كتابه الباحث محمد الكناني
خرافة بوابات السماء وإطلاق الأقمار الصناعية من أماكن محددة على كوكب الأرض ،،أعلنت وكالة الفضاء المصرية أمس الإثنين على لسان رئيس التنفيذي الدكتور / محمد القوصي، أن إطلاق الأقمار الصناعية ليس رفاهية تحاول مصر التمتع بها لكنها واجب لابد من الوصول له، وقد تم إجراء الدراسات الخاصة بأن يكون لدى مصر منصة إطلاق، فهي تملك كوادر فنية وعلمية متميزة تعلم في مجال صواريخ الإطلاق فيما يخص ميكانيكا الصاروخ وتوجيهه، ولكن ينقصهم التطبيق العملي لأنهم لم يسبق لهم التطبيق.
وبعد تلك التصريحات خرج علينا الكثيرون بالخرافة الشهيرة المنتشرة بأن هناك أبواباً للسماء تتطلب وجود مواقع إطلاق بعينها يمكن من خلالها الانطلاق بالصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية والمركبات للفضاء.
والحقيقة العلمية تختلف تمام الاختلاف عن تلك الخرافة، وتنص على أن الوصول للمدارات المخصصة للأقمار الصناعية يكون أكثر سهولة في حال إطلاق الصواريخ الفضائية من المواقع القريبة من خط الإستواء في الإتجاه الشرقي لتعظيم الإستفادة من سرعة دوران الأرض حول نفسها ( تدور في اتجاه الشرق بسرعة 465 متر / ث )، مما يوفر التوجيه اللازم للوصول للمدار الجغرافي الثابت حول الأرض Geostationary Orbit، وهو مدار دائري يقع فوق خط الإستواء على إرتفاع 36 ألف كم، والذي يسمح للأقمار الصناعية بأن تتم دورتها في فترة زمنية مساوية لفترة دوران الأرض حول نفسها ( 24 ساعة ) فتظهر للمراقب وكأنها ثابتة لا تتحرك، مما يجعله مناسبا للأقمار الخاصة بالإتصالات ( كقمر TIBA-1 المصري للاتصالات المُطلق من شمال شرقي أمريكا الجنوبية في نوفمبر 2019 ) وأقمار الأرصاد الجوية، فلا تكون هناك حاجة لتحريك هوائيات الإستقبال الأرضي بشكل دائم لمتابعتها.
وهناك مداراً أخر يُسمى " المدار القطبي Polar Orbit " الذي يمر فوق القطبين الشمالي والجنوبي للأرض، بحيث يدور القمر حول الأرض بشكل رأسي ليقطع خط الإستواء بشكل متكرر على فترات زمنية ثابتة كل يوم، وتقع تلك المدارات القطبية الخاصة في نطاق المدار الأرضي المنخفض Low Earth Orbit LEO الواقع على إرتفاع ما بين 160 و1000 كم فوق سطح البحر، وهي مناسبة لأقمار التجسس والاستطلاع والمراقبة ( كالقمر المصري Egyptsat-A ).
وتحلق الأقمار في ارتفاعات 600 - 800 كم تقريباً على سرعة 7.5 كم / ث ( 27 الف كم / س ) لتستطيع تحمل مقاومة مجال الجاذبية الأرضية والاحتكاك بالغازات في طبقة الإكزوسفير Exosphere الواقعة على ارتفاع 500 - 1000 كم، وتكون لتلك الأقمار زاوية ميلان مدارية Orbital inclination مقاربة لـ90° من خط الإستواء، كما أنها تمر بخط طول مُختلف في كل دورة لها حول الأرض، فلا تكون ثابتة ومرتبطة بخط طول معين. وسبب تواجد تلك الأقمار في المدار المنخفض لتكون قادرة على تنفيذ عمليات المراقبة والإستطلاع عالي الدقة للأرض بواسطة المستشعرات الكهروبصرية والحرارية والرادارية. وبالتالي فإن أفضل المواقع المناسبة للإطلاق هي تلك القريبة من القطب الشمالي كالسويد والنرويج وكندا وروسيا وكازاخستان [ كما حدث مع قمر Egyptsat-A المُطلق من قاعدة بايكونور في فبراير 2019 ] ) والقطب الجنوبي ( كجنوب إفريقيا ).
