يقدم تقرير معهد “ستوكهولم” لأبحاث السلام الدولي:
Water Security and Governance in The Horn of Africa…
“الأمن المائي والحوكمة في القرن الأفريقي”، تحليلا إقليميا للروابط بين البيئة والسلام والأمن في القرن الأفريقي من خلال تناول التقرير خلفية مُختصرة عن السياق الجيوسياسي والأمني ومُلخص للمخاطر الأمنية المُتعلقة بتغير المناخ بمنطقة القرن الأفريقي.
ويدلل التقرير على ذلك بدراسة حالتين رئيسيتين يُنظر إليهما على أنهما ذو صلة أساسية بالسلام والأمن الإقليمي؛
حوض نهر النيل وخاصةً النيل الأزرق،
وحوض نهري جوبا– شبيلي، ويخَتتم التقرير بتحليل القيود السياسية ونقاط الدخول المُحتملة لمُعالجة المشهد متعدد الأوجه في المنطقة.
أولاً: السياق الجيوسياسي والأمني
القرن الأفريقي – يُعرف على أنه الدول الأعضاء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد):
جيبوتي، إريتريا، إثيوبيا، كينيا، الصومال، جنوب السودان، السودان، وأوغندا، ويبلغ عدد سكانها 230 مليون نسمة، 80٪ منهم يعتمد على الزراعة، هذه المنطقة معرضة بشدة لآثار تغير المناخ مثل الجفاف والفيضانات، فضلاً عن التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتدهور سبُل العيش ما يؤدي إلى زيادة الهجرة والنزوح.
تواجه دول القرن الأفريقي عدة مشكلات؛ الفقر، الوصول المحدود أو غير المتكافئ إلى الموارد الطبيعية، التوترات الإثنية بين فئات المجتمع، وضعف مؤسسات الدولة في توفير الأمن، وانعدام الثقة في سلطة الدولة وشرعيتها. علاوة على ذلك، تواجه المنطقة العديد من “الاتجاهات الضخمة”؛ تزايد النمو السكاني وبطالة الشباب، تغير المناخ وزيادة الطلب على المياه والغذاء والطاقة، وطفرة استكشاف واستخراج الموارد الطبيعية (النفط والغاز والذهب والمعادن)، وخلافات الموارد الطبيعية عبر الحدود، والمنافسة الجيوسياسية العالمية في مضيق البحر الأحمر.
شكل رقم (1): يوضح توزيع القواعد العسكرية الأجنبية بمنطقة القرن الأفريقي
تشهد منطقة القرن الأفريقي تطورات دولية مهمة، حيث
استثمرت دول الخليج؛ قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل كبير في المنطقة خاصةً في إثيوبيا والسودان، وتراوحت هذه الاستثمارات بين الزراعة، والتصنيع والنقل والخدمات اللوجستية والطاقة والبنية التحتية. بالإضافة إلى هذه الاستثمارات، وسعت دول الخليج حضورها فيما يتعلق بجهود مُكافحة القرصنة وانعدام الأمن البحري من خلال تواجد القوات البحرية وجاء ذلك كمقدمة للتدافع على الموانئ والقواعد العسكرية بالمنطقة، حيث استثمرت الصين، اليابان، الهند، تركيا، الولايات المتحدة، الإمارات العربية المتحدة ودول أوروبية في البنية التحتية مثل الموانئ التجارية والقواعد العسكرية.
بالإضافة إلى الاهتمام الجيوسياسي والموانئ البحرية التجارية ذات الصلة، تأتي أهمية الوصول إلى الموانئ خاصةً لإثيوبيا وجنوب السودان، حيث حصل جنوب السودان على الاستقلال كدولة غير ساحلية عام 2011، وأصبحت إثيوبيا دولة غير ساحلية عام 1993 باستقلال إريتريا.
