د. يحي الشاعر
كبير المؤرخين العسكريين
الـبلد : العمر : 86 التسجيل : 23/02/2008 عدد المساهمات : 381 معدل النشاط : 464 التقييم : 59 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: مسألة إرجاع تمثال دي ليسبس إلى قاعدته ؟؟ ...عودة صنم فِرسَاي – الجزء الأول الثلاثاء 10 مايو 2022 - 6:15 | | | - اقتباس :
مسألة إرجاع تمثال دي ليسبس إلى قاعدته ؟؟ ...عودة صنم فِرسَاي – الجزء الأول
بقلم: د. أحمد يوسف عزت (قراءة تحليلية فاحصة في مسألة إرجاع تمثال دي ليسبس إلى قاعدته)
عودة صنم فِرسَاي – الجزء الأول
أخبار عاجلة, ثقافة و أدب / بواسطة ناني محسن
بقلم: د. أحمد يوسف عزت (قراءة تحليلية فاحصة في مسألة إرجاع تمثال دي ليسبس إلى قاعدته) كلنا يحب بورسعيد…
حق صُرَاحٌ آكد، لا مناص من البوح به، بل لابد أن نُكرّس مدى ثبوته، ووضوحه ونَصاعته.
فما من مواطن من شرفاء بلدتي العُظمى الجسور (حتى إن لم يولد فوق ثرى أرضها، وإنما انتمى إليها بالهوى لا أكثر) إلا وفي قلبه المرهف، حظ ضخم من عشقها الساحر.
ولا يمنع (رغم ما ذكرناه آنفا) أن يختلف المؤتلفون المتحابون الأصفياء، في أمر من الأمور التي مَدارها الخضوع للحجة، وشئون المنطق، وإعمال العقل.
وذلك بدافع من: قِلة الإلمام بالحادثة تارة، والمَيل القلبي نحو ظاهرة بعينها تلاقت مع حس وجداني شخصي تارة أخرى.
لكنَّ فصل الخطاب في القضايا الخلافية كلها؛ هو الاحتكام إلى النصوص الثوابت، وتفصيل الرجال الثُّقَات العُدُول، المنوط بهم إجراءات: البَسط، والشرح، والتمحيص، والإفهام. أما ما أثير مؤخرا، من فكرة إعادة صنم فِرسَاي (أقصد بتعبير صنم فرساي؛ الإشارة إلى تمثال وشخصية فريدناند ماثيو دي ليسبس، الفرنسي المولود في ضاحية فِرسَاي بباريس، في التاسع عشر من شهر نوفمبر، عام خمسة وثمانمئة وألف للميلاد) الذي كان محفوظا في غَيَابَات مخازن الفنية الملحقة بهيئة قناة السويس، بمبنى الترسانة البحرية؛ عقب إسقاط عناصر (المقاومة الشعبية) ببورسعيد له، من فوق قاعدته الحجرية.
وبتتبع خيط القضية من أول عقدة، وبصورة علمية منهجية محايدة؛ نجد أن موضوع إعادة تمثال (فردينالد دي ليسبس) بدء إبان العودة من التهجير الثاني لأبناء بورسعيد، وتحديدا في عهد المحافظ اللواء الراحل: عبد التواب هديب، إذ أرسل له كتاب وديا من السفير الفرنسي في مصر، في الثاني من شباط فبراير، عام أربعة وسبعين وتسعمئة وألف ميلاديا؛ يطالبه بإعادة التمثال المذكور في سياق تطور العلاقات المصرية الفرنسية، ورفض (عبد التواب هديب) الطلب؛ معللا ذلك بانشغال (بورسعيد) بعمليات إعادة الإعمار عقب العودة من التهجير، ثم إبان عهد اللواء الراحل: محمد سامى محمود خضير، محافظ بورسعيد الأسبق (ولقد كان المذكور، المولود ببورسعيد، في السابع من شباط فبراير، عام اثنين وثلاثين وتسعمئة وألف ميلاديا، أقول إنه كان قائدًا للمجموعة الثامنة، من المجموعات العشر للمقاومة الشعبية في بورسعيد، استقبل بمنزله بمنتهى الحفاوة قادة الفدائيين؛ وذلك لوضع الخُطط وتبادل الآراء، وساعدهم في عمليات نقل الأسلحة والذخائر، من مستودعاتها الرئيسية بعزبة فاروق، ثم توزيعها عليهم.
وكان المذكور أحد الذين قاموا بنقل “جهاز اللاسلكي” الوحيد الموجود ببورسعيد وقتها، وإخفائه في مكان أمين، بعيدا عن الأعداء، كما أنه قام بمَدِّ مندوبي الحرس الوطني بآلات التصوير، والمعدات اللازمة لنقل المعلومات، ورصد تحركات قوات العدو، للقيادة المركزية بالقاهرة، وهو سليل عائلة لها تاريخ مجيد في النضال والمقاومة الشعبية ببورسعيد).
وذلك وقت كان يؤدي اليمين، أمام رئيس الجمهورية، بمقر رئاسة الجمهورية بمحافظة الإسكندرية، حيث التقى به السفير الفرنسي بالقاهرة، والذى كان موجودًا في التوقيت نفسه، واقترح عليه (بصورة مفاجئة) إرجاع تمثال دي ليسبس، ولكنَّ البطل (سامي خضير) أخبره أن ما تم هدمه بإدارة شعبية، لا يمكن أن يعود إلى مكانه ثانية، ثم آب السفير الفرنسي عائدا، يطالب بإعادة الجزء العلوي منه فقط (وضع التمثال النصفي فقط)؛ فأخبره (سامي خضير) أن الأمر مرفوض مبدئيا، ومع تجدد إلحاحه المنتظم (كل ثلاث سنوات تقريبا)؛ أرسل له المحافظ، كتابا في السابع عشر من آذار مارس، عام ستة وثمانين وتسعمئة وألف ميلاديا، يؤكد له فيه أن الأمر مرهون بقرار مؤسسة الرئاسة.
