الإدارة فى مصر العثمانية
بعد هزيمة سلاطين المماليك وضم مصر للدولة العثمانية لم يقم العثمانيين بتطبيق النظام الإدارى المالى الاقطاعى العثمانى المعروف بنظام تمارات السباهية وهو نظام يعود اصله للعصر البيزنطى
ولكن ابقوا على النظام الادارى المصرى المتبع من العصر الايوبي ولكن تعديله ليتماشى مع نظام الدولة العثمانية
النظام الادارى المصرى يتمحور حول الارض الزراعية و بمقتضى هذا النظام تعود ملكية معظم الاراضى الزراعية فى مصر للسلطان والفلاح له فقط حق الانتفاع
فى العصر الايوبى والمملوكى حيث ان السلطان كان مقيم بمصر فكان رسميا يدير ارضه بنفسه من خلال ناظر الخاص والاستدار الذى يقوم بتاجيرها للفلاحين او يعينوا مباشرين يديروها بالنيابة عن السلطان
اما فى العصر العثمانى فالسلطان لم يكن يدير هذه الملكية بنفسه ولكن يقسمها التزامات كل قرية مقسمة ٢٤ جزء ويعطى السلطان حق الالتزام لملتزم دوره إدارة الحيازة الزراعية فى القرية و دفع ضرائب القرية وخراجها مقدما وفى مقابل ذلك له كل ما زاد على الخراج كثر اوقل والملتزم فى العادة اكثر الرابحين من الارض والنظام ككل ماديا ومعنويا
وحيث ان الملتزم فى العادة اما من اعيان الاقليم او من القاهرة ويضم فى التزامه اكثر من قرية فبالتالى ندر وجوده فى القرية ولذلك يقوم الملتزم بتعيين قائم مقام له فى كل قرية فى التزامه لكن هذا القائم مقام ومن فوقه الملتزم ليسا ممثلين رسميين للحكومة ولكن متعاقدين خاصين مع شخص السلطان فى الاراضى الزراعية التى هى ملكه الشخصى كوريث لسلاطين المماليك والايوبيين
وبمرور الوقت أصبح الملتزم وقائم القائم أهم مسؤلين فى المدينة او القرية وكانوا الاساس الذى بنى عليه منصب العمدة فى القرية فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر
الجيش فى مصر العثمانية
ومثل ما قام العثمانى بتقسين الارض الزراعية لالتزامات قام أيضا بتقسيم الجيش المصرى من فيلق واحد كبير مكون من قرابة العشرين الف يسمى حلقة الجند لعدة افواج صغيرة تسمى وجاقات كل منها مكون من ١٠٠٠ إلى ٢٠٠٠ جندى هذه الوجاقات
وجاق الجاويشية او الشاويشية فى الأصل ٤٠ فرد فقط وظيفتهم جمع الضرائب والرقابة على جنود باقى الوجاقات لكن مع ضعف السلطة العثمانية المركزية أصبح مثل اى وجاق مشاة
وجاقات المشاة فى الأصل اثنين
وجاق الانكشارية ووجاق العزب لحفظ الامن فى القاهرة والمدن الكبرى ولكن معظمهم مقيم فى القاهرة ودورهم الاساسى حراسة القلعة وهذا الدور مقسوم بينهم للانكشارية باب من ابواب القلعة وللعزب باب
وقد نشأ بمرور الزمن علاقة انتفاع متبادل بين الوجاقين واعيان القاهرة فالانكشارية مسؤلين عن حماية التجار والمشايخ والعزب مسؤلين عن حماية الحرفيين والصنيعية
وجاقات السباهية الفرسان فى الأصل اثنين
وجاق الكوكليان ويحرف نطقه احيانا إلى وجاق الجمليان ووجاق التفكجية ثم فى عهد السلطان سليمان انشأ ابراهيم باشا وجاق الجراكسة و وجاقات السباهية يتشكلون من الفرسان ومعظمهم موزع على الولايات مع الكشاف لحراسة الأقاليم
