- قصة الصراع بين النصرانية والإسلام
قبيل بعثة النبوة كانت القوة المسيحية ممثَّلة أساسًا في الدولة البيزنطية أو ما يعرف بالإمبراطورية الرومانية الشرقية ، وذلك بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية سنة 476م , قبل ميلاد الرسول - صلي الله عليه وسلم - بمائة سنة تقريبًا .
وكانت الدولة الرومانية الشرقية تسيطر علي شرق أوربا بكامله ، إضافةً إلى الأناضول ، وفوق ذلك فإنها كانت تحتل بلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا ، فصارت بذلك أعظم دولة في العالم ، ولقد عرف البحر الأبيض المتوسط ببحر الروم لأن الأملاك الرومانية كانت تحيط به من كل جانب .
وكان المسيحيون في خارج الدولة البيزنطية لا يمثِّلون كيانًا كبيرًا إلا في بقاع متفرقة :- غرب أوربا : إنجلترا ، فرنسا ، إسبانيا ، ألمانيا ، إيطاليا .
- إفريقيا : الحبشة أساسًا .
- الجزيرة العربية : نصارى الشام من العرب (الغساسنة- تغلب - ...) ، نصارى اليمن ونجران .
- آسيا : لم يكن فيها نصاري تقريبًا .
ثم ظهرت الدعوة الإسلامية في بدايات القرن السابع الميلادي، وهي دعوة للناس كافة ، يقول الله تعالى :
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، ويقول الرسول - صلي الله عليه وسلم - : "
وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً ، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً " .. وإستلزم ذلك أن يُرسِل رسول الله - صلي الله عليه وسلم - الرسائل إلى ملوك وأمراء العالم ، وذلك في بدايات العام السابع الهجري بعد صلح الحديبية ؛ وأهمهم : هرقل قيصر الروم ، وكذلك النجاشي ملك الحبشة ، والمقوقس زعيم مصر .
ومع يقين هرقل بصدق النبوة كما سيظهر من حواره مع أبي سفيان إلا أنه لم يؤمن ؛ وذلك حفاظًا على ملكه ، بل سنراه بعد ذلك يجهِّز الجيوش لحرب المسلمين عدة سنوات .. كذلك حدثت تطورات خطيرة في العلاقة الإسلامية المسيحية ، عندما قُتل بعضُ رسل رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إلى زعماء النصارى ، وتحديدًا الحارث بن عُمَيْر الأزديّ - رضي الله عنه - الذي قتله شُرَحْبِيل بن عمرو الغسَّاني ؛ مما أدى إلي الصدام العسكري الأول بين المسلمين والمسيحيين في موقعة مؤتة سنة 8هـ ، التي إنتهت بانتصار المسلمين وتراجع الرومان ، وكذلك إنسحاب خالد بن الوليد بالجيش مكتفيًا بزوال هيبة الجيش الروماني العملاق ..
وأتبع ذلك ببوادر صدام ضخم لم يتم ، وكان ذلك في تبوك سنة 9هـ ؛ حيث إنسحبت الجيوش الرومانية ولم يحدث قتال ، وإن كان ظهر للعيان قوة الدولة الإسلامية الناشئة .
ولم تكن كل العلاقة الإسلامية المسيحية علاقة حروب ، بل كانت هناك علاقات أخرى كثيرة من التعايش والتعاهد ، مثلما حدث مع الحبشة ونصارى نجران ونصارى أيلة وغير ذلك ؛ ولكن وضح في الصورة أن الدولة البيزنطية ستحمل لواء الصراع مع المسلمين في السنوات، بل القرون المقبلة .
ثم كان الصدام مباشرًا وقويًّا أيام خلافة الصديق ، ثم عمر - رضوان الله عليهما - وكانت المعارك الشهيرة التي إنتصر فيها المسلمون مثل أجنادين وبيسان ، ثم موقعة اليرموك الكبرى ، ثم فتح دمشق وحمص وحماة ، ثم سقوط بيت المقدس في أيدي المسلمين ، وبالتالي فتح كل مدن فلسطين ولبنان وسوريا وأجزاء من تركيا ، كل ذلك في غضون سبع سنوات فقط؛ حيث بدأت هذه المعارك في 12هـ = 633م ، وسقطت قيصريَّة سنة 19هـ = 640 م ، وهي آخر معاقل الدولة البيزنطيَّة جنوب جبال طوروس ..
