أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
موضوع: الأطلسي آلة الحرب الغربية لاستعادة المشرق؟ الإثنين 7 أبريل 2008 - 17:57
الأطلسي آلة الحرب الغربية لاستعادة المشرق؟ مطاع صفدي
07/04/2008
عادةً تُقاس النهضة بإنجازاتها في حقول العمرانين الإنساني والمادي. لكن النهضة العربية، في حقبتها الثانية المعاصرة، إنما تُقاس بالنكبات التي حلَّت في برامجها، بل بإيقاع الحروب التي مزقت أوصالها، وأجهضت وعودها المستقبلية من مرحلة إلي أخري. بل يمكن القول أنه ليس ثمة نهضة معاصرة ابتُليت بعدو رهيب ملازم لها كظلها، مثل الحرب، وبأشكالها المختلفة، سواء منها الإقليمية مع الخصم الرئيسي، الدولة العبرية في غزوتها المستمرة، أو الأهلية، بتنوعاتها الكثيرة كالانقلابات العسكرية، أو الثورات الآنية، أو الاقتتالات الطائفية والعرقية. وأخيراً جاءت حروب الغزوة الاستعمارية الجديدة المتمثلة مباشرة بقائدتها الأمريكية. لكن هذه الغزوة الأخطر والأشمل تريد أن تكون عالمية الطابع ضد الإرهاب الدولي. إنها تحشد الغرب بجناحيه الأمريكي والأوروبي ضد القارة العربية الإسلامية. فقد تسنّي لها اختراع (العدو) الجديد الإسلامي، بعد زوال العدو الشيوعي. مع التنبه إلي الفارق بين بنية العدوَّيْن، فالأول الشيوعي هو من طبيعة أيديولوجية خالصة، بينما (العدو) الثاني هو مجموعة شعوب وأمم وحضارات. فقد يمكن الإطاحة بالإيديولوجيا، لكن هل يمكن إبادة أو محو قارة من خارطة المعمورة. ذلك سؤال ينبغي أن يطرحه مثقفو الغرب الأوروبي خاصة عشية انعقاد مجلس الحلف الأطلسي تحت القيادة البوشية. فإن هذا الحلف الذي كان من المفترض أن ينقضي بانقضاء الحرب الباردة التي دفعت إلي إنشائه، وكانت له مبادراته في تشكيل الجبهة المضادة للحلف السوفييتي مع دول شرقي أوروبا. أما اليوم فالأطلسي لا يزول، بل يقوي ويتمدد حتي يستوعب أوروبا كلها ما عدا روسيا التي من الطبيعي أن تري فيه عدوها القديم الجديد، الهادف علي الأقل إلي عزلها أكثر فأكثر عن أقرب مجالاتها الحيوية. في حين لا يكفّ بوش عن محاولة إقناع غريمه / صديقه بوتين بأن الأطلسي يستهدف المشرق هذه المرة، بحجة التسلح النووي الإيراني وصواريخه البعيدة المدي، البالغة العمق الأوروبي. كأنما علي الروسيا (المسيحية) أن تنضم إلي صليبية الأطلسي لمقاومة الزحف الإسلامي الجنوبي. إنها خارطة جيوسياسية مصطنعة وكاذبة تفرضها الإمبراطورية الأمريكية العاجزة عن إخضاع هذا الشرق أو الجنوب لوحدها. ويلجأ إليها العقل البوشي تعويضاً عن هزيمة مشروعه الشرق أوسطي من مدخله العراق ولبنان معاً. هذه الهزيمة الاستراتيجية الكبري أمست تهدد مناعة النفوذ الدولي التقليدي لأمريكا، ما بعد ضياع الوهم الإمبراطوري المطلق الذي دأبت البوشية علي التبشير به، منذ الانخراط الهستيري في تنفيذ بداياته من صميم الوطن العربي؛ إنه التقهقر الاستراتيجي كذلك البائس من مستوي ثقافة الإمبراطورية إلي مجرد البحث عن الدفاتر العتيقة للعلاقات الدولية العائدة إلي عصر آخر من متحفيات التاريخ الدبلوماسي والدفاعي. ومع ذلك يحدد بوش مهمات قتالية عاجلة للأطلسي، بالحض علي مضاعفة جهوده العسكرية في أفغانستان. وربما في إشراكه كذلك في الحروب المعدّة أمريكياً إسرائيلياً ضد دول الممانعة العربية والإسلامية في المشرق. إذ يدرك قادة هذه الدول أن الهزيمة العسكرية السياسية المزدوجة لكل من أمريكا في العراق، وإسرائيل في حرب تموز ضد لبنان، لن تبقي طويلاً بدون ثأر أكبر، تحشد فيه البوشية الآفلة ما وسعها من قوي الأصدقاء والحلفاء. والأطلسي سيكون لها بمثابة المدد اللوجستي والجيوسياسي والعسكري، لاستعادة سيطرة