ضرب مصر هل من الممكن؟
لكي
نحد من الاندهاش الذي سيطر علي البعض، عندما سمعوا بامكانية ضرب مصر ضمن
أهداف الحرب العالمية الموجهة ضد العرب والمسلمين بدعوي محاربة الارهاب،
نجد من الضروري أن ننظر حولنا ونتطلع إلي أبعد من وقع أقدامنا، عندها سوف
نجد أن الواقع الذي تغير شكلا ومضمونا علي المستويين العربي والاسلامي حقق
أهداف الغرب والحركة الصهيونية المعلنة وغير المعلنة، وأخذت المخططات
والسيناريوهات المؤجلة فرصتها في التنفيذ.
أفسح تغييب التضامن العربي والاسلامي الفرصة أمام
الغرب لتصفية الحسابات علي أكثر من صعيد، وفوق هذا فإن القرار الرسمي
العربي غالبا ما ينصر الغرب ظالما أو مظلوما ، ويمنحه كامل الحرية في
العمل العسكري دون اعتراض أو حتي بادرة امتعاض، وضمن هذا السياق تتزامن
مشاركة دول عربية وإسلامية، بهذه الدرجة أو تلك، في الحملة العسكرية ضد
أفغانستان، مع عمليات الإبادة المنظمة للشعب الفلسطيني، وفيها تجد الكثرة
الرسمية العربية إما في موقف المتحمس لتلبية المطلب الأمريكي الصهيوني في
تصفية المقاومة الفلسطينية، التي اعتبرها عبد الناصر ـ وما زالت ـ أنبل
ظاهرة في التاريخ ، أو تتخذ منها موقف من لا يري ولا يسمع ولا يتكلم.
كل هذا في صالح الموقف الأمريكي المؤيد والمحبذ لهذه
التصفية، وفي صالح المعني الغربي الصهيوني للارهاب . حني استقر العقل
الغربي والأمريكي علي أن ضرب هذا البلد العربي أو ذاك البلد المسلم، لا
يضر ولا يهدد مصالح الغرب، بل يزكيها ويزيدها حضورا، والغرب الذي كان يعلم
أن فلسطين هي قدس أقداس العرب والمسلمين، يتمادي في انتهاك كافة الحقوق
فيها، ولا يكفيه أن القرار الرسمي العربي في عمومه فقد الاحساس بوخز
الضمير أو الاحساس بالكرامة، واستسلم لقيود منع الدعم المادي - الذي هو
أضعف الإيمان - فصادر حسابات جمعيات ورجال أعمال عرب ومسلمين، اتهموا
بأنهم تبرعوا لجمعية من الجمعيات الخيرية أو غيرها، في الوقت الذي لم
تنقطع فيه التبرعات الأمريكية علي الجيش الجمهوري الإيرلندي الذي كان إلي
وقت قريب منظمة إرهابية من وجهة النظر الغربية.
ووصل الأمر إلي استحالة وقوف نظام عربي أو اسلامي مع
شعب من الشعوب العربية أو الاسلامية المستهدفة، والحرب العالمية الراهنة
وهي توكل مهمة الجبهة الأفغانية إلي الولايات المتحدة وبريطانيا، توكل
مهمة الجبهة العربية في فلسطين إلي نظام التمييز العنصري الصهيوني في
فلسطين، ومن المتوقع أن يتولي مهمة التعامل مع باقي الجبهات العربية في
لبنان وسورية، بشكل يمكن الحملة الأمريكية البريطانية من توسيع عملياتها
وتتجه صوب العراق، ولن يبقي من دول الطوق إلا مصر والأردن، وإذا كان دور
الأردن لن يخرج عما قام به في نشأة الدولة الصهيونية، إلا إذا حدث وعجز
الغرب عن فرض الصيغة التي يريدها لصالح إسرائيل. ساعتها سوف يدفع الأردن
الثمن، فيتلاشي كيانه، ويتحول إلي كيان بديل لفلسطين، وهذا الاحتمال في
ازدياد نظرا للوحشية التي يقوم بها شارون، والتي لم تترك أمام الفلسطينيين
إلا خيار الموت، وليس أمام الغرب إلا البحث عن حل، بشكل قد يفرض الاعتماد
علي الخطط البديلة، وفيها تتم التضحية بالكيان الأردني ليصبح وطنا بديلا
للفلسطينيين.
اتساع دائرة الحملة العدوانية جعلت خيار الاستشهاد
الفلسطيني هو الخيار المتاح، لأنه يخرج عن نطاق الضبط السياسي أو الأمني،
فمن يصل إلي هذه الدرجة من التضحية، يتلاشي لديه الخوف مما هو أدني، سواء
كان ذلك ناتجا عن تعذيب أو سجن أو ملاحقة، وعندما تصل الأمور إلي هذا
المستوي تصبح المعاهدات، التي ينقضها العدو بنفسه، لا تساوي قيمة الحبر
الذي كتبت به، أو ثمن الورق الذي سجلت عليه، وتكون احتمالات فلتان الزمام
أكبر من احتمالات ضبط النفس وأكبر من ترف التحلي بالحكمة !!.
