القسم الثاني: التهديد الصاروخي وتأثيره على موازين القوى الإقليمية
1- تجارب صواريخ بالستية قادرة على حمل رأس نووي
أورد تقرير نشرته "سي.أن.أن." في 12 تشرين الأول العام 2015، بأنّ إيران قد أطلقت بنجاح تجربة على صاروخ عماد طويل المدى يمكن توجيهه بدقّة نحو الهدف، وهو صاروخ أرض – أرض جرى بناؤه على يد الخبراء الإيرانيين. ويعتبر "عماد" أول صاروخ بالستي يوجّه بدقّة نحو الهدف، وفق ما تحدّث عنه وزير الدفاع الإيراني الجنرال حسين دهقان، والذي قال: "نتابع برامجنا الدفاعية ولا نطلب من أحد الإذن بذلك". وأضاف "هذا الصاروخ سيزيد من قدرات إيران للردع الاستراتيجي". يمكن لهذا الصاروخ الذي يبلغ مداه 1700 كلم الوصول إلى إسرائيل. وهو يعمل بالوقود السائل– ووصلت دقته إلى مسافة 500م من الهدف، ويبلغ وزن الرأس المتفجر الذي يحمله 750كلغ .
رأى الخبير الاستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان، بأنّ إيران قد حققت تقدّمًا مطرّدًا في تكنولوجيا الصواريخ وبأنّها تركّز بشكل أساسي على تحسين أجهزة التوجيه لهذه الصواريخ. وتراقب واشنطن باهتمام كبير جهود إيران لبناء قوّة صاروخية. وكان المتحدث باسم البنتاغون الأميرال جون كيربي قد صرّح إثر إعلان إيران في شباط العام 2014 عن تجربتها لصاروخين أرض – أرض، وأرض – جو موجّهين بواسطة أشعة لايزر، بالإضافة إلى صاروخ بالستي قادر على حمل رؤوس متفجّرة متعدّدة، بأنّ "هذا البرنامج الصاروخي يشكل تهديدًا خطيرًا لأمن المنطقة".
2- إيران تتحدّى قرارات مجلس الأمن
أجرت إيران في 9 آذار 2016 تجربة على صاروخ بالستي قادر على حمل رؤوس نووية، وتعتبر هذه التجربة مخالفة للقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2231، والذي صدر في تموز العام 2015. ووجّهت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا رسالة إلى كلّ من رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تلفت نظرهما إلى هذه المخالفة التي تعتبر تحديًا للقرار الدولي. وشدّدت الرسالة على أنّ الصاروخ "قادر على حمل رأس نووي"، واعتبرت الرسالة أنّ إيران قد فشلت في احترام قرارات الشرعية الدولية .
يأتي هذا الخرق الإيراني ليظهر مدى ضعف نص القرار وهشاشة العقوبات التي سيفرضها في حال حدوث مخالفة. وهذا الخرق لا يخالف أحكام الاتفاقية النووية مع إيران، لكن روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن، وتملك حق النقض، قد اتخذت موقفًا مغايرًا للقوى الغربية، حيث أعلنت رفضها لفرض عقوبات جديدة على إيران. وينصّ القرار 2231 على الطلب إلى إيران أن تمتنع لمدة ثماني سنوات عن إجراء أي نشاطات نووية بما فيها إطلاق صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
تدرك إيران أنّ كل ما يمكن أن يفعله مجلس الأمن توجيه تحذير إليها من دون فرض أي عقوبات جديدة، وهذا الأمر لا يمكن توقّع حدوثه إلا في حال مخالفتها لبنود الاتفاقية النووية.
لكن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من وضع الشركات التي تدعم البرنامج النووي الإيراني على اللائحة السوداء، كما فرضت عقوبات على رجلي أعمال بريطانيين لدعمهما شركة طيران يستعملها الحرس الثوري الإيراني.
يمكن للدول الأوروبية فرض عقوبات على إيران من جانبها، وكانت فرنسا قد طالبت الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليها في رد مباشر على التجربة الصاروخية الأخيرة.