وفي أواخر الثمانينيات فوجيء المثقفون، ورواد الفكر والأدب ببورسعيد بمجموعات وظيفية من الكُتاب والإعلاميين، يهيئون مِزَاج الرأي العام، لقبول فكرة إعادة التمثال، إلى مدخل قناة السويس (عبر إغراءات مادية بالملايين تارة، ووعود بتنشيط حركة السياحة والتسوق تارة، والتلويح بالجماليات المعمارية للتمثال تارة أخرى) وفي المقابل قام الوطنيون الشرفاء من أبناء بورسعيد ومصر، بإفحامهم بالحُجج الدامغات، في عشرات المقالات بالصحف السيارة، والمؤتمرات الشعبية، وكان من الرافضين للفكرة (على مستوى بورسعيد ومصر) المفكرون والمناضلون الآتية أسماؤهم على سبيل المثال لا الحصر (مع حفظ ألقابهم الكبرى): السيد الخميسي، وعبد الفتاح البيه، وقاسم مسعد عليوة، والسيد زرد، وأحمد سليمان، وسيد كراوية، ومجيد سكرانة، وإسماعيل مناع، وعبد السلام الألفي، ومحمد كامل محمد علي الزهيري، ومحمد أحمد خليل، وعبد الغني سعيد، ومحمد رجاء عبد المنعم النقاش، محمد السيد سعيد، وأحمد رشاد حسانين، وغيرهم (مئات من الأدباء والفنانين والشعراء ببورسعيد) ممن رفضوا (رفضا باتا) فكرة عودة التمثال إلى قاعدته، وبقينا هكذا (إلى يومنا هذا) كلما جاء محافظ جديد؛ عادت الفكرة للظهور من جديد.
ولقد كان المحافظ القدير، اللواء: فخر الدين خالد عبده، قد وافق (بناء على طلب قُدم من هيئة المهندسين الاستشاريين، التابعة لجمعية أصدقاء فرديناند دي ليسبس، بتوفير معماريين متخصصين لترميم التمثال مجانا، وذلك في العاشر من أيار مايو، عام أربعة وتسعين وتسعمئة وألف ميلاديا) على استجلاب ثُلة من المِعمَاريين الفِرَنسيين؛ بغية ترميم أجزاء التمثال التي تعرضت للنَقبِ، واندهش مواطنو بورسعيد، من مظهر: الشَّدات الخشبية، والقَوَاطِع، والرُّكَب (أدوات إقامة التمثال) وهي تُقَام حول القاعدة الحجرية للتمثال؛ فما كان من البورسعيدي المناضل: البدري فرغلي، إلا أن شن هجوما، على أداء الحكومة في الملف المذكور؛ فصدرت التعليمات الفورية، بإيقاف عمليات الترميم والنقل، فيما توعد البطل العملاق الراحل: سيد عسران (وهو أحد أبطال المقاومة الشعبية ببورسعيد) بنسف التمثال؛ إن أعاده الماسونيون الجُدد (على حد قوله) مرة أخرى إلى قاعدته.
أما اللواء الراحل: مصطفى إبراهيم صادق، محافظ بورسعيد الأسبق، فإنه حينما تولى مهام منصبه، وعُرض عليه الملف المُريب المعتاد (قدم له أول طلب في الخامس عشر من حُزَيرَان يونيو، عام ستة وتسعين وتسعمئة وألف ميلاديا)؛ أبدى دهشته أن قاعدة التمثال خاوية على عروشها؟! فأرسل كتابا إلى إدارة هيئة قناة السويس (بتاريخ الثامن عشر من حزيران يونيو، عام ستة وتسعين وتسعمئة وألف ميلاديا)، يطالبهم فيه بشَغل القاعدة المذكورة، بنصب تذكاري للجندي المصري المجهول، أو الفلاح المصري العظيم، الذي حفر القناة واستشهد دونها.
ولكن (وياللأسف) لم يحدث أي شيء في السياق المذكور، وعاد الموضوع إلى وَهدَةِ الظل. ثم التقى اللواء: أحمد عبد الله محمد عبد الله، محافظ بورسعيد، يوم الخامس من تشرين الأول أكتوبر، عام أحد عشر وألفين ميلاديا، بمجموعة من أعضاء جمعيتي: (فرديناند دي ليسبس) و(أصدقاء قناة السويس) الفرنسيتين، أثناء زيارتهما لبورسعيد، ضمن جَولة بمدن قناة السويس، فى إطار العلاقات المصرية الفرنسية؛ لزيارة مقتنيات: فرديناند ماثيو دي ليسبس.
وقام الوفد الفرنسى بزيارة منزله، ومقر هيئة قناة السويس, كما قاموا بجولة بحرية في قناة السويس، ومبنى الإرشاد، والورش الفنية، وتمثال دي ليسبس.
ولقد أكد (وقتها) الدكتور: مُصطفى مُوسى، عضو مجلس إدارة (الجمعية المصرية لتنمية الثقافة الفرنسية) ببورسعيد، أن الوفد الفرنسي ضم اثنين وثلاثين عضوًا، بينهم حفيد مدير قناة السويس، أثناء فترة افتتاح القناة للملاحة العالمية، في تشرين الثاني نوفمبر، عام تسعة وستين وثمانمئة وألف ميلاديا.
وأثناء لقائهم باللواء (أحمد عبد الله) طُرحت (من جديد) قضية إعادة تمثال (فرديناند دي ليسبس) إلى قاعدته، بالمدخل الشمالي لقناة السويس؟! وأكد المحافظ (وقتئذ) أنه لا يملك هذا القرار، وإنما صاحب الرأي الأوحد هو شعب بورسعيد نفسه.