ونتيجة لذلك، تعتمد إثيوبيا وجنوب السودان على جيرانها للوصول البحري إلى الأسواق الدولية، حيث استثمرت إثيوبيا مع كينيا في
ميناء “لامو” ممر النقل بين جنوب السودان وإثيوبيا، ولكن تسعى إثيوبيا وجنوب السودان لمنافذ أخرى في دولة جيبوتي والصومال. وعليه، طبقت إثيوبيا نهج
” فرق تسد” في الصومال، وقامت بتطوير ميناء بربرة عام 2017 لتعزيز تنميتها الاقتصادية.
ثانياً: الصراعات والمخاطر المحلية
تَحفل منطقة القرن الأفريقي بالعديد من الصراعات الداخلية في جميع بلدان المنطقة، ولا سيما الصومال، بالإضافة إلى النزاعات والعنف عبر الحدود، بعضها حديث مثل نزاع الحدود البحرية بين كينيا والصومال (2014)، والخلاف بين جنوب السودان والسودان على الأراضي الغنية بالموارد (النفط والغاز)، والصراع الداخلي على السلطة وحكومة الوحدة في جنوب السودان. وعلاوة على ذلك، الخلافات حول تخصيص الموارد والوصول إليها في المنطقة. ومن ناحية أخري،
توقفت الأعمال العدائية بين إريتريا وإثيوبيا بالتوقيع على إعلان مشترك للسلام والصداقة، وقدمت إريتريا عرض لتطبيع العلاقات مع جيبوتي والصومال، ولكن جيبوتي لم توافق عليه.
أصبحت أنماط هطول الأمطار أكثر تباينًا عبر المنطقة، وتزايدت دورات الجفاف، ومن المتوقع مع ارتفاع درجات الحرارة أن تتحول المناطق الزراعية إلى الجنوب، وكذلك ترك مناطق الشمال، وزيادة الطلب على المياه المتاحة، مما يزد من التعرض إلى الإجهاد المائي في أجزاء كبيرة من المنطقة، ويمكن أن تحدث هذه النزاعات بين الدول على الموارد العابرة للحدود وكذلك داخل الدول على تخصيص الموارد المحلية مثل المياه والأراضي مما يتطلب ذلك تأمين الوصول إلى المياه واستخدامها.
شكل رقم (2): يوضح العلاقة بين التعرض لتغير المناخ والهشاشة السياسية في القرن الأفريقي
تختلف تأثيرات تغير المناخ في جميع أنحاء المنطقة؛ نحو الشرق بين شمال كينيا وجيبوتي تكون الظروف قاحلة وشبه قاحلة. في المقابل، المرتفعات الغربية باردة ورطبة في ظل عدم انتظام أنماط هطول الأمطار مما يتسبب في موجات الجفاف والفيضانات، كما زادت درجات الحرارة السطحية بشكل ملحوظ في شرق أفريقيا مع أعلى درجة للاحترار في كينيا عام 2006، ومن المرجح أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 0.2 – 0.5 درجة مئوية لكل عقد، وتتضح العلاقة بين التغير المناخي والصراع العنيف في منطقة شرق أفريقيا من خلال أربعة مسارات:
- تدهور ظروف المعيشة: بسبب تأثير تغير المناخ (الجفاف) على الزراعة والثروة الحيوانية يُفاقم من سُبل عيش المزارعين والرعاة للاعتماد الكبير على الموارد الطبيعية من أجل الغذاء، وتدفع هذه الأوضاع الأفراد للانضمام إلى الجماعات المُسلحة واللجوء إلى العنف ويتضح ذلك في الصومال.
- زيادة الهجرة وتغيير أنماط الحركة الرعوية: تؤدي التحديات البيئية وما يرتبط بها من مصاعب إلى انتقال الأفراد نحو مناطق ذات موارد أعلى، والهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر، حيث يجبر تغير المناخ الرعاة على التحرك ما وراء أنماط الهجرة الموسمية التقليدية نحو الثروة الحيوانية الجديدة، وانتهى أمر بعض الرعاة في أراضي غير مألوفة بحثًا عن المراعي والمياه من أجل ماشيتهم، مما فاقم من التوترات بين الرعاة والمزارعين على الأراضي.