وفق تقرير "سي.أن.أن."، فإنّ التجربة الصاروخية الأخيرة تظهر رغبة لدى الحرس الثوري الإيراني في إظهار "قدرات إيران على الردع". ونقلت وكالة الأخبار الإيرانية بأنّ الحرس الثوري قد صرّح بأنّ تجربة يوم الثلاثاء تظهر "استعداد إيران الكامل لمواجهة كل أنواع التهديدات ضد الثورة والحكم وسلامة الأراضي الإيرانية".
وكان التلفزيون الإيراني "برس تي في" قد نقل عن وزير الدفاع حسين دهقان، بأنّ الصاروخ الذي أطلق هو صاروخ تقليدي، وليس معدًّا لحمل رؤوس نووية. أمّا وزير الخارجية محمد جواد ظريف فقد دافع عن حقّ إيران بإجراء تجارب صاروخية، وبأنّ بلاده لا تملك صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
في المقابل، يبدو بأنّ أميركا مصرّة على فرض عقوباتٍ جديدة على إيران، كوسيلة ضغط من أجل احتواء طموحاتها الصاروخية.
هذا وصرّح نائب قائد الحرس الثوري العميد حسين سلامه من موقع تجارب الصواريخ في كافير: "لدينا مخزون كبير من الصواريخ البالستية، وهي جاهزة لاستهداف الأعداء في أي وقت من مواقع عديدة في البلاد".
ويربط بعض المراقبين توقيت هذه التجارب مع زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل. ويأتي ذلك في إطار السياسة التي يتّبعها قادة الحرس الثوري للتباهي بقوّة إيران تجاه الدول الغربية، وتوجيه تهديدات مباشرة لإسرائيل، وكعرض قوّة أمام خصومهم الإقليميين مثل المملكة العربية السعودية.
إنّ الفارق كبير بين ما نصّ عليه القرار 1929 وما نصّ عليه القرار 2231. في القرار القديم يحرم النص إيران اعتماد برنامج لتطوير الصواريخ البالستية وذلك تحت طائلة فرض تدابير عليها من قبل مجلس الأمن لمنع استيرادها لتكنولوجيا الصواريخ. في القرار الجديد هناك دعوة لإيران لكي لا تتابع برنامج تطوير الصواريخ لفترة ثماني سنوات كحد أقصى، من دون إعطاء أي سلطة للدول لوقف إيران عن الاستمرار في تطوير الصواريخ. يبدو بوضوح بأنّ روسيا هي الدولة التي سعت إلى استبدال "المنع" ﺒ "دعوة" لعدم الاستمرار في البرنامج الصاروخي". لكن لا بدّ هنا من الاعتراف، بأنّ إيران لم تكن في أي فترة جاهزة لتطبيق الضوابط التي يفرضها عليها المجتمع الدولي، في كلّ ما يعود لتطوير برنامجها الصاروخي.
ويبدو بأنّ التراجع الذي حصل في هذا الموضوع، له علاقة بالقرار الروسي لتنفيذ عقدها القديم مع إيران، والذي يقضي بتصدير بطاريات صواريخ S300 للدفاع الجوّي والصاروخي. كما يبدو بأنّ الغرب كان بحاجة لإغراء روسيا لتأمين استمرار دعمها للتوصّل إلى الاتفاقية النووية مع إيران.
يذهب المندوب الروسي في الأمم المتحدة فيتالي شوركين إلى تفسير أحكام القرار 2231، بالقول بأنّ "الدعوة" الموجهة إلى إيران لعدم الاستمرار في تطوير صواريخ بالستية لا تعني منعها من ذلك، وبأنّه يمكنها تجاهل هذه "الدعوة". يعتبر هذا التفسير خطيرًا في مفاعيله عند تطبيق الاتفاقية النووية الموقعة بين إيران والقوى العظمى، والتي تطلب من كل الدول الأعضاء، والمنظّمات الإقليمية والمنظّمات الدولية كلّها أن تتّخذ التدابير اللازمة لدعم تنفيذ الاتفاقية النووية. وإذا كان المندوب الروسي على حق في تفسيره، فإنّه يمكن لإيران تجاهل "الدعوة" الدولية وبذلك تصبح الاتفاقية الدولية من دون أي قيمة، وغير صالحة للتنفيذ.
