في حب الجزائر و الجزائريين ..
و لئلا تصبح كرة القدم أفيون الشعوب العربية
لم تكن ثمة مصلحة مادية بيني و بينه أو حتى سابق معرفة تبرر للحاج " تواتي" أن يدعوني إلى بيته في الجزائر العاصمة على الغذاء في ذاك اليوم .. كانت حجته أنني مصري وهذا كاف في نظره أن يفتح لي بيته و أن يقدم لى أفراد عائلته الكريمة و نجلس و نتسامر و يستغرقنا الحكي ..و تذكرت حكايات حصة المطالعة القديمة عن الكرم العربي الأصيل .. و " تفضل يا أخا العرب " ..و حاتم الطائي.. وتذكرت أيضاً حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم ضيفه " ذلك الحديث الذي كثيراً ما ننساه.
حين أتحدث عن الجزائر لا أتكلم عن سمع أو قراءة .. إنما هو حديث من عاش و خبر .. و خالط و انصهر .. إذ عشت في الجزائر قرابة السنة حيث كنت أعمل فى الماضي.
في حى بن عكنون الهادئ سكننا .. و في شارع " ديدوش مراد " تنزهنا .. و هو شارع يذكرك بشوارع القاهرة القديمة .. قاهرة عماد حمدى و أنور وجدي .. و في "مقام الشهيد" أكلنا البيتزا الشهية التي يحترف طهيها الكثير من الشباب الجزائري.. و أردنا أن ندخل إلى "نادي الصنوبر" فقيل لنا لابد من تصريح فهذا مكان لا تدخله إلا الطبقة الراقية .. و لما اقتربنا من البوابة أخرج أحد المصريين رأسه من السيارة و بدأ "يهدَر" بالمصرى - و يهدَر بالعامية الجزائرية تعني يتكلم ! - فانفرجت أساريير رجل الأمن و انفتحت البوابات و اخترقنا المتاريس اختراقاً.
و على شاطئ " سيدى فرج " أهداني أحد البياعين الجوالين هدية تذكارية مجانية لما عرف أنني مصري .. و لم ينس أن يسئلني عن آخر أخبار عادل إمام و ليلى علوي !!
و الجزائريات يعشقن "بزاف" اللهجة المصرية بسبب الأفلام المصرية و المسلسلات - و بزاف بالعامية الجزائرية تعني كثيراً - و أعرف من المصريين الكثيرين الذين تزوجوا جزائريات و استقروا في الجزائر و يعيشون في ثبات و نبات !
و إلى وهران سافرت .. و ليل وهران يا إخواني لامع متلئلئ -على حد تعبير الأديب الفرنسي الكبير جي دو موبسان- و الوهارنة يتغزلون في جمال بلادهم فيقولون في فخر : " وهران الباهية ليل و نهار زاهية " .. و أمضيت ثلاثة أيام في بيت وهراني كريم .. و أهل وهران يتندرون على بخل أهل الجزائر العاصمة .. تصوروا !!
و في وهران أكلت نوعاً من تمر الجنة .. يسمونه "دجلة نور" أو "دقلة نور" و هو من أحلى ما أكلت في حياتي و لا أبالغ.
و اللهجة الجزائرية " صعيبة بالزاف " علينا نحن المصريين .. و بعض المفردات مختلفة المعنى عن اللهجة المصرية مما يخلق العديد من المواقف الطريفة .. مثلاً البطيخ عندنا يسمونه " الدلاع " بكسر الدال و تشديد اللام .. أما "الشمام" عندنا فيسمونه البطيخ !!
و إذا قال لك جزائري : " عيطت عليك البارحة " .. فأرجوك لا تجزع .. فما يقصده أنه " نادي عليك البارحة
و بعض أفعال اللغة الفرنسية تُصَّرًّف عربياً في مزج لغوي عجيب .. فإذا سمعت من يسئلك : " فريتها ؟ " فلا تندهش إنما يعني : " هل أديت المهمة ؟" .. و هنا يصرف فعل " يؤدي " بالفرنسية " faire " و ينطق " فير " تصريفاً عربياً !!
و الجزائريون يعشقون كرة القدم عشقاً جماً .. فى كل أحياء الجزائر العاصمة تجد ملعباً في ساحة شعبية حيث يتجمع أولاد " الحومة " -و الحومة تعني المنطقة أو الحتة- ليشاهدوا المباريات .. تصادف أن مررت بإستاد "5 جويليه" و كانت مباراة بين إتحاد العاصمة -و ينطقونه الأصمة- و فريق آخر فبدت المنطقة كأنها ساحة للوغى .. هدير و غبار و زحام في كل مكان !
و عليه فإن التعصب الكروي بين الفرق الجزائرية كائن مثلما هو كائن بين الفرق المصرية .. أذكر أني شاهدت في العام الماضي مباراة بين الأهلي و فريق الإسماعيلي .. و كأن الإسماعيلي يلعب ضد فريق " شبيبة تل أبيب " من فرط الغل و العنف !
و لكن التعصب الكروي بين فرق الوطن الواحد مقدور عليه فهو لا يعيش كثيراً .. أما عن حوادث التعصب الكروي بين البلاد العربية فهي لا تنسى بسهولة .. و هنا الخطر..
السفهاء و أصحاب المشاريع التفكيكية ممن يملؤهم الغيظ من أى تقارب بين الشعوب العربية و الإسلامية يجدون مرتعاً خصباً ليزرعوا أشواكهم المسمومة في زحام هذه الأحداث .. فينبغي علينا أن ننتبه وألا ننساق إلى مشاعر التعالي الأجوف.. و سراب "الألوية الوطنية" الأخرق.
طبعاً كمصري أتمنى فوز منتخب بلادى و صعودها .. و لكن في ذات الوقت لن أنصب سرادقات العزاء إذا تأهلت الجزائر.. فالجزائر شعب عربي مسلم عريق كريم مكافح و يحب و يحترم المصريين .. و من حقهم أيضاً أن يفرحوا.
فلنجعل الرياضة وسيلة للتقارب بيننا و للتعارف و ليست وسيلة لتربية العداوات و زراعة الأحقاد و تأجيج مشاعر الثأر والغضب والحقد