- اعتبارات تكتيكية: تستغل الجماعات المُسلحة مواقع الصراعات مثل الجغرافية والمسافة والتضاريس والبنية التحتية والتوزيع المكاني لتحقيق طموحاتها الاستراتيجية من الموارد في إثيوبيا وكينيا وأوغندا، وتستخدم الجماعات المسلحة التأثيرات المناخية والاحتياجات الإنسانية الناتجة لمصلحتهم مثل حركة شباب المجاهدين في الصومال.
- استغلال النخب: تستغل النخب السياسية سلطتها باحتلال الأرض بعد موجات الفيضانات أو الجفاف والتي أدت إلى نزوح الفئات المهمشة الضعيفة، حيث تستفيد النخب من المظالم المحلية كما في جنوب السودان والسودان.
ثالثاً: دراسات الحالة
1- حوض النيل
يعتبر نهر النيل أطول نهر في العالم، يغطي النيل عُشر القارة الأفريقية بمساحة تجمعات مياه تبلغ 400000 متر مكعب موزعة بشكل غير متساوٍ في جميع أنحاء المنطقة وجميع دول القرن الأفريقي باستثناء الصومال وجيبوتي دولتان مشاطرتان لحوض النهر، كما يُعد مصدر رزق لخُمس سكان إفريقيا حوالي 300 مليون شخص، والمورد الوحيد للمياه في مصر والسودان.
شكل رقم (3): يوضح هطول الأمطار في حوض النيل، خرائط الجريان السطحي والسكان (الخرائط من عام 2010 وبالتالي تستثني جنوب السودان).
نهر النيل، مورد أساسي للحياة الاقتصادية والحياة اليومية في المنطقة، وكان أيضاً مصدرًا قديمًا للتوترات الاجتماعية والسياسية، ولكن لم تترجم العلاقات المائية العابرة للحدود إلى عنف مُسلح. ومع ذلك، كانت هناك مخاوف مستمرة من أن النزاعات ستؤدى إلى صراع عنيف إذا لم يتم حلها سلمياً،
حيث استغلت إثيوبيا أحداث عام 2011 في مصر وقامت ببناء سدّ النهضة بشكل أحادي. على الرغم أن العمل المؤسسي لسدّ النهضة بدأ قليلاً قبل عام 2011. وعليه، أصبح تخصيص مياه النيل الأزرق التحدي الأمني الحاسم في المنطقة.
تري إثيوبيا بناء سدّ النهضة ضروري للتنمية الوطنية، واستخدامه سيضاعف إنتاج الطاقة في إثيوبيا، وتمكينها من بيع فائض الطاقة إلى البلدان المجاورة. ومع ذلك،
يُنظر إلى بناء السدّ على أنه تهديد لإمدادات المياه لمصر والسودان، وتتمثل نقاط الخلاف في الوقت الحالي حول خطط تشغيل السدّ والإطار الزمني لملئه. ومن المتوقع أن يكون لتغير المناخ تأثيرات كبيرة على هطول الأمطار ودرجة الحرارة في حوض النيل، حيث يؤثر تغير المناخ بشكل مباشر على الأنماط الهيدرولوجية في حوض النيل وبشكل غير مباشر يؤثر على الطاقة والغذاء والإنتاج الزراعي في المنطقة. وفقاً لدراسة حديثة تظهر الآثار بعيدة المدى التي قد تترتب على السيناريوهات المناخية المختلفة،
من المتوقع أن يؤدي انخفاض هطول الأمطار بنسبة 10% إلى تقليل معدل الجريان السطحي في المنطقة المدارية بنسبة 19% وانخفاض معدل الجريان السطحي في المناطق الجافة بنسبة 30 %. في المقابل، زيادة هطول الأمطار بنسبة 10 % سيؤدي إلى زيادة بنسبة 14 % في جريان المياه في المنطقة الاستوائية وزيادة بنسبة 22 % في المنطقة القاحلة.