إذا استعرضنا مواقف القوى العظمى نجد أنّ مسألة وضع ضوابط على البرنامج الصاروخي الإيراني قد جرى التراجع عنها في أثناء المفاوضات "الماراتونية" للتوصّل إلى الاتفاقية النووية، وعلى أساس أنّ الأمم المتحدة وبعض المنظّمات الدولية الأخرى قد اعتمدت عددًا من الضوابط في متابعتها للبرنامج الإيراني.
وفي هذا المجال، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغريني أمام وزراء خارجية 28 دولة أوروبية في اجتماع في بروكسل، بأنّه يجب مناقشة التجارب الصاروخية الإيرانية، من قبل الأمم المتحدة وليس داخل مجلس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، ووافقت المندوبة الأميركية سامنتا باور على ضرورة مناقشة التجارب الإيرانية من قبل مجلس الأمن الدولي. لكنّ المندوب الروسي فيتالي شوركين اعتبر أنّ إيران لم تخالف القرار الدولي 2231 .
3- القيمة الاستراتيجية للصواريخ الإيرانية متوسطة وطويلة المدى MRBMs و IRBMs
تملك إيران صواريخ بالستية عديدة يمكن تصنيفها ضمن هذه الفئة من الصواريخ، وهي قادرة على استهداف الدول الخليجية وإسرائيل، كما يمكن أن يصل مداها إلى أطراف القارة الأوروبية. في التصنيف الإيراني للصواريخ لا يمكن التفريق بين الصواريخ من فئة MRBMs وفئة IRBMs والتي هي أطول مدى من الفئة الأولى، والتي تستعمل في الهجوم الاستراتيجي ضد منطقة تحتوي عددًا من الأهداف المهمّة والحسّاسة.
لا يمكن الوثوق بكل المعلومات المنشورة عن نتائج التجارب التي أجرتها إيران لمختلف أنواع الصواريخ البالستية التي دخلت في ترسانتها الاستراتيجية. حيث يكتنف الغموض والشك القدرات الفعلية لهذه الصواريخ.
أمّا أبرز النقاط في هذا المجال فهي:
أ- النتائج الحقيقية للتجارب التي أجرتها إيران، وبالتالي قياس كفاءة هذه الصواريخ على تحقيق النتائج المرجوّة منها، في وقت يبدو فيه أنّ عدد التجارب التي جرت كان محدودًا، وهذا الأمر قد يدفع قادة الحرس الثوري إلى المغالاة في توصيف فعاليّة هذه القوّة الصاروخية من أجل الاستغلال السياسي.
ب- هناك شكوك حول امتلاك إيران القدرات التكنولوجية اللازمة لتزويد القوّة الصاروخية أجهزة توجيه دقيقة تعطيها الدّقة والقدرة على مهاجمة أهداف ذات قيمة عالية. وهنا لا بدّ من طرح السؤال عن أعداد الصواريخ التي تمتلكها إيران، والتي تمكّنها من توجيه قصف كثيف ضد الهدف نفسه للتعويض عن النقص في دقة الإصابة.
ج- تفتقد إيران التقنية المتطورة في حقلي تصميم الرؤوس الحربية والتذخير، وهما أمران لهما تأثيرهما الكبير على مدى فعالية الرؤوس المتفجرة أو الرؤوس العنقودية. إذا حدث الانفجار على مقربة من الأرض أو بعد اصطدامه فإنّ مفاعيل الرأس المتفجر تكون محدودة، ويذهب معظم المفعول نحو الأعلى.
د- السؤال المطروح بقوّة يبقى مركّزًا على مدى قدرة الصواريخ الإيرانية على اختراق الدفاعات المضادّة للصواريخ التي تمتلكها إسرائيل أو الدول الخليجية التي تمتلك أنظمة متطورّة للدفاع الجوي، وهي تعمل لزيادة هذه القدرات.
