في 9 تموز/يوليو خاطب رضا كهليلي منتدى سياسي خاص على مأدبة غداء استضافها معهد واشنطن. والسيد كهليلي هو مؤلف [كتاب] "حان وقت الخيانة: الحياة المزدوجة المدهشة لعميل «وكالة الإستخبارات المركزية» داخل «الحرس الثوري الإيراني»" وهو عبارة عن مذكرات تصف مهمته كجاسوس لصالح «وكالة الإستخبارات المركزية» الأمريكية. وقد قدمه ديفيد بي. كريست زميل زائر في معهد واشنطن الذي هو في إجازة من وزارة الدفاع الأمريكية حيث يعمل كمؤرخ أقدم لرئيس هيئة الأركان المشتركة. وفيما يلي ملخص المقرِّر لملاحظات ديفيد بي. كريست و "قصة" رضا كهليلي".
ديفيد بي. كريست
رغم أن إيران كانت دولة ذات أهمية استراتيجية كبيرة أيام "الثورة الإسلامية" إلا أنه كان لدى الولايات المتحدة القليل من مصادر المعلومات عما كان يحدث هناك، خاصة بعد أن تم الإستيلاء على السفارة الأمريكية [في طهران عام 1979] وانتهاء العلاقات الرسمية. ووفقاً لذلك، أصبحت إيران في وقت مبكر من أولويات مدير «وكالة الإستخبارات المركزية» السابق ويليام كيسي في الثمانينات من القرن الماضي. وأصبحت المعلومات المقدمة من قبل المطلعين داخل إيران مثل رضا كهليلي ذات أهمية حاسمة في هذا الصدد.
وثمة حكاية تشرح بصورة ملائمة الدور الرئيسي الذي لعبه كهليلي؛ فالأوراق الشخصية لوزير الدفاع الأمريكي السابق كاسبر واينبرجر تشمل شرحاً لنقاش أجراه «مجلس الأمن القومي» الأمريكي حول خطة إيران للإستيلاء على [محافظة] البصرة في العراق. وفي كتابه وصف كهليلي كيف أنه أخبر العميل الذي كان يتعامل معه في «وكالة الإستخبارات المركزية» بأن يُبلغ الحكومة الأمريكية حول الهجوم الذي تخطط له طهران. وتوضح أوراق واينبرجر بأن تقرير كهليلي كان هو العامل الرئيسي في النقاشات الأمريكية التي جرت حول ما إذا كان [من الأنسب] الميل إلى جانب صدام حسين في الحرب التي جرت بين العراق وإيران. أما إذا كانت تلك السياسة [خطوة] ذكية أم لا فذلك موضوع آخر، فالنقطة هنا هي أن واشنطن كانت في وقت مبكر [من تلك الحرب] على اطلاع تام بالخطط الإيرانية بفضل جهود كهليلي.
"قصة" رضا كهليلي
بعد إتمام دراساته الجامعية وحصوله على شهادة الماجستير في الولايات المتحدة، عاد كهليلي إلى إيران عام 1979 يحذوه أمل بأن تجلب الثورة الإسلامية ديمقراطية وحرية حقيقية لبلاده. ومع ذلك، فإن ما وجده كان أقل بكثير من توقعاته. فقد كان الشاه -- قبل ذلك -- قد وفر مستوى عال من المعيشة للشعب الإيراني وخلق بيئة إقليمية سلمية، مقارنة بالذين جاؤوا إلى الحكم بعده -- وإن كان ذلك كان على حساب فرض قيود صارمة على حرية التعبير والمشاركة السياسية. وفي ذلك الحين، كان لكهليلي صديق طفولة كان قد انضم إلى «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الذي جنده [بدوره] إلى «الحرس الثوري» لأن خبرته كانت مطلوبة بشدة. ولم تكن العملية معقدة كما لم تتطلب الكثير من التدقيق باستثناء قيام صديقه بتكفله. كما لم يتلق كهليلي الكثير من التدريب، لأن «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» لم يكن في سنواته الأولى مؤسسة نظامية إلى درجة كبيرة.
ومما أثار دهشة كهليلي أنه حالما تم تثبيته في «الحرس الثوري»، وجد أن عناصر متطرفة كانت قد سيطرت على الثورة. وبسبب منصبه، أصبح على دراية بانتهاكات حقوق الإنسان المنهجية والمروعة التي كان يرتكبها النظام مثل اغتصاب المراهقين وإعدامهم. وقد تطورت الجمهورية الإسلامية بعد ذلك بفترة قصيرة إلى دولة فاشية حيث بدأت أقلية متطرفة تحكم أغلبية معتدلة.
ومع رؤية هذا الإتجاه مباشرة ونقص الخيار السياسي للعمل من أجل التغيير، قرر كهليلي مساعدة دولته بالقيام بالتجسس لصالح «وكالة الإستخبارات المركزية» الأمريكية. وبعد ذلك عاد إلى الولايات المتحدة بحجة رعاية خالته المريضة، واتصل بـ «مكتب التحقيقات الفيدرالي» الذي سلمه بدوره إلى «وكالة الإستخبارات المركزية» التي كان موظفوها بمنتهى الحرفية وعلى إطلاع جيد [بمجرى الأمور في إيران]. وقد طلبوا منه العودة إلى إيران للعمل كجاسوس رغم أنهم قالوا [أيضاً] بإنه حر في البقاء في الولايات المتحدة إذا رغب بذلك. وتطوع كهليلي لمساعدة «الوكالة» آملاً أن تؤدي المعلومات التي سيقدمها إلى مساعدة الولايات المتحدة على إحداث تغيير في بلاده.