شكل رقم (4): يوضح حالات الشذوذ في هطول الأمطار ودرجة الحرارة في حوض النيل (1979 – 2013)
تمثل هذه التنبؤات إشكالية كبيرة لمياه النيل كمورد رئيسي، حيث
تعتمد مصر والسودان بشكل كبير على موارد مياه النيل لتلبية الطلب السريع والمتزايد من السكان، وعلاوة على ذلك سيؤدي التغير المناخي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والسياسية الحالية من خلال التغيير في دورات الزراعة التي تجعل من الصعب على المزارعين التخطيط لزراعة المحاصيل وزيادة الهجرة والصراعات الداخلية في المنطقة.
وبالنسبة لمنطقة حوض النيل؛ التي تشترك في حوض مائي واحد مع 11 دولة، ولها تاريخ طويل من التوترات السياسية والدبلوماسية في النيل، ونتج عن ذلك
توترات بين الدول المشاطئة الرئيسية الثلاثة (مصر وإثيوبيا والسودان). ويتفاقم هذا التحدي أكثر بسبب تغير المناخ وتزايد الضغوط من تضاعف عدد سكان حوض النيل والضغوط على الموارد المائية بين الدول المشاطئة لنهر النيل خلال السنوات القادمة. وعليه،
أمر ضروري إنشاء إطار مؤسسي قانوني دائم للاستخدام العادل والإدارة التعاونية وإدراج تغير المناخ في الاستراتيجيات الوطنية لتعزيز التنمية في المنطقة لتكون حافزا للسلام والتعاون.
2- حوض نهري جوبا – شبيليجوبا وشبيلى؛ أنهار الصومال الرئيسيان، وتشترك إثيوبيا وكينيا والصومال في حوض جوبا – شبيلي، تبلغ مساحة حوض جوبا 452000 كيلومتر مربع، ويلتقي نهري شبيلى جوبا داخل الصومال، وتساهم مستويات عالية من الأمطار في المرتفعات الإثيوبية في الجريان السطحي للحوض. في حين أن متوسط هطول الأمطار السنوي في حوض جوبا شبيلى ما يقرب من 550 ملم و455 ملم على التوالي، ومستويات هطول الأمطار أعلى بشكل ملحوظ في منابع الأنهار بالمرتفعات الإثيوبية.
شكل رقم (5): يوضح متوسط الأمطار وخرائط الجريان السطحي في حوض نهري جوبا – شبيلي يشمل حوض جوبا وشبيلي جغرافيا تقريبًا ثلث إجمالي مساحة الأراضي في إثيوبيا وكينيا والصومال، على الأقل المناطق المتقدمة في كينيا والصومال، والأحواض تشمل مساحة 174000 كيلومتر مربع، وتحتل كثافة سكانية عالية واقتصادية ومناطق مهمة داخل الدولة.
من الدول المشاطئة الثلاثة في حوض جوبا- شبيلي، تمتلك إثيوبيا والصومال أوضح المصالح المحلية في الموارد المائية للحوض. في حين إن كينيا لديها مصالح أقل في الحوض بسبب الموقع الجغرافي، وتتميز المنطقة المحيطة للحوض بالحروب الأهلية وانهيار الدولة، ولم يكن هناك اتفاق ثنائي يحيط بالتعاون حول استخدام الأنهار والموارد المائية لحوض جوبا- شبيلي.
في عام 1989، أكملت الصومال خطة رئيسية لتطوير وادي جوبا والتي تضمنت
سدّ “برد هيري” Baardheere على نهر جوبا، حيث ينظم السدّ تدفق النهر والمساعدة في تعزيز إنتاج الطاقة وضمان الأمن الغذائي بعد أن تقدمت الصومال بطلب للحصول على تمويل للسدّ من البنك الدولي عام 1983 بسبب سياسة تمويل مشاريع الممرات المائية الدولية التي قد يكون لها آثار ضارة على الدول الأخرى. وفى وقت لاحق أثارت إثيوبيا اعتراضات على السدّ مشيرة إلى عدم النظر في استخدام إثيوبيا للحوض مستقبلاً، والاعتراضات على تطوير الصومال للحوض سيكون زيادة مطالبتها بالموارد المائية في حالة المفاوضات.
