[size=29]“كفنوني بعلم مصر ، وسلموا أبنتي ( منى ) المصحف والسبحة "
تلك هى وصية العقيد / إبراهيم عبد التواب التى القاها على جنوده لحظة أن وطئت قدماه أرض موقعة ( كبريت ) في التاسع من أكتوبر 1973.ولدالعقيد / إبراهيم عبد التواب بمحافظة أسيوط في العاشر من مايو 1937
وكانوالده متدينا محبوبا من أهل قريته ، التحق إبراهيم بالمدرسة
الثانويةبالمنيا .. وتعلم منذ الصغر كيف يعتمد على نفسه ، وما أن أنهى
سنواتهاالثلاث حتى أسرع بتقديم أوراقه للكلية الحربية وكانت سعادته لا
توصف عندقبوله بها فأجتهد حتى تخرج عام 1956.
كان الشهيد رحمه الله مثالاً في الأخلاق والشهامة والتسامح والتواضع
الشديد ، فكان يقرأ القرآن كثيرًا ويواظب على مواعيد الصلاة ثم يتبعها
بالتسابيح والدعاء لله سبحانه وتعالى، لذا فلم يكن المصحف والسبحة يفارقان
جيبه أبدًا ، حتى أشتهر بين جنوده بلقب " الشيخ " .
تدرج البطل / إبراهيم عبد التواب عقب تخرجه في مناصب القيادة المختلفة حتى
تولى رئاسة أركان إحدى مجموعات الصاعقة ، ثمأصبح قائدًا لإحدى كتائب لواء
تابع للقوات الخاصة في حرب أكتوبر .
تولى العقيد / إبراهيم عبد التواب بنفسه تشكيل كتيبة وأستكمالها من أفراد
ومعدات ، فحرص على حصول ضباطه على الفرق التعليمية التى تؤهلهم للمناصب
التى يشغلها كلٌ منهم ، وكان يقوم بنفسه بإعداد طوابير التدريب
التكتيكيلوحدته حتى يطمئن إلى أن كل فرد قادر على تنفيذ المهام التي يُكلف
بها في كفاءة تامة .
كانت مهمة كتيبة البطل خلال حرب أكتوبر المجيدة ، هى
إقتحام البحيرات المرة الصغرى تحت تغطية من نيران المدفعية والقصف
الجوىللطائرات المصرية ، ثم التحرك شرقــًا على طريق( الطاسة ) ثم طريق ( الممرات ) لتهاجم وتستولى على المدخل الغربي لممر متلا .
وبالفعل في الموعد المحدد ومع صيحات الله أكبر التى أنطلقت من حناجر رجال
القواتالمسلحة تبث الرعب في قلوب الإعداء ، أنطلقت كتيبة البطل لتقتحم
البحيرات المرة الصغرى بنجاح تام وفي فترة زمنية صغيرة للغاية ، بفضل
التوجيهالمميز للقائد الشهيد / إبراهيم عبد التواب ، حتى وصلت الكتيبة إلى
البرالشرقى للبحيرات وبدأت تنفيذ الشق الثاني من المهمة وهو السيطرة على
ممر ( متلا ) ، ورغم العقبات التى واجهت كتيبة البطل وشراسة العدو
المصاببالذهول ، إلا أن أيمان الرجال بنصر الله ورغبتهم في إستعادة كرامة
الوطن حولتهم إلى أسود مرعبة فرت من أمامها مدرعات العدو ودباباته .
أستمرت مهمة البطل / إبراهيم عبد التواب ورجاله في تلك
المنطقة وكبدوا العدو الإسرائيلي خسائر هائلة في الأرواح والمعدات ، حتى
التاسع من أكتوبر 1973 .. حيث صدرت الأوامر بمهاجمة النقطة الحصينة شرق (
كبريت ) والإستيلاء عليها .في سعت 630 يوم التاسع من أكتوبر 1973 تحركت كتيبة البطل / إبراهيم عبد
التواب نحو نقطة ( كبريت ) الحصينة ، حيث أعتمدت خطة الشهيدعلى أستغلال
نيران المدفعية والدبابات لإقتحام النقطة الحصينة من أتجاهىالشرق و الجنوب
بقوة سرية مشاة ، في نفس الوقت الذى تقوم باقى وحداتالكتيبة بعملية عزل
وحصار من جميع الجهات لمنع تدخل أحتياطي العدو الإسرائيلي .