ومع ذلك فإن هذه الدرجة العالية من التضحية ما زالت
غير مقنعة للغرب وغير مؤثرة في قراراته، لأن الوضع العربي والاسلامي
الرسمي المتردي ما زال يغريه بالتمادي والسعي إلي الاستيلاء علي المنطقة
غنية الموارد والثروات، وأصبح كل من هب ودب ساعيا إلي الوراثة والحصول علي
نصيب من الغنيمة، وقد لفت نظرنا، نحن الذين نعيش في بريطانيا، أنه في يوم
عبور القطع الحربية والبحرية البريطانية قناة السويس، في طريقها إلي بحر
العرب والمحيط الهندي، للاشتراك في الحملة ضد أفغانستان، كانت مشاعر الفرح
واضحة في عناوين بعض الصحف الانكليزية، ليس بسبب الذهاب إلي أفغانستان
فقط، إنما بسبب عودة الأمل بالرجوع إلي مصر، وكان ضمن هذه العناوين
الرئيسية عنوان يقول عودة بريطانيا إلي السويس مع صورة للبوارج والقطع
العسكرية تحتل نصف الصفحة الأولي، بكل ما يحمل هذا العنوان من دلالة
استعمارية عدوانية وأطماع قديمة كنا نظن أن الزمن تجاوزها.
الحملة الأمريكية البريطانية علي جبهة الدول
الاسلامية، في وسط آسيا، التي من المتوقع أن تمتد إلي جنوب آسيا والخليج،
ومعها الحملة الصهيونية علي الجبهة العربية في فلسطين، والمتوقع أن تمتد
إلي لبنان وسورية تفتح الباب إلي عودة التقسيم الاستعماري من جديد إلي هذه
المناطق، ومن الواضح أن مصر دخلت ضمن هذا التقسيم، وقد تكون من نصيب هذا
الطرف أو ذاك، وإذا ما وجدنا أن الطرف البريطاني ما زال هو الأكثر مساهمة
في الحملة الحالية، فبالقطع فإنه ينتظر نصيبه من الغنيمة التي قد تكون
عودة بريطانيا إلي السويس تحقيقا للأمنية التي عكستها صحف بريطانية
مؤخرا.!!
قد يستمر اندهاش المندهشين لهذا الكلام، وأذكر أنني
عندما كتبت من عدة سنوات أثناء الحرب السوفييتية الأفغانية مقالا بعنوان
مجاهدون في أفغانستان إرهابيون في فلسطين تنبيها إلي خطأ الأولويات في
المعارك وخطيئة الرهانات في العلاقات، فالذين حاربوا الالحاد السوفييتي،
مع أنه لا إكراه في الدين ، نسوا فلسطين وأداروا ظهورهم لها. عندما كتبت
هذا المقال قامت قيامة المجاهدين ولم تهدأ إلا بعد أن رأوا شرر الغدر
تتطاير من عيون الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت في ملاحقتهم
وتصفيتهم!!.
المقدمات واضحة، وكلها تشير إلي إمكانية ضرب مصر، ومن
يرصد العمل علي الجبهة الاعلامية الغربية والصهيونية، يستطيع استنتاج ذلك،
ومن يتابع تصريحات المسؤولين لا يخطئ الحدس. فأثناء عمليات القصف المركز
علي مراكز السلطة الفلسطينية، وبعد أن أعطي الرئيس الأمريكي الضوء الأخضر
لشارون، سئل الرئيس الأمريكي عن الموقف من أصدقاء أمريكا العرب. قال العرب
أصدقاء ، أما الاسرائيليون فحلفاء، ووصف الأصدقاء العرب بأنهم كذابون
ومخادعون، وكيف يثق فيهم وهم يكذبون علي شعوبهم ويخدعونها!!.
اللغة التي استخدمها في وصف الحلفاء اليهود كانت نقيض
اللغة التي تعامل بها مع الأصدقاء العرب، فالحلفاء، حتي لو كانوا بقيادة
مجرم حرب بمستوي شارون، أكثر صدقا مع الادارة الأمريكية - حسب تعبير
الرئيس الأمريكي - ومع شعوبهم وأنفسهم، ومعني هذا أن التخلص من الأصدقاء
أصبح ضروريا ومهما لمستقبل المصالح الأمريكية الصهيونية. وهذا يفسر خلفية
الحملة الأمريكية علي أهم أصدقاء الولايات المتحدة في القاهرة والرياض.
وبالنسبة لمصر، هناك كم هائل من المعلومات الباعثة علي
الارتياب في نوايا السياسة الأمريكية تجاهها. ومن هذه المعلومات ما ورد في
تصريحات وتقارير ومقالات بحاث وكتاب في مراكز وصحف وأجهزة اعلام أمريكية
وبريطانية، وكان أهمها التقرير الذي نشر نهاية الشهر الماضي، مشخصا
الدوافع التي وقفت وراء أحداث سبتمبر، ومنها دافع فشل العديد من الدول
الاسلامية في تشكيل حكومات عصرية، تستجيب لاحتياجات شعوبها واحتياجات
المجتمعات المدنية، التي لا يسمح لها سوي بأقل مستوي من النقاش
والديمقراطية، اعتبر التقرير هذا الفشل دافعا رئيسيا وراء الحدث المروع.