في الخلاصة تشير كلّ التقارير والمعلومات المتوافرة إلى أنّ الصواريخ الإيرانية ما زالت تفتقد الدقة، وذلك بسبب عدم تجهيزها بأنظمة توجيه في أثناء طيرانها أو بأجهزة ذاتية للتعرف إلى أهدافها في نهاية المسرى. هذا القصور التكنولوجي يفقد القوّة الصاروخية "الثقة" والضمانة لتحقيق الأهداف المرجوة منها، ويبرز الشكّ في قدرتها على إصابة أهدافها وتدميرها إذا لم تجهز برؤوس نووية. لكن ذلك لا يعني التخفيف من أخطار قصف صاروخي كثيف ومفاعيله ضد المدن والمناطق الآهلة وبعض الأهداف الكبيرة الحساسة كالموانئ والمطارات ومصافي النفط وغيرها.
لكن يبدو بأنّ إيران مستمرّة في إجراء التجارب لتحسين دقّة صواريخها، وتجهيزها مستقبلًا بأجهزة حماية إلكترونية تزيد من قدرتها على اختراق شبكات الدفاع المضادة للصواريخ. يضاف إلى ذلك بأنّها تملك قدرات كيميائية (غير مصرّح عن امتلاكها)، ولا يستبعد أن تصنع إلى جانب الرؤوس المتفجرة والعنقودية بعض الرؤوس الكيميائية، وسيكون لوجود مثل هذه الرؤوس مفعول كبير على مستوى الحرب النفسية، بحيث تثير الرعب لدى السكان المدنيين في المناطق المعرّضة لقصفها الصاروخي.
4- تقويم التهديد الصاروخي في المستقبل
(الرؤوس النووية مقابل الرؤوس التقليدية الدقيقة الإصابة)
عندما نتكلّم على التهديد الصاروخي الإيراني في المستقبل، أي بعد انقضاء مدّة الاتفاقية النووية أو في حال خروج إيران منها قبل انتهائها، فإنّ إيران ستكون قادرة على نشر صواريخ مجهزة برؤوس نووية أو ستكون قد توصّلت إلى تطوير تكنولوجيا التوجيه لتصل الرؤوس التقليدية بدقة عالية إلى أهدافها. وفـي تقويمي للبرنامج النووي الإيراني السابق للاتفاقية النووية، فإنّي أرجّح نظرية تقول بأنّ إيران ستعمل على امتلاك السلاح النووي على اعتبار أنّه يخدم أهدافها الجيوستراتيجية، كما أنّه يعطيها القدرة على ردع أعدائها سواء كانت إسرائيل أو أي قوّة دولية أخرى. كما أنّه يعطيها القدرة والتفوّق اللازمين لخدمة مشروعها للهيمنة على الدول العربية وخصوصًا الدول الخليجية والعراق وسوريا. وسيعطي السلاح النووي لإيران القدرة لردع الولايات المتحدة من استعمال قدراتها الاستراتيجية التقليدية المتفوّقة – وخصوصًا قواتها الجوية والصاروخية – للهجوم عليها أو استعمال فائض هذه القوّة لابتزاز طهران.
في حال امتلاك إيران (بعد عقد من الزمن) للصواريخ النووية والصواريخ التقليدية عالية الدقّة، فإنّ الدور الاستراتيجي للقّوة الصاروخية الإيرانية سيتغيّر من كونه قوّة عملانية مؤثّرة جدًا في عمليات الهجوم والدفاع ليصبح قوّة رادعة على المستوى العملاني والاستراتيجي، يمكّنها بالتالي من فرض نفوذها وسيطرتها على المستوى الإقليمي، من دون اللجوء إلى شن عمليات عسكرية واسعة ضد خصومها أو القوى المنافسة لها.
