بدء عمليات العبور
عمليه اختيار الافراد لعمليات العبور كانت مهمه جدا طبقا لنوع المهمه ، و كنت اخشى ان احصل علي اجازة وخلالها يتم دفع احد الدوريات ، فأندم علي عدم وجودي معهم ، وكان ذلك هو روح فرد الصاعقه ورغبته القويه في العمل والاشتباك مع العدو والعبور ، فكنا نتسابق بيننا لكي نشارك في العمليات ، ومن يتم اختيارة منا ، كان يحس بالفخر والسعاده لكنه كان يخفي ذلك امام زملائه الذين يحسون بالغيره والحزن من عدم الاشتراك في العمليه ، وكأننا نتسابق علي النصر والشهاده او بالاصح علي التضحيه والفداء والمجد .
وكان اسلوب تخطيط العمليات خلف الخطوط ، ان يقوم قائد الكتيبه بوضع المهمه المطلوبه منه ويشارك الضابط المنفذ برؤيته في كيفيه تنفيذ المهمه ، فكان الضابط الصغير يختار الاسلوب الامثل له حيث انه المنفذ وهو يعرف امكانياته وامكانيات رجاله وقدراتهم ، لذلك يناقش قائد الكتيبه ضباطه في رأيهم في طريقه التنفيذ بدون تدخل من اي فرد خارج الكتيبه ، فكانت كتيبه الصاعقه علي الجبهه مستقله في اتخاذ قراراتها في تنفيذ عمليات القياده ، وللتدليل علي استقلاليه الصاعقه فقد حدث يوما ان طلب الجيش تنفيذ عمليه كمين من قائد المجموعة في نفس اليوم ، فحضر الينا المقدم صالح فضل قائد المجموعه فوجدنا نلعب الكرة في مسابقه بين السرايا ، فابلغ قياده الجيش انه ليس جاهزا لتنفيذ العمليه وانه سينفذ في اليوم التالي ، وعاد الينا وقام بتحكيم المباريات وفي النهايه وبعد تناول المشروبات الغازيه ، اختار منا عددا لتنفيذ العمليه ممن عليه الدور في التنفيذ, وكان معنا الكاتب الصحفي والمراسل الحربي جمال الغيطاني في ذلك اليوم .
وبذلك يكون الرجل قد حافظ علي معنوياتنا وفي نفس الوقت شاركنا في وقت الراحه واستغل ذلك في تنفيذ العمليه في اليوم التالي .
فكانت مسئوليه قائد الصاعقه تجاه رجاله قويه جدا ، ويحافظ عليهم كما يحافظ الاب علي ابناءه، ويتعامل معهم نفسيا ومعنويا بحرفيه شديده لاخراج كل طاقاتهم الكامنه .
وكان تسليح فرد الصاعقه عاده يكون خفيفا لضمان خفه الحركه ، ونحن اول من ابتكر ربط عدد من خزن الطلقات ببعضها البعض لكي تختصر في زمن اعاده تعمير السلاح وكذلك لزياده عدد الخزن التي يحملها الفرد ، فكان معنا ست خزن طلقات وثلاث قنابل يدويه ويزداد عدد افراد الـ ار بي جي عند تنفيذ كمائن لسيارات او عربات مدرعه ، وكذلك يكون معنا الغام وعبوات متفجرة طبقا لمتطلبات العمليه .
وقد استخدمنا كلاب الحرب في كثير من العلميات اللاحقه وايضا استخدمها الاسرائيلين ، فمن المعروف ان كلاب الحرب المدربه لا تنبح لكنها تقوم بحركات عند اكتشافها لكمين معادي ، فكنا نستخدمها لكشف الكمائن التي يقوم بها العدو عشوائيا في المحاور التي يتوقع العدو ان نتحرك عليها ، وفي نفس الوقت كان العدو يستخدم نفس الكلاب لكشف كمائنا
ومن المعروف ان الكلاب تري جيدا في الظلام ، وكان يكفي فور رصد اي كلب لكمين ان تترك الكلب ينطلق تجاه العدو ، فينقض الكلب علي الجنود الكامنين ليلا كاشفا موقعهم مما يفشل الكمين وغالبا ما كان الكلب يقتل في تلك العمليات لكن القوه تنجح في افشال الكمين .