بالإضافة إلى ذلك، اقترحت الحكومة الإثيوبية مفاوضات مع الصومال بشأن استخدام نهر جوبا، رفضت الحكومة الصومالية، فيما اقتراح البنك التفاوض مع إثيوبيا لأن جوبا تعبر منطقة أوجادين، المنطقة المتنازع عليها بين البلدين وطالبت بها الصومال منذ استقلالها.
وفى أوائل العقد الأول من القرن العشرين، بدأت إثيوبيا التخطيط لتنمية مواردها المائية الخاصة بها في حوض جوبا- شبيلي لإنتاج الطاقة المائية وأغراض الري
، لم تبلغ إثيوبيا الصومال عن نيتها بناء مشاريع معينة، وفي ظل غياب اتفاق دولي حول الموارد المائية، جادلت إثيوبيا أن قدرتها لا يجب تقييدها في بناء المشاريع. ويؤثر ذلك على قدرة كينيا على تطوير موارد المياه، وكذلك على موارد الصومال لتحقيق التنمية والرفاهية الاقتصادية، ومن المقرر أن يتم تشغيل “
سدّ جينال داوا الثالث” بسعة تخزين 2.57 مليار متر مكعب بتمويل من
الشركة الصينية Group Gezhouba في عام 2020.
تواجه الزراعة المروية وبناء السدود تحديات كبيرة على ضفاف نهري جوبا وشبيلي، حيث سقطت البنية التحتية للري والسيطرة على الفيضانات المستخدمة بسبب انعدام الأمن المستمر. اعتبارًا من 2018، شكلت الزراعة المروية 10% من الأراضي الصالحة للزراعة، ودعمت حوالي 4000 عائلة. وأشارت تقديرات البنك الدولي إلى أن
سدود المنبع في إثيوبيا قد تقلل من تدفق نهر شبيلي بأكثر من 80%، مما يعرض الزراعة المروية للخطر، وعملت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)على مساعدة الصومال لمُعالجة ندرة المياه وتدهور البنية التحتية لموارد المياه من خلال إنشاء مشروع إدارة معلومات المياه والأراضي الصومالية (SWALIM) في عام 2001 بهدف تمكين شعب الصومال ومساعدته على حماية موارده الطبيعية، وتحسين سُبل عيشهم من خلال تحديد البيانات المفقودة أو المحدودة حول الموارد المائية في الصومال.
الظروف المناخية لحوض نهري جوبا- شبيلي عموماً قاحلة أو شبه قاحلة مع متوسط درجات حرارة سنوية تتراوح من 25 درجة مئوية إلى 30 درجة مئوية، فيما تتراوح درجات الحرارة الدنيا والقصوى من حوالي 17 درجة مئوية في شهر يناير إلى 41.3 درجة مئوية في شهر مارس.
شكل رقم (6): يوضح خرائط هطول الأمطار ودرجات الحرارة في حوض جوبا – شبيلي (1979- 2013)
نماذج محاكاة الآثار المستقبلية لتغير المناخ والمشاريع على تدفق الأنهار في القرن الأفريقي سيكون هناك تخفيضات كبيرة في التدفق في الأنهار الرئيسية في إثيوبيا، تؤثر فيما بعد على المياه في البلد والحوض العابر للحدود، وتشير المحاكاة أن تدفقات النهر في إثيوبيا ستنخفض بمتوسط 10 -25% بحلول عام 2080 بسبب تفاعلها مع الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتغير المناخ على المستويين المحلي والوطني لإثيوبيا وكينيا والصومال.