الغرب التاريخية علي كامل المشرق وعمقه الإسلامي، تحت دعوي محاربة الإرهاب. لكن السؤال هنا: إلي أي مدي ستقتنع أوروبا، كاتحاد مدني اقتصادي حتي الآن، بأسطورة العودة إلي زمن الحروب الدينية. فهل يحتاج هذا الاتحاد الفريد من نوعه، إلي عسكرة علاقاته الطبيعية مع معظم شعوب المنطقة هذه، المحققة للمزيد من مصالحه الحيوية والثقافية. ما يجعل حتي أرباب العقيدة الساركوزية في الجانحة إلي التأمرك في قمتها الرئاسية، والمبشرة بالعودة إلي الجناح الدفاعي في الأطلسي، يجعل هؤلاء يترددون في المثابرة علي تحريفهم للنهج الديغولي القائم أساساً، وانطلاقاً من صميم عصر الحرب الباردة، علي رفض التبعية العمياء لإمبريالية ما وراء الأطلسي. فلقد أثمر النهج الاستقلالي لفرنسا في إكساب حلم الوحدة الأوروبية حقيقة واقعة. لم يحافظ علي تراث الجمهورية الفرنسية فحسب، بل ارتفع بها إلي سوية إيديولوجيا التنوير الناظمة لمسيرة الإتحاد والمميزة لشخصيته المدنية التي يفاخر بها العالم أجمع. ويكاد يطرحها كنقيض مستقبلي حاسم لتاريخ العنف البشري، كما لا يزال يأمل بها بعض مثقفيه ورواد فلسفته هذه لدي طلائع المعمورة كبديل نموذجي عن العولمة المتوحشة. والنهضة العربية المبتلية بإيقاع الحروب علي أنواعها تواجه من جديد ذروة هذا الإيقاع، فيما يشبه المنازلة النهائية مع أوحش مخططيه، من كبار أعمدة المال الفلكي. المتحكمين دائماً برأس المؤسسة السلطوية في واشنطن، والملسوعين بهزائم المشروع الإمبراطوري العسكرية، والمعانين أخيراً لبوادر الانهيار الاقتصادي الأعظم لهذا العصر، المنذر بإفلاس العقل الرأسمالي من آخر حيله وأساطير خداعه لذاته أولاً، بالسلطة الأبدية الأقوي من كل أزماتها، والمحتكرة لقيادة العالم. يكفي للرد علي باطل الأباطيل هذا أن نستمع إلي ما يقوله أحدث استفتاء للرأي العام الأمريكي، إذ يكشف أكثر من ثمانين في المئة عن تشاؤمهم الصريح من مستقبل أمريكا. وهو الاستفتاء الأول من نوعه علي الأقل منذ انتهاء الحرب الباردة. ولكن ما يبعث علي قلق المراقبين للتحولات الكونية الراهنة هو شعورهم أنه بقدر ما تطبق أشباح النهاية التراجيدية علي أحلام أمريكا في الهيمنة الكلية، بقدر ما تتعاظم لديها ردات الفعل الجنونية استباقاً منها للمصير المحتوم. وقد تقدم نشاطات البوشية الآفلة ما بين الشرق الأوسط وأوروبا، أمثلة صارخة عن تحول السياسة الخارجية إلي خبطات عشوائية، لن يكون العنف الهمجي الذي ألفته دائماً، بعيداً عنها في أشهرها الأخيرة هذه. إسرائيل تنفذ هذه الأيام أكبر وأشمل مناورة لجيشها ومجتمعها وكيانها كله، لم يسبق لتاريخ حروبها الفعلية أن شهدت مثيلاً لها. إنها المناورة التي تعلن جاهزية الحرب المطلقة مدنياً وعسكرياً مع وقف التنفيذ العاجل. وبذلك تؤكد الدولة العبرية أن مرحلة اللاحرب واللاسلم المنقضية منذ عدوان تموز 2006 لم تكن سوي هدنة مؤقتة بين عدوانين، وقع الأول وكان إخفاقاً ذليلاً لكينونتها وليس لجيشها فحسب، والعدوان الثاني أمسي في طور الإعداد الموشك علي تحديد ساعة الصفر. لكن لن تكون إسرائيل لوحدها عسكرياً ومعها أمريكا سياسياً ولوجسيتا كما في الجولة التموزية السابقة. فالبوشية تحلم بزج الحلف الأطلسي هذه المرة في معركة مصير الشرق الأوسط كلياً؛ كما نجحت خلال مؤتمر الناتو الأخير في زيادة دعمه العسكري لمواصلة الصراع العبثي مع طالبان في أفغانستان، وإن ضمن حدود نسبية ورمزية، فإنها تتطلع إلي إخراج أوروبا من حقبة سلامها المتصالح مع نفسها ومع العالم، وزجها معها كلياً فيما تعتبره صراع الغرب الأقصي من أجل استعادة الشرق، بدءاً من الإجهاز الشامل علي الاستقلال العربي والإسلامي، وإرجاع