أحمد عبد العزيز (
1907 -
1948) قائد عسكري مصري له إسهامات عديدة في
حرب 1948 البطل أحمد عبد العزيز
نشأته
ولد أحمد عبد العزيز في
29 يوليو 1907م بمدينة
الخرطوم حيث كان والده الأميرالاى (العميد) محمد عبد العزيز قائد الكتيبة الثامنة بالجيش المصري في
السودان، وقد كان والده وطنيا مخلصا فقد وقف مع الشعب أثناء مظاهرات
1919 وسمح لجنوده بالخروج من ثكناتهم للمشاركة في المظاهرات مع الشعب مما أدي إلى فصله من الجيش بعد غضب الأنجليز عليه.
على خطى والده نشأ أحمد عبد العزيز فقد أشترك في مظاهرات
1919 وهو في الثانية عشر من عمره وكان وقتها في المدرسة الثانوية، وفى العام
1923 دخل السجن بتهمة قتل ضابط أنجليزي ثم أفرج عنه وتم إبعاده إلى
المنصورة. التحق أحمد عبد العزيز بالكلية الحربية بعد تخرجه من المدرسة الثانوية وقد تخرج منها عام
1928م ألتحق بعدها بسلاح الفرسان ثم قام بتدريس التاريخ الحربي في الكلية الحربية.
بداية عمله العسكريبعد قرار تقسيم فلسطين وانتهاء
الإنتداب البريطاني في
14 مايو 1948م وبعد إرتكاب العصابات الصهيونية لمذابح بحق الفلسطينيين العزل ثار غضب العالم العربي والإسلامي وأنتشرت الدعاوى للجهاد في كل أرجاء الوطن العربى.
كان أحمد عبد العزيز أحد الذين أستجابوا لدعوة الجهاد فقام بتنظيم المتطوعين وكان معظمهم من
الإخوان المسلمين وتدريبهم وإعدادهم للقتال في معسكر الهايكستب، وقد وجهت له الدولة إنذار يخيره بين الاستمرار في الجيش أو مواصلة العمل التطوعي فما كان منه إلا أن طلب بنفسه إحالته إلى الأستيداع وكان برتبة القائمقام (مقدم).
بعد أن جمع ما أمكنه الحصول عليه من الأسلحة والذخيرة من قيادة الجيش وبعض المتطوعين وبعض الأسلحة من مخلفات
الحرب العالمية الثانية بعد محاولة إصلاحها إتجه إلى فلسطين. دخل الجيش المصري فلسطين عام
1948م ودخلت قوات منه إلى مدن
الخليل وبيت لحم
وبيت صفافا وبيت جالا في
20 مايو 1948م، وكانت هذه القوات مكونة من عدد من الجنود ونصف كتيبة من الفدائيين بقيادة أحمد عبد العزيز وكان يساعده اليوزباشي
كمال الدين حسين واليوزباشي
عبد العزيز حماد وكانت هذه القوات مزودة بالأسلحة الخفيفة وعدد من المدافع القوسية ومدافع من عيار رطلين بالإضافة إلى سيارات عادية غير مصفحة.[1]
قبل أن يبدأ البطل الجهاد كان يجهز قواته نفسيا فكان يخطب فيهم قائلا: "أيها المتطوعون، إن حربا هذه أهدافها لهي الحرب المقدسة، وهي الجهاد الصحيح الذي يفتح أمامنا أبواب الجنة، ويضع على هاماتنا أكاليل المجد والشرف، فلنقاتل العدو بعزيمة المجاهدين، ولنخشَ غضب الله وحكم التاريخ إذا نحن قصرنا في أمانة هذا الجهاد العظيم...".[2]
بدأ أحمد عبد العزيز أول ما وصل إلى بيت لحم باستكشاف الخطوط الدفاعية للعدو، وكانت تمتد من تل بيوت ورمات راحيل في الجهة الشرقية الجنوبية للقدس بالقرب من قبة راحيل في مدخل بيت لحم الشمالي حتى مستعمرات بيت هكيرم وشخونات هبوعاليم وبيت فيجان ويفنوف ونشر قواته مقابلها. عندما بدأت قوات الجيش المصري الرسمية تتقدم إلى فلسطين عرضت على أحمد عبد العزيز العمل تحت قيادتها، فتردد في بادئ الأمر لأن عمله مع المتطوعين كان يمنحه حرية عدم التقيد بالأوضاع والأوامر العسكرية ولكنه قَبِلَ في آخر الأمر.
