نعيش جميعًا حاليًا الأزمة الكبيرة
بين الولايات المتحدة والصين الناتجة عن طائرة التجسس الأمريكية التي كانت
تحلق في المجال الجوي الصيني، وهو ما يلقي بالضوء على موضوع التجسس
باعتباره أحد أهم الأسلحة التي تبني عليها الدول إستراتيجيتها، خصوصًا خلال
ما يعرف بالحرب الباردة.
والتكنولوجيا المتقدمة كانت في خدمة
التجسس إلى أبعد الحدود من استخدام وسائل الاتصال المشفرة وأجهزة التسجيل
بالصوت والصورة صغيرة الحجم، والتي لا يمكن ملاحظتها بسهولة إلى ما هو أكثر
تطورًا مثل أقمار التجسس الصناعية.
وتهتم سياسة الدفاع الأمريكية بموضوع
التجسس بشكل كبير جدًّا؛ حتى إنها تطور حاليًا أبحاث طائرة تجسس صغيرة في
حجم الذبابة تقريبًا.
والفكرة في هذه الطائرة شديدة الصغر
أنها بهذا الحجم لا يمكن أن يرصدها أي رادار، كما يمكنها أن تخترق أكثر
الأماكن سرية في العالم، وذلك بفضل التكنولوجيا الصغيرة Nano-technology) )
التي بواسطتها يمكن تحميل هذه الذبابة الميكانيكية أجهزة تنصت وتصوير، بل
وأشعة ليزر قاتلة في بعض الأحيان؛ لتؤكد المقولة بأن الحروب ستتحول إلى
حروب تكنولوجيا بقدوم عام (2020) .
يعمل في هذا المشروع في الولايات
المتحدة الأمريكية مكتب أبحاث الجيش، ومكتب أبحاث البحرية، ومكتب علماء
القوات الجوية، وكذلك وكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتقدمة بالتعاون مع
مجموعة من علماء الأحياء وعلماء الهندسة من مختلف الجامعات.
مع بداية الأبحاث في مشروع الطائرة
الميكروسكوبية Micro Air Vehicles (MAVS) كانت أولى المشكلات التي واجهت
العلماء هي كيف يمكن أن تطير هذه الطائرة مع صغر حجمها؛ فمن المعروف أن
الطائرات الكبيرة تعتمد في الطيران على شكل الجناح (airfoil) الثابت، ويحكم
حالة استقرار الطيران ما يسمى برقم رنولد (Reynolds Number)؛ حيث يجب أن
يكون كبيرًا جدًا ليصبح الطيران مستقرًا، فمثلاً الطائرة البوينج 747 لها
رقم رنولد حوالي 100 مليون، وكلما صغر حجم الطائرة وطارت ببطء قل رقم
رنولد، ويصبح الطيران في هذه الحالة غير مستقر ويصعب السيطرة عليه.
ولهذا، فإن احتواء هذه الطائرة
الميكروسكوبية على أجنحة ثابتة (Fixed-airfoil) لا يمكن أن يجعلها تطير إلا
إذا تحركت الأجنحة حركات ترددية (flapping) مثل الحشرات الطائرة تمامًا،
ومن هنا بدأت الاستعانة بعلماء الأحياء لما لهم من خبرات كبيرة في وصف
حركات طيران الحشرات، وكيفية استخدامها في تصميم (MAVS) .
والمشكلة الأخرى التي واجهت مصممين
(MAVS) هي كيفية الحصول على محرك لهذه الحركة الترددية، فمن المعروف أن
أغلب المحركات تنتج حركة دورانية.
وفي مركز أبحاث الذكاء الصناعي في
جامعة "فاندربلت" تم بنجاح الحصول على الحركة الترددية اللازمة لعمل
الأجنحة (Flapping)، وذلك باستخدام محرك ضغطي (Piezoelectric) يعمل بفرق
الضغط؛ حيث يمكنه توليد حركة خطية بدلاً من الحركة الدورانية، معتمدًا على
مواد خاصة مثل الكرستال؛ حيث إن هذه المواد الخاصة لها استجابة حركية نتيجة
للإثارة الكهربية.
ويتبقى أمام العلماء المشكلة الكبرى
ألا وهي توفير الطاقة الكهربية اللازمة للمحرك. قال البعض: "يمكن وضع خلايا
كهروضوئية على الأجنحة، ولكن هذا لا يكفي لأن مساحة الأجنحة صغيرة جدًا
لتوليد الكهرباء اللازمة". وقال البعض الآخر: "يمكن وضع بطاريات وقود،
ولكنها ثقيلة الوزن على حجم هذه الطائرة الميكروسكوبية". فلم يجد العلماء
الأمريكان بد من الاستعانة بأبحاث وكالة أبحاث الدفاع البريطانية (DERA)؛
حيث إنهم قد قدموا عرض عام 2000 لمحرك طائرة صغيرة جدًا (microjet) لا
تتجاوز أبعاده (13mm)، وذلك بخلط ماء الأكسجين مع الكيروسين أو أي وقود
مشابه، وأثبتوا أنه قادر على الطيران لمدة ساعة كاملة. وقد رصد مكتب أبحاث
الجيش 5 ملايين دولار لتطوير هذا المحرك.
وفي معهد أبحاث التكنولوجيا
بأتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية تم تطوير المحرك الصغير (nanojets)،
وإضافة بعض الدوائر الإلكترونية حتى يمكن التحكم فيه من خلال الكمبيوتر.
ولا تزال الأبحاث مستمرة في تطوير هذا السلاح الخطير ليصبح في يوم من
الأيام الذباب أشد فتكًا من المقاتلات العملاقة.
منقول