وهكذا، في سياق
حوض جوبا – شبيلي، ترتفع درجات الحرارة وتتزايد وتيرة الجفاف وتناقص تدفقات الأنهار في إثيوبيا، وهي من أكثر البلدان المعرضة للجفاف في العالم، وسيكون لها آثار وطنية، ستؤثر هذه التغيرات المناخية على تدفقات الأنهار وسبل العيش المحلية والأمن في البلاد، وكذلك في دول مجرى أنهار إثيوبيا. وعلى العكس من ذلك، يمكن أن تؤثر زيادة مستويات الجفاف في الصومال على إثيوبيا، في نوفمبر 2019 أفادت حكومة إثيوبيا أن عدد اللاجئون الصوماليون يدخلون إثيوبيا بسبب الآثار المتفاقمة للجفاف.
وفى ظل الآثار المتزايدة لتغير المناخ تجعل
من الضروري التعاون وعمل اتفاقيات، والدعوة إلى الإدارة المشتركة للموارد من خلال اللجان المشتركة أو المؤسسات، واتفاقية المجاري المائية يمكن أن تكون إطار عمل محتمل لتعزيز الاستخدام العادل والمعقول من خلال الاعتراف بالاحتياجات والتحديات المختلفة لكل فاعل، ولكن افتقار الصومال لقدرات الدولة منذ حربها الأهلية يمثل تحديًا للتوصل إلى معاهدة أو مفاوضات حول موارد جوبا – شبيلي.
رابعاً: القيود السياسية ونقاط الدخول
1- القيود السياسية: هناك قيود تحد من إدارة الموارد الطبيعية وما يتصل بمرونة المناخ في القرن الأفريقي لا تزال قائمة. هذه القيود في كثير من الأحيان. إذا لم يتم تخفيفها، يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوترات وتعزيز احتمالية الصراع والمساهمة في زيادة انعدام الأمن البشري. وتتمثل هذه القيود في؛ ضعف مؤسسات الدول وانعدام الثقة بين البلدان. بالإضافة إلى وسائل محدودة لتطوير وتنفيذ سياسات وقائية، ويؤثر ذك على قدرات الدول للتعامل مع التحديات الأمنية لتغير المناخ.
وعلاوة على ذلك، التدخل في الشؤون الداخلية في دول أخرى أدى إلى ارتفاع مستوى عدم الثقة بين دول القرن الأفريقي. كما ساهم في صعوبة إدارة المياه والتعاون الإقليمي بشأن الموارد المائية، حيث كانت المياه أداة سياسية لأكثر من قرن في حوض النيل. القرارات من مختلف البلدان – بشأن قضايا الوصول إلى المياه وموارد الحكم على أراضيهم- يحتمل أن تكون لها آثار سلبية (الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية) على الدول الأخرى، وأمثلة على هذه الآثار:
- قرار إثيوبيا بشأن ميناء بربرة يقوض موقف الحكومة الصومالية لأنها تؤدي إلى الاعتراف الفعلي بأرض الصومال.
- الحكومتان الصومالية والكينية تتابعان من جانب واحد المصالح في المحيط الهندي وشرعت في تراخيص الاستكشاف على أساس مطالباتهم بالحدود البحرية، والتي لا يزال نزاعًا لم يتم حله.
- يؤثر قرار إثيوبيا ببناء سدّ النهضة على إمكانات استهلاك المياه في مصر والسودان.
- جعل استقلال إريتريا إثيوبيا دولة غير ساحلية في حاجة ماسة للوصول إلى منافذ الموانئ لأغراض تجارية وأمنية.
- تطوير المبادرات الإقليمية ستؤدي إلى أسئلة من يجب دعوته إلى طاولة المفاوضات، حيث تبدي بعض البلدان مثل إريتريا القليل من الاهتمام إلى مبادرات متعددة الأطراف، وبالتالي عرقلة الحلول الإقليمية للتحديات الإقليمية.