اخر وجاق المتفرقة وجاق خليط من المشاة والفرسان انشاء بعد وفاة السلطان سليمان من الجنود المرسلين من الاستانة مباشرة لموازنة هيمنة المماليك على باقى الوجاقات لكن سرعان ما هيمنو عليه هو الاخر
والمصدر الاساسى للجنود فى كل الوجاقات المماليك يقوم أمراء المماليك او اعيان القاهرة بشرائهم وتدريبهم وعتقهم وضمهم للوجاقات كمطوعين من المصريين الاحرار ولكن ولائهم فى العادة لاساتذتهم الأصليين وليس للوجاق
لكن بجانب الجنود المقاتلين الذين يطلق عليهم يولضاشات مفردها يولضاش وتسميهم العامة الاضيش فكل وجاق كان يضم اعداد كبير من العامة غير الجنود هؤلاء ينقسمون إلى نوعين رئيسيين
الأول واجبى الرعاية وهم من التجار وأصحاب الحرف والملتزمين الذين ينضمون لاحد الوجاقات فى مقابل مبلغ يسمى الحلوان يدفعونه للوجاق اول مرة يدخلون الوجاق لكى يكونوا هم واملاكهم تحت حماية الوجاق ولهم كافة ما لجنود الوجاق من الحقوق بما فيها الراتب والجراية والشائع ان يكون التجار تحت حماية الانكشارية والحرفيين تحت حماية العزب وملتزمين الأقاليم تحت حماية السباهية
واعيان واجبى الرعاية وبسبب نفوزهم وثروتهم لهم دور كبير فى تحديد توجهات الوجاق وتحالفاته السياسية
الثانى ابناء الجنود وواجبى الرعاية الذين توفوا يبقوا تحت حماية الوجاق ولهم جزء من مرتبات زويهم المتوفين
ورسميا على كل من يطيق القتال من غير اليولضاشات نفس واجبات الجنود العسكرية لكن الوجاق نادرا ما يقوم باستدعائهم الا فى حالات نادرة مثل واقعة السناجق المعروفة بفتنة افرنج احمد سنة ١٧١١ التى قتل فيها آلاف الجنود مما اجبر الوجاقات على استدعاء كل من يطيق القتال من أبناء الوجاق
فى الوسط رقم ١ أغا الوجاق على يساره رقم ٤ باشا شاويش الوجاق
وكل وجاق يتولى قيادته اغا الوجاق يعين فى العادة من خارج الوجاق بمعرفة الباشا ويساعده عدة ضباط من الوجاق كل منهم يسمى كتخدا وتعنى نائب أهمهم
كتخدا الباب ويعرف أيضا بكتخدا الوقت وهو الكتخدا المقيم بباب القلعة المخصص كمقر لقيادة الوجاق وكتخدا الباب بلا منازع أهم مناصب الوجاق بل وفى بعض الأحيان أهم مناصب مصر كلها لانه فعليا حاكم على القلعة حيث كل دواوين الحكومة وعلى راسها ديوان الباشا
وكل وجاق ينقسم رسميا إلى بلكات و اورطات والبلك تترجم سرية و الاورطة تترجم كتيبة لكن فى ذلك الوقت لم يكن هناك تميز بينهم بل الأصل ان البلك أعلى من الاورطة
لكن التقسيم الأهم فى الوجاق
جماعات الشوربجية كل جماعة مكونة من عدة عشرات الى ١٠٠ بحد أقصى والشائع ٣٠ او ٤٠ جندى للجماعة ومعهم شربجى
ورتبة شربجى هى التى أصبحت فيما بعد بكباشى ثم مقدم فى الجيش المصرى
ومن اكثر رتب الوجاق شيوع مع الشوربجى هى رتبة
الأوضة-باشى وهى فى الاصل رتبة قائد ١٠٠ جندى وهى بديل رتبة النقيب الشائعة فى الجيوش العربية من عصر الخلفاء الراشدين وحتى العصر المملوكى و فى الأصل مع كل شوربجى على الاقل واحد اوضة-باشى او اكثر لفرض الانضباط فى الاورطة
