دمج النظم المدفعية والصاروخية لمقاومة تخديدا المقاتلات متعددة المهام
إعداد: د. فايز حداد
من التحديات الرئيسية التي يطرحها تصميم وتطوير النظم الصاروخية المضادة
للدفاع الجوي، كيفية التأقلم المستمر مع التحسينات النوعية المتزايدة التي
تميز الأجيال الجديدة من الطائرات، وبخاصة الحوامات الهجومية والمقاتلات
المتعددة المهام. وفي هذا السياق كذلك، تبدو ظاهرة الدمج بين نظم مختلفة،
مدفعية وصاروخية، ذات دور مركزي،
أكدت عليه أكثر فأكثر التوجهات النظرية والتطبيقية خلال تسعينات القرن
الماضي، وإذ كانت هذه الظاهرة، شهدت محاولات ناجحة لبدايات محدودة قبل
ذلك، فإنها تفرض نفسها كواسطة فعالة لمقاومة التهديدات الجوية، خاصة على
المدى القصير وبدرجة ثانية على المدى المتوسط إلا خلال السنوات الماضية.
المفاهيم الأساسية، تعرضت بدورها، لعملية تبسيط وتعقيد في وقت واحد، نظرا
لعامل تداخل لم يكن مطروحا من قبل. والتمايز النوعي، الذي كان يرسم الحدود
بين المدى القصير والمدى المتوسط، تبعا لطبيعة ومجالات التهديد الجوي، لم
يعد قائما بنفس الدرجة وانطلاقا من الاعتبارات التي استقرت بالإجمال حتى
ثمانينات القرن المنصرم، لم يعد الفصل الطبيعي محسوما، بين المعطيات
الاستراتيجية المستقرة من جهة والتحولات التكتيكية من جهة ثانية. ولعل
إدخال الأسلوب المرن، يشكل الفارق الحقيقي، نحو اعتماد مصطلحات وتسميات
متجددة، لا تفقد معها المصطلحات السائدة قيمتها العامة ، بل تكتسب إطارا
أشمل، وتسمح بالتالي انطلاقا من ذلك، في تطوير مستمر للنظم التي لاقت
نجاحا عملياتيا ومدعوة إلى الانفتاح لأقصى حد ممكن على الحداثة
التكنولوجية، وقد لا تكون هذه المعادلة العامة، متوقفة فقط على النظم
الصاروخية، إلا أن هذه الأخيرة تبدو الأكثر تعبيراً عن مدى التحول التقني
وطبيعة علاقته بتوجهات المستقبل، ثم أن إمكانيات التداخل والتنسيق بين ما
هو مصنف في فئة المسافة القصيرة والمتوسطة، ومؤشر غير مباشر، على أن ما
كان مفترضا أن يشكل، نظريا على الأقل، خطا دفاعيا أخيراً لرد الهجمات
الجوية، لم يعد مناسبا بالضرورة لذلك.
إلى ذلك، تنصف النظم الصاروخية المعدة للنشر انطلاقا من منصات برية أو
متحركة، بالمزيد من التعدد والاختلاف، وأحيانا يطرح هذا الأمر صعوبات
مبررة في اختيار النماذج أو الطرازات التي تلائم أكثر من غيرها حاجات
محددة بالنسبة إلى بلد معين أو مجموعة إقليمية. من هنا، الاتجاه أولا، لدى
العديد من الدول التي تتمتع بقدرات تسليحية فعلية إلى العناية أكثر بنقل
التكنولوجيا إليها على أن يتم ذلك في إطار العقود المبرمة نفسها، وثانيا
إلى تطوير نظم صاروخية قصيرة المدى للاستخدام المحلي، في المقابل، اكتسب
طابع الحماية الذاتية العالية أهمية مضاعفة، ولا يكفي الآن التمتع بتقنيات
مدفعية وصاروخية في ردع الهجمات الجوية المحتملة، بل أصبح من الضروري
بمكان، تأمين الأمان الرادع من خلال التجهز بقواذف ذكية ومستشعرات فائقة
الحساسية ونظم توجيه مناسبة، حتى لا تتعرض نظم الدفاع الجوي لتهديدات هجوم
مكثف أو مفاجئ.