وقد وضع الضابط الأردني
عبد الله التل متمردا على أوامر قيادته القوات الأردنية في كل المنطقة تحت تصرف أحمد عبد العزيز دون علم قيادة الجيش الأردني لإيمانه بوطنيته وإخلاصه.[1]
مستعمرة رامات راحيلكانت مستعمرة رمات راحيل تشكل خطورة نظرآ لموقعها الاستراتيجي الهام على طريق قرية
صور باهر وطريق القدس
بيت لحم، فقرر أحمد عبد العزيز يوم
24 مايو 1948م القيام بهجوم على المستعمرة قاده بمشاركة عدد من الجنود والضباط من قوات الجيش الأردني.
بدأت المدفعية المصرية الهجوم بقصف المستعمرة زحف بعدها المشاة يتقدمهم حاملو الألغام الذين دمروا أغلب الأهداف المحددة لهم، ولم يجد اليهود إلا منزلا واحدا إحتمى فيه مستوطنو المستعمرة، وحين انتشر خبر انتصار أحمد عبد العزيز بدأ السكان يفدون إلى منطقة القتال لجني الغنائم، والتفت العدو للمقاتلين، وذهبت جهود أحمد عبد العزيز في إقناع الجنود بمواصلة المعركة واحتلال المستعمرة سدى ووجد نفسه في الميدان وحيدآ إلا من بعض مساعديه مما أدى إلى تغير نتيجة المعركة بعدما وصلت تعزيزات لمستعمرة رمات راحيل قامت بعده العصابات الصهيونية بشن هجوم في الليل على أحمد عبد العزيز ومساعديه الذين بقوا، وكان النصر فيه حليف الصهاينة، والمؤرخون يقارنوا بين هذا الموقف وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم حين سارع الرماة إلى الغنائم وخالفوا أوامره في
معركة أحد وتحول النصر إلى الهزيمة.[2]
قبول الهدنةالبطل أحمد عبد العزيز يفاض موشي ديان واقفا بعد رفضه الجلوس معه على نفس الطاولةفي الوقت الذي أستطاعت قوات الفدائيين بقيادة البطل أحمد عبد العزيز من تكبيد العصابات الصهيونية خسائر فادحة فقطعت الكثير من خطوط أتصالاتهم وأمداداتهم، وساهمت في الحفاظ على مساحات واسعة من أرض فلسطين قبلت الحكومات العربية الهدنة مما أعطى للصهاينة الفرصة لجمع الذخيرة والأموال وأعادة تنظيم صفوفهم.
قاموا باحتلال قرية العسلوج لقطع مواصلات الجيش المصري في الجهة الشرقية وكانت قرية العسلوج مستودع الذخيرة الذي يمون المنطقة وفشلت محاولات الجيش المصري لاسترداد القرية فاستعانوا بالبطل أحمد عبد العزيز وقواته التي تمكنت من دخول هذه القرية والاستيلاء عليها. حاول بعدها الصهاينة احتلال مرتفعات
جبل المكبر المطل على القدس حيث كان هذا المرتفع أحد حلقات الدفاع التي تتولاها قوات أحمد عبد العزيز المرابطة في قرية
صور باهر، ولكن أستطاعت قوات أحمد عبد العزيز ردهم وكبدتهم خسائر كثيرة.[2]
كان البطل فخوراً بجنوده وبما أحرزوه من انتصارات رائعة مما جعله يملي إرادته على الصهاينة، ويضطرهم إلى التخلي عن منطقة واسعة مهدداً باحتلالها بالقوة، وبعد هذه البطولات التي سطرها جاءت نهاية هذا البطل
استشهاده أحمد عبد العزيز
في
22 أغسطس 1948م دُعي أحمد عبد العزيز لحضور اجتماع في دار القنصلية البريطانية بالقدس لبحث خرق الصهاينة للهدنة، وحاول معه الصهاينة أن يتنازل لهم عن بعض المواقع التي في قبضة الفدائيين، لكنه رفض، وأتجه في مساء ذلك اليوم إلى غزة حيث مقر قيادة الجيش المصري لينقل إلى قادته ما دار في الاجتماع.