وهناك العديد من العلميات التي قامت بها قوات الصاعقه والتي لم تذكر في التاريخ، إنما ذكر فقط عدد قليل جدا من تلك العمليات ، ولا يمكنني ان اتحدث عن اعمال لم اقم بها او لم اكن موجودا لكنني اترك من قام بها في الحديث عنها فهو الاجدر مني في الحديث عنها .
من اصعب المواقف التي تواجهه دوريه الصاعقه اثناء تنفيذ عمليه هو وجود شهيد او جندي جريح منا ، والتصرف الواجب فعله والمتفق عليه ، هو عدم ترك اي جريح ، و لم يحدث أن تركنا جنديا مصابا خلفنا .
بالاضافه الي التدريب السنوي المقرر من قبل قياده وحدات الصاعقه لكتيبتنا ، فأننا كنا نقوم بتدريبات اخري علي اعمال الكمائن وهو تدريب خاص وراق جدا ، وبالاضافه الي ذلك فقد تم تكليفنا بتدريب كتائب الاستطلاع الاخري واعطاء دورات صاعقه محليه لتلك الوحدات ذات المهام الخاصه .
عمليه لسان بورتوفيق :
تلقي المقدم صالح فضل قائد مجموعه الصاعقه والتي تشمل الكتائب 33 و 43 و 53 تعليمات بتنفيذ عمليه ضد موقع العدو في لسان بورتوفيق شرق القناه بهدف اسكات قوات العدو التي تقصف بورتوفيق والسويس بنيرانها ، وايضا ردا علي تدمير واغراق سفينه مدنيه اسمها ابراهيم كانت ترسو في ميناء السويس والتي قامت دبابات النقطه بقصفها بدون مبرر .
وكان العدو قد قام بعمليه اغارة علي منطقه رأس أدبيه حيث رابطت قوة من خفر السواحل بالقرب من رصيف بحري مخصص لقارب امداد الجزيرة الخضراء ، فقامت قوة العدو بالهجوم علي تلك القوة مستغلين توقع وصول القارب من الجزيرة الخضراء فدخلوا بقاربهم وقتلوا كل الجنود المصريين في تلك النقطه .
وكان الرائد احمد شوقي قد اصبح قائد للكتيبه 43 بينما يقود الكتيبه 33 يقودها الرائد خالد نديم بينما الكتيبه 53 يقودها الرائد اسامه ابراهيم
وبدأت اعمال التحضير لتلك العمليه علي مستوي قياده المجموعه من اعمال استطلاع ودراسات متعمقه ، (( المقدم صالح فضل هو اجدر من يقوم بشرح تلك التفاصيل)) .
وتم اقتراح ان تشارك احد كتائب المظلات في تلك العمليه وهي الكتيبه 79 مظلات ، لكن وضح الفارق الكبير بين قوات الصاعقه وقوات المظلات ، حيث ان قوات المظلات هي قوات مشاه يتم ابرارها جوا للعمل كقوات مشاه خلف خطوط العدو او في اماكن محدده ، وليست مدربه علي اعمال الكمائن او الاغارات علي مواقع العدو
وبعد فترة من الاختبارت تم اختيار الكتيبه 43 صاعقه للقيام بتلك العمليه نظرا لاعتبارات معينه ومعايير محدده وضعها قائد المجموعه المقدم صالح فضل
وبدأ التدريب في احضان جبل عتاقه وكان يوجد جسر لسكة حديدية قديم فتم اعتباره هو الساتر الترابي ، وكان يتم التدريب بالذخيرة الحيه بطريقه تجعل اي مسئول عسكري يرانا نتدرب يصاب بالهلع من خطورة وشده التدريب وكأننا في ارض قتال فعليه ، وقد نصح الخبراء السوفيت بإستخدام قوارب خشبيه المخصصه للاقتحام طبقا للمقاييس السوفيتيه لكننا اعترضنا علي تلك القوارب وطلبنا قوارب مطاطيه اخف وزنا واكثر مناورة ، وجدير بالذكر ان الخبراء السوفيت لم يكونوا علي علم بالعمليه لضمان السريه الشديده ، لانهم كانوا يصيبونا بإحباط ، ويدعون دائما عدم قدرتنا علي التخطيط والتحضير وتنفيذ اي عمليات .
