ذكر كاتب مغربي في مقال له على صحيفة القدس العربي ان قالت طهران إن العالم الايراني شهرام اميري اختُطف من طرف المخابرات الامريكية حين كان يؤدي مناسك العمرة في الديار السعودية وسعت امريكا للضغط بدفعه للإدلاء بتصريحات ضد البرنامج النووي الإيراني.
و قال الكاتب عبد السلام بن عيسى إذا كانت أمريكا قد تحاشت، كما هو متوقع منها، تأكيد أو نفي اختطاف شهرام، وتجنبت توضيح الظروف'والملابسات التي ُوجد بموجبها فوق ترابها، بشكل غير قانوني، لمدة تفوق 14 شهرا، فإن الأمر الذي يدعو فعلا إلى الدهشة والاستغراب هو موقف السعودية من هذا السجال الدائر حول الموضوع بين طهران وواشنطن.
لم تطلعنا الرياض بعد على روايتها حول اختفاء الرجل من فوق ترابها. إنها الدولة المعنية الأولى بهذا الملف، وصمتها ليس حكمة هنا. وهي مطالبة بالرفع الفوري لكل الالتباس المرتبط به. إنها مدعوة للجواب أولا على السؤال المتعلق بهل أميري اختُطف من فوق أراضيها، أم أنه سافر بمحض إرادته صوب أمريكا كما تطبل امريكا لذلك ؟ على المسؤولين السعوديين توضيح الأمر لأشقائهم المسلمين وحتى من غير الإيرانيين، الذين يقصدون مكة والمدينة المنورة لأداء واحدة من شعائرهم الدينية ألا وهي الحج، ثم العمرة على أساس أنها سنة مؤكدة. فالجواب على هذا السؤال التمهيدي ضروري وأساسي، لأنه يشكل منطلقا لتبيان باقي تفاصيل القضية.
نحن لا نستبعد أن لدى المخابرات السعودية ملفا كاملا يتعلق بالملابسات المرتبطة باختفاء أميري أثناء أدائه لمناسك العمرة ثم ظهوره المفاجئ في أمريكا. الرجل ليـــس إبرة اختفــــت فجأة في قشة من التبن، وصار من المتعذر العثور عليها.
إنه عالم مرموق، ولا شك أن وقت وصوله إلى الأراضي السعودية كان معروفا لدى سلطاتها، ومن المرجح أنه كان مراقبا من طرفها في جميع تحركاته، كما يُراقب كل الوافدين إلى السعودية للقيام بواجباتهم الدينية، وذلك من باب الحفاظ على أمن الحجاج، وتوفير الراحة والطمأنينة لهم.
وتساءل الكاتب , كيف حدث ولم يعد يظهر للرجل أثر إلى أن تناقلت وسائل الإعلام أنه موجود في أمريكا؟ كيف تم الاستفراد به والتمكن منه، وإلى أين حُمل لحظة وضع اليد عليه؟ وكم قضى من الوقت محتجزا في الديار السعودية؟ وما هي الطائرة التي حملته إلى أمريكا؟ هل هي طائرة مدنية أم عسكرية؟ وهل هي سعودية أم أمريكية؟ ومن أي مطار أقلعت؟ وهل خضعت للتفتيش والمراقبة لحظة إقلاعها؟ وإذا كانت الطائرة أمريكية وفُتشت قبل إقلاعها، فكيف لم يقع الانتباه إلى وجود راكب مختطف فيها؟ وإذا لم ُتفتش لأنها طائرة أمريكية، فهل من عادة السلطات السعودية السماح لطائرات بالإقلاع من مطاراتها من دون الخضوع للمراقبة والتأكد من شروط السلامة بالنسبة لراكبيها؟
هل يجوز لطائرة أي دولة من دول العالم النزول والإقلاع من المطارات السعودية، هكذا، من دون مراقبة أو تفتيش؟ هل هناك مواقع أمريكية فوق الأرض السعودية لا ُيسمح لغير الأمريكيين ولوجها والتصرف فيها، وإليها اقتيد العالم الإيراني، ومنها شُحن صوب أمريكا؟ أسئلة كثيرة يطرحها اختطاف العالم الإيراني من الأراضي السعودية، ووحدها الرياض مؤهلة لتقديم الأجوبة الشافية عنها للرأي العام السعودي والعربي والإسلامي. من غير المعقول أن تتصرف السعودية في هذه النازلة، وكأن الأمر لا يعنيها، وكأن حدث الاختطاف جرى في جزر الواق واق، وليس في ربوعها.