كانت منطقة
عراق المنشية مستهدفة من اليهود فكانت ترابط بها كتيبة عسكرية لديها أوامر بضرب كل عربة تمر في ظلام الليل، وعندما كان أحمد عبد العزيز في طريقه إليها بصحبة اليوزباشى
صلاح سالم اشتبه بها أحد الحراس وظنها من سيارات العدو، فأطلق عليها الرصاص، فأصابت إحداها أحمد عبد العزيز فاستُشهد في الحال.[3]
توجد مقبرة البطل أحمد عبد العزيز في قبة راحيل شمال بيت لحم، وله هناك نصب تذكارى شامخ، وقد أحاطته مؤخرا سلطات الأحتلال الأسرائيلي بسياج من الأسلاك الشائكة والأسوار العالية التي بها فتحات مراقبة لبنائها كنيسا يهوديا بالقرب منه، كما أطلقت رصاصة على شاهد قبره من قبل قوات الأحتلال ولكنها لم تكسره.
وقد سمى أحد أهم وأرقى الشوارع بمصر على اسمه
(شارع البطل أحمد عبد العزيز) تخليدا لذكرى هذا البطل العظيم ويوجد هذا الشارع بمنطقة
المهندسين بالقاهرة.
شهادة هيكلفي كتابه العروش والجيوش الذي عرض فيه
محمد حسنين هيكل يوميات حرب عام 1948م كتب هيكل عن منع وزارة الحربية المصرية لأي صحافي مصري من الدخول في مناطق عمل القوات المصرية، وتصميمها على أن تحصل الصحافة المصرية على ما تحتاجه من معلومات من إدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة.
يذكر أنه تمكن ومصور جريدة
أخبار اليوم من الوصول إلى قوات أحمد عبد العزيز في
بيت لحم والخليل مشيا على الأقدام عن طريق القدس، وكيف أن الرقابة العسكرية حذفت كل كلمة وكل صورة، وتم رفع الموضوع إلى وزير الحربية
محمد حيدر باشا الذي وافق في النهاية على نشر خمس صور كانت بينها الصورة الشهيرة لأحمد عبد العزيز، وكانت تلك الصورة هي المرة الأولى التي يعرف فيها الناس أو يروا الرجل الذي وصفوه بالبطل
مذكرات أحمد عبد العزيز
للأسف الشديد فى زحمة الحياة والأشياء نسينا أشياء كثيرة، ومن المهم والضرورى أن نستعيد سيرة وحكاية أبطال أعطوا حياتهم لهذا الوطن، ومنهم للأسف الشديد فى زحمة الحياة والأشياء نسينا أشياء كثيرة، ومن المهم والضرورى أن نستعيد سيرة وحكاية أبطال أعطوا حياتهم لهذا الوطن، ومنهم الشهيد البطل «أحمد عبدالعزيز» أحد أبطال حرب فلسطين 1948، وربما لايعرف الكثيرون أنه كتب مذكراته ويومياته.
هذه المذكرات الناقصة نشرها المؤرخ والكاتب العسكرى «محمد فيصل عبدالمنعم» فى كتابه المهم والفريد «أسرار 1948» الذى صدر عام 1968، واستند فيها إلى كتاب المؤلف «أبوالحجاج حافظ» عن البطل «أحمد عبدالعزيز». «صباح الخير» تنشر هذه المذكرات تقديراً وامتناناً للبطل العظيم..
