منذ اللحظة الأولى التى اندلعت فيها المقاومة العراقية، والرأى العام الأمريكى يتحدث عن أن العراق هو فيتنام أخرى فى تأثيرها على الولايات المتحدة وفى نتيجتها النهائية أى الهزيمة..الخ، ومن بعد، تصاعد الأمر حتى أصبح اليقين فى الولايات المتحدة هو أنها باتت فى مواجهة كارثة فيتنام أخرى فى العراق، إذ بدأ الكتاب والمحللون والخبراء والاستراتيجيون يستعرضون زوايا الشبه والاختلاف بين ما يجرى فى العراق وما كان فى فيتنام، وكيف يمكن منع تكرار الكارثة.
الصحف الأمريكية، ومنذ بدء المقاومة العراقية وهى تتحدث وتقارن .وقد وصل الأمر أن نشرت صحيفة أمريكية مع بدء المقاومة 17 مقالة فى أسبوع واحد تتحدث عن أن العراق هو فيتنام أخرى. وجرت عدة استطلاعات للرأى قال فيها نحو 51 % من الأمريكيين أنهم قلقون من تحول العراق إلى فيتنام .
كتب صدرت تتحدث عن الفوارق والمشتركات بين الحربين والغزوين والاحتلالين وكبار المنظرين وآخرهم فوكوياما صاحب نظريات حرب الحضارات ونهاية التاريخ لمصلحة الحضارة الغربية كتب عن الفوارق بين فيتنام والعراق، وفى مقالة شهيرة له بهذا الخصوص قال "يجب ألا نخدع أنفسنا. فموقفنا اليوم من بعض النواحي أسوأ بكثير من الموقف الذي واجهه نيكسون في فيتنام منذ 35 عاماً. في ذلك الوقت كان لدى فيتنام الجنوبية جيش، قوامه على الورق مليون جندي، كان قادراً على الرغم من كافة المشكلات التي تواجهه على الصمود لمدة ثلاثة أعوام بعد انسحاب القوات البرية الأمريكية. وقد وفر الجيش الفيتنامي في ذلك الوقت لـ"هنري كيسنجر" ما عرف في ذلك الوقت بـ"الفاصل الزمني اللائق" بين خروج القوات الأميركية وسقوط فيتنام الجنوبية. (في الواقع أن "كيسنجر" قد جادل بأنه كان بمقدور الفيتناميين الجنوبيين أن يصمدوا إلى لأبد، لو لم يقم الكونجرس الأميركي بقطع التمويل الذي كان مخصصاً للإسناد الجوي الأميركي لفيتنام-وهذا نفس ما قاله الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤخرا).
السياسيون بدورهم تحدثوا نفس اللغة وصاروا يعقدون ذات المقارنة حتى أن بعضهم - السيناتور الأمريكي إدوارد كيندى - صار يعلن فى تصريحاته "أن العراق هو فيتنام جورج بوش "، وهم صاروا يبنون تقديراتهم ومواقفهم على كيفية التعامل مع الوضع فى العراق من زاوية عدم الانتظار حتى ينتهى الأمر الى نفس النتيجة التى انتهى الأمر بها فى فيتنام، إلى الهزيمة.
وهكذا تواصلت المقارنات حتى وصلت الى بوش .الذى بات مضطرا للحديث عن فيتنام، وحينها حاول نسبة هزيمة الولايات المتحدة فى فيتنام إلى الانسحاب!.
وفى مواجهته، قالت صحيفة الجارديان ان بوش سعى لشراء الوقت لاستراتيجية زيادة القوات التى تبناها عبر إجراء مقارنة خطرة مع الفوضى وإراقة الدم التى أعقبت الانسحاب الأمريكى من فيتنام.
وقالت ان من علامات اليأس فى البيت الابيض إقحام الثمن الذى تم دفعه بعد انسحاب أمريكا من فيتنام كذريعة لعدم الانسحاب قريبا من العراق وأن الرئيس عمليا يحث الأمريكيين على مزيد من الصبر فى العراق على اساس أن حروبا أخرى لم تكن تحظى بالشعبية قد اسفرت بالنهاية عن نتائج جيدة /كوريا نموذجا / .