وهكذا، فإن كل محافظ يأتي إلى بورسعيد؛ يُفتح له الملف ذاته (بطرق مختلفة ومتنوعة) من جديد. وبتتبع دقيق لنمو: الوثائق، والأوراق، والمُطَالَبَات، والدعوات التي كانت تُحَرك القضية، وتعيدها للنور بعد موت مُحَقق؛ يجد المُتفحص أن جمعية (الأليانس فرانسيز) ببورسعيد، أو كما يطلق عليها حرفيا (الجمعية المصرية لتنمية الثقافة الفرنسية ببورسعيد) هي القاسم المشترك الأعظم، في كل مرة يفتح فيها ملف عودة تمثال (دي ليسبس)، ولقد افتُتِحَت الجمعية المصرية لتنمية الثقافة الفرنسية (الأليانس فرانسيز) ببورسعيد، في الحادي عشر من أيار مايو، عام تسعة وثمانين وتسعمئة وألف ميلاديا، وهي واحدة من خمس وثمانين وألف جمعية، تشكل شبكة نشطة متفاعلة، توجد في ست وثلاثين ومئة دولة على مستوى العالم.
فرع بورسعيد مديره العام مسيو: بيير ماركوس ألفاروبا، ويعاونه (بدقة بالغة) مسيو: رامييه آرنو رئيس جمعية (أصدقاء فرديناند دي ليسبس) الفرنسية، ومسيو: جان بول كالون رئيس (الجمعية الفرنسية لأصدقاء قناة السويس).
الجمعيات السابقة (بقيادة من الأليانس فرانسيز) تشكل الثالوث الحقيقي الضاغط، الذي يحاول تمرير فكرة إعادة التمثال كل حين (بمعاونة من بعض الأطراف الثانوية).
فقررت أن أبحث (بصورة فاحصة) عن موضوع إعادة تمثال (دي ليسبس) والذي سأرتكز فيه (بعون الله تعالى) على دعائمه الثلاث الأهم:
1- الأليانس فرانسيز (الجمعية المصرية لتنمية الثقافة الفرنسية ببورسعيد).
2- فرديناند ماثيو (وتنطق: ماتيو) دي ليسبس.
3- شهادات عناصر [المقاومة الشعبية] ببورسعيد، التي أسقطت التمثال.
فلكل، حقائقه الكاملة، التي تستحق (لكل ذي لب حصيف): الرصد، والقراءة، والتبيان. وقررت أن أخصص (بإسهاب تاريخي مهم) لكل جزء دراسة مستقلة ومُسَلسلة (لصعوبة الإلمام بالحقائق التاريخية كلها في جزء واحد) أتمنى أن تحوز أعجابكم…
الجزء الأول (الأليانس فرانسيز) التاريخ الكامل:
مصطلح الــ (أَليَانس) كلمة فرنسية، تعني: (التحالف، أو اللجان المُتَكاتفة، أو الشُعَب المُتلاحمة)، والاسم الدقيق الكامل لجمعية الأليانس، هو: (التحالف الإسرائيلي العالمي) وبالعبرية السامية ينطق: (كِل يِسرَائِيل حِفِيرِيم)، أي: (جميع اليهود أخوة).
وكان أول من بَشَّر بتلك الفكرة (بوصفها بديلا للشَّتَات اليهودي في بلدان أوروبا) الحاخام تِسِفِي (وتنطق: زِئِيفِي، أو زِيفِي، أو زِفِي) هِيرش كَالِيشَر، المولود في بلدة (لِشنُو) أو (لِيسَا) بمقاطعة بُوزنَانيَا البروسية (بولندا حاليا)، في الرابع والعشرين من آذار مارس، عام خمسة وتسعين وسبعمئة وألف ميلاديا، والمتوفى في السادس عشر من شهر تشرين أكتوبر، عام أربعة وسبعين وثمانمئة وألف ميلاديا في (تورون، أو ثُورن) غرب بُولندا (وتورون مدينة بولندية، وهي عاصمة محافظة كويافيا بوميرانيا جوار مدينة بيدجوشتش، وتقع على ضفاف نهر فيستولا، فاعلم), تَسَلم (تسيفي كاليشر) المذكور، حاخامية (تورون) المدينة البروسية (وقتئذ) مدة أربعين سنة، ثم انضم إلى (جمعية الاستيطان اليهودية) في الرابع عشر من شهر آذار مارس، عام ستين وثمانمئة وألف ميلاديا، والجمعية الأخيرة أُطلِقَ عليها (إِيكَا)، وهو اختصار للحروف الأولى من عبارة: (جِويِش كُولُونَيزِيشَان أَسُّوسيِشَن) فكان المفترض أن تكتب وتنتطق: (جِكَا)، ولكنَّ حرف (J) ينطق (ياءً) فأصبحت (يِكَا) ثم (إِيكَا).
وهي منظمة توطينية يهودية، أسسها، في الخامس من شهر أيار مايو، عام واحد وتسعين وثمانمئة وألف ميلاديا، الثري الألماني اليهودي، البارون: (مُورِيس دِي هِيرش)؛ بغية توطين المهاجرين، من أعضاء الجماعات اليهودية في شرق أوروبا، من يهود: اليَدِيشِيَّة (أي: يهود العالم كله، وكانت “بداية” تطلق على يهود شرق أوروبا خاصة، ثم عمّ المصطلح)، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، ودَمْجهم في مجتمعاتهم الجديدة.