الأربعاء 31 مارس 1948:
إن هذا اليوم هو أسعد أيام حياتى. لقد قابلت اليوم «محمد حيدر باشا» وقال لى وهو يصافحنى «يا عبدالعزيز إننى أتبع خطاك منذ كنت عضوا فى لجنة الحكام فى مباريات الفروسية وكنت متسابقا دائما فيها وعندما تلقيت جائزة الموضوعات العسكرية وضعت عينى عليك وعرفت أنه سيجىء يوم تكلف فيه بعمل مهم .. إن أمامك مهمة خطيرة.. وأنا أرجو كفارس قديم أن ينجح واحد من الفرسان فى مهمة خطيرة.. لقد قررت أن أعهد إليك بقيادة القوات الخفيفة». وبينما نحن نتحدث دخل عزام باشا «الأمين العام لجامعة الدول العربية». واستمر الحديث وعلمت أن الجامعة العربية ستعهد إلى بقيادة فرقة المتطوعين التى تم تكوينها من أبطال ذوى همة وعزم.. أبطال من مصر، ورجال عاديين وضباط جيش وجنود طلبوا الإحالة إلى الاستيداع ليجاهدوا من أجل فلسطين.. وأبطال من ليبيا ومن تونس ومراكش والسودان ومن غيرها من البلاد العربية المجاهدة. ولقد حدد عملى ورسمت لى مهمتى وقال لى حيدر باشا وهو يشد على يدى بعد أن أديت له التحية العسكرية «ليكن شعار قوتك كما قال فردريك الأكبر.. اضرب.. واضرب بكل شدة .. إذا عرفت أحوال عدوك استطعت أن تتفوق عليه». ؟
العريش فى 6 أبريل سنة 1948:
أعددت كل شىء وغدا أتسلل عند منتصف الليل عبر الحدود مع الملازم أول «ص» وهو مثلى من الذين طلبوا إحالتهم إلى الاستيداع لينضموا إلى صفوف فرقتنا.. فرقة المتطوعين. ولقد التقيت به أمس فى القاهرة وأحس كل منا أنه يعرف صاحبه منذ سنين وعلى أى حال فلم تكن هذه أول مرة تقابلنا فيها. ولقد قضينا اليوم كله فى العريش نجمع المعلومات من القادمين من الناحية الأخرى من الحدود وثمة سؤال يهمنى أن أعرفه «كيف يحارب اليهود»؟ إن أساس الخطط الاستراتيجية هو ما يمكن الحصول عليه من معلومات عن العدو، ولقد قلت للملازم أول «ص» أننى أعرف أننا حصلنا على معلومات كثيرة، لكننى أعتقد أنه لا شىء يفيدنا كرحلة نقوم بها بأنفسنا عبر الحدود. واتفقنا على التسلل غدا عند منتصف الليل. ؟
السبت 7 أبريل سنة 1948:
عدنا فجر اليوم من رحلتنا عبر الحدود. إن المعلومات التى عرفناها لا تقدر بثمن.. لقد طفت بالمواقع المحيطة بغزة التى أعتقد أن فرقتنا ستقوم فيها بأول اشتباكاتها مع العدو. ولقد تسللنا قرب بعض المستعمرات ونحن بملابس البدو وأنا أظن أن معلوماتنا عن التسليح اليهودى يجب أن تتغير.. وعلينا أن نضع كلمة «قلعة» مكان كلمة «مستعمرة». وطفت بشوارع غزة واتصلت بالأفراد الذين كان يلزم أن أتصل بهم لمساعدتى فى مهمتى ومن سوء الحظ أن أحدهم لم يقدر ضرورة السرية فى مهمتى، فقد جاءنى فى اليوم التالى للقائنا السرى يقول لى «إن اللجنة القومية لغزة تنتظرك وأعضاؤها يتحرقون شوقا لمقابلتك». وذهلت وقلت له: ومن أخبر أعضاء اللجنة أننى هنا؟ وقال لى ببساطة: أنا .. لكن لا تخف. وقررت أن أذهب لسبب واحد هو أن أرجو أعضاء اللجنة أن يحفظوا السر ودخلت اجتماع اللجنة ومعى الملازم «ص» وقلت لأعضائها «ليس هناك ما يمكن أن تسمعوه منى.. إن الشىء الوحيد الذى أرجو أن تسمعوه هو صوت مدافعى عندما تجىء هنا». ؟