ورتبة اوضة-باشى هى التى أصبحت يوزباشى ثم نقيب فى الجيش المصرى
جندى سباهى مدرع / جندى درك أوشرطة / شاويش كتخدا الوجاق اوضة-باشى جوربجى
لكن الشائع ان الاوضة-باشية يكونوا فى ثكنات الوجاق فى القلعة على جماعات من الجنود كل منها ٣٠ او ٤٠ جندى مثل جماعات الشوربجية
الأوضة-باشية قادة الجماعات فى الثكنات والشوربجية قادة الجماعات فى حراسة الأقاليم وعند الخروج للقتال
وكان يوجد فى كل وجاق وظيفة تسمى
باش-اوضة-باشية اى رئيس الاوضة-باشية وهى امتداد لوظيفة نقيب نقباء الجيش فى العصر الايوبى والمملوكى و باش-اوضة-باشية هو الثالث فى التسلسل القيادى للوجاق بعد اغا الوجاق وكتخدى الباب
ووظيفة الباش-اوضة-باشية تمثيل الوجاق عند الباشا ولهذا يقوم باش-اوضة-باشية الانكشارية المقد على باقى الوجاقات برفع طلب عزل الباشا من منصبه ويقوم بإنزال الباشا المعزول من القلعة
باش شاويش وشاويشية الوجاق
الشاويشية رسميا وجاق مستقل لكن أصحاب الوظائف منهم يتم اخيارهم من ضباط باقى الوجاقات يتم ضمهم للشاويشية ثم تعينهم فى الوجاقات لفرض الانضباط فى الوجاق مثل الشرطة العسكرية والامن الحربى فى الجيوش الحديثة
و باش شاويش الوجاق يعد من أهم قادة الوجاق مثل الكتخدا و باش-اوضة-باشى الوجاق
اما إدارة مملكة مصر رسميا فكانت تنقسم من العصر الايوبي على ثلاث مناصب
الوزير وهو راس النظام الادارى والمالى لمصر وهو المدبر الرسمى لمعظم شؤن البلد خصوصا ما يتعلق بادارة الاراضى الزراعية
اتابك العسكر وهو قائد الجيش والشرطة وأمير أمراء مصر وممثلهم أمام الملك وفى العادة ليس له اى دور رسمى مهم فى وقت السلم الا التقدمة على باقى الأمراء فى المراسم والاحتفال
وهذا المنصب فى بعض اقاليم الدولة المملوكية و فى الدولة العثمانية كان يسمى بكلاربك اى امير الأمراء او بك البكوات بالتركى
اخيرا نائب السلطنة وهو الممثل الشخصى للسلطان فى المملكة فى حالة عدم مباشرة المملكة بنفسه وبالتالي يعود له ايضا إدارة الارض الزراعية كممثل للسلطان بجانب دوره الادارى
لكن فى العصر العثمانى تم دمج هذه المناصب الثلاثة فى منصب واحد محتفظ بالثلاث القاب ومضاف لهم لقب باشا مصر الذى غلب على باقى القابه
و يدير الباشا أمور الولاية اليومية بنفسه اما ان اراد أحداث اى تغيير كبير فى الولاية مثل تغيير قانون او تعيين شخص فى منصب مهم فعليه الرجوع للسلطان او جمع ديوان يسمى بالديوان الكبير يشكل من اعيان البلد من الأمراء والمشايخ وكبار التجار والملتزمين وطلب موافقتهم على ذلك اولا
يلى الباشا فى التسلسل الإدارى البكوات السناجق وهم رسميا أيضا نواب للسلطان ولكن اقل فى الرتبة من الباشا
فى العصرى المملوكى كانت المناصب الكبرى فى مصر مقسمة على ٢٤ امير برتبة امير مئة فلما دخل العثمانيين خصصوا لأهم ٢٤ أمير فى مصر درجة سنجق-بك وتعنى حرفيا امير علم وكلما مات او عزل واحد منهم تنتقل سنجقيته لأمير جديد من أمراء مصر
أهم الوظائف التى يتولاها السناجق