والله اعلم ما هو مستوي ورتب هؤلاء الخبراء الحقيقيه ، فقد كان مستواهم اقل من مستوي ضباطنا .
وانتقلنا الي معسكر بالقرب من حلوان ، لضمان سريه اكثر في التدريب حيث كان الموقع الجديد مجهز بصورة مماثله لموقع لسان بور توفيق ، وحتي ذلك الوقت لم نكن نعرف نوع العمليه او الهدف.
وكنا معزولين تماما عن الدنيا ، وهناك عرفنا اننا سننفذ عمليه إغارة ، وان الهدف هو لسان بورتوفيق ، مما زادنا حماسا في تنفيذ التدريبات ، وكان الشاغل الاكبر لنا هو من هى السريه التي سيتم اختيارها للتنفيذ .
وهناك انضم علينا سريه قاذفات لهب من سلاح الحرب الكيماويه وكانت اول مرة نتعامل مع هذا السلاح بالاضافه الي انضمام فئتين من المهندسين العسكريين ، فئه منهم متخصصه في محركات القوارب ، وفئه اخري لتعليمنا كيفيه إستخدام طوربيد البنجالور والمخصص لفتح الثغرات في الاسلاك الشائكه وحقول الالغام
ونظرا لطبيعه المهمه فقد كانت مهام التنفيذ مقسمه الي فصائل ، فتم التدريب علي مستوي الفصائل داخل الكتيبه 43 .
في نفس الوقت كان مسئولي المجموعه والكتيبه يدرسون حاله المد والجزر وتقارير الاستطلاع وما الي ذلك من دراسات خاصه بالعمليه
وفي النهايه تم اختيار السريه الثانيه عدا فصيلة لتنفيذ العمليه مع اختيار فصيله من السريه الاولي وفصيله من السريه الثالثه للتنفيذ .
واستمر التدريب لمده تتعدي الشهر يوميا ، لدرجه اننا في اخر اسبوعين من التدريب كنا نقوم بثلاث او اربع تجارب تدريبية كاملة لاقتحام النقطه يوميا بالذخيرة الحيه ، مما يعني اننا قمنا بالتدريب النهائي اكثر من خمسون مرة تقريبا تحت شمس شهر يونيو ويوليو اللافحه .
وقبل التنفيذ بثلاث ايام عدنا الي موقعنا في ميناء الاتكه ، وقمنا بالتجهيز للتحرك الي بورتوفيق .
وقمت بزياره كتيبه المظلات في القطاع المواجهه لموقع لسان بورتوفيق عده مرات للوقوف علي اخر معلومات عما يحدث في الجانب الاخر، وكان قائد سريه الهاون120 ملم في تلك الكتيبه ضابط صديق لي اسمه م أ سليمان الحضري ، وسألته عما يعرفه عن الموقع المقابل له .
فأخبرنا بوجود 4 دبابات متمركزين في الموقع بصورة دائمه فقام باطلاق طلقه هاون سقطت بجوار الدبابه ، فبدأت الدبابات الاربع بالتحرك فورا في مسارات مخلتفه لعدم تمكينا من ضربها ، فأستطعنا رؤيه الدبابات الاربع ومعرفه أماكن تمركزها .
وكان ياتي الي الموقع يوميا سيارة كانتين (تعيينات وترفيه ) تقودها فتاه فائقه الجمال.
وبدأنا التحرك الي بورتوفيق علي هيئه جماعات صغيره لعدم اكتشاف العدو لتحركنا ، وامعانا في التمويه فقد اعد قائد الكتيبه بالتعاون مع قوات المظلات أكثر من بدروم بالفيلات المواجهة للقناة لكي تكون مكان تمركز للقوات المنفذه وبعيدا عن اعين العدو .
في حين ان معداتنا كانت تصل الينا عبر سيارات نقل مموهه تصل ليلا بدون ان تلفت انتباه العدو ، ظللنا في بدروم العمارة يومين وليله واحده ، وكانت حياتنا في هذا البدروم لكي لا يتم رصدنا بواسطه العدو او بواسطه البوليس الدولي المنتشر علي ضفتي قناه السويس في ذلك الوقت .
