اللغة كأسلوب للتخاطب ليست الوسيلة
الأكثر أمناً في الاتصالات بين الأرض والجو وذلك لتعدد اللغات العالمية
واختلاف القواعد اللغوية بينها، لذلك أصبح من الواجب تشجيع العاملين في
صناعة النقل الجوي على الالتزام بالقواعد اللغوية المتعارف عليها والتي
حددتها المنظمة الدولية للطيران المدني في الاتصالات اللاسلكية بين قائدي
الطائرات والمراقبين الجويين منعاً لسوء الفهم الذي قد يتسبب في حدوث
الكثير من حوادث الطائرات
لقد اتجهت أصابع الاتمهم في التحقيقات في عدد
كبير من حوادث الطائرات إلى سوء الفهم للتعليمات الصادرة من مراقبي الحركة
الجوية لقائدي الطائرات المنكوبة أو العكس وذلك نتيجة عدم الالتزام
باستخدام الأنماط اللغوية المتعارف عليها في أسلوب التخاطب باللغة
الإنجليزية كلغة مشتركة أو عدم الإلمام بالقواعد المعروفة لهذه اللغة
العالمية
وفي عام 1998 قررت المنظمة الدولية للطيران المدني اتخاذ
الخطوات اللازمة للتأكد من التزام جميع العاملين في هذا الحقل المهم
باستخدام الأنماط اللغوية المقررة سلفاً في التخاطب وضرورة حصول العاملين
من أطقم قيادة الطائرات والمراقبين الجويين على دراسة متقدمة في اللغة
الإنجليزية وقواعدها اللغوية، وفي هذا الصدد عكفت لجنة أطلق عليها
"Proficiency Requirement in Common English Study Group " على تطوير نمط
معياري لأسلوب التخاطب بين العاملين في حقل الطيران والمراقبة الجوية، وضمت
اللجنة خبراء في اللغة الإنجليزية من كثير من الدول الأعضاء في المنظمة،
ولقد أكدت هذه اللجنة في بداية عملها أن القواعد الموصى بها في الملحق
العاشر من المجلد رقم 11 الذي وضع قبل خمسين عاماً لا زالت صالحة للاستخدام
في الوقت الحاضر.
ويشير الملحق العاشر إلى أن وجود وسيلة عالمية
للمحادثات اللاسلكية أمر ضروري لتحقيق سلامة العمليات الجوية وكفاءة الأداء
في حقل الملاحة الجوية كما أكد أن عدم وجود لغة مشتركة يستخدمها قائدو
الطائرات والمراقبون الجويون قد يسهم في وقوع حوادث الطائرات، وفي الوقت
نفسه لا تجد اللجنة مانعاً من استخدام مراكز المراقبة الجوية على الأرض
اللغة الوطنية في الوقت الحاضر.
وجاءت توصيات اللجنة والاقتراحات
الصادرة من سكرتارية الإيكاو للجنة الملاحة الجوية لتقرر وضع حد أدنى
لمستوى الإلمام بقواعد التحدث النمطية وسبل التحقق من إجادتها، كما أوصت
بأن يكون من مسؤولية شركات النقل الجوي وهيئات المراقبة الجوية تطبيق ذلك
على العاملين بها، كما أوصت بأن استخدام لغتين إحداهما اللغة الوطنية
لمراكز المراقبة الأرضية والثانية اللغة الإنجليزية كلغة بديلة يجب أن يخضع
للمستويات اللغوية الموصى بها.
ولتحقيق المستويات اللغوية في التخاطب
على مستوى مهني عال قررت سكرتارية المنظمة وضع خمسة مستويات مهنية معينة
يجب تطبيقها حسب الوظائف المسندة إلى العاملين في القطاعين، منها المستوى
العادي والمستوى الإداري للعمليات التشغيلية.
ورغم ذلك فإن استخدام
اللغة الإنجليزية وقواعدها اللغوية على مستوى مهني لن يحل المشكلة، لذلك
يجب أن يطبق ذلك على جميع اللغات الوطنية التي يتم استخدامها من مراكز
المراقبة الجوية، كما تجب مراعاة تطوير ذلك مع الوضع في الحسبان الناطقين
بهذه اللغة وغير الناطقين بها من العاملين في القطاعين، ولهذا أوصت اللجنة
التابعة للإيكاو بأن يترك للدول الأعضاء الحرية لاختيار النماذج التي
تقترحها المنظمة لتحقيق المستوى اللغوي المطلوب أو إيجاد أساليب للاختبار
خاصة بها لتحقيق هذا المطلب، وعلى المنظمة إمداد الدول الأعضاء بنماذج
وأساليب إرشادية تشمل تحديد مستويات إتقان اللغة وقواعدها وإيجاد برنامج
تدريبي لتعليم العاملين القواعد اللغوية للغة وطريقة التخاطب والنواحي
النفسية المتعلقة بأسلوب التخاطب، كذلك يجب أن تتضمن هذه التوصيات أهمية
تطبيق القواعد التي حددتها الإيكاو في دقة التحدث باللغة المستخدمة
وأسلوبها وجملها وفهم واضح للاختلافات بين اللسان الناطق بهذه اللغة
ومتعلميها ممن يتحدثون لغة أخرى.