ومن ناحيتها وصفت صحيفة التايمز استحضار صورة فيتنام من قبل الرئيس بوش بأنه تحرك يائس من قبل الرئيس و مقارنة غير حكيمة ستقوض قضيته .
وأضافت: إن حقيقة الأمر أن فيتنام والعراق تشكلان ذروة سوء التقدير فى السياسة الأمريكية الخارجية المعاصرة.
وقالت صحيفة الاندبندنت ان الولايات المتحدة وبريطانيا غزتا العراق وهما جاهلتان بالظروف وغير أمينتين فيما يتعلق بالأهداف الحقيقية للغزو وهما الآن تستعدان للخروج أكثر دراية بالظروف ولكن أكثر خداعا للجمهور عما هما بصدده .
وأكدت اننا الآن فى نهاية اللعبة فى العراق وقد نكون قريبا فى نهاية اللعبة فى أفغانستان ولكن القادة لن يقولوا لنا ما هى خططهم وكم من الوقت ستبقى قواتنا هناك وكما أخفق بوش وبلير فى إخبارنا عن الأهداف الحقيقية لشن حرب فى الشرق الأوسط ومدى التزاماتهم قبل شنها فان واشنطن ولندن تفشلان الآن فى إخبارنا عن تفكيرهما فى استراتيجية خروج.
وهكذا من متابعة اقوال الكتاب والصحفيين والسياسيين والصحف واستطلاعات الراى العام، فإن فيتنام حاضرة منذ بداية الغزو والاحتلال للعراق وحتى الآن .
فما هى أوجه الشبه بين ما جرى فى فيتنام وما يجرى فى العراق وماذا عن نقاط الاختلاف سواء على صعيد الوضع الداخلى أو المحيط أو الوضع الدولى ؟وماذا عن أهداف الولايات المتحدة وخطتها فى كلا الحربين ؟وهل اختلف الوضع الداخلى فى مواقفه بين الحربين ؟الخ .
أهمية المقارنة
تبدو أهمية عقد المقارنة من ضرورة مواجهة الفكرة الشائعه بأن الظروف فى فيتنام كانت أفضل للمقاومة- وعلى حساب الولايات المتحدة -منها فى العراق، بما يشيع حالة من الارتباك فى الفهم، مقصود به إضعاف الروح المعنوية للمقاومة العراقية. وكذا الآن كثيراً من المقارنات التى عقدت – كما رأينا فى مقاربة بوش وكيسنجر – انما استهدفت تحويل الهزيمة الأمريكية فى فيتنام الى حاجز يحول دون الانسحاب من العراق بنسبة الهزيمة فى فيتنام إلى الانسحاب أو باعتبار أن الانسحاب كان سبب الهزيمة وليس العكس .
كما تأتى أهمية المقارنة من أن بعض المحللين العرب مع غياب الأثر والوقائع المباشرة لما جرى فى فيتنام، باتوا ينسجون مقارناتهم من الذاكرة العشوائية، فجاءت غير حقيقية وغير دقيقة. والأهم فيها هو أنها جاءت وفق نمط محاولة اجترار الماضى العام غير محدد المعالم فى دروس التجربة وسحبه على الحالة العراقية، كما هو ظاهر من القول بأن العراق وضعه صعب مقارنة بفيتنام، بسبب غياب الاتحاد السوفيتى والكتلة الاشتراكية ودول عدم الانحياز، وكذا هو يظهر من خلال الرغبة فى مطابقة أوضاع دول جوار فيتنام مع الحالة العراقية بالقول بأن دول جوار العراق لا تساند المقاومة العراقية كما كان الحال من قبل الصين فى الحالة الفيتنامية، واتخاذ ذلك ذريعة لإشاعة الياس بين صفوف المقاومة من خلال التأكيد على عدم توافر الظروف الملائمة لنصرها على الاحتلال ..الخ.