ومن جهة نظر التنوع أيضا، وعلى الرغم من أن الموازنات المخصصة للنشاط
الصاروخي بشكل عام تعرضت للخفض أقل من سواها بالمقارنة مع نظم التسلح
الأخرى منذ بداية التسعينات نتيجة الخروج التدريجي من مرحلة الحرب
الباردة، فقد اتسع مجال الدراسات والأبحاث تمهيدا لتطوير الشركات الرئيسية
المصنعة لنظم مضادة قابلة للتعديل دون تعقيدات تذكر، بحيث ما كان مصمما
على سبيل للانطلاق من القواعد الأرضية الثابتة أو المركبات يصبح صالحا
للاستعمال من على متن السفن، وفي المنحى نفسه أيضا، تمت محاولات ناجخة
تماما، لملائمة نشر هذا النظام الصاروخي أو ذاك على منصة برية واحدة أو
مشتركة.
إن تغير أو تبدل مواقع الإطلاق، لا يسمح لنفس الطرازات من الصواريخ، تغطية
المجالات نفسها، أو التمييز الدائم بنفس الدرجة من الصوابية بين مراكز
الحرارية المنبعثة من الطائرات أو من الشهب والوسائط الخادعة. ولا يؤثر
ذلك، في الاعتبار التصميم العام، من أن النظم قصيرة المدى، المطلقة من
منصات برية، مبرمجة للاشتباك مع الأهداف الجوية الحقيقة في اتجاهات
مختلفة، وبمعزل عن الاتجاه القائم نحو الدمج بين نظامين صاروخيين متقاربين
على أساس الانطلاق من أرضية واحدة لتدعيم قدرات الدفاع الجوي العاملة على
مسافة تنقص بالإجمال عن 15 كيلو مترا، فإن لكل طراز صاروخي ميزاته النوعية
الرائدة، إضافة إلى أن بعض النماذج سجلت أكثر من غيرها نجاحات مؤكدة في
حالات الاستخدام المتنوع وعلى مستوى التصدير إلى الأسواق الخارجية.
من النزاعات الأفريقية إلى كوسوفو مرورا بحرب الخليج، اكتسب الصاروخ
الأمريكي “ستينغر” من تطوير مجموعة “رايثيون” شهرة عريضة، بررت أيضا إلى
حد كبير، التعديلات والتحسينات شبه المتواصلة التي أدخلت عليه. لكن، حين
يتم ذكر هذه المنظومة، يقود التفكير تلقائيا إلى الحرب الأفغانية التي
تزامنت مع فترة ثمانينات القرن الماضي، إلى حد اعتبر مراقبون تجاوزا أن
“ستينغر” لعب دورا أساسيا في هزيمة الروس هناك. ومهما يكن من أمر هذا
الاعتبار، فالملاحظ أن هذا الصاروخ القابل للإطلاق أيضا من على الكتف،
يتمتع بمرونة، استخدام عالية جدا واكتسب فعاليته أساس من نظام التوجيه
بالأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء. وفي أي حال لجأ مكتب سوخوي في وقت
ما، إلى التنبيه أن مقاتلاته من طراز “سو- 25” التي نشرت بكثافة على جبهة
أفغانستان وجهزت بصفائح تدريع إضافية، لم تتأثر من جراء الصواريخ المضادة
المحمولة فرديا.
المنافس الروسي لستينغر يحمل اسم “أيغلا” أو “SA-18” حسب القاموس الغربي
والاطلسي، وقد أسهم إلى حد كبير في تركيز شهرة “KBM” المصنعة بشكل خاص
للنظم الصاروخية. قد لا يكون مجال استخدامه بمدى اتساع الصاروخ الأمريكي
من “رايثيون”، إلا أنه يتمتع بميزات فائقة في أكثر من جانب. من ذلك،
التجهز بهوائي دائري سهل التثبيت على العديد من الراجمات البحرية والبرية
والقدرة على التميز بين الصديق والعدو والاحتواء على نافثات جانبية لتحويل
الاتجاه فور عملية الإطلاق وأخيراً الدفع بواسطة وقود خاص يحقق الانفجار
لحظة الارتطام بالهدف.