وتم وصول سريه مدفعيه ذاتيه الحركه 152 ملم محمله علي دبابات جوزيف ستالين لكي تدعمنا قياده الرائد سامي المصري ، وانتشرت تلك المدافع بجوار المباني تحقيقا للاخفاء والتمويه .
وكانت خطه التمويه قد بدأت قبل وصولنا الي بورتوفيق بسبعة أيام ، حيث قامت مدفعيه الجيش الثالث بعمليات قصف مدفعي منتظم طوال هذه الايام وفي وقت محدد من الرابعه بعد الظهر الي الخامسه ولمدة ساعة وعلي طول مواجهه الجيش ، فتعود العدو ان يلجأ الي الملاجئ في ذلك الوقت .
وتم اختيار موعد التنفيذ في الخامسه عصرا وفي وجود ضوء الشمس ساطعا نظرا لان سرعه التيار تكون صفر تقريبا والبحر في أعلى مد في ذلك التوقيت
فقد توصلت دراسات قياده المجموعة والكتيبه الي ان سرعه التيار في تلك المنطقه الحيويه تصل الي 5 متر في الثانيه معظم اوقات اليوم ، وهي سرعه كبيرة كفيله ببعثرة القوات المكلفه في العبور وعدم تمكينها من الوصول للنقاط المحدده لها علي الشاطئ الاخر .
وتم تحديد نقطه رجوع بديله مقابله للكرنتينه تحسبا لعدم قدرتنا علي العوده الي نفس النقطه ، وان يجرفنا التيار بعيدا ، كذلك كانت نطاقات الاسلاك الشائكه المحيطه بموقع العدو والمباني المهدمة والمواسير وكثير من الخردة والمهملات دافع لنا لكي ننفذ نهارا ايضا لكي نستطيع الرؤية والتعرف على الأهداف والإتجاهات والمرورمن خلال الأسلاك وحقل الألغام، لكن لو نفذنا ليلا كنا سنتعرض لاصلبات نتيجه السلك الشائك ونتيجه عدم قدرتنا علي رؤيه الممرات التي ستفتح في الاسلاك الشائكه .
يوم التنفيذ :10 يوليو 1968
قبل بدء التنفيذ بساعه بدأنا في نفخ القوارب مما سبب صوتا مرتفعا لفت نظر مندوب البوليس الدولي المرابط في مبني خلفنا، وكان اكتشافنا كفيل بإجهاض العمليه ككل وعدم تنفيذها ، لان هذا الجندي سيبلغ قيادته التي ستبلغ القوات الدوليه علي الجانب الاخر مما سينذر القوات الاسرائيليه .
كذلك بدأ تجمع الاهالي بالقرب منا وبدأوا في الهتاف لنا والتكبير، فكان يجب تفريق تلك الاهالي من سكان بورتوفيق بسرعه وهو ما حدث .
واقترحت علي الرائد احمد شوقي ان اقتنص مندوب البوليس الدولي بما لي من قدرات قنص ، لكنه رفض لان ذلك سيسبب مشكله دوليه ويجهض العمليه .
في هذا الوقت كان علاء الحامولي ( مذيع الكره ) ضابط اتصال بين القوات المصريه وقوات البوليس الدولي ، فتحدث الرائد احمد شوقي معه واخبرة بعدم اطمئنانه لهذا الجندي ، وانه قد يكشف العمليه وإقترح عليه أن يأخذ زجاجه ويسكي ويصعد الي هذا المندوب ويدعوه الي النزول الي احد الشقق لشرب تلك الزجاجه الغاليه ، وبالطبع لم نر هذا المندوب مرة اخري اثناء تنفيذ العمليه او بعدها .
وكانت منطقه النزول الي المياه محاطه باسوار من السلك الشبكي لمنع أي شخص من النزول إلى المياه ، وكان يجب ازاله قطاعات من السلك بدون لفت نظر الاسرائيليين ، وعلي مدار اسبوعين قبل التنفيذ قام احد الجنود باستخدام قاطعه ، بقطع نقطه في السلك وتركها بالكاد متماسكه ، وكرر هذا العمل لمده ايام وفي كل يوم يقطع جزء واحد ويتركه متماسك ، لكي لا يلاحظ الجانب الاسرائيلي ان السور قد تم عمل فتحات به مما قد ينبهه بأن هناك عمل هجومي قريب .
