كشف تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام حول الإنفاق العسكري للدول في العالم SIPRI، في نسخته الصادرة في مارس ـــــ أبريل الماضي، والذي يغطي الفترة ما بين 2018 و2022 أن الإنفاق العسكري العالمي بلغ سقفاً جديداً بارتفاعه بنسبة 7.3 % ليصل إلى 2.24 تريليون دولار. تهدف تلك الدراسة القصيرة، من خلال قراءة جيوسياسية لهذا التقرير، أولاً رصد بعض أهم مظاهر الاستمرارية والتغير في ترتيب الدول الأكثر إنفاقاً في المجال العسكري، وثانياً رصد اتجاهات عمليات نقل السلاح وتعيين أبرز الرابحين والخاسرين منها. وفي الخاتمة تستشرف الدراسة مستقبل أهم موردي الأسلحة على المدى القصير.
أولاً: الدول الأكثر إنفاقاً في المجال العسكري لعام 2022 بين الاستمرارية والتغير
كشف التقرير أن الولايات المتحدة لا تزال تتصدر بلا منازع قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على الجوانب العسكرية، وذلك بواقع 877 مليار دولار (بما في ذلك 19.9 مليار دولار كمساعدات عسكرية لأوكرانيا). وبذلك تنفق الولايات المتحدة أكثر من الصين بثلاث مرات، حيث تنفق بكين حوالي 292 ملياراً، وأكثر من روسيا بعشر مرات، حيث تنفق تلك الأخيرة فقط حوالي 84 ملياراً، قافزة بذلك من المركز الخامس إلى المركز الثالث بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي كانت أيضاً السبب الرئيسي في أن تشهد أوروبا أعلى زيادة في نسبة إنفاقها العسكري، منذ 30 عاماً، وذلك بنسبة 13 %، وهكذا زيادة، زادت العديد من دول الكتلة الشرقية السابقة إنفاقها العسكري بأكثر من الضعف منذ عام 2014، العام الذي شهد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. كما أشار المعهد إلى أن الهند والمملكة العربية السعودية قد دخلتا نادي كبار الدول المنفقة عسكرياً وذلك باحتلال الهند المركز الرابع والمملكة المركز الخامس في قائمة الدول الأكثر إنفاقاً في المجال العسكري لعام 2022، كما هو موضح في الجدول المرفق:
ثانياً: اتجاهات عمليات نقل السلاح: الرابحون والخاسرون
ومن أهم النتائج التي توصل إليها تقرير معهد ستوكهولم الدولي أن السنوات الأخيرة من 2018 إلى 2022 قد شهدت انخفاضاً في عمليات نقل الأسلحة (أي تجارة الأسلحة والمساعدات العسكرية المجانية) على المستوي الدولي، وذلك بنسبة 5 % مقارنة بالفترة من 2013 إلى 2017.
لكن التقرير كشف في المقابل أن حركة السلاح لأوروبا قد ازدادت، وذلك من خلال رصده لاتجاهات الإنفاق العسكري للدول الأوروبية، والتي يمكن تلخيص أهم معالمها في النقاط التالية:
1. العديد من دول الكتلة الشرقية السابقة قد زادت من إنفاقها العسكري بأكثر من الضعف منذ عام 2014، وهو العام الذي شهد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
2.دول وسط وغرب أوروبا أنفقت ما مجموعه 345 مليار دولار على قواتها المسلحة في عام 2022.
3. دول أوروبية مثل بولندا وهولندا والسويد عززت بشكل كبير استثماراتها العسكرية خلال العقد الماضي.
4. ما يفسر ارتفاع الإنفاق العسكري الأوروبي أيضاً الكلفة الباهظة للأسلحة المتطورة تقنياً، كما في حالة فنلندا التي اشترت العام الماضي 64 طائرة مقاتلة أمريكية من طراز إف 35.
5. لا تزال ألمانيا في المركز السابع في قائمة الدول الأكثر إنفاقاً في المجال العسكري حتى بعد زيادة بنسبة 3.2 %.
6. سجلت أوكرانيا زيادة قدرها 640 %، وتحتل حالياً المركز الحادي عشر بعد أن كانت في المركز الـ 36 في العام الماضي، كما أصبحت أوكرانيا ثالث أكبر دولة متلقية للسلاح في العالم عام 2022.