ومن جملة التحقيقات الهامة للشركة الروسية المذكورة، التوفيق الفعال في
دمج النظم، وهو الانجاز الذي توصلت إليه أيضا عام 1998 شركة “LFK” التي
تشكل الفرع الصاروخي للمجموعة الألمانية “دازا” التابعة لداملر- كرايزلر
والمنخرطة حاليا في التجمع الأوروبي “EADS”، من خلال وضع قاذفين على مركبة
طراز “GD-250” من مرسيدس- بنز، يطلق الأول من جانب صاروخ “ستينغر” ويطلق
الثاني من جانب مقابل صاروخ “أيغلا”.
من الجدير الإشارة أيضا، إلى أن ما تحققه على هذا المستوى مركبة “GD-250”
يناسب كذلك مركبة للاستخدام المتعدد على غرار “لاندروفر” أو “GD-250”، عبر
تركيب قاذفات دوارة إلى جانب أنظمة حرارية وأجهزة ملاحة، وفي هذا السياق،
تم تثبيت الصاروخ واسع الانتشار “ميسترال” من فئة بر- جو وسطح- جو. ومع أن
الطراز المذكور من تطوير مجموعة “ماترا- بريتش ايروسبايس ديناميكس”، صمم
أساساً للاستخدام الفردي، فقد اتسعت تعديلاته وتطويراته لتجهيز الإبراج
الثابتة والمتحركة والراجمات إضافة إلى السفن، كما أنه يدمج بين التوجيه
بالأشعة تحت الحمراء ونمط الكشف عن الأهداف بواسطة باحث ذي خلال متعددة.
إن مقارنة موضوعية بين طرازي “أيغلا” و “ميسترال” مفيد إلى حد كبير عن
قدرات متقاربة سواء على مستوى المدى العملياتي الذي يتراوح بين 5200 و
6000 متر أو ارتفاعات الأهداف التي تترواح بين 3000 و 3500 متر. لكن في
مجال الدمج بين الصواريخ والمدافع، مما يعزز كما تمت الإشارة سابقا، من
قدرات الدفاع الجوي المتقارب، يعتبر المكتب الروسي “KPB” ذا ريادة حقيقية
من خلال نظام “تانغوسكا- 1”، القابل للاستخدام في منصات برية مع توفير
نسخة بحرية بالغة الفعالية لمسافة ثمانية كيلو مترات تحت اسم “كاشتان”،
وللجمع في موقع اطلاق واحد بين ثمانية صواريخ مقذوفة عاموديا طراز “9M311”
ومدفعين مزدوجي السبطانة عيار 30 ملم طراز “2A38M”.
في المنحى نفسه، بالتعاون بين المجموعة الأمريكية “رايثيون” المنتجة أيضا
للنظام الصاروخي قصير المدى “سايدوندر” والكونسورتيوم الألماني “RAMSYS”،
تم تطوير النظام البحري “11”، المتميز في الاعتماد على الرادار السلبي في
مرحلة التوجيه الأولى ثم التحول إلى الأشعة تحت الحمراء في المرحلة
اللاحقة. ويذكر هنا، أنه في مجال المقارنة إلى حد ما مع “تانغوسكا- 1”, ثم
تطوير برج سي رام الذي يجمع بين 11 صاروخاً مضادا ومدفعا سداسي السبطانة
عيار 20 ملم طراز “فالانكس”. ومقابل هذه السلسة من النظم الصاروخية التي
تتصف بالسرعة العالية، هناك نظم أخرى بر- جو وسطح- جو، تتصف بالسرعة
الفارطة التي تفوق 3 ماك وتتميز بالقدرة الحاسمة في اعتراض الصواريخ
البالستية المطلقة من المقاتلات أو الحوامات.