لكن على إيران أن تدرك بأنّ امتلاك الصواريخ النووية والصواريخ التقليدية الدقيقة سيدفع المنطقة نحو سباق تسلّح خطير وباهظ الأثمان. هذا وتمتلك إسرائيل مئات الرؤوس النووية، وفي الوقت نفسه ستسعى الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية إلى زيادة مخزونها من الصواريخ البالستية المتطورة، كما أنّها ستعمل على امتلاك رؤوس نووية.
ويمكن لدول أخرى أن تطلب من الولايات المتحدة أن تضعها تحت مظلة الردع النووي الأميركية، على غرار الوضع لدى دول أطلسية غير نووية Extended deterrence. ومن المتوقّع أن تتوصّل الصناعة الإيرانية خلال فترة خمس سنوات إلى تطوير جيل جديد من الصواريخ البالستية عالية الدقة وبعيدة المدى، وستصبح هذه القوّة قادرة على الاخلال بموازين القوى في المنطقة، وأن تشكل خطرًا استراتيجيًا، حتى ولو لم تحصل إيران على رؤوس نووية. وترتبط مفاعيل التهديد الصاروخي هذه بنجاح الصناعة الصاروخية الإيرانية على إحداث تطور نوعي في أربعة حقول: أولًا، تطوير أجهزة التوجيه للصواريخ بما في ذلك التوجيه الذاتي على الهدف. ثانيًا، زيادة المخزون الصاروخي لاعطائه قيمة استراتيجية تثير مخاوف الأعداء والخصوم. ثالثًا، نشر قوّة صاروخية مجهزة برؤوس كيميائية لإثارة الرعب لدى شعوب المنطقة. رابعًا، تطوير نظام القيادة والسيطرة للقوّة الصاروخية يمكّنها من إطلاق أعداد من الصواريخ من عدة مواقع متباعدة على الهدف نفسه أو على مجموعة أهداف حساسة.
5- دور الصواريخ في السياسة والحرب النفسية وكقوّة ابتزاز
تأتي الأهداف السياسية التي تسعى إيران إلى تحقيقها في مقدمة الدوافع والأسباب التي تسعى إلى تحقيقها من خلال تطوير قدراتها العسكرية والصاروخية والتي ستحوّلها إلى قوّة إقليمية تؤمن لها النفوذ والهيمنة في الخليج وعلى الدول المجاورة. كما يمكن لإيران من خلال استعمال قوّاتها الصاروخية الراهنة تقليد الدور السياسي الذي حاول الاضطلاع به صدام حسين من خلال استعمال قوّاته الصاروخية في الحرب العراقية – الإيرانية أو في حرب الخليج الأولى العام 1991 ، عندما وجّه صواريخه نحو السعودية وإسرائيل، وذلك ضمن فكرة إثارة الرعب، كوسيلة لتحقيق هدف سياسي.
يمكن للقوّة الصاروخية الإيرانية الآن وفي المستقبل أن تزيد القدرات الدفاعية والرادعة لمنع حصول أي هجوم على إيران، وللتعويض أيضًا عن ضعف قدراتها الجوية، بسبب تقادم أسطولها الجوي. وتجدر الإشارة إلى أنّ قدرة إيران على إطلاق رشقات من صواريخها ستحوّل هذه القوّة إلى سلاح رعب لدى الدول المعادية، وستكون له مفاعيل نفسية مؤثّرة على الحياة العامة، وعلى الروح المعنوية لدى شعوب هذه الدول.
يبدو بوضوح من الضجة الإعلامية التي تعمل إيران على إثارتها حول قدراتها الصاروخية، في أثناء إجرائها لتجارب صاروخية أو في الاستعراضات العسكرية أو في أثناء المناورات التي تجريها، بأنّها تحاول التأثير سياسيًا واستراتيجيًا على الدول الإقليمية، والتأثير معنويًا على شعوبها وقواتها العسكرية. كما تسعى في الوقت نفسه إلى رفع معنويات شعبها وحلفائها في دول المنطقة. والتهديدات المتكررة التي كانت تصدر من القيادات الإيرانية ضد إسرائيل والقوات الأميركية في المنطقة، تأتي في سياق تحقيق هذه المفاعيل الدعائية والنفسية.