7. واردات الدول الأوروبية من الأسلحة تم الحصول عليها بشكل أساسي من الولايات المتحدة وبنسبة 47 % من مجمل واردتها.
ويمكن تلخيص ما سبق في أن:
1. انخفاض ملحوظ في عمليات نقل الأسلحة على المستوي الدولي، ويظهر هذا الانخفاض بشكل كبير جداً في إفريقيا التي شهدت تراجعاً بنسبة 40 %.
2. زيادة كبيرة في عمليات نقل الأسلحة إلى الدول الأوروبية.
3. ازدياد كبير في دور الولايات المتحدة كمورد عالمي للأسلحة.
4. دخول المزيد من الدول الآسيوية في قائمة الدول الأكثر إنفاقاً في المجال العسكري لعام 2022 وذلك باحتلال الهند المركز الرابع والمملكة العربية السعودية المركز الخامس.
ثالثاً: أكبر 25 دولة مصدرة للأسلحة وأهم مستورديها من 2018 – 2022: أهم الدلالات والإشارات
كشف تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن قائمة أكبر الدول المصدرة للسلاح قد تضمنت كلاً من الولايات المتحدة (40 %) وروسيا (16 %) وفرنسا (11 %) والصين (5.2 %) وألمانيا (4.2 %) وإيطاليا (3.8 %)، وبريطانيا (3.2 %) وإسبانيا (2.6 %) وكوريا الجنوبية (2.4 %) وإسرائيل (2.3 %). وتمكنت كل من الإمارات والأردن من دخول نادي المصدرين للسلاح، وحجز مكانهما بين أكبر 25 دولة مصدرة للأسلحة. وجاءت كل من السعودية وقطر ومصر، ضمن أكبر عشر دول استيراداً للسلاح في العالم.
ومن بين أكبر سبع دول مصدرة للأسلحة في العالم، بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، شهدت خمس دول انخفاضاً في صادراتها من الأسلحة: الصين (-23 %)، وألمانيا (-35 %)، والمملكة المتحدة (-35 %) وإسبانيا (-4.4 %) وإسرائيل (-15 %)، بينما شهدت دولتان زيادات قوية وهما إيطاليا (+45 %) وكوريا الجنوبية (+74 %).
وأكد التقرير أن الهند لا تزال أكبر مستورد للأسلحة في العالم، على الرغم من انخفاض وارداتها بنسبة 11 % إذا قارنا بين الفترتين (2017-2013) و(2022-2018). ويرتبط هذا الانخفاض بعملية شراء معقدة، وتنويع موردي الأسلحة ومحاولات استبدال الواردات بالتصنيع المحلي.
ومن أبرز ما رصده التقرير من نتائج، ارتفاع صادرات الأسلحة الأمريكية والفرنسية، وانخفاض الروسية. فقد اتسعت الفجوة بين الولايات المتحدة أول وروسيا ثاني أكبر مصدري الأسلحة في العالم بشكل كبير، وربما يعزى ذلك لحاجة روسيا لأسلحتها في سياق الحرب الروسية الأوكرانية وللعقوبات التجارية ضد روسيا بسبب تلك الحرب. وبذلك ضاقت الفجوة بين روسيا وثالث أكبر مصدر للأسلحة في العالم فرنسا التي زادت صادراتها بنسبة 44 % وتفوقت على الولايات المتحدة لتصبح ثاني أكبر مورد للأسلحة للهند بعد روسيا.
كما أوضح التقرير أن الغالبية العظمى من واردات الأسلحة في الشرق الأوسط تأتي من الولايات المتحدة (54 %)، تليها فرنسا (12 %) ثم روسيا (8.6 %) وإيطاليا (8.4 %). وهي تشمل أكثر من 260 طائرة متقدمة و516 دبابة جديدة و13 فرقاطة.
وبين التقرير أن ترتيب دولة الإمارات العربية قد تراجع في قائمة أكبر مستوردي السلاح من المرتبة الخامسة عالمياً في تقرير (2017-2013) إلى المرتبة الـ 11 في تقرير 2018) (2022-. ويمكن أن يفسر هذا التراجع في واردات البلاد من السلاح مرتبط بتحول الإمارات نحو تصنيع جزء من سلاحها بنفسها، بل وتصدير الفائض منه، ونجحت تلك السياسة حتى احتلت الدولة المرتبة الـ 18 بين أكبر الدول المصدرة للسلاح في العالم.