وبالعودة إلى الحاخام (تسيفي هيرش كاليشر) الذي أطلق عليه (الأب الروحي للأليانسيين) فلقد ألف كتابا (عبارة عن مجموعات وعظية أدبية، يشوبها حس فلسفي سياسي) اعتبره المؤمنون به قِبلَتَهُم الفكرية، بعنوان: (الزحف إلى صهيون، أو البحث عن صهيون)، ولقد طبع في العاشر من نيسان أبريل، عام اثنين وستين وثمانمئة وألف ميلاديا، ولقد صَوَّر فيه (كاليشر) بأسلوب لا تنقصه الدربة والحنكة، حالات العذاب والتشريد والنفي، التي زعم أن اليهود، قد تعرضوا لها بمنتهى البشاعة؛ بوصف ذلك تَكِأَة وتبريرا للهجرة إلى بلدة الخلاص (فلسطين).
ولقد استجابت له (فعلا) جماعات من: التجار، والصحفيين، وزعماء اليهود (ومنهم، أول رئيس لجمعيات ومدارس الأليانس: أدولف كريميو) وقامت بشراء أراضٍ في ضواحي (يافا) الفلسطينية، بدءًا من السابع عشر من أيلول سبتمبر، عام ستة وستين وثمانمئة وألف ميلاديا.
وأنشأ بمعاونتهم مدرسة زراعية أسموها (مِيكِه أو مِيكِفِيه يِسرَائِيل) ومعناه: أمل إسرائيل (أي: أمل دولة إسرائيل في تخطيط الاتحاد الإسرائيلي العالمي، الذي تشكَّل بالفعل بباريس، في السابع من شهر أيار مايو، عام ستين وثمانمئة وألف ميلاديا) ثم أُنشئت مستعمرة أخرى، اسموها:
(بِتَاح تِيكِفَاه) ومعنى الاسم: (بوابة الأمل)، وهي المستعمرة التي تبعد عن (حِيفَا) بثمانية أميال.
كما أن (الأليانس) قد ساهمت في تحقيق الأهداف السياسية للحركة الصهيونية؛ وذلك بشراء الأراضي في فلسطين، وتحويل عدد من صغار الملاك العرب إلى أُجَرَاء، والإسهام في استيعاب المهاجرين اليهود من أوروبا الشرقية في مستعمرات زراعية.
وبالعودة إلى المناخ الذي نشأ فيه (تسيفي هيرش كاليشر) الأب الروحي لفكرة نشأة جمعية الأليانس، فلقد كان الوضع منقسما في (الجيب البولندي) الذي ضم معظم يهود العالم (أي يهود اليديشية، ومنهم بالطبع: تسيفي كاليشر) فلقد قُسمت (بولندا) إلى ثلاث دول منفصلة متصلة: واحدة منها سُلافية (روسيا)، والاثنتان الأخريان جرمانيتان (ألمانيا، والنمسا).
ضمت (ألمانيا) مقاطعة بُوزن (أو بُوزنان) وأَلمَنَت يهودها، ولكنهم ظلوا (مع ما سبق) شرق أوربيين. وحينما هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى ألمانيا، أدَّت هجرتهم إلى تغيير طابع يهود ألمانيا: من طابع غرب أوروبي، إلى طابع شرق أوروبي.
أما يهود (جَالِيشيَا) التي ضمتها (النمسا) فلقد ظهر بينهم من ينادي بالثقافة الألمانية، وظهر فريق آخر ينادي بالثقافة البولندية، وفريق ثالث ينادي بالثقافة العِبرِية.
وكان يهود أوكرانيا متعددي الولاءات، ومتعددي الثقافات: فبعضهم أوكراني، وبعضهم روسي، وثالث ألماني، ورابع بولندي.
ولو وُجد اليهود في بقعة جغرافية غير حدودية؛ لكان من السهل تحديثهم ودمجهم (كما حدث ليهود ألمانيا قبل الهجرة من شرق أوروبا).
درس (تسيفي كاليشر): العلوم اللاهوتية، ومسائل في الفلسفة، وعددًا من العلوم الإنسانية (بناء على تعدد الثقافات آنف الذكر) ونشر أفكاره في السابع عشر من حُزيران يونيو، عام ثلاثة وأربعين وثمانمئة وألف ميلاديا، في كتاب مُكَون من جزئين، بعنوان: (العقيدة الصادقة، أو الخالدة)، ثم أكمل تصوره في مجلد آخر، نشره عام اثنين وستين وثمانمئة وألف ميلاديا، بعنوان: (البحث عن صهيون) الذي ذكرناه آنفا، وهو أكثر كتبه شهرة وذيوعا، والذي يدعو فيه (صُراحا) إلى عقد مؤتمر عام لوُجَهَاء اليهود؛ بغية تأسيس جمعية للاستيطان في أرض إسرائيل, تكون مهمتها الرئيسية: تمويل عملية استيطان اليهود في فلسطين، وإقامة كيان خاص بهم فيها، كما أنه أول كتاب يصدر بالعبرية في أوروبا الشرقية، يتحدث عن المستعمرات الزراعية (وهو ما سنناقشه لاحقا) في فلسطين.
والباحث في جوهر كتاباته؛ يتضح له أنه يمكن وضعهم تحت ثلاث نقاط رئيسية، هي كالآتي:
1- خلاص اليهود كما تنبأ الأنبياء به، ويمكن أن يتم بوسائل طبيعية (أي بمجهود اليهود أنفسهم) دون أن يتطلب ذلك مجيء المسيح.
2- الاستيطان في (فلسطين) يجب أن يتم دون تأخير، أو إبطاء.
3- إحياء فكرة أن التضحيات المبذولة في الأرض المقدسة مباحة بل ضرورية.
وبالعودة إلى (تسيفي كاليشر) أبو فكرة الأليانس؛ فلقد بدأ نشاطه (منذ مطلع ثلاثينات القرن التاسع عشر الميلادي) عندما توجه إلى أحد أبناء عائلتي: روتشيلد، ومونتيفيوري بباريس، واقترح عليهم شراء (فلسطين) من حاكمها (محمد علي) وإقامة مستوطنات فيها للمهاجرين اليهود، وذلك قبل أن يقوم (تيودور هرتزل، أو هرتسل) بعمل مماثل، ولكنه لم يحظ بتنفيذ مراده مثل هرتسل.