وكانت المدفعيه قد بدأت قصفها اليومي من الرابعه الي الخامسه عصرا وبدأنا في التحرك ، وبالفعل بعد نفخ القوارب وحملها توجهنا الي حيث السور وقدمنا بفتح الفتحات المجهزة وبدأنا في النزول في المياه في عدد أربعة عشر قارب بتريتب معين ، طبقا للهدف الابعد فالاقرب ، فالمجموعات التي ستقوم بالعمل علي اجناب الموقع عبرت في البدايه وتلاها المجموعات التي ستقتحم بالمواجهه .
وكنا نعبر تحت خط سير القذائف مباشرة ، وكان قادتنا في مواقعنا يتابعون عبورنا وتطور القتال .
واثناء عبورنا قامت دبابه باعتلاء احد المصاطب ورصدت قارب رؤوف ابو سعده واطلقت عليه قذيفة، ومن لطف الله ان القارب الذي به عشر افراد وبه طوربيد البنجالور والمعبئ بمائتين وخمسون كيلو من المتفجرات لم ينفجر ، فدانه الدبابه 105 ملم مرت من وسط القارب واخترقت قاعه ومرت به دون ان تنفجر محطمه المحرك ، فأصيب الملازم رؤوف ابو سعده بشظيه في وجه واصيب الرقيب عبد الحليم محمد بشظيه في معصم يده ، بينما لم يصب احد اخرا من القارب في حين ان تلك الدانه لو انحرفت مليمتر واحد لكان القارب انفجر بما فيه من متفجرات ورجال وحولهم الي اشلاء ، ولاستكمال التنفيذ اخرج الرجال المجاديف وواصلوا العبور تجديفا
وفور وصولنا بدأنا بالعمل بما تدربنا عليه فقمنا بالتحصن بالساتر للاحتماء من كشفنا بواسطه العدو ، وبدأنا في فتح الثغرات في الاسلاك الشائكه وحقول الالغام بطوربيد البانجلور فقمنا بفتح اثني عشر ممر في الاسلاك الشائكه تسمح بمرور الفرد في امان
وكانت اول المفاجأت التي واجهتنا بعد العبور مفاجأه سعيده ، فجميع حقول الالغام التي وضعها العدو في المواجهه كانت خداعيه وليس بها الغام .
وصعدنا احتللنا الساتر الترابي كما تدربنا تماما ، وفور صعودي الساتر في المكان الذي تدربت عليه ، وجدت امامي دبابه اسرائيليه علي مسافه ثلاثون مترا علي الاقل
فاخذت قاذف ار بي جي من الجندي الذي بجانبي وكان اسمه كرم الله جوده خليفه من كفر الشيخ وضربت الدبابه فأنفجرت علي الفور ، وبدأنا التحرك اسفل الساتر الترابي في نفس الوقت الذي وصلت فيه دبابه من اليسار
كان تشكيلنا
فصيله قطع في الشمال بقياده ملازم اول محمد عبد الحميد عبد ربه س 3
فصيله معتز الشرقاوي س 1
فصيله حامد جلفون س 2
فصيله رؤف ابو سعده س 2
جماعه من ثمانيه افراد بقياده الرقيب أول حسني سلامه
الدبابه القادمه من اليسار من كمين محمد عبد ربه كانت قادمه مصابه لكنها مازالت تتحرك ومدفعها الي الخلف تجاه كمين عبد ربه ، وتوقفت الدبابه ووجهت مدفعها تجاهي للحظات تجمدت فيها اوصالي من المفاجأه فالدبابه لديها رشاش للتعامل مع الافراد ومن غير المنطقي ضرب الافراد بالمدفع الرئيسي بالدبابه ، ثم رفعت المدفع وضربت تجاه رجالي المتمركزين علي الساتر الترابي ، فأصيب منهم عده جنود اصابات بسيطه نتيجه الرمال الملتهبه في الوجه ولم يقتل منهم احد .