ويمكننا رصد معالم أهم تشابكات التحالفات والمصالح الجيوسياسية من خلال الجدول المرفق الذي يوضح أكبر 25 دولة مصدرة للأسلحة وأهم مستورديها في الفترة ما بين 2018 – 2022:
ويمكن إجمال أهم معالم تلك التحالفات وتشابك المصالح الجيوسياسية في النقاط التالية:
1. مصر هي أكبر مستوردي السلاح من الإمارات وألمانيا وثاني أكبر الدول المستوردة من الأردن ومن إيطاليا وثالث أكبر الدول المستوردة للسلاح من روسيا ومن فرنسا.
2. تمثل كل من مصر والأردن والجزائر بالترتيب أكبر مستوردي السلاح من دولة الإمارات العربية المتحدة التي هي بدورها المستورد الأكبر للسلاح من جنوب إفريقيا وثاني أكبر الدول المستوردة للسلاح من كندا وتركيا.
3. تمثل المملكة العربية السعودية المستورد الأكبر من ثلاث دول دفعة واحدة وهي الولايات المتحدة وبلجيكا وكندا وثاني أكبر الدول المستوردة من إسبانيا وثالث أكبر الدول المستوردة للسلاح من إنجلترا.
4. بينما تمثل قطر المستورد الأول من تركيا وثاني أكبر الدول استيراداً للسلاح من فرنسا وانجلترا.
5. وتمثل الولايات المتحدة ثم مصر ثم أرمينيا بالترتيب أكبر مستوردي السلاح من الأردن التي تمثل ثاني أكبر مستوردي السلاح من الإمارات. ومن جانبها تمثل تونس ثالث أهم مستوردي السلاح من هولندا.
6. بينما تمثل كل من الهند وأذربيجان والفلبين أكبر الدول المستوردة من إسرائيل العاشرة عالمياً في ترتيب أكبر الدول المصدرة للسلاح في العالم والتي تمثل في نفس الوقت ثالث أكبر الدول المستوردة من ألمانيا.
7. وتمثل كل من السعودية ثم اليابان ثم أستراليا أكبر الدول المستوردة للسلاح من المورد الأول للسلاح في العالم الولايات المتحدة، والتي تمثل بدورها المستورد الأكبر للسلاح من إنجلترا والنرويج والأردن وثاني أكبر الدول استيراداً للسلاح من جنوب إفريقيا وثالث أكبر مستوردي السلاح من كندا وأستراليا.
8. بينما تمثل كل من الهند والصين ومصر أكبر الدول المستوردة للسلاح من روسيا ثاني أكبر موردي السلاح في العالم.
9. بينما تمثل الهند أكبر الدول المستوردة للسلاح من روسيا والصين وثالث أكبر الدول المستوردة للسلاح من كوريا الجنوبية.
10. وتمثل كل من باكستان ببنجلاديش وصربيا أكبر الدول التي تستورد السلاح من الصين التي هي المستورد الأول للسلاح من أوكرانيا وثاني أكبر الدول المستوردة من روسيا.
الخاتمة:
بالرغم من صعوبة إجراء تنبؤات حول الاتجاهات المستقبلية في عمليات نقل الأسلحة يمكن أن تعطي البيانات (الخاصة بطلبات السلاح المستقبلية المتفق عليها وبالمفاوضات التي وصلت لمراحلها النهائية بخصوص توريد أسلحة) مؤشراً للدول التي ستكون من بين أكبر المصدرين للسلاح في السنوات القادمة. وبناء على ذلك، وكما يوضح الجدول أدناه، فمن شبه المؤكد أن الولايات المتحدة ستظل إلى حد كبير أكبر مصدر للأسلحة الرئيسية بعد عام 2023، خاصة وأن حوالي 60 في المئة من مجموع الطائرات المقاتلة المطلوب شراؤها في السنوات القادمة هي أمريكية. بينما لدى روسيا، التي كانت ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم في 2022-2018، عدد منخفض نسبياً من الطلبات. ولدى فرنسا العديد من طلبيات الطائرات والسفن يمكن لها أن تعزز من مكانتها كمصدر للأسلحة في السنوات القادمة. ولدى ألمانيا طلبيات تنحصر تقريبا في السفن الحربية.●
» الأستاذ الدكتور وائل صالح (خبير في مركز تريندز للبحوث والاستشارات)
aljundi