الجدير بالذكر أن جهود اللجنة التابعة
للإيكاو هي في بدايتها، إذ إن تحقيق الأفضل في أساليب التخاطب للوصول إلى
سلامة العمليات أمر ليس بالسهل ويتطلب تعاوناً واسعاً بين الهيئات العاملة
في هذا الحقل وكذلك ضرورة الاستمرار في هذه الجهود والوصول إلى مستويات
أفضل لأعضاء قيادة الطائرات والمراقبين الجويين في مراكز مراقبة الحركة
الجوية، ومن المهم أن يلتزم جميع الناطقين بلغة معينة والمستخدمين لها من
جنسيات مختلفة والناطقين بلغات أخرى بالقواعد اللغوية والأساليب المتعارف
عليها في التخاطب بهذه اللغة والتي تم تطويرها بعد جهد مضن وفي غضون خمسين
عاماً
إن أسلوب التخاطب خلال العمليات الجوية أمر حساس وحيوي ويتطلب
الكثير من الدقة في التعبير وفي المضمون لأن استخدام اللغة كوسيلة لتوصيل
معلومات مهمة وحساسة ليس الطريق الأفضل لأن اللغة في حد ذاتها تتصف
بالتمثيل إذ تصف الجمل أو الكلمات مواقف ومعلومات وحقائق محددة ولنا أن
نتصور كيف يمكن استيعاب ذلك بين متحدث ينطق بلغته الأم وبين مستمع يستخدم
اللغة التي تعلمها بجانب لغته الأم ومن أجل ذلك كان من الضروري إيجاد قواعد
وأنماط محددة ليسهل على غير الناطق باللغة فهمها الصحيح.
إن دلالات
الألفاظ في اللغات المتعددة تعتبر حاجزاً وعائقاً للفهم الصحيح لحديث بين
أفراد تختلف لغتهم الأم، فليس من المتوقع أن يفهم هؤلاء المستمعون هذا
الحديث أو معاني كلماته كما أرادها المتكلم حيث يخضع ذلك إلى الكثير من
العوامل ومنها المعرفة وأساليب الخطاب والثقافة والتجارب وغيرها التي
يتحلون بها، ومن المهم فهم ذلك جيداً حتى يمكن أن نتعامل مع مشكلة التخاطب
وإيجاد الحلول الناجحة لها، فالكلمة أو الجملة في أي لغة تصف أو تشير إلى
شيء ما أو معلومة أو موقف ليس واضحاً أو معروفاً أو مشاهداً من المستمع
ولهذا أكدت الأبحاث أن الحديث بين أفراد تجمعهم اللغة الأم تبدو موضوعية
ومفهومة، وهكذا تبدو بين أطقم قيادة الطائرات وأعضاء مركز المراقبة الجوية
المتكلمين باللغة الأم والعكس صحيح
وفي سياق الحديث فإن أسلوب قائد
الطائرة في إدارة الفريق يؤثر بشكل كبير على مستوى التواصل بين أعضاء فريق
القيادة من حيث انسيابية ومنطقية الحديث بينهم، وإذا ما كان قائد الطائرة
يتصف بالتغطرس والديكتاتورية فإن ذلك سوف يؤثر سلباً على التواصل بين هذا
الفريق، أما إذا اتصف بعدم الحزم والتساهل اتسمت الأقوال والأفعال بالغموض
وعدم الدقة مما يسمح بتعدد المعاني وهو ما يؤدي إلى المشاكل، لذلك يجب
التركيز على إيجاد أفضل الأساليب للتواصل بين أعضاء فريق القيادة لتتحلى
بالانضباط والدقة ووجود المنطق، مع ضرورة مراقبة سلوكيات أطقم القيادة وسبل
التواصل بينها، حتى يمكن التدخل في الوقت المناسب، ولعل هذا بدوره ينطبق
على العاملين في مراكز مراقبة الحركة الجوية، فهناك ضرورة لأن يكون أسلوب
التواصل والاتصالات بينهم واضح المعالم ويتسم بالدقة والوضوح.