كما يمكن لإيران أن تستعمل قدراتها الصاروخية التقليدية في حال غامرت إسرائيل في شن هجوم جوي وصاروخي ضد بعض المنشآت النووية الإيرانية، كما كان يهدّد نتانياهو في الفترة التي سبقت توقيع الاتفاقية النووية. وتأمل إيران أن يأتي الرد الإسرائيلي ضمن حسابات تأخذ بعين الاعتبار الفترة الزمنية للحرب، وعامل عدم قدرة الدفاعات الإسرائيلية المضادة للصواريخ على التعامل مع عدد الصواريخ الكبير المنطلق منها. في حال حصول مثل هذه المواجهة بين إيران وإسرائيل، فسيكون لذلك مفاعيل على مواقف بعض الدول العربية تجاه إيران، وقد يعمد بعضها إلى تخفيض مستوى تعاونه مع القوات الأميركية العاملة في الخليج وبحر العرب.
وفي التقويم العام، وعلى الرغم من عدم دقّة الصواريخ الإيرانية في الوقت الراهن، ومحدودية القدرات التدميرية للرؤوس المتفجرة التقليدية، فإنّ قدرة إيران على شن هجوم صاروخي مفاجىء وكثيف ضد المدن في الدول المجاورة أو إسرائيل، وضدّ بعض المنشآت العسكرية الرئيسية سيكون لها مفاعيل سياسية ونفسية كبيرة، ولا يمكن الاستهانة بهذا الأمر في الحسابات الخاصة بسياسة السلم والحرب.
6- تأثير القوّة الصاروخية على موازين القوى الاقليمية
تحتلّ القوّة الصاروخية وبرامج تطويرها عنصرًا أساسيًا في المنظومة العسكرية الإيرانية، وتمثّل التجارب الأخيرة لصواريخ بالستية متطورة استثمارًا كبيرًا للمستقبل إذا ما تسنى لإيران إنتاج رؤوس نووية.
وهنا تدرك الولايات المتحدة وأوروبا والدول الخليجية وإسرائيل مدى قدرات إيران الصاروخية الراهنة، والتي تتطوّر بسرعة سواء لجهة الكميات أو النوعية، وبأنّ هذه الصواريخ قادرة على ضرب أهداف داخل إسرائيل وفي عدد من الدول الأوروبية، ويدرك الخبراء في هذه الدول بأنّ إيران أصبحت قادرة على تطوير صواريخ بعيدة المدى، تعمل بالوقود الصلب، وهي جاهزة لتشكل تهديدًا أمنيًا ونفسيًا واقتصاديًا لجميع دول مجلس التعاون الخليجي.
وشعرت إيران بعد الهزائم التي واجهتها في حربها مع العراق بضرورة تطوير قدراتها العسكرية التقليدية، وقد سعت للحصول على أسلحة متطوّرة من الاتحاد السوفياتي ومن روسيا لاحقًا، ولكن الظروف السياسية الدولية والحصار الغربي المفروض على طهران قد حالت دون ذلك. وكانت إيران قد وقّعت عقدًا مع روسيا لشراء صواريخ S300 للدفاع الجوي ولكن الضغوط الغربية جمّدت تنفيذ العقد. وعادت روسيا مؤخرًا إلى إحياء العقد وتسليم إيران بعض هذه الصواريخ.
تقوم الاستراتيجية الإيرانية الراهنة على ثلاثة أنواع من القوى: القوى الصاروخية، القادرة على شنّ عمليات هجومية ودفاعية ضد جميع دول المنطقة، والقوى البحرية، القادرة على مراقبة وازعاج القوات البحرية الأميركية في الخليج، ومحاولة اقفال ممر "هرمز" إذا لزم الأمر، والقوى المتحالفة مع إيران والتي يمكن أن تشنّ حروبًا بالوكالة لحساب طهران.