تنقل (كاليشر) كثيرًا في أنحاء (ألمانيا) يحُث أغنياء اليهود على مساعدة مشاريع اليهود الاستيطانية، وكان لجهوده أكبر الأثر، في إنشاء عدد من الجمعيات الاستيطانية، حتى أتى عام أربعة وستين وثمانمئة وألف ميلاديا، فأصبح (كاليشر) المسئول التنفيذي عن إنشاء (اللجنة المركزية لاستيطان فلسطين) في مدينة برلين الألمانية.
وبشكل عام، فلقد كانت اجتهادات (تسيفي كاليشر) وآراؤه بمثابة مرحلة أولى, لتيار فكري دخل اليهودية بقوة, يستمد سيادته من التعاليم الدينية التقليدية, ويمزج بينها وبين الوسائل السياسية الضرورية؛ لتحقيق الفرائض المنصوص عليها في تلكم التعاليم، من حيث: علاقة اليهود بأرض إسرائيل، ووجوب استيطانهم فيها.
وكما قال فلاسفة (علم الاجتماع السياسي): “فلقد كانت فكرة (الوطن الأم) مركز اهتمامهم الديني؛ مما ساعدهم على: إضعاف علاقتهم بوطنهم المعيش، وعزلتهم عن مجتمعاتهم، وانغلاقهم على أنفسهم.
كان من الممكن أن تختفي هذه الجماعات تمامًا بسقوط الهيكل، ولكن الذي حدث أن فكرة (الوطن الأم) أو (الحنين إلى صهيون) حلت محل (الوطن الأم) ذاته، وهو ما أعطى أعضاء الجماعات اليهودية تَماسُكا إثنيا (ولكنه ظل تَماسكا وهميا؛ لأنه لم يَعُد هناك مركز قومي فعلي يحدد المعايير الدينية أو القومية) وبينما كانت الهويات اليهودية تتشكل في الواقع، من خلال الحراك الحضاري، كان أعضاء الجماعات اليهودية، يدورون في إطار فكرة (الهوية اليهودية الإثنية) وهذه التركيبة مناسبة للجماعات الوظيفية، فإن فكرة (الوطن) تضمن عزلتهم وتَجرُّدهم اللازمين للاضطلاع بوظائفهم المختلفة.
وقد دعَّم تدوين (التلمود) هذه الازدواجية: الاستقلالية الإثنية النفسية من ناحية، والتكيف والاندماج الفعلي من ناحية أخرى.
وبالعودة إلى موضوع مقالتنا؛ فإننا نؤكد أن (الأليانس) منظمة يهودية فرنسية، تأسَّست بغية الدفاع عن الحريات المدنية والدينية للجماعات اليهودية، والتي سَعَت (منذ اللحظة الأولى) إلى تنمية مجتمعاتها المختلفة، عن طريق: التعليم، والتدريب المهني، وإغاثتهم في الأزمات والنكبات.
ومنذ تأسيس تلك المنظمة؛ أضحت المدافع الأهم عن يهود العالم، على الصُعُدِ: السياسية، والاجتماعية، والإِغَاثية، والتعليمية.
وتاريخها يشهد لها على عملها (السري والعلني) الدؤوب، في مجال الدفاع عن اليهود شرقًا وغربًا.
وكان أول إنجازاتها: ضمان الحقوق المدنية والدينية ليهود سويسرا، في الرابع عشر من أيار مايو، عام سبعة وستين وتسعمئة وألف ميلاديا، وفي مؤتمر برلين، في الثالث عشر من يونيو، عام ثمانية وسبعين وثمانمئة وألف ميلاديا، عملت جمعية الأليانس، بالتعاون مع بعض المنظمات الإسرائيلية، على الدفاع عن حقوق يهود البَلقَان، واهتمت بأوضاع يهود المغرب، ولقد تدخلت لدى سلطان المغرب في مؤتمر مدريد، عام ثمانين وثمانمئة وألف ميلاديا؛ من أجل تحسين أوضاعهم.
وكانت فرنسا (آنذاك) الدولة القوية المهيمنة على مُقدَّرات أوروبا؛ ولذلك فقد تلاقت مصالح السياسيين الفرنسيين، مع مصالح رؤوس المجتمع اليهودي وحاخاميهم، في تأسيس منظمة التحالف الإسرائيلي العالمي (الأليانس) وكان الهدف الخفي منها (فرنسيا): نشر الثقافة واللغة الفرنسية في عدد من دول العالم؛ تمهيدًا لاستعمارها.
أما (يهوديًا): فرعاية الطوائف اليهودية، والذود عن حقوقها؛ تمهيدًا لإقامة وطن لهم.
لذا؛ فلقد ساعدت فرنسا (بعد فترة من إنشاء تحالفهم) جماعات اليهود (وفق جدول مُحَاصَصَات، واشتِرَاطَات، واتِّفَاقَات) في نشر دعواهم هذه، فهم منتشرون في بقاع كثيرة من دول العالم؛ ولا سيما الدول التي تزخر بالخيرات، والمواقع الاستراتيجية المهمة.
وقد كان لآل (روتشيلد) في فرنسا، الدور الأبرز في دعم مدارس وجمعيات الأليانس؛ خاصة المليونير اليهودي (آدمُن دِي رُوتشِيلد) إذ إنه قد عَمِلَ مع يهود فرنسا، على تحويل سياسات الأليانس والتأثير عليها، وربطها بالمصالح الاستعمارية الفرنسية (وقتذاك).
