلى مستشفى في باليا في شرق ولاية أوتار براديش، حيث التقت بامرأة ترافق زوجها، وتلهث طلبًا للهواء، ولكن موظفي المستشفى تركوها دون رعاية، قالت: ”عرضت السيدة عليّ مجوهراتها للمساعدة في إنقاذ زوجها، ولكنني لم أكن قادرة على فعل شيء، وفي غياب الدولة ونقص العاملين في مجال الرعاية الصحية، يطلب الناس المساعدة من أي شخص، وينتشر الحزن والعجز أينما ذهبت“.
وفي لوكناو، عاصمة الولاية، روى هارشيت سريفاستافا، لمجلة فورين بوليسي قصة مروعة عن ركضه من المستشفيات إلى المكاتب الحكومية، إلى مراكز الاختبار؛ ليتمكن من مساعدة والده.
وفي 16 أبريل/ نيسان، انخفض مستوى الأكسجين في دم والده، ولكن المستشفيات رفضت السماح له بالدخول، بسبب عدم توفر الأسرة، نتيجة إيجابيةٍ لاختبار كورونا.
وقال هارشيت: ”لم يمت موتًا طبيعيًا، بل قتلته الحكومة، فحكومة مودي وحزبه تركّز -فقط- على تفاقم التنافس بين الهندوس والمسلمين، ولم يفعلوا أي شيء آخر. ويقول، إذا لم تصوّتوا لنا، ستصبح الهند مثل باكستان، وسيحكمها المسلمون“.
وأضاف: ”هكذا يخدعون الناس، لينسوا السؤال عن المستشفيات والأكسجين والعمل. أنا هندوسي ولكنني لست أحمق. إذًا لم يكن هناك مساحة في المستشفيات ولا أكسجين، فماذا فعلوا بضرائبي؟“.
وانتقد براتاب بهانو ميهتا، وهو محلل سياسي بارز في الهند، رئيس الوزراء، بعبارات لا لبس فيها، واتهمه بالإهمال الجنائي، وقال، إن: ”أداء مودي كان مزيجًا مذهلًا من القسوة الصادمة، والعجز، وعدم الكفاءة البيروقراطية التي تدعمها ثقافة، تروّج لأكاذيبه، وتمنع من حوله من التصدي لأصحاب السلطة“.
وشرح أنه على الرغم من أن الغضب ضد مودي يبدو ملموسًا، إلا أنه لم يتضح بعد، ما إذا كان هذا الغضب سيترجم إلى خدمات أفضل من قِبل الدولة في المستقبل، أو قرارات سياسية أكثر استنارة من قِبل الناخبين.
وقال ميهتا،إن الفيروس: ”هو عنصر مساوٍ، بحيث لم يترك أي فئة، بعيدًا عن آثاره، ولكن من المستبعد أن تعالج أوجه التفاوت الاجتماعي في الوصول إلى الرعاية الصحية. فحتى الآن، هناك اهتمام أقل بكثير بالريف الهندي، حيث لا تجرى حتى اختبارات هناك“.
وحتى مع تفجر هذه المأساة الضخمة وموت الناس بأعداد هائلة، يقول الخبراء إن الأسوأ لم ينته بعد.
فمنذ بدء الوباء العام الماضي، سجلت الهند حوالي 22 مليون حالة إصابة وأكثر من 238 ألف حالة وفاة، ومع ذلك، مع حلول الموجة الثانية، وصل عدد الحالات المسجلة إلى 400 ألف حالة جديدة يوميا وما بين 2و4 آلاف حالة وفاة يومية، كما يشير الخبراء إلى أن العدد الحقيقي أكبر بكثير من الإحصائيات.
ووفقا للخبراء، فإن الإصابات والوفيات ستزيد من الارتفاع مع وصول الأزمة إلى ذروتها في منتصف مايو.