الخمـيس 22 أبـريل سـنة 1948:
اليوم فى صفوف الأبطال الذين اصطفوا فى طابور الاستعراض وأخذت أتفرس فى وجوههم وأحاول أن أستشف خلال التقاطيع الصارمة روح الإيمان المتدفق. ثم بدأت أتحدث إليهم: حدثتهم عن مهمتنا ولماذا نحارب وشرحت لهم هدفنا من القتال وقبل أن أتركهم طلبت منهم أن يكونوا على استعداد دائم فنحن قد نتحرك فى أى وقت، إنى من المؤمنين بالمفاجأة وأنا أحلم بمفاجأة من نوع غير سار للعدو، وأعتقد أن نجاحنا يتوقف على قوة هذه المفاجأة فهى فى رأيى الوسيلة الأولى لنجاح كل غاية أو مبدأ.. صحيح أن بعض القواد ومنهم «فوش» لا يعتبرون المفاجأة مبدأ خاصا من مبادئ الحرب، لكن الظروف الحديثة تجعلها «بالنسبة لجسامة الارتباك والرعب الذى تحدثه فى قوات العدو»، مبدأ صحيحا قائما بذاته.. لا ينبغى أن يشعر اليهود بدخولنا. ولقد وجدت اليوم الطريق الذى يجب أن نسلكه.. سوف يكون طريقنا هذا خير طريق يحقق لنا المفاجأة. ؟
الثلاثــاء أول مايــو ســنة 1948:
سنبدأ غدا والله معنا. تحادثت مع جنودى لآخر مرة قبل المعركة، بعد أن أبديت لهم سرورى بما رأيته من روحهم واستعدادهم، قلت لهم «سوف نبدأ غدا». أصدرت اليوم أول منشور مصرى فى فلسطين، وقد وزع على جميع المتطوعين وسنوزعه على أهالى فلسطين عندما ندخل كى يعلموا مهمتنا، وهذا هو نص المنشور:
«من القائد العام لقوات المتطوعين بالجبهة الجنوبية بفلسطين إلى المتطوعين: أيها المتطوعون .. قبل أن نتحرك إلى جبهة القتال يجب أن نؤمن تماما بالغاية النبيلة التى نحارب من أجلها أننا سنقاتل اليهود بفلسطين لأنهم قوم جحدوا نعمة الله عليهم وإحسان المسلمين إليهم الذين تركوهم بينهم ينعمون فى بلادهم ويثرون ويتكاثرون، حتى إذا ما أنسوا فى أنفسهم بعض القوة غدروا بالمسلمين وشرعوا فى اغتصاب أقدس ما لديهم وهو وطنهم العربى وتراثهم الإسلامى. إننا نحارب دفاعا عن تراث العروبة ودرءا لخطر جسيم يهدد كيان الدول العربية ومستقبلها، نحن نحارب فى سبيل الله لأننا لا نبغى استعمارا، بل نريد أن نمنع أشنع خيانة وأفظع نوع من أنواع الظلم الذى لم يجد التاريخ مثيلا له، نحن نحارب عدوا غادرا خائنا خبيثا يقتل ويمثل بالأبرياء الذين آووه وتسامحوا معه كثيرا. نحن نحارب لحماية بلادنا وأولادنا وأحفادنا وأعراضنا وآمالنا فى المستقبل من خطر اليهود الذى لا يضاهيه خطر فى الشرق. أيها المتطوعون. إن حربا هذه أهدافها هى الحرب المقدسة وهى الجهاد الصحيح الذى يفتح أمامنا أبواب الجنة ويضع على هامتنا أكاليل المجد والشرف. ولا تنسوا أن هذه الأراضى التى سنحارب عليها قد حارب أجدادنا عليها فى عصور مختلفة، وسجلوا لنا مجدا عظيما خالدا فلنرد هذا المجد الأبدى ولنخش غضب الله وكلمة التاريخ إذا نحن قصرنا فى أمانة هذا الجهاد العظيم»
الحدود المصرية فى أول مايو 1948.
القائد العام لقوات المتطوعين بالجبهة الجنوبية لفلسطين.
