الحدث
تسلمت روسيا طائرات إيران المسيرة من طراز (مهاجر 6) و(شاهد 129) و(شاهد 191) خلال عدة أيام من شهر أغسطس/آب، بحسب ما كشف مسؤولون أمريكيون، حيث تشير التقديرات الاستخبارية الأمريكية إلى أن روسيا تعتزم استخدام طائرات إيران المسيرة، التي يمكنها شن هجمات جو-سطح وحروب إلكترونية، واستهداف في ساحة المعركة في أوكرانيا”، جاء هذا بعد أن كشف نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، “فيدانت باتيل”، عن أن مسؤولين من روسيا تدربوا في إيران خلال الأسابيع القليلة الماضية في إطار اتفاق بين طهران وموسكو يتعلق بنقل طائرات إيران المسيرة إلى روسيا، وسبق أن كشف البيت الأبيض منتصف شهر يوليو/تموز عن معلومات استخبارية أمريكية تشير إلى سعي روسيا للحصول على مئات الطائرات بدون طيار – المسلحة وغير المسلحة – من إيران لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا، في الجانب الآخر، نفت طهران رسميا أن يكون لديها نية لبيع طائرات مسيرة لروسيا، في حين تجاهلت موسكو التعليق، واكتفت بالنفي عبر وسائل إعلامها التي أشارت إلى افتقار واشنطن للأدلة الداعمة.
التحليل: الرهان الروسي على طائرات إيران المسيرة في الحرب الأوكرانية
- تمتلك روسيا 1500 إلى 2000 طائرة بدون طيار للمراقبة العسكرية، لكنّها تمتلك عددا قليلا نسبيًا من الطائرات بدون طيار الهجومية من النوع الذي يمكنه ضرب أهداف بدقة في عمق أراضي العدو، بينما استخدمت أوكرانيا الطائرات بدون طيار المقاتلة التركية الصنع لإحداث دمار في الدروع والشاحنات والمدفعية الروسية منذ الأسابيع الأولى من الصراع، وتشير المعلومات الاستخبارية الأمريكية إلى حاجة روسيا للطائرات بدون طيار، لاسيما وأن الطائرات المسيرة القادرة على الطيران لمسافات طويلة تسمح لروسيا بتحديد الأهداف وتصحيح نيران المدفعية بعيدة المدى، والتي تعد أحد المفاتيح الرئيسية لتقدم روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
- في الوقت نفسه، تكافح روسيا لمواجهة أنظمة المدفعية الدقيقة بعيدة المدى التي تلقتها أوكرانيا من شركائها الغربيين منذ بداية الحرب، خاصة أنظمة (HIMARS) والتي يبلغ مداها 49 ميلا، والتي استخدمتها كييف لتدمير العشرات من مستودعات الذخيرة ومواقع الدفاع الجوي ومراكز القيادة الروسية، بالإضافة إلى مدافع الهاوتزر M777 القادرة على إطلاق رشقات دقيقة التوجيه، الأمر الذي يجعل روسيا في حاجة ماسة إلى الطائرات المسيرة المقاتلة والقابلة لإعادة الاستخدام، والتي يمكنها السفر بعمق كافٍ لتعطيل أنظمة المدفعية الأوكرانية.
- تراهن موسكو على أن إدخال طائرات إيران المسيرة، وسيكون لذلك تأثير في تلبية هذه الحاجة، لكن من المبكر الجزم بدقة هذا الرهان بعد أن كشف مسؤولو الاستخبارات الأمريكية أن العديد من طائرات إيران المسيرة التي اشترتها روسيا، واجهت العديد من الإخفاقات في الاختبارات الأولية التي أجراها الروس، ولا يبدو هذا مفاجئا؛ فطائرات إيران المسيرة لم تعمل في بيئة دفاع جوي متطورة من قبل، ولم تختبر بصورة كافية، فبينما زودت إيران وكلاءها مثل الحوثيين في اليمن، وميليشيات عراقية أخرى بهذا النوع من الأسلحة، فإنها نادراً ما اختبرتها ضد أنواع التشويش الإلكتروني، والأنظمة المضادة للطائرات المستخدمة في أوكرانيا.
- تمتلك روسيا قدرة كبيرة على تطوير التكنولوجيا العسكرية غير الروسية لتتوافق مع منظومتها العسكرية، حيث قامت روسيا منذ عام 2011 بتطوير الطائرات بدون طيار الإسرائيلية بما يسمح لدمجها في منظومتها العسكرية، لكنّ الإنتاج المحلي حاليا يعوقه العقوبات الغربية الحادة، والتي أوقفت تدفق رقائق أشباه الموصلات الضرورية لإنتاج مثل هذه الأسلحة، وغيرها من الصواريخ الموجهة بدقة إلى الطائرات إلى الدبابات، لذلك وفي ظل الطلب الكبير داخل روسيا على رقائق أشباه الموصلات، فإن الأولوية ستكون لشراء طائرات بدون طيار كاملة الصنع، وتوفير إمداداتها الثمينة، والمحدودة، من رقائق السوق السوداء لصناعات أخرى.
- يعد حصول موسكو على طائرات مسيرة من إسرائيل أمرا مستبعدا في ظل السياسة الإسرائيلية التي تنأى بنفسها عن طرفي الصراع الروسي والأوكراني، ومن المستبعد كذلك أن تمد تركيا روسيا بطائرات مسيرة في الوقت الذي تمد فيه أوكرانيا بنفس النوع من السلاح، ومن ثم سيكون لدى روسيا دولتان فقط يمكن أن تلجأ إليهما لسد فجوة القدرات في الطائرات القتالية بدون طيار: الصين وإيران، وبينما تتصرف الصين بحذر حتى الآن لتجنب التعرض لعقوبات أمريكية، فإن إيران تبدو هي الخيار الحقيقي المتبقي، في ظل أنها تمتلك صناعة محلية قوية إلى حد ما نشأت بالفعل وسط العقوبات.