وعندما عاد كهليلي إلى إيران سأله صديقه في «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» إذا كان قد انضم إلى «وكالة الإستخبارات المركزية» الأمريكية، فأجاب كهليلي مازحاً بأنهم قد استضافوه على مأدبة عشاء في البيت الأبيض. ولو كان أحد أعضاء «فيلق الحرس الثوري» قد قام بالتتبع والتحقق فيما إذا كان لكهليلي فعلاً خالة مريضة أم لا، لكان قد تم كشفه بسهولة.
وخلال عملية تجنيد كهليلي وتدريبه في «وكالة الإستخبارات المركزية»، أصبح يدرك تماماً بأن السلطات الأمريكية كانت تتميز بقلة فهمها [للأوضاع في] إيران. ومنذ ذلك الحين، أصبح ملتزماً بمساعدة واشنطن على جمع صورة أكثر دقة عن السياسات الإيرانية الداخلية. وهكذا، قام بتقديم العديد من التقارير والإستيقاظ مبكراً لإعدادها قبل الذهاب إلى وظيفته في «فيلق الحرس الثوري». وقد كان مندهشاً -- وقلقاً نوعا ما على سلامته -- عندما علم من البيانات الإخبارية التي تصدرها الحكومة الأمريكية بأن تقاريره تؤخذ محمل الجد.
ووفقاً لكهليلي كان «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» -- وهو يَفترِض أنه ما يزال -- مؤلفاً من ثلاثة أنماط من الأشخاص: أفراد عاديون، الكثيرون منهم ذوو حظ قليل من التعليم والمعتقدات الدينية المعتدلة، وإنتهازيون يخدمون مصالحهم الذاتية، ومتطرفون محافظون متأثرون بأفكار إسلامية ذات توسعية دينية متطرفة. ومع ذلك، وبالرغم من الدوافع والمعتقدات المختلفة، يشارك معظم أعضاء «فيلق الحرس الثوري» في مواقف معينة تشمل الإيمان العميق بالإسلام الأصولي والإقتناع بأن إسرائيل عدوة لدينهم. وقد قامت وحدة استخبارات «فيلق الحرس الثوري» بتجنيد [نشطاء] من معتنقي الفكر المتشدد الموالين للنظام في الداخل، ومن الذين اعتُبرت أسرهم من بين أشد العائلات المؤيدة للنظام.
وعندما قام بتقييم الآراء الدينية لأعضاء «فيلق الحرس الثوري»، ذكر كهليلي أن أغلبية «الحرس» الذين تعامل معهم اعتقدوا بأن الإسلام هو الذي سيحكم العالم في نهاية المطاف. ولم تكن هناك سوى أقلية كان يدفعها -- أو شعرت بـ -- الولاء الشديد لقادة «فيلق الحرس الثوري». وعلى الرغم من عدائهم لإسرائيل، أعرب العديد [من أعضاء «الحرس»] عن رغبتهم في العيش في الولايات المتحدة -- وهذا يعني أنهم كانوا يرون إسرائيل وأمريكا في أضواء مختلفة تماماً.
وأما بالنسبة لفوائد الخدمة في «فيلق الحرس الثوري»، ذكر كهليلي أنه أثناء فترة عمله معهم كان الأعضاء يتلقون رواتب منخفضة ويعيشون بصورة متواضعة، رغم أنه يعتقد أن هذا قد تغير لأن «الحرس» قد انتقل إلى أنشطة إقتصادية. وخلال مدة خدمته رأى أن «فيلق الحرس الثوري» كان يستفيد من جميع المؤسسات الخاضعة لسيطرة النظام؛ فعلى سبيل المثال، كان يتم اعتبار أعضاء «الحرس» في الخارج مسؤولين من قبل وزارة الخارجية، و«الخطوط البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية»، والكثير من المؤسسات الحكومية الأخرى أو تلك التابعة للحكومة.
وعلى الرغم من أن كهليلي كان غادر إيران منذ أكثر من عشرين عاماً، ما تزال لديه آراء قوية حول الدولة وعلاقاتها مع الولايات المتحدة. فهو يتمنى أن تتم الإطاحة بالنظام، ويقول أيضاً بأن العامل المؤثر لتحقيق ذلك هو إضعاف «فيلق الحرس الثوري» وتعطيل قدرته. ومن أجل تحقيق ذلك الهدف، سيدعم قيام هجوم عسكري خارجي ضد «الحرس»، إذا ما لزم الأمر. كما أنه مقتنع بأن «فيلق الحرس الثوري» يواصل ممارسة أنشطة شنيعة في مختلف أنحاء العالم، ويعمل بطريقة أو بأخرى مع تنظيم «القاعدة» والمنظمات الإرهابية الأخرى.
ورغم تشكك كهليلي حول ما إذا كانت سنوات خدمته كجاسوس قد ساعدت على تحقيق هدفه بقيام إيران حرة أم لا، إلا إنه يستمر في تزويد «وكالة الإستخبارات المركزية» بمعلومات قيمة محتملة من خلال اتصالاته مع «فيلق الحرس الثوري»، وهو يتكلم جهاراً من أجل الحرية والديمقراطية في إيران، ويدرك تماماً بأن الكثيرين من الذين يعيشون هناك غير قادرين على التحدث بصورة علنية.