لقد كانت اتفاقية كامب ديفيد بلا شك ضربة مؤلمة وجهها الامبرياليون والصهاينة للقضية العربية كادت ان تقصم ظهرها فبهذه الاتفاقية خرجت مصر ( القوة العسكرية الأبرز )من ساحة الصراع العربي الصهيوني وكبلت يديها بأغلال يصعب التخلص منها وفي ظل التهافت العربي للتنازل وتوقيع اتفاقيات السلام والاستسلام في ذلك الوقت وجدت سورية نفسها وحيدة تقف دون مساعدة او مساندة حقيقية
وفي الحقيقة كان التحالف السوري الايراني تشكيلا جديدا لمواجهة كامب ديفيد ونتائجها السلبية في اضعاف الزخم العربي نحو استرداد الحقوق فمنذ لحظة تسلم الامام الخميني السلطة في ايران1979 اعتبرت القيادة السورية ان مصادقة ايران امر تقتضيه المصلحة العربية العليا ولا سيما جيران ايران العرب اما بالنسبة للرأي العام العربي فقد كان قرار القيادة السورية بدعم ايران قرار محير ومثير للجدلوالخصومة ومع هذا تمسكت سورية بقرارها خلال جميع تقلبات الخليج
وكان الايرانيون الذين صادقهم الاسد قد انتصروا على عرش الطاووس ( الشاه ) بعد صراع طويل واختبار للقوة فقد ظل الشاه ( محمد رضى بهلوي ) طيلة عام 1978 يخوض معركة مستمرة لا تهدأ ضد الجماهير المتمردة وقد استنفزت واضمحلت ارادته بفعل مرض ( السرطان ) والتردد الأمريكي الذي لم يتوقع ان من الخطورة ما بالامكان اسقاط الشاه واستسلم الشاه لمصيره وغادر البلاد في 16 ديسمبر سنة 1979 وبعد ذلك بأسبوعين عاد الخميني وهو في ال ( 76 ) من العمر ليحصل على ما رآه من حقه
كانت سورية في ذلك الوقت في اوج صراعها المحموم مع حركة الاخوان المسلمين التي عاثت فسادا وقتلا في كبار السيياسيين والضباط والمفكرين والبعثيين السوريين ورحب الاسد باستيلاء آية الله على السلطة في ايران ببرقية حارة
كانت ايران الشاه دمية امريكية اسرائيلية وبعبعا يجثم على البوابة الشرقية للامة العربية وكانت الحليف الاستراتيجي لاسرائيل الحريصة على ان تبقى حليفتها المعادية للعراق قوية حتى لا يجد العراق لديه فائض من المدخرات والقوات لارساله لتعزيز القوات السورية التي يمكن الاشتباك معها في اية لحظة من تلك الاعوام
وهكذا تمكنت السياسة الاسرائيلية من حصار سورية فاخرجت مصر من دائرة الصراع واما الاردن فكان يلهث وراء أي اتفاقية سلام مع اسرائيل ويلتزم بعدم مساعدة أي بلد عسكريا ضد اسرائيل ولم يبقى الا العراق التي احتارت في طريقة ابعاده عن التلاقي مع عالمه العربي عامة ومع سورية خاصة وبهذا كانت اسرائيل تغدق في دعمها العسكري لايران الشاه حتى تجبر العراق على ان يدير ظهره لسورية واسرائيل ويبقى مضطرا للدفاع عن ارضه ضد جاره اللدود
وعندما حدث التحول الاستراتيجي في ايران وانقلب نظام الحكم من نظام منغمس ومشارك في صنع الاهداف الاسرائيلية الى نظام داعم للقضية الفلسطينية والقضايا العربية عموما ومن هذا المنطلق رحبت سورية بايران الثورة فقد وجدت فيها سندا داعما للعروبة في وجه غطرسة اسرائيل وقوة لها من الثقل العالمي ما يوازي الثقل المصري الذي فقدته
لقد كان سقوط الشاه صفعة حقيقية للمصالح الامريكية والصهيونية تشبه الصفعة التي تلقتها هذه القوى عند ظهور القائد الكبير جمال عبد الناصر قبل 25 عام
الوحدة السورية العراقية :
في تلك الاثناء كان هناك نقاش سوري عراقي عن امكانية الوحدة بين البلدين فتم الاتفاق على ان تقام الوحدة بين سورية والعراق ويتسلم زعامة دولة الوحدة رئيس العراق البكر آنذاك وبنوب عنه الرئيس الاسد وارسل البكر الى الاسد يناشده في الاسراع بتدابير ومحادثات الوحدة فقال له ( هناك تيار في القيادة العراقية حريص على وأد الوحدة قبل ولادتها ) وعندما علم صدام بمشاورات الوحدة اطاح بالبكر وقتل المتمردين عليه وقطع العلاقات مع سورية قطعا تاما وبهذ تحققت نبوءة البكر بأن هناك من سيقتل الوحدة قبل ولادتها وكان هناك في زمن صدام اختلاف في الرأي مع سورية حول ايران ومئات القضايا الاخرى فقد وجد صدام في ايران خطر مميت على العرب وكان الخميني قد نفاه الشاه منذ زمن فاتجه الى مدينة النجف العراقية وبقي فيها 13 عام وفي تشرين عام 1978 ارتكب صدام غلطة قاتلة بطرده الامام الخميني من العراق قبل اربعة اشهر فقط من الوقت الذي قدر له فيه ان يتسلم زعامة ايران