ورغم قصف طيران العدو ، وأشتباك وحداته المدرعة في قتالضار مع كتيبة البطل
على بعد حوالى 3كم من النقطة الحصينة ، إلا أن عزم القائد البطل ورجاله
كان أقوى من أى عقبات ، وسرعان ما أنهارت قوات العدووأنسحبت مذعورة خلف
التباب القريبة ، وأنطلق خلفها رجال الكتيبة الأبطالونجحوا في تدمير
الدبابات عن آخرها ونجحت خطة أقتحام النقطة الحصينة وتمتطهيرها وتفتيش
جميع الدشم والملاجىء ، وأرتفع علم مصر خفاقا عاليا فوقهذا الموقع وتعالت
صيحات الله أكبر .
وللإهمية البالغة لهذا الموقع، حيث كان مقرًا لإحدى
قيادات العدو الإسرائيلي الفرعية وملتقى الطرقالعرضية شرق القناة ، ويمكن
من خلاله السيطرة على كافة التحركات شرق وغربمنطقة ( كبريت ) ، بالإضافة
إلى أنه يعتبر نقطة الأتصال بين الجيشين الثاني والثالث المصريينلهذا الأسباب فقد كان تخلى العدوالإسرائيلي عن هذا الموقع شىء صعب للغاية
إن لم يكن مستحيلاً ، لذا فقدبدأت قوات العدو في محاولات مستميتة ومتكررة
لإستعادة السيطرة على الموقع، حتى أن الهجمات الجوية كانت تستمر لساعات
متواصلة وبقنابل بلغ وزنهاالألف رطل ، بالإضافة إلى هجمات الدبابات
والمشاة .
ورغم كل هذا لم تسفر محاولات العدو عن أى تقدم ، وظل الموقع صامدًا بفضل
القيادة الحكيمة من البطل / إبراهيم عبد التواب ، وبراعة جنود مصر
الأوفياء .
ونتيجة للفشل الذى مُنيت به هجمات العدو المتوالية ، لم يكن أمام قادة
إسرائيلإلا فرض الحصار حول الموقع على أمل عزل الكتيبة المصرية عن الجيش
المصرىومنع الإمداد عنها ، ولقد أستمر هذا الحصار مدة 134 يوما ، نُسجت
خلالهاملحمة نادرة غير مسبوقة من الصمود والتماسك بين أفراد الكتيبة
المصريةبقيادة الشهيد البطل / إبراهيم عبد التواب .
منذ اليوم الأول للحصار جلس العقيد / إبراهيم عبد
التواب وحوله رجاله _ ضباطــــًا وجنود _ يوضح موقف الكتيبة والإجراءات
الواجب أتباعها ، وتعاهد الرجال أنه لاتفريطفي الموقع حتى آخر طلقة وآخر
نفس يتردد في الصدور .
لقد كان البطل / إبراهيم عبد التواب قدوة في تحمل آثار الحصار لكل الجنود
، فقد كان أقلرجاله أستهلاكــــًا للمياه والطعام بل أنه في بعض الإحيان
كان يتنازل عنالتعيين الخاص به لمن يرى عدم قدرته على تحمل حالة التقشف
التى أتبعتهاالكتيبة منذ اليوم الأول للحصار وأنقطاع الإمداد من الجيش
المصرى .
ورغم حالة الإعياء التى بدأت تظهر آثارها واضحة على البطل الشهيد ، بسبب
قلةالطعام ، والمجهود الرهيب الذى يبذله ، فقد حرص العقيد / إبراهيم
عبدالتواب على أن يُصلى برجاله كل الفرائض في مواعيدها ، كان يخطب أيام
الجمعيبث الحماس والأمل في نفوس رجاله ، ويبشرهم بنصر الله القريب أو
الفوزبالشهادة .
في الرابع عشر من يناير 1973 وبينما كان البطل يواجه إحدى غارات العدو ، سقطت دانة غادرة إلى جواره فأستشهد رحمه الله بين رجاله .كان لوفاة البطل / إبراهيم عبد التواب أكبر الآثر في نفوس رجاله حيث
أزدادعزمهم على عدم التفريط في الموقع أبدًا ، رغم العروض المغرية التى
كانيلقيها العدو كل لحظة تارة بضمان سلامتهم ، وتارة بضمان عودتهم
بإسلحتهم ،ولكن الرجال أصروا على القتال والمقاومة ، حتى تم إتخاذ قرار
الفصل بينالقوات ، وأنسحبت قوات العدو .