ثم تطوَّر الصدام ليكسب المسلمون جولة ثانية مهمة جدًّا , بعد الشام وفلسطين وهي مصر ؛ حيث إنتصر المسلمون على جيوش الرومان التي كانت تحتل مصر أكثر من 900 سنة ، فكان الفتح الإسلامي لمصر بقيادة عمرو بن العاص- رضي الله عنه - في سنة 20هـ = 641م ، ثم وصلت الفتوح إلى برقة بليبيا سنة 22هـ = 643م .
وفي جولة جديدة ، وحلقة أخرى من حلقات الصراع وصل المسلمون إلى شمال إفريقيا في زمن الخلافة الأموية أيام معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - حيث قام عقبة بن نافع بفتح تونس سنة 43هـ = 664م ، ودارت حروب شتى بين المسلمين والدولة البيزنطية مشتركة مع البربر ، إنتهت بضم كل شمال إفريقيا للدولة الإسلامية ، ودخول البربر بأعداد كبيرة في الإسلام .
ثم فتحت في سنة 92هـ = 711م - جبهة جديدة لحرب الصليبيين ، حيث فتحت الأندلس بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد ، وأتمَّ المسلمون السيطرة عليها في غضون ثلاثة سنوات ونصف ، بل وتجاوزوها إلى فرنسا ، ودارت هناك مواقع كثيرة إقتسم فيها الفريقان النصر ، وإن كان النصر في فرنسا في النهاية كان للصليبيين في موقعة بلاط الشهداء سنة 114هـ = 732م ، التي أوقفت المد الإسلامي في أوربا ، ونشأت بعض الممالك النصرانية في شمال الأندلس ، أهمها ليون وقشتالة وأراجون ثم البرتغال بعد ذلك ، ودارت بينهم وبين المسلمين حروب متعددة على مدار عدة قرون .
وعلى هذا فقد صار هناك جبهتان للصراع بين الأمة الإسلامية وبين نصارى أوربا ؛ أما الجبهة الأولى فهي بين الدولة الإسلامية في المشرق متمثلة في الخلافة الأموية ، ثم العباسية ضد الدولة البيزنطية .
وأما الجبهة الثانية فكانت بين الدولة الإسلامية في الغرب وهي الأندلس ، وبين الممالك النصرانية في شمال الأندلس متعاونة كثيرًا مع فرنسا ، وأحيانًا مع إنجلترا وألمانيا وإيطاليا ..
وحيث كانت الخلافة الأموية تتخذ من بلاد الشام مركزًا لها ، فإن الحروب بينها وبين الدولة البيزنطية كانت كثيرة ، بل كانت هناك محاولات حقيقية لفتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية ، ولكن كلها لم تفلح .
وفي عهد الدولة العباسية الذي بدأ من سنة 132هـ = 750م ، خَفَتَ إلى حد كبير حدة الصراع بين الدولة الإسلامية والبيزنطية ؛ وذلك لأن الخلافة العباسية اتخذت من بغداد والعراق مركزًا لها، وبالتالي صار قلب العالم الإسلامي بعيدًا نسبيًّا عن الدولة البيزنطية ، وإن كانت الحروب لم تتوقف ، وكان ميدانها في غالب الأحيان أرض آسيا الصغرى، ومن أشهر الصدامات تخريب الدولة البيزنطية لمدينة زبطرة مسقط رأس الخليفة العباسي المعتصم ، وذلك في سنة 223هـ = 838م ، ثم بعدها حدث الانتصار الإسلامي الكبير بفتح عَمُّورِيَّة مسقط رأس الإمبراطور البيزنطي ثيوفيل سنة (223هـ) (838م) .
ثم شهدت الدولة العباسية إبتداءً من - منتصف القرن الثالث الهجري = منتصف القرن التاسع الميلادي - تدهورًا ملحوظًا ، وظهرت الدُّوَيلات المتفرقة بداخلها ، ومنها على سبيل المثال : الدولة الغزنوية، والدولة السامانية، والدولة الزيارية، والدولة الحمدانية، والدولة البويهية، والدولة الإخشيدية، وغيرهم ..