وفور اطلاق الدبابه لتلك الطلقه ، فتحت كل الاربيجيهات الموجوده في مداها تلك الدبابه النيران لتدمر الدبابه علي الفور ، ويخرج منها احد الجنود لتنهمر عليه طلقاتنا بقوة وتركيز دفعت جثته بعيدا عن الدبابه من كثرة الطلقات ، تلي ذلك خروج جندي اخر حاول النزول علي الارض ، فركضت تجاه الدبابه وشاهدني رجالي فتوقفوا عن الضرب ، وقبل ان يلمس الجندي الاسرائيلي الارض ، كنت محتضنا اياه ومسيطرا عليه وحملته علي كتفي وهو مستسلم تماما من الصدمه وصعدت الساتر الترابي ثم نزلت مرة اخري تجاه القارب والقيت بهذا الاسير في القارب لفرد المهندسين لكي يحرسه ، وانا اتعجب من القوة التي تملكتني لكي احمل هذا الجندي واصعد به الساتر ثم انزل به بكل خفه وبساطة .
ثم عدت مرة اخري الي رجالي فوق الساتر وبدأنا في اقتحام الموقع ، ولم يكن الموقع قد تم تحصينه كنقطه حصينه بعد ولم يتطور ، في ذلك الوقت كان الجنود الاسرائيلين قد دفنوا احد عربات السكه الحديد وردموا فوقها برمال وقضبان سكه حديد لتكون ملجأ لهم ضد القصف المدفعي المصري ، وكنا نعلم ذلك واعددنا العده لذلك .
فقمنا بوضع عبوات ناسفه عند باب الملجأ ووضعنا فوقها شكائر رمال ودفنا العبوات الناسفه وعددها 5 عبوات زنه الواحده عشرة كيلو جرام ، وكان الهدف هو جعل التفجير يكون تحت الارض لتعظيم قوة الانفجار .
واتخذنا سواتر وقمنا بالتفجير ، مما ادي الي تفجير العربه بالكامل لدرجه اننا لم نستطع ان نستكشف من كان بداخل العربه من قوة التفجير ، لكن طبقا لمصادر الاستطلاع فكان يوجد بالموقع من 25 الي 30 جندي اسرائيلي في ذلك الوقت بخلاف أطقم الدبابات .
في هذا الوقت استطعنا تدمير دبابات العدو الخمس بعد ان ظهرت دبابه اضافيه لم تكن في حساباتنا .
فقام رؤوف ابو سعده بتدمير دبابه ، وحامد جلفون دمر دبابه وعبد ربه دمر دبابه وقمت بتدمير دبابتنين.
ولم يكن هنالك مقاومه بعد ذلك بعد ان سيطرنا تماما علي الموقع ، مما اعطانا حاله من الهدوء النفسي الغريب في ذلك الموقف .
فبدأنا في التمشيه داخل الموقع بينما الدخان الاسود يعلو الموقع جراء انفجار ملجأ الجنود والدبابات الخمس .
واسطعنا جمع ثلاث اعلام للموقع الاسرائيلي احدهم أخذه المساعد حسني سلامه وكان علي صهريج كبير ، ووضع مكانه العلم المصري واحكم ربطه بالاسلاك ، وظل العلم المصري فترة طويلة مكانه وكلما اقتربت قوة اسرائيليه من العلم المصري قامت قواتنا من الناحيه الاخري من القناه بالضرب عليهم مما جعلهم ينسفون الصهريج بالكامل للتخلص من العلم المصري .
وقد عدت ومعي علم الموقع الرئيسي ومازلت احتفظ به حتي الان ذكري الاستيلاء علي تلك النقطه
العوده بفرد زائد
بعد مرور ما يقرب من ساعه من احتلانا الموقع وتأمينه والسيطرة عليه وصلتنا اشاره الانسحاب من قائد السريه وهي (( ستك بتخاف من الجوافه )) وبدأنا العوده في القوارب ، تجاه النقاط المحدده لنا والتي نزلنا منها سابقا مع وجود نقطه احتياطيه بديله عند الكرنتينه .