- تعد طائرات إيران المسيرة حالياً ضمن القدرات الجوية الإيرانية الأسرع تقدمًا، حيث طورت طهران صناعتها المحلية للطائرات بدون طيار، لتعوضها عن قوتها الجوية التي ضَعُفت بسبب سنوات من العقوبات الدولية، وتمتلك إيران العديد من المسيرات، بعضها استحدثته عبر الهندسة العكسية للطائرات الأمريكية والإسرائيلية المسيرة التي استولت عليها، كما تتنوع أغراض المسيرات الإيرانية لتشمل عمليات المراقبة والاستطلاع العسكري، والهجوم؛ سواء بالذخائر النارية أو بالاصطدام بالهدف والانفجار (الطائرات الانتحارية).
- الاستثمار في صناعة طائرات إيران المسيرة بدون طيار، بدأ بالفعل في تعزيز أدوات النفوذ الخارجي، فضلًا عن توفير بعض الموارد الاقتصادية؛ حيث صدّرت إيران طائرات بدون طيار إلى إثيوبيا، وقدمت أعدادا كبيرة من المسيرات لأذرعها العسكرية في المنطقة، خاصة “حزب الله” اللبناني، وميليشيات عراقية، والحوثيين في اليمن؛ والتي استخدمت في ضرب منشآت حيوية في السعودية والإمارات، وفي مايو/أيار الماضي افتتح رئيس أركان الجيش الإيراني، محمد باقري، مصنعًا لإنتاج طائرات استطلاع مسيرة من طراز “أبابيل-2” في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، وفي يونيو/ حزيران ظهرت مسيرة إيرانية من طراز “مهاجر-2” في استعراض للجيش الفنزويلي بعد تجميعها محليًا بدعم إيراني.
- في مطلع شهر أغسطس/آب الجاري، أطلقت موسكو القمر الصناعي الإيراني “خيام”، وقالت طهران إنه سيقوم بمراقبة الحدود وخدمة الأغراض المدنية فقط، لكن المتوقع أن يسهم القمر في توسيع قدرات المراقبة الشاملة لطهران في الشرق الأوسط، ولا يبدو مستبعدا أن يكون الإطلاق الروسي للقمر الصناعي الإيراني جاء ضمن الجهود الروسية للحصول على المسيرات الإيرانية.
- بالإضافة للتعاون العسكري، أعلنت روسيا وإيران عن العديد من الصفقات التجارية والاستثمارية بين الجانبين منذ بداية الحرب في فبراير/شباط الماضي، والتي كان من ضمنها مذكرة تفاهم في يوليو/تموز الماضي، وصلت قيمتها إلى 40 مليار دولار، لتطوير حقول ومشاريع النفط والغاز الإيرانية، ومع ذلك لا تعبر الصفقات المعلنة عن شراكة عميقة بين الجانبين بقدر ما تشير إلى رغبتيهما في تحدي العقوبات الغربية، حيث لم تتطور الكثير من المشاريع المعلنة خلال العقد الماضي إلى واقع عملي ملموس.
- علاوة على ذلك، فإن الصورة البارزة للعلاقات المزدهرة بين روسيا وإيران، تختلف إلى حد ما عندما يتعلق الأمر بالتنافس على بيع النفط في الأسواق العالمية، حيث أسهم تحويل روسيا لنفطها إلى الأسواق الآسيوية، خاصة الصين والهند، ليحل محل الخام الإيراني المخفض، في زيادة التنافس وخلق نقطة خلاف متبادلة بين الجانبين.
الخلاصة
- يمكن أن تمثل طائرات إيران المسيرة بدون طيار إضافة للقدرات العسكرية الروسية في ظل النقص الذي تعاني منه موسكو لهذا السلاح، لكن من غير المرجح أن تغير هذه الصفقة مسار الحرب لصالح روسيا من الناحية الاستراتيجية، ومع هذا؛ فإن اختبار سلاح إيراني في بيئة قتالية متطورة مثل حرب أوكرانيا سيوفر لطهران فرصة كافية للتطوير من أجل تلافي عيوب طائراتها المسيرة وتطوير إمكاناتها.
- لا تشير صفقة طائرات إيران المسيرة مع روسيا بالضرورة إلى انخراط الجانبين في تحالف استراتيجي، فحتى الآن تأتي الصفقة في إطار حرص الجانبين على علاقات تكتيكية وصداقة قوية وتفاهمات قائمة على تحديات جيوسياسية مشتركة، ومع هذا؛ قد يؤدي مزيد من التعاون العسكري والاقتصادي الثنائي على خلفية الحرب التي من المتوقع أن تطول إلى إضفاء طابع أكثر استراتيجية على علاقات البلدين.
- من المستبعد أن تؤثر صفقة طائرات إيران المسيرة على مسار المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، وهو ما يظهر في التطورات الإيجابية خلال شهر أغسطس/آب، والتي تؤكد أن الجانبين ما زالا متمسكان بالتوصل لاتفاق، وأن كل طرف يعمل فقط من أجل تحسين الشروط وحيازة ضمانات، لكنّ هذا لن يمنع الولايات المتحدة من تطبيق عقوباتها على إيران نتيجة مثل هذا النوع من الصفقات العسكرية مع روسيا، دون ربط هذه العقوبات بالاتفاق النووي.
asbab