الأهم من ذلك، أن فئات من هذه الطرازات، قابلة للدمج مع المدافع، وإن كانت
النسبة هنا أقل من النماذج المذكورة السابقة التي تتصف جميعا بأنها من فئة
المدى القصير. وفي طليعة عائلات الصواريخ المناسبة للقواعد البرية
والبحرية معا، التي يتراوح مداها بين القصير والمتوسط، تبرز بصفة خاصة فئة
“أستير” من الجيل الجديد من تطوير المجموعة الفرانكو- إيطالية “EUROSAM”.
وعلى سبيل المثال، إذا كانت نسخة “استير- 15”، التي هي قيد التطوير الآن،
معدة لتجهيز حاملة الطائرات النووية الفرنسية «شارل ديفول» والفرقاطات من
فئة “لافاييت- أس- 300 اف” التابعة للبحرية الفرنسية، وهناك تصور عملياتي
لنسخة “استير 30” المدفوعة بنظام خاص للعمل على مدى سبعين كيلو متراً.
في المقابل يمكن التحدث عن النظام الروسي “Pantsyr-S1” في الفئة ذات مدى
أقل، أقرب منها من القصير المتوسط، وتزيد على 12 كلم مع علو بستة كيلو
مترات. ومن حسنات هذا النظام القابل للتثبيت على الشاحنات، أنه يجمع بين
ثمانية صواريخ “57E6” ومدفعين عيار 30 ملم، علما أن نظام “tor-m1” الأكثر
تطورا من تطوير المكتب الروسي المختص “Antey” يوفر إمكانات مماثلة إضافة
إلى التجهز برادارات مراقبة وتعقب للاندفاع العامودي.
إذا كان برنامج “أستير” الذي يمكن أن يزود لاحقا الفرقاطة الأوروبية من
الجيل الجديد فئة “أوريزون” يشكل حقلا رائدا على مستوى المفهوم، فإنه لا
يختصر بالطبع المحاولات الغربية الناجحة، في مجال تطوير النظم الجديدة ذات
السرعة الفارطة لأغراض الدفاع الجوي المتقدم.
وهناك في الواقع، أكثر من منظومة للمدى القصير، مثل الصاروخ “RBS-90” ذي
التوجيه اللايزري من الشركة السويدية “بوفورز”، وصاروخ “ستارستريك” من
تطوير الشركة البريطانية “شورتس ميسيل سيستمز” الذي وضع 20 نموذجا منه
دفعة واحدة على منصة إطلاق تأخذ من عربة القتال المدرعة “ستورمر” قاعدة
لها. بالطبع هناك طراز “Rapier FEC” المصمم للتصدير تحت اسم “جيرناس” من
مجموعة “ماترا بريتش ايروسبايس دينامكس” ويتميز بالتوجيه التلقائي عن بعد
قبل مهاجمة الأهداف الواقعة في مجال الرؤية.
في المقابل، الصاروخان الأوربيان من الجيل الجديد “CROTALENG” من المجموعة
الفرنسية “تاليس” و “ROLAND” من يوروميسيل، مصممان بدورهما لإطلاق الصاروخ
الموجه عن بعد “VT-1” الذي تتجاوز سرعته 3 ماك، وقد جرى تركيب النظامين
بنجاح على عربات مدولبة 6*6 أو هيكل الدبابة الفرنسية “AMX-30” أو على متن
المركبة الألمانية “Marder”.
وفي مجال تقنيات الدمج بين الصواريخ والمدافع، يمكن ذكر نظام “Blazer” من
تاليس، الجامع بين ميسترال ومدفع “GAU/12” أو نظام “AVANGER” من بوينغ
الحاضن لستينغز ومدفع رشاش عيار 12.7 ملم، أو نظام “أداتس” من “أورليكون
ايروسبايس” في حين نجحت مجموعة “رايثيون” انطلاقا من منصة إطلاق واحدة، في
الجمع بين صاروخ اعتراض الصواريخ البالستية قصيرة المدى طراز “هاوك”
والصاروخ متوسط المدى طراز “AMRAM” المعدل في نسخة سطح- جو.