ولقد حققت مدارس وجمعيات (الأليانس) انتشارًا واسعًا؛ إذ إنها قد أسَّست شبكة تعليمية تواصلية واسعة، في دول البَلقَان والعالم الإسلامي، وحققت تقدمًا سريعًا بفضل دعم البارون (مُورِيس دِي هِيرش) الذي قدَّم لجمعيات ومدارس الأليانس في الرابع والعشرين من شهر نيسان أبريل، عام أربعة وسبعين وثمانمئة وألف ميلاديا، مبلغ مليون فرنك فرنسي ذهبًا، ثم دفعة ثانية قيمتها عشرة ملايين فرنك ذهبًا، في التاسع عشر من شهر تشرين الأول ديسمبر، عام تسعة وثمانين وثمانمئة وألف ميلاديا عام (مما يعادل ميزانيات عدد من الدول الفقيرة).
وجدير بالذكر أن جمعية الأليانس، قد تأسست (بحضور استثنائي لعراب الفكرة الحاخام: تسيفي هيرش كاليشر، وكان في استقباله سبع وعشرون فرنسيا، كانوا بمثابة الجمعية التأسيسية للأليانس) في إحدى ضواحي باريس، في السادس والعشرين من أيلول سبتمبر، عام ستين وثمانمئة وألف ميلاديا، بمبادرة قدمتها (بسرية وتعاون كاملين) بعض جماعات اليهود في فرنسا، ولقد التقت سرا (عشية التاريخ المذكور) في مدينة بِيزَانسُون (تعتبر بيزانسون المدينة الفرنسية الوحيدة، التي لم تخضع للإمبراطورية الفرنسية، وهي المدينة الوحيدة أيضا، التي تقبلت الوجود اليهودي، عقب طردهم من المملكة الفرنسية، أواخر عام أربعة وتسعين وثلاثمئة وألف ميلاديا.
ولقد تأسس المجتمع اليهودي في المدينة المذكورة، نهاية القرن الرابع عشر الميلادي، وطُرِدَ بدوره من بيزانسون، منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، ولكنَّ اليهود تحرروا عقب الثورة الفرنسية، واستقر وضعهم في المدينة مرة أخرى) استقر اليهود في المناطق الخارجية لمركز المدينة (لاَبُوكل)، تحديدًا في (بَاتُونت) حيث أنشيء الكنيس اليهودي في شارع (جَراند شَارمُونت)، وفيها (نقصد المدينة المذكورة) أول مقبرة يهودية، تلك التي سُميت مقبرة (كَالاَمُوتِييه) في شمال المدينة، بحي (مُونتِرَابُون فُونتَن إِيكُو).
وكان من بين المؤتلفين: أدولف كريمييه؛ رجل الدولة الفرنسي اليهودي، الذي ترأس جمعيات ومدارس الأليانس (في الفترة من عام ثلاثة وستين وثمانمئة وألف ميلاديا، إلى عام ثمانين وثمانمئة وألف ميلاديا) على توثيق التعاون الصميم، بين المنظمة والخارجية الفرنسية، والسلطات الفرنسية في مستعمراتها. سعت (الأليانس) لتكون اتحادًا عالميًّا لليهود؛ يهدف إلى تقديم العون السياسي والثقافي والإغاثي لطوائف اليهود أينما كانوا، وكذا تنمية المجتمعات اليهودية المختلفة؛ عن طريق: التعليم، والتدريب المهني. ولقد كافحت جمعيات الأليانس (مساندة ودعما ماديا وسياسيا) في الدفاع عن حقوق اليهود السياسية في مختلف الدول: الأوروبية، والآسيوية، والأفريقية. ........ ......
يتبع
[b][b]
المصدر
https://www.sadaportsaid.com/72269/
د. يحي ألشاعر[/b][/b] |
|
د. يحي الشاعر
كبير المؤرخين العسكريين
الـبلد : العمر : 86 التسجيل : 23/02/2008 عدد المساهمات : 381 معدل النشاط : 464 التقييم : 59 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: رد: مسألة إرجاع تمثال دي ليسبس إلى قاعدته ؟؟ ...عودة صنم فِرسَاي – الجزء الأول الثلاثاء 10 مايو 2022 - 6:17 | | | - اقتباس :
مسألة إرجاع تمثال دي ليسبس إلى قاعدته ؟؟ ...عودة صنم فِرسَاي – الجزء الأول
[size=18]بقلم: د. أحمد يوسف عزت (قراءة تحليلية فاحصة في مسألة إرجاع تمثال دي ليسبس إلى قاعدته)
[/size]
عودة صنم فِرسَاي – الجزء الأول
أخبار عاجلة, ثقافة و أدب / بواسطة ناني محسن
بقلم: د. أحمد يوسف عزت (قراءة تحليلية فاحصة في مسألة إرجاع تمثال دي ليسبس إلى قاعدته) كلنا يحب بورسعيد…
....... .... ... .
ظل (أدولف كريميو) مهتما بالقضايا الخاصة بالجماعات اليهودية؛ سواء أكانت في فرنسا أم خارجها، فعمل منذ عام سبعة وعشرين وثمانمئة وألف ميلاديا، على إلغاء القَسَم اليهودي في فرنسا، وتعاون مع (موسى مونتيفيوري) منتصف عام أربعين وثمانمئة وألف ميلاديا، بشأن حادثة دمشق، واشترك عام ستة وستين وثمانمئة وألف ميلاديا، في الدفاع عن اليهود المتهمين في قضية اغتيال بروسيا، كما أنه اهتم بالقضايا الخاصة بحقوق يهود رومانيا.