2- نقاط الدخول والتعاون في إطار المنظمات الإقليمية: في هذا السياق تعمل المنظمات الإقليمية في بعض الأحيان مع تفويضات متداخلة وتكوين متباين من الدول الأعضاء، يمكن لدول المنطقة اختيار المنظمات المختلفة لمُعالجة مخاطر تغير المناخ بما في ذلك الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد). وعليه، طورت هيئة “إيجاد” أدوات فعالة لتقييم المخاطر السياسية في مرحلة ما بعد النزاعات، ومنها آلية إعادة الإعمار والتنمية، والإنذار المبكر والاستجابة للصراع. ومع ذلك، فإن المتابعة محدودة من حيث طرح القضايا على جدول أعمال المنظمة.
وعدم وجود تفويضات وأدوار ومهام واضحة للمنظمات في المنطقة خاصةً للاتحاد الأفريقي، وهيئة “إيجاد” تساهم أيضًا في فعالية محدودة. على الرغم من توفر العديد من المؤسسات، يقترح منظمات جديدة كوسيلة للمضي قدمًا. ومع ذلك بالنسبة للمنظمات القائمة، يجب أن تكون شاملة اللاعبين الرئيسيين. ويتوجب أن تكون الترتيبات الجديدة شاملة نقاط الدخول والتغلب على القيود المحددة، وهناك ثلاث نقاط دخول سياسية رئيسية: (1) تغيير السرد من منظور وطني ضيق إلى المصالح الإقليمية والتعاون الإقليمي المُستقبلي.
(2) تطوير وتعزيز التشخيص عبر الحدود وبرامج العمل الاستراتيجية.
(3) تعزيز وتحسين الهيكل المؤسسي للمنظمات.
أولاً: تغيير السرد إلى مزيد من التعاون الإقليمي: تفرض
تحديات الأمن المائي في منطقة القرن الأفريقي الحاجة إلى سرد مُختلف يركز على الحلول المشتركة، حيث تدور التحديات حول الموارد الطبيعية بما في ذلك المياه والأراضي والطاقة، ومطلوب قيادة سياسية لتجاوز المصلحة الوطنية والتغلب على القضايا الحالية وتوفير أساس من الثقة، فضلاً عن حلول بشأن الأحواض المشتركة، وتوسيع نطاق المواضيع لتسمح بحوارات مختلفة في عدة مجالات، تتراوح بين المشكلات الحدودية والبيئية والاقتصادية، والقضايا الثقافية، ودمج الأمن البيئي والتحديات الأخرى أمر أساسي لتعزيز فرص كسب العيش وحماية الأمن، ويمكن أن تكون منظمة “الإيجاد” واحدة من منصات المساعدة في الحوارات الإقليمية وتيسير الحلول التعاونية.
ثانياً: تطوير التحليل التشخيصي العابر للحدود وبرنامج العمل الاستراتيجي: على الرغم من أن القيادة مهمة، إلا أن هناك حاجة إلى المزيد من الصلابة والمعلومات المقبولة بشكل مشترك، حيث أن غالبًا ما تكون البيانات متاحة على المستوى الوطني فقط، ولا يتم مشاركتها أو التحقق من صحتها إقليمياً؛ وهناك حاجة إلى بيانات مُوثقة لتوجيه السياسات وصناع القرار من أجل التعامل مع تحديات تغير المناخ. التحليل التشخيصي عبر الحدود (TDA) منهجية استخدمها برنامج الأمم المتحدة للبيئة في بلدان أخرى من العالم (مثل البحر الأبيض المتوسط) ومنظمات أخرى في سياقات مختلفة، والذي سيساعد على توفير معلومات علمية أكثر صلابة وتقاسمًا للتحليلات الفنية لتأثيرات تغير المناخ في القرن الأفريقي، وكذلك في مناطق جغرافية محددة، كما يجب استخدام هذه المعلومات لوضع برنامج عمل استراتيجي (SAP)- وثيقة سياسات لحل المشكلات ذات الأولوية وتحديداً المياه العابرة للحدود، ويتطلب ذلك
مجموعة من الخطوات يمكن توضيحها على النحو التالي: الخطوة الأولي (القيادة والتنسيق): يتطلب إعداد التحليل التشخيصي وبرنامج العمل الاستراتيجي للعملية السياسية التي تشمل مختلف أصحاب المصلحة، إلى أن يقودها مُمثل مستقل لتسهيل المشاركة الكاملة لأصحاب المصلحة، وتقصي الحقائق والشفافية بين القطاعات لوضع السياسات وبناء الإجماع التدريجي وإدارة المخاطر والشمول من الشراكات والإجراءات المتسقة والالتزام الحكومي.