زوايا المقارنة
واقع الحال، أن المقارنة.. أية مقارنة هى من الأصل تحمل تأكيداً على أنها تجرى بين شيئين لا يتطابقان، كما أن الظواهر والأشياء توجد فى الحياة بلا تطابق أبداً، وفى ذلك فإن المسألة الجوهرية فى زوايا المقارنة بين أية تجربتين، هى الاعتراف أولا بأن لكلاهما أوضاعه الخاصة وظروفه المختلفة. وهنا فإن زوايا المقارنة يجب أن تقوم على رؤية العام فى كلا التجربتين، لا التذرع بالاختلاف بين السابقة والحالية لإثارة الإحباط والتردد فى نفوس المقاومين فى الحالية بحجة الاختلاف بينها والسابقة التى انتصرت، وذلك لأن زاوية المقارنة الأولى والأساسية هى فى امتلاك أسس ومنهجية المقاومة، وتوافر الأبعاد العقدية والسياسية والجماهيرية لدى القيادة والمقاومين (اعتبار المقاومة هى فعل شعبى لا فعل نخبوى ). وهكذا فإن كل العوامل الأخرى، مثل وضع قوات المقاومة والقوات العدوة وأوضاع دول الجوار والوضع الدولى وأعمال التسليح وطبيعة الأرض وما يتوفر منها للعمل العسكرى الجيد ..الخ، هى كلها عوامل تفرض تكتيكات وأساليب عملية عامة أو مرحلية، دون أن تمثل العامل الجوهرى فى نجاح المقاومات من عدمه.
الحرب الفيتنامية كيف جرت ؟
في عام 1950 أرسل الرّئيس الأمريكى ترومان مجموعة استشارية عسكرية مكونة من 35 رجلاً لمساعدة القتال الفرنسي لإبقاء القوّة الاستعمارية في فيتنام.
في عام 1954، وبعد هزيمة الفرنسيين في "ديان بيان فو" على يد المقاومة بقيادة الجنرال "نجوين جياب"، مهدت اتفاقيات جنيف لانسحاب الفرنسيين وقوات المقاومة لأحد الجهتين من منطقة الخط الفاصل بين فيتنام الشمالية والجنوبية مع انتظار انتخابات إعادة التوحيد، التي لم تجر. الرئيسان آيزنهاور وكندي (من 1954 فصاعدا) أرسلا مستشارين مدنيين، ولاحقا أفراد جيش لتدريب الفيتناميين الجنوبيين.ومن هنا بدأ الصراع بين الولايات المتحدة والثوار الفيتناميين.
في عام 1960، شكّل الثوار المقاومون جبهة تحرير وطنية في الجنوب. وبين عامي 1960 و 1963، ارتفع عدد المستشارين العسكريين الأمريكيين في جنوب فيتنام من 900 إلى 15000.
وفي 2 أغسطس 1964، هاجمت المراكب الطوربيدية للفيتناميين الشماليين المراكب المدمرات الأمريكية في خليج تونكين. وهو ما اتخذه الرّئيس الامريكى جونسن ذريعة لشن هجمات جويّة إنتقامية. صدّق الكونجرس على قرار خليج تونكين في 7 أغسطس، والذي خوّل للرئيس اتّخاذ كلّ الإجراءات الضرورية للربح في فيتنام، وسمح له بالتوسّع فى العمليات العدوانية.
في عام 1965، بدأت الطائرات الأمريكية بالهجمات الحربية على جنوب فيتنام. وفي يونيو تحول 23000 مستشارياً أمريكياً الى اعمال قتالية عدوانية. ومع قرب نهاية السنة كان هناك أكثر من 184000 جندي أمريكي في المنطقة.
وفي 31 يوليو 1966، قصفت قاذفات بي 52 خط التقسيم لفيتنام لإجبار فيتنام الشمالية على الدخول فى المواجهة مع الثوار.