وقد اختير (كريميو) عام ثلاثة وستين وثمانمئة وألف ميلاديا، رئيسًا للــ (الأليانس إسرائيليت يونيفرسل) أو التحالف الإسرائيلي العالمي، واستمر في منصبه حتى الثالث من أيلول سبتمبر، عام ستة وستين وثمانمئة وألف ميلاديا، ثم عاد إلى منصبه مرة أخرى، بواكير عام ثمانية وستين وثمانمئة وألف ميلاديا حتى وفاته.
كما أنه قد أصدر أيضا (نقصد أدولف كريميو) عام سبعين وثمانمئة وألف ميلاديا، عندما كان وزيرًا للعدل، ما اصطلح على تسميته (قانون كريميو) الذي مَنَح الجنسية الفرنسية لأعضاء الجماعة اليهودية في الجزائر، والواقع أن منحه الجنسية الفرنسية ليهود الجزائر، والذي اعتُبر من نجاحاته الكبرى في مجال القضايا اليهودية، كان إجراءً يهدف إلى تحويل يهود الجزائر، إلى جماعة وظيفية استيطانية، تزيد الكثافة السكانية اليهودية الفرنسية، ومن ثم تخدم مصالح اليهود الفرنسيين في الجزائر.
كما أن نشاط جمعية (الأليانس إسرائيليت) التي تولى رئاستها، كانت تهدف (أيضًا) إلى صبغ أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الإسلامي بصفة عامة، ودول المغرب العربي بصفة خاصة، بالثقافة اليهودية الفرنسية، وتحويلهم إلى جماعات وظيفية وسيطة؛ تعمل في مؤسسات الاحتلال الفرنسي، وتدين له بالولاء، وتخدم مصالحه ومآربه في المنطقة.
ومن الجدير بالذكر، أن (أدولف كريميو) اضطر أخريات عام خمسة وأربعين وثمانمئة وألف ميلاديا، إلى التخلي عن منصبه بوصفه رئيسا للمجلس الكَنْسي المركزي اليهودي في باريس، وكان (كريميو) نشطًا في الحركة الماسونية في فرنسا، وكان أبرز قياداتها على الإطلاق.
ولقد تأسَّـست أول مدرسة وجمعية للأليانس في مدينة (تِطوَان) بالمغرب العربي، عام اثنين وستين وثمانمئة وألف ميلاديا، وبعد سنوات لحقتها مدرسة أخرى في مدينة (طنجة) عام تسعة وستين وثمانمئة وألف ميلاديا، ثم مدرسة بمدينة (العرائش) عام ثمانية وسبعين وثمانمئة وألف ميلاديا، ثم في مدينة (فاس) عام اثنين وثمانين وثمانمئة وألف ميلاديا، ومدينة (الصويرة) عام ثمانية وثمانين وثمانمئة وألف ميلاديا، ومدينة (آسفي) عام واحد وتسعمئة وألف ميلاديا، ومدينة (الدار البيضاء) عام ثلاثة وتسعمئة وألف ميلاديا.
ثم توالى تأسيس المدارس؛ حتى شملت أغلب ربوعِ دولة المغرب، ووصل عدد المدارس إلى نحو ستة وأربعين مدرسة وجمعية، وذلك عام تسعة وثلاثين وتسعمئة وألف ميلاديا، تضم واحد وستين وسبعمئة وخمسة عشر ألف طالب، ثم ارتفع عددهم إلى ثمانية وعشرين ألف طالب، عام اثنين وخمسين وتسعمئة وألف ميلاديا.
كذلك افتُتحت (المدرسة العبرية العليا) في الدار البيضاء؛ لتدريب المعلمين اليهود؛ حتى إن إدارة الاحتلال الفرنسي، إدراكًا منها بأهمية مدارس وجمعيات الأليانس؛ عقدت معها اتفاقًا، عام ثمانية وعشرين وتسعمئة وألف ميلاديا، وُضعت المدارس المذكورة بموجبه، تحت إشراف إدارة التعليم العام، مع ضمان الدعم لها.
أما في تونس، فباشرت المدارس عملها، بواكير عام ثمانية وسبعين وثمانمئة وألف ميلاديا، بعدد يقل عن مدارس المغرب، وفي اليمن افتُتحت مدرسة وجمعية هناك، في الحادي عشر من شهر آذار مارس، عام ثمانية وتسعمئة وألف ميلاديا.
وفي مصر، تمثلت الأليانس، في الجمعيات والمدارس، التي أنشأها (التحالف الصهيوني العالمي) أو كما يطلق عليه بعض المؤرخين (الاتحاد الإسرائيلي العالمي) نهاية القرن التاسع عشر، وكانت لغتها الأولى الفرنسية، وكان الغرض منها مجابهة النشاط التبشيري، الذي كان يمثل خَطَرا على فقراء اليهود في مصر.
ولقد قامت الجمعيات اليهودية بإنشاء مدارس في: القاهرة، والإسكندرية، وطنطا، وبورسعيد، مثل جمعية (قطرة الحليب) التي أسسها إيزاك بنارويو، في الثاني من آذار مارس، عام خمسة عشر وتسعمئة وألف ميلاديا، واشتهر بتقديم وجبة إفطار (الرب اليهودي) التي تجبر (فقراء اليهود وغيرهم) عبر صلاة مخصوصة علموهم إياها، على إلقاء التحية المباركات على (أرض الخلاص) أي: صهيون، وهو الذي نَشَّطَ محفل (جماعة التلمود) وأسس مدارس جديدة استوعبت الأطفال الفقراء، وكذا جمعية (كل إسرائيل أصدقاء).
عدد جمعيات ومدارس (الأليانس) في مصر، منذ السابع من تشرين الأول أكتوبر، عام سبعين وثمانمئة وألف ميلاديا، ثلات وعشرين ومئة جمعية ومدرسة.