ووصلت القوارب جميعها وكان اخرهم قارب الملازم رؤوف ابو سعده والذي كان محركه مصابا ، والذي استكمل عبورة ذهابا وعوده بالتجديف بالاضافه الي المجهود البدني في القتال ، وكان اخر من وصل هو الرقيب عبد الحليم والذي حمل القارب خارج الماء ووقع علي الارض مغشيا عليه ، فتم نقله الي البدروم حيث ينتظر الطبيب لاسعاف اي جندي وهرعنا خلفه لنجد الرقيب عبد الحليم وجهه ابيض كلون الشمع وعندما بدأ الطبيب في فتح جسده لم ينزف قطرة دم واحده ، فالرقيب عبد الحليم كان مصابا منذ بدء العبور واستمر في النزيف اثناء التنفيذ والعوده بالتجديف مما جعل كل جسده ينزف كل دمائه ليستشهد وسط رفاقه بعد تنفيذ المهمه بنجاح .
تلي ذلك استشهاد ثلاث جنود اخرين من اصابات اخري بعد ان عادوا بعد اداء المهمه
وفي تقرير العمليات تم ذكر ان القوة التي بدأت كانت من مائه واربعون جنديا عادت مائه وواحد واربعون بعد اسر جندي مدرعات اسرائيلي .
وبدأنا التحرك بالعربات فرادي الي الاتكه ، وتحركت بعدنا دبابات كتيبه المدفعيه ، في ذلك الوقت كان الليل قد حل ، وبدأنا التحرك شمالا تجاه السويس ، وبدأ الطيران الاسرائيلي بالتدخل ردا علي عمليتنا ، محاولا تدمير تلك القوة التي قامت بتلك الاغارة الجريئه في وضح النهار .
وخلال الطريق كان علي يميننا القناه ويسارنا سبخات والطيران الاسرائيلي من فوقنا يلقي المشاعل المضيئه لاضاءه الطريق لكي يتصيد الدبابات .
وسبحان الله علي قدرته ، فقد ظهرت من العدم سحابه سوداء في سماء الطريق ونحن في شهر يوليو منتصف الصيف نادر السحب ، ناهيك عن سحابه سوداء كبيرة قاتمه تستر الطريق فوق قول المدافع ، اصبنا كلنا بالدهشه مما نري امامنا ، فالطيران الاسرائيلي اصابه السعار وبدأت طلقاته وصواريخه وقنابله تطيش علي يمين ويسار الطريق بدون ان تصيب الدبابات المتحركه شمالا تجاه السويس بسبب تلك السحابه التي توقفت فوق الطريق وأبت ان تتحرك الا بعد ان تمر كل المركبات بسلام وتصل الي حي الاربعين داخل السويس ، ثم تحركت السحابه بعد ان وصلت اخر مركبة الي الامان .
ثم تحركنا من ميناء الاتكه الي منطقه بير عديب لكي نكون بعيدا عن رد فعل العدو المتوقع علي قواتنا .
كانت فرحتي الشخصيه مضاعفه بعد تنفيذ العمليه ، فقد نفذنا كل ما خططنا له تماما وبدون خسائر ، وحصلت علي اسير وسلمته لمندوبي مكتب مخابرات السويس .
فكم المجهود الذي قمنا به في التدريب كان اضعاف مضاعفه مما واجاهناه في الحقيقه
فقد كان التنفيذ بسيطا وسلسا جدا عن التدريبات وهو ما زادنا ثقه ، فقد واجهنا معوقات كثيرة لكننا تغلبنا عليها
فتلك المهمه كانت نهاريه اي ان العدو يستطيع بسهوله رصد تحركاتنا والتعامل معنا ، والعمليه تتم بالمواجهه وهي اصعب من عمليات الاقتحام ، كذلك العبور يتم في اعرض اماكن قناه السويس حيث يصل عرض القناه الي 400 متر مع سرعه تيار مياه عاليه جدا ، وعبور بمحركات 14 قارب مطاطي بما لهم من صوت عال جدا .
