المعركة اليوم هي معركة من أجل حماية حقوق الإنسان في الحياة والحرية والكرامة، هي معركة الشعوب كلها وهذه هي الحقيقة المغيبة، على الشعوب كلها أن ترفع شعار: لا للعنف وحان الوقت لإسكات السلاح، حان الوقت لنفض الغبار وتحرير الإنسان من ظلم الإنسان، لأن التسامح لا يعني التساهل أو عدم اكتراث، بل هو احترام وتقدير للإنسان، والتسامح الحقيقي هو الإعتراف بحقوق الإنسان وبحرياته الأساسية
منذ شهرين احتفل العالم باليوم الدولي للتسامح المصادف للسادس والعشرون من نوفمبر، وها هو العالم اليوم يحتفل باليوم الثاني والخمسون للسّلام الذي يصادف الفاتح من جانفي من كل سنة، فيه يتجدد الحديث عن السلام كمشروع إجتماعي حضاري على مدى طويل، للقضاء على العنف والتطرف والكراهية والعدائية، والتعصب الفكري والديني، والتمييز العنصري، فالأحداث التي يمر بها العالم تتميز بممارسات سياسية، تتخذ فيها قرارات، ومواقف ثم تترجم في شكل قوانين يلتزم بها من هم مطالبون بالإلتزام بها (الشعوب) وتطبيقها في جميع مؤسسات الدولة، لتحقيق مبادئ الإنسانية والوطنية والعيش معا في سلام، إلا أن سؤال لابد من أن نطرحه، هل السلام ينحصر في حدوده السياسية والعسكرية، أي إيقاف الحروب وإسكات السلاح؟، فماذا عن السلام الإجتماعي؟ .
الشعوب اليوم تعيش حياة الغاب، فلا قوانين تطبق، ولم تعد تلك المبادئ والقيم لها وجود، فأن يضع المشرع قانونا مثلا يعاقب به المجرمون من المسؤولين والسياسيين، ومن يرتكبون مخالفات من أجل تحقيق مكاسب شخصية، وباسم الحصانة يعيثون في الأرض فسادا من اجل تحقيق مصلحة أو جاه، فينهبون المال العام ويرتشون ويتلاعبون بالمشاريع والصفقات العمومية، و يمارسون المحسوبية في التوظيف وفي توزيع السكنات ومنحها للأحباب والمقربون دون حسيب أو رقيب، ودون أن يهز لهم ضمير، فهذا يعد ضرب للقانون، بل ضرب للسلام الإجتماعي وطمس حقوق الإنسان، والسؤال يتجدد ما فائدة المؤتمرات والموائد المستديرة التي تعقدها الحكومات وهي تناقش قضية السلام وترفع شعارات الوئام والمصالحة وهي تحاصر أطفالا أبرياء في الدول المحتلة، وتنشر ميليشياتها لزرع الرعب، فيها فقدت عائلات أطفالها، ودمرت أحياء بكاملها، وأطفال دمرت أحلامهم، والآلاف منهم لا زالوا نازحين لا مأوى لهم.
هل يكفي الحديث عن تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب، في ظل زيادة التطرف العنيف واتساع بؤر الصراعات التي أنهكت الأنظمة والحياة البشرية ككل؟، ومن هذا المنطلق نقول لا يمكن أن نحقق السلام أو حتى رسم خريطته، دون العمل بمبادئ حقوق الإنسان، وبتعبير أدق لا يمكن للمواطن أن يعيش في سلام وهو مهضوم الحقوق، ومسلوب الإرادة، بل فاقد للهوية والمواطنة، فلا حرية له في المشاركة السياسية ولا حرية له في اختيار من يمثله أو يحكمه، وإن خرج للشارع يطالب بحقوقه كمواطن، يقاد إلى مراكز الشرطة بتهمة الإخلال بالنظام العام، لا يمكن طبعا احتواء الأزمة في ظل تفاقم العنف لكونه يحمل انعكاسات سلبية على الصعيد الاجتماعي، والتغلب على لغة العنف يقتضي إعادة النظر في كل الحسابات ووضع حد للممارسات العنيفة، و القضاء على التمييز العنصري وتطبيق العدالة الإجتماعية مهما كانت الخسائر، لبناء جيل ينعم بالأمن والسلام .
علجية عيش