ولقد وصل إجمالي طلبة المدارس (والمنتسبين إلى الجمعيات) من يهود مصر، سبعة وأربعين وتسعمئة وثمانية وتسعون ألف طالب ومنتسب (إذ إنه قد بدأ استقطاب الفقراء من المصريين من أية ديانة) منذ الخامس عشر من شهر أيار مايو، عام اثنين وتسعمئة وألف ميلاديا.
أما الآن، فمعظم المدارس والجمعيات المذكورة، تعتبر من الأوقاف اليهودية بمصر، وبعضها يتبع دائرة الآثار اليهودية.
اللهم إلا مدارس أربع، ما تزال مفتوحة؛ يتعلم فيها أبناء الطائفة اليهودية والمنتسبين لهم: اثنتان في الإسكندرية، وواحدة في القاهرة، والأخيرة في الفيوم، وتتلقى المدارس المذكورة الدعم المباشر، من (السفارة الإسرائيلية) في القاهرة.
وفى الثالث عشر من كانون الثاني يناير، عام عشرين وتسعمئة وألف ميلاديا، أسس: موسى قطاوي باشا (المولود عام خمسين وثمانمئة وألف ميلاديا) رجل الأعمال المصري ذو الثقافة الفرنسية، ورئيس الطائفة اليهودية فى مصر (آنذاك)، مدرسة ابتدائية ملحق بها جمعية لرعاية الأيتام باسمه (وهو الذي حصل على الباشوية من علاقته الوطيدة بالملك فؤاد، وكانت زوجته “أليس سوارس” الوصيفة الأولى للملكة “نازلي” وهي الوظيفة التي سبقتها إليها “فالنتينا رولو” التي كانت أول امرأة يهودية تحصل على أعلى نيشان مصري.
ولقد أسس المذكور خط السكة الحديدية بأسوان “وهو ما نادى به تسيفي هيرش كاليشر ليهود العالم” وشركة شرق الدلتا، وشركة ترام وسط الدلتا، وكان عضوا في الجمعية التشريعية، وفي عام خمسة وعشرين وتسعمئة وألف ميلاديا عين وزيرا للمالية)، وأسست (ماري سوارس) مدرسة أخرى، فى الخامس من أيلول سبتمبر، عام أربعة وعشرين وتسعمئة وألف ميلاديا، كما أن الصحفي اليهودي المشهور (سعد يعقوب مالكي) مدرسة وجمعية (جِرِين) والمذكور أول من أدخل (فضائح الفنانين المخلة بالآداب) لتتصدر عناوين الجرائد السيارة، ومنها جريدة (الشمس) ذائعة الصيت حينئذ، وكان يشغل منصب رئيس تحرير جريدة (إسرائيل) الأسبوعية، التي أسسها الدكتور: ألبير (أو: ألبرت) موصيري، منتصف عام عشرين وتسعمئة وألف ميلاديا، وكانت تصدر بلغات ثلاث: العبرية، والفرنسية، والعربية، وقد اهتمت بالشأن اليهودي (خاصة الصهيوني) إذ إنها كانت تدعو (صراحا) إلى قيام المشروع الصهيوني في فلسطين، وإقامة كيان يجمع شتات اليهود.
كل الجمعيات والمدارس اليهودية السابقة، باتت في الثامن من آب أغسطس، عام خمسة وعشرين وتسعمئة وألف ميلاديا، تتبع ما سمي وقتها (اتحاد الأليانس المصري العام) الذي يحدد قوانين تحركها وآلياتها في المجتمع المصري، كما أنه ينظم توافد المريدين، ويتصل اتصالا مباشرا بالأليانس الفرنسي (التحالف الصهيوني العالمي).
وجمعية الأليانس فرانسيز ببورسعيد هي (تقريبا) الجمعية الوحيدة النشطة بمصر كلها، وهي قاطنة في 4 شارع أبو الفدا.
ولا عجب أن يعلم القاريء العزيز، أن (فرديناند ماثيو دي ليسبس) كان من بين أعضاء (جمعية التأسيس) للأليانس الفرنسية بباريس (حضر الاجتماع التحضيري الذي تحدثنا عنه أول الدراسة، بحضور رجالات الطائفة اليهودية وحضور خاص من الحاخام تسيفي هيرش كاليشر، عام ستين وثمانمئة وألف ميلاديا، ثم حضر الاجتماع التأسيسي الثاني الذي أراد به التحالف الصهيوني العالمي إثبات فرنسية النشأة وابتعاده عن الفكر الصهيوني النشط في تلك الفترة، والذي كان مطاردا في فرنسا بصورة أو أخرى، إضافة إلى كونه مدعاة لإثارة مخاوف الفرنسيين حول خطر تهويد مسيحيي العالم، والسيطرة على مقدرات فرنسا في مستعمراتها؛ فكانت الدعوة إلى اجتماع الأليانس الثاني الذي أطلق عليه اجتماع هيئة التأسيس) الذي انعقد في إحدى مقاهي (راسبيل) بباريس في الحادي والعشرين من شهر تموز يوليو، عام ثلاثة وثمانين وثمانمئة وألف ميلاديا، من قبل مجموعة من الرجال البارزين، ومن جملة من حضروا: لوي جان جوزيف، وفرديناند دي ليسبس، وجول جابرييل فيرن، وجوزيف إرنست رينو (أو: رينان)، والناشر آرمان كولين.
الجزء القادم من الدراسة: فرديناند ماثيو دي ليسبس (الحقيقة الكاملة)… والصورة المرفقة للحاخام المُبشر بفكرة الأليانس: تسيفي هيرش كاليشر، وصورة من وثيقة تثبت يهودية الأليانس منذ البداية (والوثيقة صادرة عام سبعة وتسعين وثمانمئة وألف ميلاديا). تحياتي وتبجيلي وتقديري
[b][b]
المصدر
https://www.sadaportsaid.com/72269/
د. يحي ألشاعر[/b][/b] |
|