mi-17
المدير وزيــر الدفــاع
الـبلد : المزاج : الحمد لله التسجيل : 23/02/2013 عدد المساهمات : 43833 معدل النشاط : 58585 التقييم : 2418 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: مصر بين مشروعين.. أميركي – أوروبي وروسي – صيني الإثنين 19 يوليو 2021 - 19:44 | | | استفادت مصر كثيرا من السيولة التي ظهرت معالمها في النظام الدولي الفترة الماضية وتمكنت من الانفتاح على قوى في الغرب والشرق وتوفيق أوضاعها بما حقق قدرا كبيرا من مصالحها الحيوية خلال فترة حرجة مرت بها البلاد بدت فيها علاقاتها الخارجية شبه مقطوعة مع عدد من الدول عقب عزل الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي. وظهرت ملامح جديدة تقول إن مرحلة الرواج انتهت أو على وشك، فما جنته القاهرة من مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية أو ما حققته من تخفيض في سقف الخسائر كان نتيجة ظروف استثنائية مر بها النظام الدولي وانعكست على الشرق الأوسط، واعتقدت كل قوة فاعلة أنها تستطيع جذب مصر بمكانتها الجيوستراتيجية إليها. لذلك كانت هناك مرونة في التجاوب مع المطالب المصرية خاصة في ما يتعلق بالصفقات العسكرية التي لها طقوس معقدة تتجاوز مسألة الأيديولوجيات المعروفة بين غرب وشرق، وتصل إلى مستوى تسويق الأسلحة واختبارها على الأرض، وكل ذلك يخرج ضمن حزمة دقيقة ولا يتم بشكل عشوائي. وهو ما جعل البعض يتصور أن القاهرة سوف يأتي عليها الوقت للاختيار والمفاضلة، لأن الانفتاح على الجميع والصداقة مع جهات متعارضة والمحافظة عليها ينأى عن المكونات المتحكمة في بوصلة العلاقات الدولية، ويسبغ استمراره شكوكا لدى القوى المختلفة في أي دولة ترى بإمكانها مواصلة حلقات التوازن إلى مدى بعيد. جاء أول اختبار عملي لعلاقات مصر مع القوى الكبرى في أزمة سد النهضة الإثيوبي، حيث تأكد لها أن التحالف الاستراتيجي الظاهر مع كل من روسيا والولايات المتحدة والعلاقات الجيدة مع الصين وغيرها كلها عناصر ليست منتجة في الأزمات الإقليمية، حيث مالت تقديرات الدول الثلاث إلى دعم موقف أديس أبابا في جلسة مجلس الأمن التي عقدت بشأن مناقشة أزمة سد النهضة. قد يشكك البعض في التوجهات المصرية مع القوى الكبرى وأنها تعبر عن خيالات سياسية وحسابات غير دقيقة لكن المسألة لها جوانب أخرى، بعضها يتعلق برؤية السياسة المصرية نفسها وآلية إدارة العلاقات الدولية، والبعض الآخر يخص رؤية الأطراف المقابلة ورهاناتها الإقليمية. وتولد شعور في العقل المصري أن حركة عدم الانحياز يمكن أن تبعث من جديد في القرن الواحد والعشرين، وهو زمن مختلف عن الذي ظهرت فيه نواتها الأولى في منتصف القرن العشرين، ومع ذلك لم تتحقق كاملة آنذاك، حيث تحولت أدبيات عدم الانحياز إلى انحياز كبير، فما بالك في عالم تتغير وتتحول وتتضارب وتتصارع فيه المصالح بصورة سريعة. لم تغب حصيلة هذه التصورات عن ذهن صناع القرار في القاهرة، لكنهم ربما رأوا أن هناك فرصة لإقامة معادلة متوازنة غير منحازة لفترة يمكن فيها ترتيب الأوضاع وصياغتها بشكل أكثر تماسكا يفيد في مد أجل الحسم والمناورة لتعظيم الفوائد. وقادت هذه الحسابات إلى زيادة نسبة الشكوك لدى القوى الرئيسية، فكل تقدم تحرزه مصر باتجاه روسيا في ملف تجد مقابله خطوة إلى الوراء، وهكذا مع الصين والولايات المتحدة وغالبية الدول الأوروبية، وبدلا من أن تجد مصر الجميع حلفاء لها قد تستيقظ وتجد أن لا حلفاء حقيقيين لها تعول عليهم في مساندة قضاياها وتخفيف شواغلها. وتيقنت القوى الرئيسية أن الطريقة التي تدير بها مصر