وهكذا ضعفت الشوكة ، وأدى ذلك إلى أن بدأت الدولة البيزنطية تقف موقفًا حازمًا من المسلمين ، حتى إنها في بداية القرن الرابع الهجري = العاشر الميلادي - ضمت معظم مدن الجزيرة تحت السيطرة البيزنطية ، ثم سقطت الجزر التي كان المسلمون قد سيطروا عليها في البحر الأبيض المتوسط مثل كريت وقبرص وذلك في سنة 350هـ = 961م ؛ مما أعاد للأساطيل البيزنطية السيطرة من جديد على البحر الأبيض المتوسط ، ثم حدث أمر كبير في سنة 358هـ = 969م - حيث سقطت أنطاكية ، وهي من أهم المدن في يد البيزنطيين ، وكان لهذا دويٌّ هائل في العالمين الإسلامي والمسيحي ..
ثم حدث أمر ضخم في الأمة الإسلامية حيث سقطت مصر تحت سيطرة الدولة العبيديّة الشيعية المعروفة بالفاطمية ، وذلك في سنة 358هـ = 969م ، وبذلك إنقسم العالم الإسلامي إلى قسمين كبيرين وهما : الخلافة العباسية السُّنِّية الضعيفة التي وقعت تحت سيطرة دولة بني بويه الشيعية ، والدولة الفاطمية الشيعية التي تسيطر على شمال إفريقيا ومصر وأجزاء من الشام .. وهكذا إزدادت الأمة الإسلامية ضعفًا وفُرقة ، وهذا أعطى للدولة البيزنطية الفرصة لكي تزداد جرأة في حربها للأمة الإسلامية ، فكان النصف الثاني من القرن الرابع الهجري = النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي - ميدانًا واسعًا للبيزنطيين ، إجتاحوا فيه أعالي الشام والعراق ، حتى وصل الأمر إلى أن دفعت الموصل وميافارقين وديار بكر ، بل وحمص ودمشق الجزية للإمبراطور البيزنطي حنا شمشقيق (تزمستكيس) ..
ومن الجدير بالذكر أن هذه الحملة الأخيرة للإمبراطور البيزنطي كانت تستهدف بيت المقدس إلا أنه لم يستطع الوصول له ، وكانت تفيض من كلماته ورسائله العبارات الدينية التي تؤكد الروح الصليبية التي كان مشحونًا بها في حربه .. وهذا الوجود البيزنطي في بلاد الشام وأنطاكية سيفسِّر لنا النزاع المستقبلي الذي سيدور بينهم وبين الصليبيين الغربيين حول الحق الشرعي في امتلاك هذه الأراضي والمدن ..
أما القرن الخامس الهجري = الحادي عشر الميلادي - فقد شهد نموًّا للدولة الفاطمية ، وتراخيًا من الدولة البيزنطية ؛ نتيجة انشغالهم بحرب البلغار ، وأيضًا لإنشغالهم بضم بمملكة أرمينية النصرانية ، التي كانت قد بلغت حدًّا مغريًا من الرخاء والتقدم ، شجَّع البيزنطيين على بذل الجهد لضمها ، وهذا أدى إلى أن بسطت الدولة الفاطمية سيطرتها على معظم الشام باستثناء حلب وأنطاكية .
وفي هذا القرن الخامس الهجري أيضًا ظهرت دولة السلاجقة الإسلامية العظيمة ، وكان لها دور كبير في الصراع الإسلامي النصراني ، وسوف نفرد لها صفحات كثيرة في هذا الكتاب للحديث عن مواقفها في هذا الصراع .
كان هذا هو الوضع في المشرق الإسلامي من بداية البعثة النبوية إلى أواخر القرن الخامس الهجري = خمسة قرون متتالية من الحروب المستمرة بين الدولة الإسلامية والدولة البيزنطية .. وعلى الصعيد الآخر كانت الحروب كذلك مستمرة في غرب العالم الإسلامي بين مسلمي الأندلس والدول النصرانية الغربية = شمال إسبانيا وفرنسا في الأساس ، وكانت الأيام دُولاً بين الفريقين ؛ فيوم للمسلمين ويوم للصليبيين ، إلا أن القرن الخامس الهجري = الحادي عشر الميلادي - كان في معظمه للصليبيين ، وهو العصر الذي عُرِف في التاريخ بعهد ملوك الطوائف ، حيث تفرقت جدًّا كلمة المسلمين ؛ مما أدى إلي إجتياح صليبي لقطاع كبير من شمال الأندلس ، وخاصةً في زمن ألفونسو السادس ملك ليون وقشتالة ، الذي أسقط في سنة 478هـ = 1085م مدينة طليطلة العتيدة ؛ مما أحدث دويًّا هائلاً في العالمين الإسلامي والمسيحي .