ويضيف الكاتب بن عيسى ان قضية اميري تمثل حالة ذات خصوصية متميزة، إننا إزاء مواطن مسلم، كان ضيفا من ضيوف الرحمن، كما تقول وسائل الإعلام السعودية عن حجاج بيت الله الحرام، ومن هناك تم اختطافه، فكيف تسكت الرياض على اختطاف ضيف من ضيوفها من بين ظهرانيها من طرف المخابرات الأمريكية؟ كيف لا تنتفض على احتجازه وتغييبه عن ذويه لشهور كاملة، وتعرضه للتعذيب وللابتزاز؟ ألا يحق للضيف على الجهة التي تستضيفه توفير الأمن والحماية والرعاية له ما دام في خيمتها؟ أليس هذا هو السلوك المتحضر الذي نشأ عليه الإنسان العربي منذ القدم، وظل طوال تاريخه يعتز ويفاخر به؟ أليس هذا هو ما تحث وتحرص عليه شريعتنا الإسلامية الغراء الكريمة المتسامحة؟
المسلمون يريدون معرفة الحقيقة للاطمئنان إليها. إنهم يقصدون الديار المقدسة لأداء ركن من أركان دينهم الخمسة. إذا صار البعض منهم يتعرض للاختطاف أثناء قيامه بواجبه الديني لأنه يملك أسرارا لدولته تريد أمريكا نزعها منه، فهذا يعني أن على الدول الإسلامية أن تتحاشى السماح لكبار مسؤوليها ممن يجلسون على خزائن أسرارها الذهاب إلى السعودية لأداء فريضة الحج. فهل يصبح أداء هذه الفريضة (ساقطا) عن كبار المسؤولين من الدول الإسلامية تفاديا للاختطاف من جانب المخابرات الأمريكية اللاهثة وراء انتزاع الأسرار بالقسر والإكراه منهم؟
خطورة ما وقع لشهرام أميري لا تنحصر في بعده السياسي المخابراتي الذي له علاقة ببرنامج إيــــران النووي، وخلافها حوله مع واشنطن والرياض، الموضوع يعني جميع المسلمين، فأمريكا التي تجيز لنفسها اليوم، اختطاف عالم إيراني من السعودية، وترحيله سرا إلى أمريكا لاستنطاقه تحت التهديد والتعذيب من أجل نزع أسرار منه، يمكنها القيام غدا بذات الفعل لنفس الغرض مع أي عالم من العالم الإسلامي يتوجه إلى الديار المقدسة.
من يتجاوز القانون والمحظور ويتصرف بعربدة وخارج الأعراف الدولية مع عالم إيراني في استباحة تامة للأراضــــي السعودية، كما فعلت أمريكا، لا شيء يردعه للقيام بنفس التصرف مع عالم مغربي، أو سوري، أو أردني، أو اندونيسي، أو باكستاني في ذات المكان، وللأسباب عينها.. الصمت السعودي يجعل نفس السبب يؤدي إلى نفس النتيجة. الحاجة الأمريكية لانتزاع الأسرار تبرر الاختطاف للحصول على الأسرار، حتى لو حدث ذلك في الديار المقدسة.
إذا كانت علاقة الدولة السعودية منعدمة في ما يخص اختطاف أميري من فوق أراضيها من جانب أمريكا، فإن على الرياض، تجاه أشقائها المسلمين، واجب تكوين لجنة مستقلة ونزيهة للكشف عن الحقيقة الكاملة حول ظروف وملابسات اختطاف العالم الإيراني، والطلب من أمريكا إذا تبث تورطها في الاختطاف، الاعتذار عن فعلتها تلك، ومحاكمة المتورطين فيها، وتقديم التعويض للضحية، والالتزام العلني بعدم تكرار مثيلات لها..
أما صمت الرياض المطبق حاليا في هذه الواقعة، فإنه يؤكد الاختطاف، وقد يرقى لدى البعض إلى درجة الشبهة، إن لم يشر إلى المشاركة، ويضع علامة استفهام كبيرة حول ذهاب كبار المسؤولين المسلمين استقبالا لأداء مناسك الحج أو العمرة، خصوصا إذا كانت في حوزتهم أسرار أرادت أمريكا الحصول عليها منهم بشكل ملح، ورفضوا تزويدها بها.. فقياسا على حالة شهرام أميري، لا شيء في السعودية متوفر حاليا، لضمان عدم تعرضهم للاختطاف من قبل السي إي إي، وما جاورها..