اكتشف فريق من الباحثين المغاربة مقبرة وسط غربي المغرب يعود تاريخها إلى ما قبل خمسة آلاف سنة.
وعثر
في هذه المقبرة –وتوجد داخل كهف قريب من مدينة الخميسات حوالي 80 كيلومترا
إلى الشرق من العاصمة الرباط- على ستة هياكل عظمية بشرية، والعديد من
الأدوات المصنوعة من عظام الحيوانات، وقطع من الفخار جرسية الشكل.
وأوضح
يوسف بوكبوط -الأستاذ الباحث بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث
بالرباط- في تصريحات نقلتها وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية، أن
اكتشاف هذه المقبرة، كان ثمرة تنقيبات أثرية بالمنطقة، انطلقت سنة 2005.
وأضاف
قائلا إن هذا الاكتشاف يعد "الأول من نوعه في تاريخ الاكتشافات الأثرية
بشمال إفريقيا" لأنه مكن من العثور لأول مرة على هياكل عظمية بشرية لإنسان
عاش ما يسمى "حضارة الفخار الجرسي الشكل" (الكومبانيفورم) في الحوض الغربي
للبحر الأبيض المتوسط.
"حضارة أيبيرية"
وقال
أيضا: "إن هذه الحضارة شهدت ازدهارا كبيرا وانتشارا واسعا في شبه الجزيرة
الأيبيرية، من حيث اكتسحت أوروبا الغربية وجزءا من أوروبا الوسطى إلى جانب
المغرب، وهو ما يؤكده وجود سهم "بالميلا" بالكهف، والذي يشبه الأسهم
الموجودة بشبه الجزيرة الإيبيرية."
وذكر الباحث أن عملية التنقيب
بالكهف مكنت من التعرف على بعض الطقوس الجنائزية التي كانت سائدة في تلك
العصر ما بين الحجري والبرونزي، والتي تشبه إلى حد ما الطقوس المعروفة عند
الشعوب البدائية بأستراليا أو أمريكا اللاتينية.
وأشار بوكبوط إلى أن
من بين تلك الطقوس "دفن أداة حمراء مع الميت لاعتقادهم آنذاك بوجود حياة
ما بعد الموت وأن اللون الأحمر، حسب اعتقادهم، هو بمثابة دم سيحتاجه الميت
عندما يحيى الحياة الأخرى. إضافة إلى أنهم كانوا يشعلون النار بجانب
القبور معتقدين أن الدخان يطهر الروح وينقيها، كما توضع رحى على صدور
الموتى أو على رؤوسهم."
وقال في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية إن ما عثر عليه في المقبرة "يؤكد تطور البشرية وتحولها من الحجر إلى المعدن".
وأضاف
الأثري المغربي أن فريق التنقيب عثر كذلك على بقايا عظام حيوانات لم يعد
لها وجود بشمال إفريقيا، كالدب الأسمر والبقر الوحشي من فصيلة طور،
والبوبال (الجاموس الهندي) والفهد والنعام وكذا الأسماك والقطط والكلاب
الوحشية والظباء والثعالب.
26 موقعا أثريا
كما
عثر أيضا على أدوات معدنية صنعت من النحاس والبرونز بجانب حجيرات من
المعدن وأخرى صنعت من عظام الحيوانات، كالإبر ذات الثقب كانت تستخدم لعدة
أغراض، وخاصة في الزينة.
وقال بوكبوط إن الهياكل العظمية والأدوات
المعدنية التي تم اكتشافها يمكن عرضها بالمتاحف دونما ترميم، نظرا لكونها
كانت توجد في ظروف طبيعية ملائمة، ساهمت في الحفاظ عليها رغم مرور آلاف
السنين.
ولم يستبعد فتحي عماني -الأستاذ الباحث بنفس المعهد- أن تستمر
الحفريات بهذا الموقع الأثري عشرات السنين، وذلك بغرض التعرف على خصوصية
المنطقة ودراسة الظروف البيئية والمناخية، وسلوكيات الإنسان التي كانت
سائدة في تلك الفترة ومقارنتها مع ما هو سائد في الوقت الحالي.
يشار في
هذا السياق إلى أن فريق البحث التابع للمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث
بالرباط، تمكن أيضا من اكتشاف وجرد وتوثيق أكثر من 26 موقعا أثريا في
المنطقة.