وفي تركيزه علي مصر وصفها بأنها فشلت في تقديم برنامج سياسي عصري، أو
التقدم برؤية ملموسة عن التقدم، وتوقع سقوط النظام كضحية للحملة الدولية
ما لم يتبن سياسات لا تهادن الارهاب، هذا مؤشر أول علي ما يمكن أن يحدث من
تشجيع للتغيير بالعنف في مصر. والمؤشر الثاني كما ورد في التقرير هو علي
مصر أن تتبني سياسات أكثر تحررا، وتوفر المزيد من الفرص الاقتصادية
والمشاركة السياسية.
وقد صدم هذا البعض المراهن علي العلاقات الخاصة
والتحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر، لكن هؤلاء تناسوا ما جري
لشاه إيران وماركوس الفلبين ونورييغا بناما وسوهارتو اندونيسيا وغيرهم،
وتجاهلوا المبررات المعدة المعتمدة علي استغلال فشل الحكومة في مصر في
علاج الأزمة الاقتصادية. للتعبئة ضدها وتهيئة الرأي الغربي للعدوان عليها،
مع أن هذه الأزمة أحدثتها الغواية الأمريكية وبرامج الاصلاح الاقتصادي
الموضوعة من قبل منظمات أمريكية!.
والوضع الأمني في مصر الذي كان علي الهوي الغربي
والصهيوني صار معيبا. وضعت مصر ضمن قائمة الدول الخطرة من قبل منظمة النقل
البحري الدولية، بعد أحداث سبتمبر، وهذه القائمة تضم سبع عشرة دولة خطيرة.
وتم رفع أسعار النقل منها وإليها، مع سورية ولبنان والأردن وفلسطين،
أضعافا مضاعفة، ولم تدرج الدولة الصهيونية في هذه القائمة!!.
ولا يجب أن نتجاهل الضجة المفتعلة حول صفقة أسلحة
أمريكية لمصر، وادعاء أن مصر تسعي للحصول علي صواريخ من كوريا الشمالية،
هذا علي الرغم من القيود المفروضة علي استخدام مثل هذا السلاح بحيث لا
يوجه ضد إسرائيل!!. وهي ضجة متزامنة مع الحديث عن محاربة الارهاب،
ومتزامنة مع الاجماع الذي عم أوساط أمريكية بضرورة قيام واشنطن بقيادة
حملة لتغيير القلوب والعقول في العالم الاسلامي لوجود مشاعر مناهضة
لأمريكا تهدد الاستقرار في مصر والسعودية وباكستان.
المخطط الأمريكي لمعالجة الظروف التي سمحت لأسامة بن
لادن من تجنيد انتحاريين، وزرعت الكراهية للسياسة الأمريكية في العالم
الاسلامي، يقوم علي تجفيف المنابع المغذية للارهاب، ولما كانت هناك قناعة
بأن المدارس الدينية الأفغانية هي التي نشرت الارهاب ، فان الأوساط
الأمريكية بدأت تنظر إلي انتشار التعليم الديني (الأزهري) في مصر نظرتها
إلي المدارس الدينية التي تخرج منها الطالبان، وتنظر إلي الدور المتنامي
للاخوان المسلمين باعتباره رافدا من روافد العنف السياسي، يستوجب التدخل
قبل تفاقم الأوضاع، خاصة أن أغلب قادة تنظيم القاعدة مصريون. هذا مع أن
الوضع في مصر مختلف عن أفغانستان، فلم يكن من بين هؤلاء أزهري، إذا ما
استثنينا الشيخ عمر عبد الرحمن، وأغلبهم من خريجي الكليات، ذات الطابع
المهني والعملي، كالطب والهندسة، والتفاصيل فيه كثيرة لا يتسع المجال
لذكرها في هذا الحيز المحدود.
هذا يدفعنا إلي القلق، ويجعلنا نحذر من التهوين من شأن
الموقف الأمريكي الغربي تجاه مصر، ولهذا علي الدولة أن تعيد النظر في كل
نقاط الضعف التي تعاني منها، وتهيئ الشعب لاحتمالات العدوان، وتعمل علي
تزكية الروح الوطنية الغائبة، وإحياء التضامن العربي، وتهيئة الاقتصاد
لمثل هذا الطارئ، وتعمل علي الحيلولة دون وقوع عدوان علي أي بلد عربي،
فقوة أي بلد عربي قوة لمصر، وعلي أولياء الأمور أن يزيدوا من فعالية ودور
الجامعة العربية، وهيئات ومنظمات العمل العربي المشترك، لكي لا تكون
العزلة مشجعة علي مثل هذا العدوان
فهل فعلا يمكن للغرب او تحديدا امريكا ضرب مصر ؟