من الواضح أنّ إيران تسعى منذ فترة لبناء قدراتها لكي تكون القوّة الإقليمية الأبرز، ينافسها على هذا الدور كل من إسرائيل وتركيا والدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية.
٧- الاستنتاجات
مع حدوث مثل هذا التطور في البرنامج الفضائي الإيراني، ومع التقدّم الذي أحرزته إيران في مجال تخصيب اليورانيوم يبدو بوضوح أنّ هدفها الاستراتيجي لم يعد يقتصر على ردع أي محاولة أميركية لغزوها أو الاعتداء عليها، بل تعدّى ذلك لتتحول إلى لاعب دولي كبير، قادر على نشر نفوذه والتهديد باستعمال قوّته خارج منطقة الشرق الأوسط، وصولًا إلى أوروبا وأميركا.
ربّ قائلٍ بأنّ هذا التقويم لقدرات إيران يفتقد للواقعية، وبأنّ الإيرانيين يغالون في توصيفهم لقدراتهم الاستراتيجية والعلمية، وذلك ضمن الحرب النفسية والإعلامية التي يشنّونها ضد خصومهم. هذا صحيح، ولكن ذلك لا يعني بأنّهم لا يسيرون بخطى ثابتة نحو تطوير قدراتهم العسكرية والعلمية، وتحويلها بالتالي إلى قوّة قادرة على حماية مصالحهم، وتحقيق المزيد من النفوذ على المستويين الإقليمي والدولي.
إنّ الحرس الثوري الإيراني المدعوم من قبل القيادات الدينية والتيار المتشدّد، هو وحده المسؤول عن برامج تطوير الصواريخ والبرنامج الفضائي، وهو ينطلق في خططه المستقبلية من ضرورة استعادة إيران لمجد الإمبراطورية الفارسية، ومن ضرورة استعادة الأمة الإسلامية لدورها على المستويين الحضاري والسياسي بين الأمم. لذلك، يبقى من الطبيعي العمل على تطوير القدرات والوسائل العلمية والعسكرية، بما في ذلك تطوير الصواريخ وسبر الفضاء وامتلاك الدورة الكاملة لصنع السلاح النووي.
كان مسؤولون غربيون وإيرانيون قد اعتبروا في أثناء المفاوضات على البرنامج النووي الإيراني بأنّ "من بين القضايا التي تعرقل التوصل إلى اتفاق، الخلاف حول العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن الدولي على برنامج الصواريخ البالستية، وحظر أوسع على الأسلحة التقليدية". وألحّ الجانب الإيراني على أنّه لا يوجد سبب للربط بين المسألتين.
وعلى الرغم من إصرار إيران على ضرورة رفع العقوبات عن البرنامج الصاروخي فإنّ الأمم المتحدة والدول الغربية مصرّة على الاستمرار في سياسة العقوبات، وهذا ما يؤكده القراران رقم 1929 ورقم 2231.
لكن الموقف الإيراني الرافض لتدخل الدول الغربية في البرنامج الصاروخي لم يتغيرّ، وهذا ما عبّر عنه بقوّة قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري، الذي صرّح في 5 نيسان 2016 بأنّ "إيران مصمّمة على الاستمرار في طريق تطوير قدراتها الصاروخية على الرغم من مطالب واشنطن الملحة". وأضاف "إنّ صواريخنا أصبحت أكثر دقة وذات قوّة تدميرية كبيرة، وسيزداد عددها أكثر من أي وقت مضى".
في النهاية يمكن الاستنتاج بأنّ إيران لم تكن في الماضي، ولن تكون جاهزة في المستقبل، للخضوع للضوابط التي يفرضها عليها المجتمع الدولي في كل ما يعود لتطوير صواريخ بالستية بعيدة المدى، وذلك من ضمن طموحاتها الاستراتيجية لكي تتحوّل إلى القوّة الإقليمية المهيمنة، والقادرة على التأثير في موازين القوى الشرق أوسطية والدولية.
اعداد العميد الركن المتقاعد : نزار عبد القادر
ضابط متقاعد في الجيش اللبناني
مصدر