إنتصار المسلمين في الزلاقه .غير أن نهاية هذا القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) كانت سعيدة للمسلمين ؛ حيث ظهرت دولة المرابطين القوية بالمغرب وغرب إفريقيا ، وعبرت إلى بلاد الأندلس ، وأنزلت بالصليبيين هزيمة فادحة في موقعة الزَّلاَّقَة سنة 479هـ = 1086م - أي بعد عام واحد من سقوط طليطلة ، وبسطت دولة المرابطين سيطرتها على أجزاء كبيرة من الأندلس ، إلا أنهم فشلوا في إسترجاع طليطلة .
وكتقييم عام للموقف في نهاية القرن الخامس الهجري = نهاية القرن الحادي عشر الميلادي - فإن العالم الإسلامي كان منقسمًا بين الخلافة العباسية تحت سيطرة السلجوقيين وبين الدولة الفاطمية ومقرها القاهرة ، وكانت نهايات القرن الخامس الهجري تمثِّل ضعفًا وفُرقة واضحين في الشرق الإسلامي ، بينما كانت نهاية القرن الخامس الهجري في الأندلس تحمل قوة بارزة للمسلمين بظهور دولة المرابطين الفتيَّة تحت قيادة القائد الفذِّ يوسف بن تاشفين رحمه الله .
ومن ثَمَّ فإنه عند ظهور الحركة الصليبية في غرب أوربا في هذا التوقيت - على نحو ما سنشرح في الصفحات القادمة بإذن الله - فكَّروا في غزو الشرق الإسلامي الضعيف، وهذا للمرة الأولى في تاريخ غرب أوربا ، بدلاً من الإنطلاق إلى الأندلس القوية تحت زعامة المرابطين .. وهكذا بدأت الحروب الصليبية من نهايات القرن الخامس الهجري وحتى نهايات القرن السابع الهجري = أكثر من مائتي سنة ؛ من نهاية القرن الحادي عشر إلى نهاية القرن الثالث عشر الميلادي .
إستمرت هذه الحروب الشرسة فترة الخلافة العباسية ودولة السلاجقة ، وكذلك الدولة الزنكية فالأيوبية فدولة المماليك ، وانتهت بطرد الصليبيين الغربيين وعودة الأراضي الإسلامية للمسلمين ، كما ذكرنا في أواخر القرن السابع الهجري .
وعلى الناحية الأخرى فإنه على الرغم من هزيمة الصليبيين من دولة الموحدين التي ورثت دولة المرابطين في موقعة الأرك سنة 591هـ = 1194م , فإن أوائل القرن السابع الهجري شهد في الأندلس تقدمًا ملحوظًا للصليبيين ، حيث إنتصروا على دولة الموحدين في موقعة العقاب سنة 609هـ = 1212م ، ثم توالى سقوط المعاقل الإسلامية الكبرى ، مثل قرطبة وإشبيلية، ولم يتبقَّ للمسلمين في نهاية القرن السابع الهجري إلا مملكة غرناطة الصغيرة في جنوب الأندلس ، التي قُدِّر لها أن تعيش حوالي قرنين ونصف القرن من الزمان .
وكانت نهايات القرن السابع الهجري قد شهدت أيضًا ظهورًا لدولة العثمانيين ، الذين حملوا راية الجهاد ضد الدولة البيزنطيَّة ، وذلك بعد رحيل الصليبيين الغربيين .
وفي القرن الثامن الهجري = الرابع عشر الميلادي - كانت الفتوحات العثمانية الإسلامية في منطقة آسيا الصغرى مستمرة، بينما استقرت أوضاع الأندلس أو غرناطة نسبيًّا .
دخول الفاتح - رحمه الله - القسطنطينية .
أما القرن التاسع الهجري = الخامس عشر الميلادي - فقد شهد إستمرارًا لحروب العثمانيين ضد البيزنطيين ، وتُوِّجت هذه الحروب بانتصار مهيب ، حيث فتحت القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية في عام 857هـ = 1453م ؛ مما فتح الطريق للمسلمين لينساحوا في شرق أوربا .
ومع هذا السرور العظيم الذي نَعِمَ به العالم الإسلامي على الجبهة الشرقية للنزاع بين المسلمين والنصارى ، إلا أن القرن التاسع الهجري = الخامس عشر الميلادي - شهد حادثًا مؤسفًا جدًّا ، وهو سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس ، وبالتالي خروج المسلمين بالكُلِّيَّة من الأندلس بعد أكثر من 8 قرون، وذلك في سنة 897هـ = 1491م .