وقال شهيد جميل، وهو عالم فيروسات وأكاديمي هندي، إن ”عدد الإصابات اليومية سيصل في الذروة إلى ما بين 500 ألف ومليون“، موضحا أن بطء شراء الحكومة الهندية للقاحات أخر الهند في معركتها ضد الفيروس.
وقال جميل إن الهند قد وزعت جرعتي اللقاح على حوالي 2 % من السكان فقط، في حين تلقى حوالي 9 % جرعة واحدة فقط.
ومن جانبها أعلنت الحكومة الهندية عن حملة لتطعيم جميع البالغين وتوزع ما يصل إلى 3.5 مليون جرعة يوميا، ومع ذلك يقول الخبراء إنها يجب أن ترفع هذا العدد إلى ما لا يقل عن 10 ملايين في اليوم، ولكن الحكومة لا تستطيع ذلك لعدة أسباب بما في ذلك أنها لم تطلب اللقاحات اللازمة في الوقت المناسب.
هذا ومنحت الهند الموفقات التنظيمية اللازمة للقاحين، وهما كوفيشيلد Covishield SII، وهو اسم لقاح إسترازينيكا المنتج محليًا، وكوفاكسين من شركة بهارات للتكنولوجيا الحيوية الهندية، ومن شأن زيادة إنتاج كليهما، أن يستغرق شهورًا.
وقال جميل: ”تشير التقارير، إلى أنه على الرغم من أن كلا من معهد المصل الهندي، وبهارات للتكنولوجيا لديهما القدرة على زيادة الإنتاج، إلا أن الحكومة لم تبرم اتفاقيات شراء حتى الآن. ونتيجة لذلك، قلّصت الشركتان الإنتاج، مما ساعد في تفاقم أزمة الإمدادات هذه“.
وأضاف، أنه مع استثمار الحكومة لحوالي 400 مليون دولار في شركة معهد المصل الهندي، و200 مليون دولار أخرى في شركة بهارات للتكنولوجيا الحيوية، لتوسيع الطاقة الإنتاجية، فمن المتوقع أن تتحسن سلسلة التوريد بحلول تموز/ يوليو.
وحتى عندما يتم تعزيز الإنتاج والإمدادات، فإن توزيع جرعتين حتى على الفئات الأكثر ضعفًا، سوف يستغرق ما بين شهرين و3 أشهر أخرى، وهو ما يعني أنّ تعافي الهند، سوف يكون بطيئًا للغاية. وفي تلك الأثناء، يتردد مودي في فرض إغلاق على مستوى البلاد للحد من انتقال العدوى.
هذا، ويضطر الهنود إلى الاعتماد على أنفسهم، كمواطنين بدون حكومة، كما يقول التقرير، ففي حين تحب حكومة مودي إحداث ضجة كبيرة حول مكانة الهند في العالم كقوة علمية عظمى، إلا أنها في الواقع غير قادرة على تزويد شعبها بأبسط الخدمات الأساسية للحياة.
وسواء كانوا أغنياء أو فقراء، ريفيين أو حضريين، هندوسًا أو مسلمين، يعاني الجميع من تأثر كورونا، ويكافحون أسوأ أزمة في تاريخ البلاد، منذ التقسيم في عام 1947.
وفي العديد من المدن، تمتلئ ديار الجنازات بمحارق الجثث، والتي تمتد إلى مواقف السيارات والأرصفة، ويلجأ الأبناء والبنات إلى تجار السوق السوداء، طلبًا للأكسجين والمستشفيات، متوسلين إلى الأطباء لرعاية آبائهم المرضى. بينما يختنق الكثيرون حتى الموت خارج المستشفيات، في انتظار الرعاية الطبية.
وبات السؤال الآن، بمجرد أن ينقشع الغبار، ويبدأ الحزانى بالبحث عن الإجابات والمساءلة، هل سيغفر الناس لمودي، ويمضون قدمًا، أم أنهم سيرون حقيقة سياسة الاستقطاب، ويطالبون ساستهم ببناء المستشفيات، بدلًا من المزيد من المعابد والمساجد؟
eremnews