كتخدا الباشا اى نائب الباشا وهو المنصب الذى أصبح وزير الداخلية وهو القائم بدور الدوادار من العصر المملوكى
الدفتردار وهو المنصب الذى أصبح وزير المالية وهو فعليا القائم بدور ناظر المال من العصر المملوكى
امير الحاج وهو مسؤل عن حماية قافلة الحاج وهو فعليا القائم بالدور الشرفى للاتابك من العصر المملوكى
امير الخزينة وهو مسؤل عن حماية قافلة الخزينة السنوية التى يحمل فيها خراج مصر للسلطان
اما مصر نفسها كانت تقسم لولايات متفاوته فى الحجم والقيمة وكان يلقب ولاة اكبرها حجما واهما قيمة بلقب كاشف ثم شاعت التسمية على كل الولاة فى العصر العثمانى وكان دور الوالى حفظ الأمن والكشف على الجسور والترع
ولاة الإسكندرية ودمياط والسويس يلقب كل منهم قبطان ويختار من السناجق
ولاة جرجا والمحلة والبحيرة والمنوفية وجدة قبل فصلها عن مصر دائما من السناجق اما باقى الولايات احيانا كشاف وأحيانا سناجق
ولحفظ الأمن فى الولاية يقوم احد وجاقات الحامية العثمانية فى مصر بتعيين جماعة من العسكر ويعين عليهم مقدم برتبة جوربجي لمعاونة الكاشف فى حفظ الأمن فى الولاية
شيوخ العرب
وبجانب الكشاف هناك ولايات لا يحكمها كاشف ولكن شيوخ عرب يعينهم الباشا من أكبر عائلات الإقليم فى العادة على اساس وجود صلة قرابة بين كل شيخ وسابقة مثل ابنه او اخوه
وعلى عكس ما يوحى الاسم فالكثير من شيوخ العرب ليسوا من القبائل العاربة بل ان اغلبهم اصلهم غير معروف والكثير منهم اصلهم امازيغ مثل مشيخة الهوارة أقوى مشيخة عرب فى مصر وأكثرها ثروة
وكان معظم العرب فى الوجه البحرى منقسمين لنصفين كبيرين نصف سعد ونصف حرام وكلاهما منسوب لجزام وهذا مستحيل بسبب تنوع خلفيات قبائل مصر
وأشتهر من شيوخ حرام أولاد بقر ومن شيوخ سعد أولاد حبيب
وفى النصف الثانى من العصر العثمانى تكون حزبين كبيرين من أمراء المماليك حزب من أنصار نصف سعد يسمى الفقارية وحزب من أنصار نصف حرام يسمى القاسمية
وشيخ العرب فى ولايته مثله مثل الكاشف ولكن يضاف له مسؤليه تأسيس جماعة من الفرسان لحفظ الأمن فى اقليمه بديل عن الجماعات التى ترسلهم القاهرة
اما ماليات الكشوفية فكان يديرها ناظر غير مقيم فى الولاية ويتبع ديوان المال الذى أصبح ناظره يسمى فى العصر العثمانى دفتردار
وأصبح نظار أموال الأقاليم يسمون قلفاوات مفردها قلفة مثل قلفة الصعيد او قلفة الغربية
هؤلاء بدورهم يعينون مباشرين فى القرى لكل قرية مباشر دوره المراقبة المالية على القرية وملتزمها وكان اغلب المباشرين اقباط والشائع ان أصل ذلك توصية اما من عمر ابن الخطاب او عمرو بن العاص كمكافئة لهم على مساعدتهم للعرب فى فتح مصر
اما رأس القرية الرسمى فهو شيخ البلد و دوره فى القرية هو امتداد لدور الكاشف فى الولاية اى حفظ الأمن بواسطة الخفر والكشف على الجسور والترع
لكن أهم الاشخاص فى القرية بلا منازع هو قائم مقام الملتزم
المصادر
- كتاب تاريخ الحركة الوطنية وتطور نظام الحكم في مصر لعبد الرحمن الرافعي
- https://en.wikipedia.org/wiki/Ottoman_Egypt