عبدالله الأحمر يُسلم مفاتيح غرناظه لإيزابيلا وفرديناند - زفرة العربي الأخيره !ورغم محاولات الدولة العثمانية لنجدة المسلمين في الأندلس إلا أن محاولتهم باءت بالفشل ؛ لإنشغال العثمانيين بالحروب مع شرق أوربا من جهة ، والصفويين الشيعة في إيران من جهة أخري .
أما القرن العاشر الهجري = السادس عشر الميلادي = فكان عثمانيًّا خالصًا ؛ إذ وصلت الفتوحات العثمانية الإسلامية إلى منتصف أوربا تقريبًا ، وإستطاع العثمانيون في عهد سليم الأول وسليمان القانوني أن يضما معظم أملاك الدولة البيزنطية إلى المسلمين ، وبذلك دخلت اليونان وألبانيا ويوغوسلافيا والمجر وبلغاريا في نطاق الدولة الإسلامية ، ووصلت الجيوش الإسلامية إلي فيينا عاصمة النمسا ، وقَبِل ملك النمسا آنذاك أن يدفع الجزية للمسلمين .
وفي هذا القرن حاول الأسبان والبرتغال إحتلال دول شمال إفريقيا إلا أن المحاولات لم تكن ناجحة في الأغلب ، اللهم إلا نجاح الأسبان في انتزاع سبتة ومليلة من المغرب سنة 987هـ = 1580م - وبقائهما تحت الاحتلال حتى الآن !
وفي القرن الحادي عشر الهجري = السابع عشر الميلادي - بدأ التقلص العثماني في أوربا ، واستطاعت بعض الدول الأوربية الانتصار على الدولة العثمانية في عدة لقاءات ..
وعلى الساحة الغربية كان التفوق الإسباني والبرتغالي ملحوظًا ، وإن كان التفوق الهولندي كان أشدَّ وأكثر .
أما القرون الثلاثة التالية وهي القرن 12 و 13 و 14 الهجرية (18 و 19 و 20 الميلادية - فقد كان التفوق الصليبي واضحًا، وبدأت الدولة العثمانية في التقلص التدريجي تحت ضربات إنجلترا وفرنسا من ناحية ، وروسيا من ناحية أخرى ، وسقطت معظم دول العالم الإسلامي تحت الاحتلال الإنجليزي والفرنسي والروسي والصيني والهندي ، وكذلك اليهودي في فلسطين بمساعدة الإنجليز .
ثم شهد منتصف القرن 14 الهجري = منتصف القرن 20 - موجة تحرر واسعة النطاق في العالم الإسلامي ، بدأت في لبنان سنة 1360هـ = 1941م ، ثم سوريا 1362هـ = 1943م ، ثم ليبيا 1370هـ = 1951م ، ثم مصر 1371هـ = 1952م ، وهكذا تتابعت الدول الإسلامية في التحرر حتى لم يبق إلا فلسطين ، وسبتة ومليلة في المغرب ، هذا فضلاً عن الدول المحتلة من دول غير نصرانية ، كالدول المحتلة من الاتحاد السوفيتي أو الصين أو الهند .
ثم كانت الهجمة الصليبية الأخيرة على العالم الإسلامي ؛ حيث إحتلت الصرب البوسنة سنة (1412هـ = 1992م - ثم تحررت سنة 1415هـ = 1995م ، ثم إحتلت أمريكا أفغانستان سنة 1421هـ = 2001م ، ثم العراق سنة 1422هـ = 2003م .
وهكذا رأينا أنه منذ أيام البعثة النبوية الأولى وحتى أيامنا هذه لم تتوقف أبدًا حلقات الصراع الإسلامي- النصراني ، ولم يكن هناك عَقْد - فضلاً عن قرن - خلا من معارك ونزال ، وهذا أمر ليس مستغربًا ؛ حيث قال تعالى في كتابه الكريم :
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ، وقال أيضًا: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ إسْتَطَاعُوا .
وهكذا باستعراض هذه الحلقات نعرف أن قصة الحروب الصليبية التي نحن بصددها ليست قصة مستغربة ، بل إن المستغرب فيه حقيقة ألا توجد فترة فيها تصادم وتصارع .. ومع عدم رغبتنا في الصدام أو الصراع إلا أنه سنةٌ من سنن الكون ، ذكرها ربُّنا سبحانه وتعالى في كتابه حين قال :
وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين .
====
يتبع .