الحرب الخاطئة :
عبرت القوات العراقية بشكل كثيف الى داخل ايران في 22 سبتمبر 1980 مطلقة حرب الخليج في مسارها القاتل وادت الى خسائر فادحة في الارواح والممتلكات في الجانبين وشجبت القيادة السورية الحرب كلها باعتبارها حربا خاطئة في الزمان والمكان واختيار العدو لان مهاجمة ايران حماقة فهي ستنهك العرب وتمزق صفوفهم وتغير وجهتم عن معركتهم المقدسة في فلسطين ورأى الاسد ان على العرب استغلال قيام الثورة في ايران لدعم العرب بدلا من ان يحولوها من جديد الى عدو ورأى انه على العرب ان يبذلوا كل جهدهم لمنع وقوع ايران مرة ثانية في احضان اسرائيل وحاول الضغط على صدام لايقاف الحرب الخاطئة ولكن الاخير استمر على فكرته في الحرب
واقتحمت القوات العراقية السفارة السورية في بغداد وطردت موظفيها واخذت اسرائيل تراقب العلاقة بين ايران الحليف السابق والعرب بانتباه شديد كالانتباه السوري وكان من اكبر الهموم الاسرائيلية هو منع العرب من امتلاك قوة داعمة لهم وكانت الحرب العراقية في حقيقتها مستندة الى معلومات استخبارية اسرائيلية قدمها طرف ثالث للعراق فحواها ان ايران الثورة لم تستقر بعد وان هجوما عراقيا كاسحا سيسقط الخميني خلال اقل من اسبوع ولكن اكتشف صدام بعد ثماني سنوات قتال انه كان واهم وان المعلومات المقدمة اليه كانت من مصادر اسرائيلية وان اسرائيل نجحت في الايقاع بينه وبين ايران وبهذا الحرب نجحت اسرائيل في منع اية قوة من دعم دولة المواجهة ( سورية ) فالعراق منشغل بعدوه القوي وغير قادر على المساعدة العسكرية للسوريين بسبب المعارك المندلعة ليلا نهارا وايران بسبب تهور جارها العراق القوي غير قادرة على تقديم المساعدة حتى لنفسها
لقد كانت حربا خاطئة بامتياز قاتل فيها الجيش العراقي بشراسة نيابة عن اسرائيل دون ان يعرف ذلك
ولعب طموح صدام دورا بارزا في حربه فموارد العراق المائية والنفطية وارضه الخصبة وقيادته القوية وجيشه القوي وجيرانه الضعاف فمصر خرجت من دائرة الصراع وتركيا تتخبط في مشاكلها و سورية انهكها الارهاب الداخلي ( حركة الاخوان المسلمين المدعومة من صدام حسين والتي تلقت تدريباتها على ارض العراق ) كل هذا دفع صدام لينظر الى التوسع والعظمة
واستمرت الحرب في مسارها القاتل واستمر السباق السوري الاسرائيلي كل طرف يريد ان يكسب ايران الى صفه وفازت سورية في التحالف مع ايران وتمكنت من نقل ايران من حليف اسرائيل الى حليف سورية البارز واعلن الايرانيون عن دعم القضية الفلسطينية ودعم عودة اللاجئين الفلسطينين الى ديارهم ودعم حركات التحرر في العالم
سلحت ايران حزب الله في لبنان وقد لقن هذا الحزب في صراعه مع الصهاينة دروسا قاسية كان اعظمها دروس تموز 2006 ودعمت القوات السورية وساعدت الجيش السوري في تحديث نفسه وسلاحه وعرضت على لبنان تسليح الجيش اللبناني دون أي شروط لها
وما نشاهده اليوم من سباق اسرائيلي محموم مع الزمن لتوجيه ضربة لايران ما هو الا دليل على عمق العداء المستحكم بينهما وعلى صحة كلامي
وبعيدا عن لغة العواطف المسيطرة علينا ك عرب لا بد اننا نخطئ عندما نصنع لانفسنا عدوا جديد فايران اعلنت دعمها للعرب جميعا والعرب بفضل سيطرت اللوبي الصهيوني اعلنوا شبه عداء لايران
عدو عدوك هو صديقك وهذا مثل عربي قديم و أعتقد ان نضع ايدينا بيد اخواننا المسلمين لقتال اليهود قتلة الانبياء ومستبيحوا الاقصى اشرف امام الله والتاريخ من ان نؤيد هذه العصابة المجرمة ( اسرائيل ) في حربها ضد ايران حتى ولو بيننا وبين انفسنا وفي سرنا
اعتذر عن الاطالة واشكر لكم قراءة المقالة واتمنى التوفيق لكم ولبلداننا العربية
عاشت سورية الاسد عاشت البلاد العربية
وعاشت ايران حرة مستقلة عزيزة