علاقاتها الخارجية تنطوي على قدر من التردد، ليس مردوده الإخفاق في الحسم بقدر الرغبة الكبيرة في توسيع دوائر العلاقات والفوائد أو عدم خسارة أحد، فكل دولة تقبض على مفاتيح معينة مؤثرة في التفاعلات الإقليمية، وهو ما انتبهت إليه قوى متباينة وحرمت القاهرة من جني مكاسب من وراء الانفتاح المتعدد. تضع معظم القوى الدولية عينها على القاهرة بحكم الجغرافيا السياسية والتاريخ والدور وتحرص على توثيق العلاقات معها وفقا لمنظومة من المصالح المتبادلة، وجاء التكالب عليها في لحظة تولدت قناعات لدى كل جهة أنها قادرة على استمالة قيادتها إليها، والتي بدت حريصة على ذلك بدون تفرقة بين شرق وغرب. اقتربت لحظة المواجهة وبات على مصر القيام بقدر محسوب من الاستدارة لحسم رؤاها الخارجية، لأن الإصرار على تشكيل رؤية خاصة بها تنطلق من فكرة الانفتاح على الجميع ثبت أنها غير مجدية في ظل معالم تجري بلورتها على الساحة الدولية سوف تؤدي إلى فرز عميق حيال من مع من. وتتزايد صراعات المصالح بين قوتين، الأولى تقودها الولايات المتحدة ومعها معظم الدول الأوروبية، والثانية ناجمة عن التحالف الصاعد بين روسيا والصين، وكل جبهة تجتهد في سحب بعض القوى من الأخرى لتقوية نفوذها، ما يجعل الدول المترددة أو التي تحاول الحفاظ على درجة من الاستقلالية عرضة لمزيد من الاستقطابات الفترة المقبلة، وتعتبر مصر في مقدمة الدول التي أصبحت في مركز الشد والجذب ما يدفعها إلى حسم مسألة الانحياز. وتبدو التصرفات المصرية التي صاحبت حرب غزة الأخيرة أنها تميل ناحية المعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة باعتباره نافذا في الشرق الأوسط وفي مجمل القضايا التي تهم القاهرة، لأن التسلل الذي قامت به روسيا والصين في المنطقة لم ينضج بعد، ربما يمكنه التأثير على جزء معتبر من موازين القوى غير أن النتيجة غير مضمونة. ولدى مصر تشابكات وتحديات إقليمية حرجة وغير محسومة في كل من ليبيا وشرق البحر المتوسط والقضية الفلسطينية، فضلا عن سد النهضة، وهي ملفات مفتوحة على مصراعيها ومفاصلها موزعة على قوى من الشرق والغرب، لكن يظل الحلف التقليدي الذي تقوده واشنطن الأكثر هيمنة على غالبيتها في الوقت الراهن. عند الدخول في مرحلة الفصل النهائي في الانحيازات تميل الكفة لصالح الولايات المتحدة ليس على أساس مكونات القوة المادية على الساحة الدولية بكل أنماطها، فالجميع يملك وفرة زائدة فيها، بل انطلاقا من عناصر القوة المعنوية الداخلية، وهو ما تملكه واشنطن والقوى الرئيسية في الغرب التي تدور في فلكها. تستطيع جبهة الولايات المتحدة إحداث تأثير قوي داخل مصر عن طريق توظيف ورقة الحريات والإصلاح السياسي، بينما هذه الورقة مهملة في الضفة الأخرى، وهو ما يبرر نظريا الميل إليها من جانب القاهرة، لكن واشنطن تجيد الاستفادة منها ومقايضتها، الأمر الذي يمثل جرحا نازفا تصعب مداواته أو تخفيف نزيفه في حالة الخروج عن الطوق الأميركي، فمصر بحكم تاريخها ووعيها الجمعي لم تصل إلى المرتبة التي تستطيع فيها مناطحة واشنطن على مذبح الديمقراطية، والتي لم تسلم منها دول عديدة في المحور المقابل. إذا أرادت مصر تحقيق انطلاقة كبيرة وفك شفرة بعض أزماتها الإقليمية الحالية عليها أن تحسم موقفها بوضوح بشأن المشروعين المتنافسين الأميركي – الأوروبي والروسي الصيني لكي تتمكن من إعادة التموضع بصورة تساعدها على تخفيف حدة الاستقطابات التي يمكن أن تفضي إلى بناء علاقات على قدر أكبر من الوضوح، لأن الإصرار على تبني خارطة رمادية سوف يصبح مكلفا. محمد أبو الفضل
العرب
|
|