حقّقت تونس كسبا دوليا هاما جديدا في قلب القارة الافريقية حيث ما تزال النزاعات العرقيةوالصراعات المسلّحة والمخاطر تتهدد مسارات التنمية والحياة الآمنة، فقد أحرزت البعثة العسكرية في العاصمة الكنغولية كنشاسا حظوة أممية عالية من خلال ما اسند اليها من مهام فائقة الاهمية وذات حساسية بالغة في وضع متميز باستقرار نسبي تلا اتفاقيات الوئام والمصالحة بين الفرقاء في الكونغو التي انطلقت في لوزاكا بزمبيا في 10 جويلية 1999 لتنتهي السنة الحالية بتشكيلة الحكومة الانتقالية التي ستعد الانتخابات العامة المقرّرة في افق 2007.
وكانت البعثة العسكرية التونسية هي اول البعثات العسكرية التي نزلت في العاصمة كنشاسا يوم 19 ماي 2001 لتساهم في مهام حفظ الامن ومراقبة وقف اطلاق النار بين الاطراف المتنازعة ونزع سلاحها ومتابعة الانسحاب المنظّم للقوات الاجنبية من التراب الكونغولي، وهي المهام التي وردت في قرار الأمم المتحدة عدد 1291 بتاريخ 24 فيفري 2000 والهادف الى نشر قوّة اممية تعدادها 5537 عسكريا و500 مراقب وقع تدعيمها لاحقا نظرا للتطورات العسكرية والامنية التي عرفها الوضع في الكونغو عقب اغتيال «كابيلا» في 23 جانفي 2001 وتولي ابنه «جوزاف» مقاليد الحكم لتصل في حدود ديسمبر 2003 الى 13638 فردا قادمين من 53 دولة وفّرت لهم الامم المتحدة ميزانية قدرها 650 مليون دينار.
ثقة وتعزيز
على اثر طلب من الامم المتحدة وافقت تونس يوم 19 ماي 2001 على ارسال وحدة عسكرية قوامها 220 عسكريا انضاف اليهم لاحقا وبتاريخ 5 مارس 2002 35 ملاحظا، ونظرا لما ابدته الكفاءات التونسية من اقتدار وجدية طلبت المنظمة الأممية من تونس تعزيز وجودها في الكونغو بارسال وحدة عسكرية ثانية قوامها 210 فردا وصلت العاصمة كنشاسا يوم 15 أكتوبر 2003 ليرتفع العدد الجملي للعسكريين التونسيين المتواجدين في الكونغو الى 465 فردا.
مهام ومسؤوليات
أسندت القيادة الاممية في الكونغو للعسكريين التونسيين عدة مهام استراتيجية في العاصمة كنشاسا، اذ كُلفت الوحدة العسكرية الاولى التي يرأسها العقيد فتحي الورتاني بحراسة منشآت الامم المتحدة بكنشاسا (مقر القيادة / مقر اللجنة العسكرية / مقر البعثة التونسية / القاعدة اللوجستيكية) بالاضافة الى توفير عنصر طوارئ للتدخل عند الحاجة، في حين اخذت الوحدة العسكرية الثانية والتي يرأسها العقيد صالح ضميّد بتوفير الحماية القريبة لنواب الرئيس في جميع تنقلاتهم ونشطاتهم السياسية في اطار اتفاقية الحكومة الانتقالية التي تولى رئاستها «جوزاف كابيلا» باعانة 4 نواب من الثوار والمعارضة، وتمتد صلة الوحدة التونسية بأهم نائبين للرئيس الكونغولي وهما جون بياريمبا (الحركة الليبرالية الكونغولية MLC) وأزرياس روبروا (التجمع الديمقراطي الكونغولي RCD) لتصل الى توفير عنصر طوارئ بمقراتهما بصفة دائمة (24/24) لضمان امنهما وسلامتهما واجلائهما عند الحاجة، وتكون هذه المهمة مدعومة بفرقة طوارئ بمقر البعثة لتتدخل كلما اقتضى الامر للاسناد.
قيادة القوة الاممية المحايدة لأمن كنشاسا
أقرّت المهمة الأممية بالكونغو (MONUC) بتاريخ 13 أفريل 2003 تكوين القوة المحايدة لتأمين عمل واجتماعات لجنة المتابعة في كنشاسا وتطوّرت المهمة في 13 ماي لتواكب تطوّرات الوضع وذلك في اطار السعي لتوفير ممهدات النجاح للمشاورات التي شرع في اجرائها ممثلو الاطراف الكونغولية المتنازعة من اجل تحقيق الوئام الوطني وتدرّجت مهنة هذه الوحدة في الختام لتسند لها مهمة الحماية ومحيط عمل ملائم لفائدة الحكومة الانتقالية بداية من 2 جويلية الفارط.
وتتركّب الوحدة الأممية المحايدة من ممثلين لاكثر من 13 دولة مساهمة في المهمة الاممية في الكونغو ويشرف على ادارتها التونسي العقيد علي خير الدين الذي يحظى باحترام كل رفاقه من الضباط والعسكريين بالاضافة الى المكانة المتميزة التي يلقاها من ممثلي الامم المتحدة والحكومة الكنغولية وسائر الفصائل المتنازعة وقد ساهمت الكفاءة العسكرية التونسية في تجاوز عدّة عراقيل وصعوبات في سبيل توفير الحماية وجو من الطمأنينة لدى الحكومة الانتقالية في كنشاسا الى ان يقع تسليم العهدة الى الشرطة الكنغولية.
وقد عاينت «الشروق» من خلال مرافقتها لبعثة الاتصال والتفقد التي تحوّلت في الفترة من 15 الى 18 نوفمبر الحالي الى العاصمة كنشاسا حجم ما تحققه المدرسة العسكرية والامنية التونسية من نجاحات ومكاسب من خلال المهام الحساسة الموكلة لها وعبر ما توصلت إليه من تذليل يومي ودائم لعدة صعوبات ما تزال تعترض تجسيد الاستقرار النهائي في بلد افريقي عانى طويلا من الفقر والخصاصة والحرمان والجهل وزادت في عذاباته أتون الحروب والصراعات العرقية والقبلية التي ما تزال تدك جهات عديدة منه مخلفة المزيد من الدمار. http://www.turess.com/alchourouk/2653