الخطوة الثانية (بناء وتبادل المعرفة): يمكن لسرد جديد أن يسمح بتنظيم سلسلة من المشاورات واجتماعات التعاون بين أصحاب المصلحة، ولذا مرحلة التحضير ضرورية لتوافق الآراء بدءًا من مشاركة المعلومات، ومُتابعة الأنشطة ذات الطبيعة
العملية مثل:
- تعيين الفرق والمنسقين الإقليميين والوطنيين.
- جمع المعلومات والبيانات وتحليلها لتوفير المراجع لإعداد التحليل التشخيصي العابر للحدود.
- تقييم آثر لتغير المناخ لتحليل الأهمية النسبية لمختلف الآثار على المنطقة، وتحديد أولويات المشاكل العابرة للحدود المتعلقة بالبيئة.
- تحليل أصحاب المصلحة للتحقق من مصالح المجموعات والأفراد.
- التحليل المؤسسي لما هو موجود من آليات صنع القرار.
- تحليل قانوني وسياسي لتوفير الأساس للإصلاحات القانونية والسياسية على المستوى الإقليمي.
الخطوة الثالثة (تحديد المخاطر والاستجابات الرئيسية):
- استعراض القضايا العابرة للحدود ذات الأولوية المُتعلقة بتغير المناخ، ويتم الاتفاق عليها من قِبل المنسقين والفرق الوطنية لاستخدامها كمرجعية لوضع بيانات أولويات المشكلات البيئية.
- إبراز أهداف ومؤشرات وأهداف السياسة الإقليمية لتحديد إجراءات البرنامج الاستراتيجي للتخفيف من حدة التغير المناخي.
- إجراء دراسات جدوى مشتركة لتحديد أفضل خيارات لإدارة المشاكل المحددة.
- يجب أن تكون الخيارات من قِبل الحكومات والجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة، وإجراء الاستشارات الفنية والإبلاغ عنها على المستوى السياسي.
- الاتفاق على الأهداف التشغيلية قصيرة ومتوسطة الأجل لتحديد الأطر المؤسسية الوطنية والإقليمية المطلوبة.
الخطوة الرابعة (بناء الثقة): يجب أن تؤدي هذه الأنشطة إلى تزايد الشراكات على أساس المنافع المشتركة المتفق عليها في الإدارة البيئية بالتوازي مع هذه العمليات التقنية والسياسية.
ثالثاً إنشاء بنية مؤسسية جديدة: إنشاء بنية مؤسسية جديدة لإدارة الموارد المائية في المنطقة هي نقطة دخول مؤقتة تحتاج إلى النظر فيها، وقد تكون هناك حاجة إلى إعادة تقييم حاسمة للأهداف والأطر الهيكلية والاتفاقات المؤسسية القائمة، ويمكن الاستفادة من مناطق وأحواض أخرى في إفريقيا، على سبيل المثال، لجنة
حوض نهر الزمبيزي، أو منظمة حوض نهر السنغال كمثال لنماذج أحواض الأنهار الناجحة، والأمر متروكًا لوكلاء رئيسيين لإنشاء بنية مشاركة وتقييم العناصر والقيمة المضافة المحتملة لهذا النموذج لأحواض الأنهار في القرن الأفريقي.
https://marsad.ecsstudies.com/33914/