* أيضاً الصواريخ الباليستية العابرة للقارات تنطلق لخارج الغلاف الجوي في مرحلتها الثانية وتحلق في الفضاء لفترة من الزمن قبل أن تعاود الدخول للغلاف الجوي مرة أخرى في مرحلتها الثالثة والأخيرة التي تحوي الرؤوس الحربية استعداداً لمهاجمة الهدف. وتلك الصواريخ -بعيداً عن منصات الإطلاق الأرضي- يمكن إطلاقها من الغواصات النووية من أي موضع بحري في العالم كله دون أية مشكلات طالما كانت أهدافها نقع ضمن نطاق تغطيتها الذي يتجاوز الـ6000 كم.
* هناك العديد من مواقع الإطلاق الفضائي للصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية، في عدد من دول العالم وهي :
- الولايات المتحدة ( 8 مواقع منها 2 في هاواي وجزر مارشال بالمحيط الهادىء والباقين في فلوريدا وكاليفورنيا وألاسكا وفيرجينيا ).
- روسيا ( 3 مواقع ).
- البرازيل ( موقع واحد )
- جويانا الفرنسية ( موقع واحد شمال شرقي أمريكا الجنوبية وينطلق منه قمر الإتصالات المصري TIBA-1 ).
- السويد ( موقع واحد )
- النرويج ( موقع واحد)
- كازاخستان ( موقع واحد في بايكونور وإنطلق منه قمر الاستطلاع والمراقبة المصري Egypsat-A ).
- الصين ( 3 مواقع ).
- الهند ( موقع واحد ).
- اليابان ( موقعين ).
- كوريا الجنوبية ( موقع واحد ).
- استراليا ( موقع واحد ).
- الأراضي المحتلة ( موقع واحد في قاعدة بالماخيم الجوية الإسرائيلية المُطلة على البحر المتوسط ).
هناك مواقع اخرى غير نشطة في الوقت الحالي، ومواقع يجري تجهيزها في كل من استراليا وإندونيسيا وكندا وجنوب إفريقيا.
وبالتالي لا يوجد ما يمنع إطلاق الصواريخ الفضائية من مصر دون مشكلات ولا بوابات ولا شوارع ولا حواري، إلا فيما يتعلق بدراسة التكلفة اللازمة لإنشاء وتجهيز منصة الإطلاق وما يلزمها من تجهيزات وكذا تكلفة وسيلة الإطلاق نفسها وهي الصواريخ سواء كانت مُدبّرة من دولة أجنبية كبداية أو سيتم بناؤها محلياً بدعم تقني خارجي على المدى الطويل. وهذا ليس بالأمر البسيط أو الهيّن، حيث يُعد طفرة نوعية هائلة على المستوى الاستراتيجي في تقنيات الصواريخ المرتبطة بشكل وثيق بالشأن العسكري والدفاعي، وسيتطلب إرادة سياسية وجهوداً علمية ومالية هائلة، ولكنه أيضاً -طبقاً لطموحات الدولة المصرية وفي ظل القيادة السياسية الحالية- لن يكون بالأمر المستحيل بإذن الله.
* الصورة الأولى توضح المدار الجغرافي الثابت والمدار القطبي.
* الصورة الثانية للحظة إطلاق صاروخ Ariane-5 الحامل لقمر الإتصالات المصري TIBA-1.
- الصورة الثالثة ملتقطة من إحدى الكاميرات على متن قمر الاستطلاع والاستشعار عن بعد المصري Egyptsat-A لحظة عبوره من الشمال إلى الجنوب ماراً بالأراضي السعودية والبحر الأحمر، كما تظهر مصر ونهر النيل أيضا.