استقبلنا رجال الكتيبه بالزغاريد وبالبكاء والفرح والغيرة (غيرة وليس حقد) فكل رجل من الكتيبه كان يود ان يكون معنا او مكاننا
قابلني الرائد احمد شوقي بسعاده فوق الوصف واحتضنني بقوة وكانت السعاده تشع من كل كلمه من كلمات صالح فضل وهو يهنئنا ويشد علي يدنا .
لقد كان الله معنا منذ البدايه وكنا نري ذلك بوضوح في القارب الذي لم ينفجر من دانة الدبابه والسحابه التي ظللت تحركنا الي السويس رغم اننا في الصيف ولا وجود للسحاب في سماء السويس ، وكذلك الرجال الذي استشهدوا بعد عودتهم والذين لم يطلبوا العوده لاصاباتهم ، كل ذلك جعلنا ندرك قيمه العمل الذي قمنا به .
ومن اهم نتائج تلك العمليه والتي لمسناها بكل قوة هي ادارك حقيقه ان الجندي الاسرائيلي بدون ساتر او معده تحميه لا يساوي شيئا ويمكن هزيمته بسهوله.
تكريم الرئيس
بعد عودتنا ومن اليوم التالي بدأنا تدريباتنا العاديه كأن شيئا لم يكن ، ومنحنا الرئيس عبد الناصر فورا نوط الشجاعه من الطبقه الاولي للضباط وكل الصف والجنود نفس النوط من الطبقه الثانيه
وطلبنا الرئيس عبد الناصر في منزله ، وفور دخولنا المنزل وجدنا مدير مكتبه محمد احمد يرحب بنا ويشير الي غرف مكتب الرئيس ويخبرنا بأن الرئيس في انتظارنا ، فتحركنا الي تجاه غرف مكتب الرئيس ، فوجدنا سياده الرئيس يقابلنا علي باب مكتبه فاتحه ذراعيه مرحبا بنا قائلا
(( اهلا بالابطال – حمد الله علي السلامه )) واحتضن الرئيس كل منا ، وفور احتضانه كل منا كنا ننخرط في البكاء الشديد ، فكنا نحس بانه الاب الذي يهنئ ابناءه علي نجاحهم في الامتحان الصعب.
ودار بيينا حوار هادئ جميل جدا وكنت احس ان نظرات الرئيس تخترق كل منا لتنفذ من الناحيه الاخري ، فهذه هي كاريزما الرئيس عبد الناصر كما رأيتها بعيني .
وبعد عودتنا من بيت الرئيس توجهنا الي قياده الجيش الثالث حيث اسقبلنا اللواء عثمان قائد الجيش الثالث ، وكانت هناك ما كان يسمي كتائب الطلبه وهي كتائب من الطلبه تقوم بزيارة الجبهه .
وحضر اللواء احمد اسماعيل رئيس الاركان وسلمنا انواط الشجاعه التي منحها لنا الرئيس ، ودعي للحفل اللواء سعد الشاذلي قائد القوات الخاصه والتي تضم قوات الصاعقه والمظلات في ذلك الوقت وحضر معه المقدم نبيل شكري رئيس اركان القوات الخاصه .
ولم تكن قياده وحدات القوات الخاصه علي علم بتلك العمليه ، نظرا لظروف السريه التي فرضها الموقف حيث كنا نتبع الجيش الثالث في ذلك الوقت ولم يكن هناك داع لكي يتم تبليغ قياده القوات الخاصه بتلك العمليه
وبعد سنوات وبعد حرب اكتوبر المجيده اتضح لنا ان كافه العلميات والدوريات التي كانت تشارك فيها قياده وحدات القوات الخاصه تكون خسائرها كبيرة وفادحه ونادرا ما يعود منها الرجال نظرا لوجود المقدم فاروق الفقي كرئيس للفرع الهندسي بالقوات الخاصه وكان جاسوسا للموساد فيما عرف بعد ذلك في فيلم ( الصعود للهاويه ) والذي كان يقوم بتبليغ كافه تفاصيل تلك العلميات الي الموساد قبل تحرك الرجال ، وعندما يعبر الرجال يجدوا الاسرائيليين منتظرينهم في كمين قاتل .....
(اتمنى ان يعجبكم الموضوع وتعرفوا الكثير عن هذا البطل ومجموعته وسوف استكمل بقية الحوار فى حال ان اعجبكم)