في عام 1968، كان للولايات المتّحدة ما يقارب 525000 جندي في فيتنام، تحت شعار "ربح الحرب" من خلال زيادة عدد القوات، غير أن الأمور لم تتغير لصالح الولايات المتحدة . وفي 14 مايو 1969، أعلن الرّئيس نيكسون عرض سلام على فيتنام، وبدأ ذلك بالانسحابات في يونيو. شكّلت "فيت كونج" حكومة ثورية مؤقّتة. في 25 يونيو دعا مجلس الشيوخ الأمريكي إلى التقيد بالالتزامات. في 30 سبتمبر، انسحب حوالي 6000 جندي أمريكي من تايلند و 1000 من جنود البحرية من فيتنام. في 15 أكتوبر، قامت مظاهرات هائلة في الولايات المتحدة احتجاجاً على السياسات العدوانية الأمريكية، بعد نشر أنباء الخسائر الحقيقية الهائلة للقوات الأمريكية وعدم صحة ما نشر رسميا فى السابق عن تلك الخسائر، وفى ذلك جرى الكشف عن الجرائم المروعة لقوات الاحتلال الأمريكية فى فيتنام .
وفي 1 مايو 1970، غزت القوات الأمريكية كمبوديا لكي تحطّم الملاجئ الفيتنامية الشمالية هناك.
وفي 1 يناير 1971، منع الكونجرس استعمال القوّات الحربية في لاووس وكمبوديا، ولكن ليس قوّات السلاح الجوّي. القوّات الفيتنامية الجنوبية، مع التغطية الجوّية الأمريكية، فشلت في لاووس. انسحبت العديد من القوّات الأرضيّة الأمريكية من معركة فيتنام. في 1 أبريل 1972، ردّ نيكسون على الاندفاع الفيتنامي الشمالي عبر خط التقسيم بتلغيم موانئ فيتنام الشمالية وقصف مكثّف لمنطقتي هانوي وهيفونج. في ديسمبر/كانون الأول، أمر نيكسون بما سمي "بقصف عيد الميلاد" للشمال لاستعادة الفيتناميين الشماليين على مائدة المفاوضات.
في 15 يناير 1973، طلب الرّئيس الأمريكى وقّف العمليات الهجومية ضد فيتنام الشمالية. وفي 27 يناير، وقع ممثلو شمال وجنوب فيتنام، والولايات المتّحدة، معاهدات هدنة في باريس، أدت لانتهاء أطول حرب في التاريخ الأمريكي. وغادرت القوّات الأمريكية أخيرا في 29 مارس.
وفي 21 أبريل 1975، استقال رئيس وزراء جنوب فيتنام "نجيين فان ذييو". في 30 أبريل، استسلمت الحكومة العميلة فى فيتنام الجنوبية للثوار رغم أن الجيش الذى كان تحت قيادتها كان تعداده قد بلغ نحو المليون . وبعدها رحل جميع المدنيين الأمريكيين. في 6 يونيو، غادر أكثر من 140000 لاجىء فيتنامي بالطائرة وعبر البحر، لترحل القوات الأمريكية والعملاء فى مشاهد درامية كان أشهرها ان طائرات الهليوكبتر التى كانت تغادر هاربة والبعض معلق "بحبال" الانقاذ خوفا من الثوار.
في عام 1976، مهّدت انتخابات الجمعية الوطنية الطريق لإعادة توحيد الشمال والجنوب.
خلاصة التجربة الفيتنامية
والخلاصة من كل ذلك، هى أن القوات الأمريكية المزودة بكل التكنولوجيا لم تتمكن من هزيمة المقاومة، وأن المناورات الأمريكية بشأن سبل التدخل والاحتلال لم تنطل على الشعب الفيتنامى، وأن الولايات المتحدة يمكن هزيمتها طالما تسلح الطرف المقاوم بالإرادة والعزيمة، وأن الادارة الأمريكية مارست الخداع على الشعب الأمريكى، وحينما كشفت الحقائق انهارت عزيمة الجيش والمجتمع الأمريكى على الاستمرار فى الحرب. وأن جيش العملاء مهما تضخم عدده وتسليحه لا يصمد أمام المقاومين، وأن أعمال القتل الهمجية لم تنجح فى إخافة الشعب الفيتنامى..الخ
المصدر :
http://www.iraq-amsi.org/news.php?action=view&id=20320&f859e38a4375d955156a7c76ba8b8160