كذلك يجب
أن يكون واضحاً أن هناك عاملاً آخر مهماً سوف يؤثر على الاتصالات اللاسلكية
بين قائدي الطائرات والمراقبين الجويين حيث لا يوجد تحديد دقيق لحدود
السلطة التي تتغير بتغير المواقف، كذلك من المعروف أن عمل أعضاء فريق ما
وخصوصاً في العمليات ومستوى التواصل بينهم سوف يعتمد بشكل كبير على حسن
وإيجابية الأسلوب القيادي، فإدارة الفريق الناجحة تتطلب أن يتسم الاتصال
والتواصل بين أعضاء هذا الفريق بدقة التوقيت ووضوح في استخدام الجمل
والكلمات التي لا تحتمل التأويل والنبرة الواثقة مع عدم استخدام الأفعال
الآمرة وبذلك تزداد فعالية ومنطقية التواصل وإيجابيته.
وليس من المستغرب
أن الاتصالات والتواصل بين قائدي الطائرات والمراقبين الجويين أو حتى بين
أعضاء الفريق الواحد سوف تتأثر سلباً إذا ما شاب محيط العمل الإحباط أو
الإرهاق الشديد أو ازدياد القلق من أداء بعض الأنظمة أو المعدات وسوء
الحالة الجوية أو عدم القدرة على التنبؤ بها، كما أنه من الثابت أن
الاتصالات تحت هذه الظروف المتسمة بعدم الوضوح والدقة سوف تؤدي بدورها إلى
انهيار أداء فريق العمل أو الاتصال بين قائدي الطائرات ومراكز المراقبة
الجوية، وعلينا أن نلاحظ أن محتوى المحادثة من الجمل والكلمات لا يستطيع
إيصال المعنى للمستمع لأن اللغة ما هي إلا كلمات وعبارات تمثل حقيقة أو
معلومة أو موقفاً يمكن أن يحتمل التأويل أو الفهم المختلف من السامع ومن ثم
فإن المتكلم الذي يتحلى بالهدوء والثقة سوف يتحدث بعبارات ونبرة واضحة
تؤثر على المستمع بالإيجاب والترجمة الصادقة لما يحدث، أما حديث المتكلم
غير الواثق والمنفعل فإنه سيتسم بعدم الوضوح وعرض ما يواجهه وسوف يؤثر ذلك
على فهم المستمع للموقف وتقديره
إن الاتصالات الهاتفية عبر اللاسلكي سوف
تفقد الكثير من المعنى والدقة إذا لم تتضمن العبارات الحازمة والنبرة
القاطعة فالحديث بين الأفراد وجهاً لوجه يعتمد في أغلب الأحوال ليس على
الكلمات فقط بل تعززها حركة جسد المتحدث ووجهه فالخبراء يؤكدون أن الحركة
تسهم بنسبة 55% في فهم المتلقي أو المستمع، أما الكلمات والعبارات التي
تتضمنها المحادثة فتسهم فقط بنسبة 7%، ونبرة الحديث بنسبة 38%، وهكذا سوف
نفهم المشاكل التي تحيط بالأحاديث التليفونية عبر اللاسلكي حيث ينعدم تأثير
حركة الجسد وإيماءاته لعدم المواجهة والكثير من نبرة المتحدث عبر الأنظمة
الإلكترونية. ومن الجديـر بالذكـر أن قائـد الطائرة سـوف يفهـم جيداً توجيه
المراقب الجوي له بإخلاء مدرج الطائرة Clear the runway،فإذا ما أمعنا
النظر في هذه الجملة البسيطة الصادرة من المراقب الجوي والمنقولة باللاسلكي
وتخيلنا أن هذه الرسالة سمعها سائق كاسحة الثلوج في المطار على جهاز
اللاسلكي فسنجد حدوث مسلسل من الأفعال يختلف عن المراد، لذلك حددت المنظمة
الدولية للطيران المدني في الملحق العاشر العبارة التي يجب أن يتفوه بها
المراقب لتوجيه قائد الطائرة لإخلاء مدرج الطائرة بقوله "Vacate the
Runway".
كما أن الميل والتوقع والتنبؤ من المتلقي سوف يؤثر بشكل سلبي
من حيث الإضافة أو الحذف أو التشويه لنية وقصد المتكلم، فالكثير من قائدي
الطائرات لديهم الميل والتوقع والتنبؤ من خلال تجاربهم في عمليات الاقتراب
من المطارات، فإنه بمجرد أن سمح لهم بالهبوط إلى مستوى معين في مسار
الطائرة خلال عملية الاقتراب فإنهم سوف يتلقون حالاً التوجيه بالهبوط مع
عدم الإدراك بأنه من الممكن أن يكون للمراقب تخطيط آخر أو موقف مستجد