دول هذه القارة المتمردة إلي نموذج إدارات محلية تحت الوصاية الأجنبية. العقل الأمريكي يشتغل في هذا المنعطف المصيري لإمبراطوريته، علي إعداد الاستراتيجيات الشمولية البديلة. لن تكون أهداف الصراع المستقبلي مع امبراطوريات الشرق القديم المنبعثة مجدداً، كالصين والهند وكيانات آسيا الجنوبية الغربية، قابلة لوضعها موضع التحقيق النظري منذ الحاضر إلا عبر مخطط الاستعادة الكاملة لسلطة الغرب المباشرة علي القارة العربية الإسلامية. بالمقابل ينبغي فهم المعارضة الناعمة لروسيا بوتين في مواجهة الإصرار البوشي علي تمدد الأطلسي نحو المجاورة المباشرة لحدود الروسيا، علي أنها مداخل دبلوماسية، أقل برودة من الحرب الباردة، بيد أنها تنذر بالانفجار الاستراتيجي الأعظم للانقسام الكوني المحتم، فيما لو لم تنجح أمريكا في تحرير ذاتها من كوابيس الأمبطرة المطلقة. فقد تجد روسيا بوتين نفسها المعنية الأولي بهواجس هذا المستقبل وخياراته الحدية المخيفة. وهي تقف في خطوط الدفاع الأولي ضد الهجمة الغربية شمالاً نحو حدودها. وفي الوقت عينه لا يمكن التسرع في إطلاق حكم سطحي حول حقيقة التوجه الأوروبي. فأصحاب مشروع الاتحاد لن يفرطوا مجدداً بأعلي ثمرات مدنيتهم المتجلية مركزياً في عقيدة أن العنف يمكن التغلب عليه بغير أسلحته عينها. ما يعني عملياً أن المشروع الأوروبي لم يبرز أصلاً إلا كبديل في الجنس وليس في النوع فقط، عن المشروع الأمريكي الذي لم يكن سوي امتداد لأوروبا القديمة التي يشكل (الاتحاد) رهانه الكينوني علي أساس إمكانية تجاوزها لثقافة العنف من صلب حضارتها. إن نظرة معمقة قليلاً إلي المخفي من جدليات الأطلسي في مؤتمره الأخير، تبيَن إلي حد ما كيف أن قُطْبَي الجدل الحقيقي لم يكونا الأطلسي الأمريكي من جهة والروسي (القيصري) من جهة أخري، بقدر ما هو القطب الاتحادي الأوروبي ضداً علي محاولة الأمريكي لاستيعابه وأمركته سياسياً واستراتيجياً. وبالتالي القضاء علي خصوصيته السلمية، وإقحامه في مصير العسكرة الإمبراطورية. هذا بالرغم من جنوح الساركوزية الحاكمة في فرنسا، كما الاشتراكية اليمينية المستشارة ميركل في ألمانية، نحو السكسونية، فإنهما معاً قاوما ابتلاع الأطلسي لكل من أوكرانيا وجيورجيا، وفرضا علي بوش تأجيل انضمامهما إلي الناتو سنة أخري، دون أن ننسي المعارضة الشعبية الصارمة في هاتين الدولتين لمحاولة اختطافهما من قبل البوشية الفاشلة هنا أيضاً. نعود إلي إيقاع الحرب الدائمة في المشرق العربي، وتزايد الدلالات المادية كل ساعة علي تجمع أسبابها المباشرة العائدة أولاً إلي عجز الشريكين العبري والبوشي عن هضم هزائمهما المشتركة العسكرية والسياسية ما بين مناحي المشرق، من العراق إلي لبنان وفلسطين. وصولاً إلي الحالة البائسة الراهنة التي يعانيها النظام السياسي الحاكم في معظم أقطار المنطقة، وتقهقره المتواصل في شتي مناحي المشاركة الديمقراطية مع شعوبه، وتقاعسه المخجل عن إيجاد أية حلول قومية لمشكلات قطرية مستعصية، من نوع الأزمة اللبنانية المستفحلة. فالانقسام العربي الرسمي ضاعف من حدة الأزمة بدلاً من المساهمة في فض عقدتها الرئيسية المتعلقة أصلاً بفرض وصاية أمريكية سعودية علي الاستقلال اللبناني. مما يحتَم علي قواه الوطنية الاستنجاد مرة أخري بدعم الجار العربي الأقرب سورية. وهكذا تعود الأمور إلي حقبة الخامس والسبعين من القرن الماضي، حيثما اندلعت أشرس حرب أهلية، لحسابات عربية ودولية، وآخرها لبنانية بائسة في كل الأحوال. ثم تستعد إسرائيل لمباشرة تدخلها الخاص علي طريقتها البربرية المعتادة، وربما لن تأتي أمريكا معها هذه المرة، إلا وفي رفقتها الأطلسي الجديد؟