الخميس 3 مايو 1948:
قضينا يومين حافلين. فى الساعة التاسعة من مساء أول أمس اخترق طابورنا الحدود وعند الفجر أتممنا احتلال تل «على منطار» وفى الصباح فوجئت «خان يونس» بدخول فرقتنا إلى البلدة، وكان الناس ينظرون إلى معداتنا وهم يفركون أعينهم من الذهول، وكأنما هم لا يصدقون أننا هنا، أخيرا، ومضى النهار ونحن ننظم مواقعنا وفى الليل بدأت مدفعيتنا تدق «بيرون إسحاق»، وكانت مفاجأة شاملة للعدو. ولقد سمعت غزة لأول مرة فى هذه الحرب صوت المدفعية، وكانت مدفعية «فرقتنا» واسترحت لأننى صدقت وعدى مع اللجنة القومية لغزة. ودخلنا غزة نحمل أول الشهداء وكان بطلا من المتطوعين اسمه «فتحى»، لقد عدت منذ قليل من حفل تأبينه، وكنت قد قررت أن نحتفل رسميا بأول شهيد من الجنود وأول شهيد من الضباط. إننى فخور بروح فرقتنا .. لقد سمعت جنديا من المتطوعين يقول لأحد الضباط متحدثا عن الشهيد «فتحى» شهيدنا الأول «أنه سعيد الحظ» وهذا هو الذى أتاح له الفرصة ليكون أول الشهداء، وكان احتفالنا بشهيدنا الأول من الجنود رائعا، وتذكرت أننا سنحتفل أيضا بأول شهيد من الضباط وأجلت النظر فى ضباطى وهم وقوف حولى وقلت فى نفسى «ليحفظهم الله جميعا»، وأعترف أننى أشعرت بالحزن عندما سألت نفسى «ترى أيهم»؟ وسمعت شيئا فى ضميرى يهتف بى «قد تكون أنت»، سنترك غزة الليلة ونخرج إلى العراء.. إننى أريد أن نختبر أساليب العدو فى القتال وأود لو استطعنا أن نحصل على شىء له قيمة للجيش النظامى عندما يتدخل فى 15 مايو
الجمعة 21 مايو 1948:
كان يوما من أروع أيام فرقتنا. لقد نطحنا كل مستعمرات الجنوب واشتبكنا معها فى الأيام الماضية، وقد فرغنا أمس فقط من معاركنا مع مستعمرتى «بيره» و«بيت إيشيل» ودخلنا «بئر سبع» نحمل جثة أول شهيد من الضباط وكان الملازم «أنور الصيحى»، لم أستطع حضور الجنازة العسكرية فقد خرجنا قبل الفجر نحو «الخليل» لنؤمن مؤخرة الجيش الرئيسى الواقف على الساحل. وكان طوافنا حول «الخليل» مظاهرة عسكرية رائعة ولقد طاف جنودى حول القبر المقدس لسيدنا إبراهيم وهم بملابس الميدان كاملى التسليح ولعمرى ما رأيت منظرا كهذا اختلطت فيه معانى القداسة بمعانى القوة العسكرية. واستفاد الجنود من الدوران حول قبر الخليل.. وكان لهذا أثره فى زحفنا السريع إلى «بيت لحم»، ومن حسن الحظ أن المعركة مع «رامات راحيل» كانت تنتظر وصولنا.
الأربعاء 14 يوليه 1948:
مرت العاصفة بسلام. لقد كانت الأيام التى مضت هى أعصب الأيام التى مرت بنا، فلقد استطاع اليهود فى فترة الهدنة التى دامت شهرا أن يضاعفوا استعدادهم، وكان من أثر الاجتماعات السياسية الأخيرة فى عمان أن الجيش العربى اتخذ شمال القدس المسرح الأول لعملياته وترك لنا كل منطقة الجنوب، ولم يكن هناك مفر من أن «نمدد» خطوطنا فى الوقت الذى قام فيه العدو بأعنف هجماته. وكنا وحدنا نواجه العاصفة. ومرت بنا لحظات رهيبة. ولقد كان تفكيرى عجيبا فى أعنف لحظات المعركة، ولم أكن أتصور أن الإنسان يمكن وهو فى أحرج لحظات حياته أن يسمح لنفسه بالتفكير الخيالى ويسبح فى أحلام عديمة القيمة بالنسبة لمواقفه. كنت واقفا فى أحرج الدقائق على الطريق من بيت لحم إلى القدس. وكان المفروض أن يكون هذا الطريق هو الهدف الرئيسى للهجوم علينا، وكان الطريق ملغما بشدة وقلت لنفسى: «حتى لو تمكن العدو من التغلب على حقول الألغام فإنه لن يخترق الجبهة». ونظرت حولى فى الخنادق والمراكز المتقدمة وكانت تتراءى على مرمى البصر، وكنت ألمح خوذات الجنود داخل الخنادق، ويترامى إلى فى بعض الأحيان التى تهدأ فيها النيران همساتهم وضحكاتهم ونظرت إلى السماء وقلت: «باركهم يا رب»، وتقدمت على الطريق، ووقفت أمام وحدة من مدافعى متجهة إلى مواقع اليهود، وأمسكت بيدى تليفون الميدان وهو متصل بكل المواقع وكنت أرفع السماعة إلى أذنى لأتصل بموقع من المواقع البعيدة التى تتحمل أعنف هبات العاصفة وكان ضابط الموقع يرد على وكانت النيران الشجاعة والكلمات الحازمة من هؤلاء الشبان ذوى العزم والرجولة تجعلنى أقول «لا يمكن أن نقهر». ورميت بصرى إلى الطريق والمعركة على أعنف ما تكون والتليفون يحمل إلى كل ثانية أخبار الهجوم على مواقع جديدة. وتنهدت ولمست الطبنجة المعلقة فى حزامى وقلت لنفسى: «ماذا لو تقدم اليهود إلى هنا»؟! ودار رأسى وقلت: «أحارب حتى بطلقات الطبنجة ثم أبقى طلقة منها لنفسى»، وأجلت النظر فيما حولى.. دير «ماريا إلياس» الأثرى الجميل أمامى على نهاية الطريق والجبل الذى تقع على قمته قرية «بيت جالا» والوادى تحت أقدامنا والزهور البرية تفوح عطرا وتبدو كما لو كانت تسبح بألوانها الجميلة المتناسقة فوق موجاتمن أشعة الشمس السائلة. وقبضت بيدى عللى الطبنجة وقلت «ومع ذلك فهذه هى أحرج لحظاتنا»، وتذكرت الناس فى الوطن.. ماذا يفعلون الآن؟ وهل تراهم يعرفون؟ ومضت دقيقة أخرى وهمست لنفسى شيئا وسمعنى ضابط الموقع وقال« أوامر يا فندم»؟ وغمغمت كمن يحدث نفسه: «كلا.. أعرف أنهم سيتذكرون هذا اليوم وسيتذكرون أننا كنا من الشهداء وسوف يقولون: كانت هذه أروع لحظات حياتهم. وسألت نفسى: هل نستشهد؟ ودار فى ذهنى شريط سريع.. ماذا يحدث عندما يرفع ضابط الموقع المجاور لى تليفون الميدان ليتصل بمساعدى ويقول له حضرة «البكباشى استشهد يا فندم»، ماذا يحدث لضباطى وجنودى؟ والناس فى الوطن ماذا يقولون؟ وأسرتى كيف يقع النبأ عليها؟ وألقيت على نفسى أغرب سؤال: «وأنا.. ماذا أقول عندما أستشهد»؟ وضحكت وقلت لنفسى»: لن تقول شيئا يا أخى.. إنك ستكون شهيدا قتيلا فى عالم آخر لا تستطيع أن تقول فيه شيئا». وأجلت حولى نظرة أخرى وقلت «يا له من مكان رائع يختتم فيه القدر مسرحية حياتى أنهم سيضعون على الأقل لوحة يكتبون فيها اسمى ويوم استشهادى.. أجل لوحة بسيطة تكفى وسوف يجىء كثيرون .. سيجىء ابنى «خالد» أيضا وسيكون رجلا وسيما ويحنى رأسه أمام هذا المكان ويقول فخورا «هنا استشهد أبى ودخل مع الأبطال». ولن يبكى ابنى.. ورنت فى خاطرى كلمة الأبطال.. وذكرت قول نيتشة «إن البطل هو الذى يعرف كيف يموت فى الوقت المناسب والمكان المناسب»، ونظرت مرة أخرى فيما حولى. الوادى: ودير ماريا إلياس وورائى «بيت لحم» مهد المسيح ووراءها «الخليل» قبر إبراهيم.. وقلت لنفسى: «أجل.. هذا مكان يرضى عنه نيتشة». ومرت العاصفة بسلام»!
"إن هؤلاء الذين يتحدثون عن المسئوليات والتخلى عنها عليهم أن يعوا أن من تحمل المسئولية عندما كانوا أطفالاً هى مصر وشعبها ودماء المصريين، وأن مصر والشعب المصرى بذلوا الغالى والرخيص منذ أكثر من 50 عاماً لنصرة الشعب الفلسطينى، فمصر هى التى تناصر الشعب الفلسطينى ولا أحد غيرها من هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يقارنوا أنفسهم بها".