ماذا يحصل في الكويت... ولماذا الكويت الآن؟!
د. أبا الحكم
· جربت طهران تفكيك المنطقة عسكرياً قي صعده.. ففشلت.
· تجرب طهران الآن..خلق الفوضى في الكويت طائفياً تمهيداً لمخطط الدمج.
· الوضع يكاد أم يكون ناضجاً لطهران في البحرين.. وعسيراً في السعودية.
· المخطط الصفوي.. يقوم على التفكيك الإقليمي طائفياً.. وإعادة تشكيل منطقة الخليج العربي، ككتل ديمغرافيا طائفية!!
1- طهران تعمل، منذ زمن بعيد، في بناء المكونات الفارسية في منطقة الخليج العربي، لتخدم مصالحها الإستراتيجية عندما يحين الوقت المناسب لإشعال الفتيل الطائفي.. وكان العراق ومنذ ستينيات القرن المنصرم يحذر دول الخليج من مغبة الصمت على المخاطر التي تنطوي عليها هجرة الوافدين من الشرق ومنهم على وجه الخصوص، الإيرانيون الذين يأتون للعمل (فقراء) ومنهم من كان يأتي إلى الكويت على ظهر قارب من صفيح تساعده خلايا نائمة منتشرة في دكاكين البقالة والحسينيات وغيرها.
وحين يحذر أياً منا شخصية كويتية أو أي من شيوخ السلطة والتجارة، تكون إجاباتهم (لا يبه، هذوله فٌقَرَه ما يكدرون على شيء، ثم أنهم عماله رخيصة، فالمصري والسوري والعراقي، يطلبون يٌبَه أضعاف أجورهم ورواتبهم، ثم أنهم لا يجلبون معهم أيديولوجية البعث والأفكار الماركسية، ونَحنْ نكدر نسفرهم متى نشاء)!!.. هكذا كان الرد الرسمي والشخصي لشيوخ السلطة والتجارة، وليس عموم الناس.
ولكن الأمر ليس كذلك.. الآن السؤال المطروح بإلحاح : كيف وصلت عناصر فارسية إلى تشكيلات الجيش والأمن والشرطة الكويتية؟ وكيف تغلغلت وصعدت إلى مراكز حساسة في قيادات هذه التشكيلات؟ ومن سهل لها الصعود إلى تلك المراكز؟
يتزوج الفرس المقيمون في الكويت من عربيات ومنهن كويتيات، وبصورة شرعية، وينجبوا، ويدخلوا أطفالهم المدارس ويكبروا ويحصلوا على شهادات تؤهلهم أن يتبوأ بعضهم مراكز حساسة، تقع نصب اهتمام السفارة الإيرانية الرامي إلى احتضان هذه العناصر ما دامت هي من أصول فارسية، وطالما أن هذه العناصر لديها الاستعداد الكامل للتعاون والتعامل بحكم الانتماء الفارسي.. بعض الكويتيين في الإقامة يسهلون دخول وخروج وهروب العناصر الفارسية من وإلى الكويت، إما بدواعي (الرس الدساس) كما يقولون، أو بدواعي المال أو بدواعي الوجاهة أو الوساطة.. والنتيجة التي وصلت إليها الكويت هي حافة صراع قد يكون أكثر شراسة مما هو عليه في البحرين.. لأن عناصر الطائفية الفارسية والعناصر التي تساندها متغلغلة في نسيج التشكيلات الإدارية والأمنية والعسكرية والجمعيات والديوانيات.. ومن يتفحص حملات الانتخابية النيابية التي جرت يتأكد أن هناك مناطق مقفلة لمرشحي مجلس الأمة من الفرس الصفويين، ويمكن معرفة المرشح من اسمه.. والسفارة الإيرانية تعير اهتماماً كبيراً لفوز هذا وذاك من أجل ضمان تمرير القرارات وتثبيت التحفظات وخلق الفوضى!!
كنا نقول للقادة الكويتيين، في بداية الثمانينيات، ومنهم رئيس الوزراء الحالي.. انتبهوا لقوارب الصفيح التي تتسلل خلسة تحت جنح الظلام عبر الساحل لتصل السالمية.. واحذروا من الذين يسكنون الدكاكين ويتناوبون الإشراف عليها تحت رعاية السفارة الإيرانية في الكويت.. تلك الدكاكين المنتشرة في كل شارع ومدينة.. وتفحصوا أوراق من يريد أن يتسلق، وضعوا الرجل المناسب في المكان المناسب حتى يتمكن من سد الثغرات وتفويت الفرص على المتسللين الفرس إلى مواقع القرار، مهما يكن سياسياً أم اقتصادياً أم ثقافياً أم أمنياً!! وكان الشيخ الجليل أبو مجبل رئيس بيت التمويل الكويتي يشهد على ذلك إن كان على قيد الحياة أطال الله في عمره... وكان حديثنا معهم كمن يحرث في البحر!!
الحكام الكويتيون، كما أشرنا في مقال سابق، خائفون مذعورون من تدفق الطائفية التوسعية الصفوية الفارسية عليهم من إيران، بعد أن سهلوا للأمريكان دخول دباباتهم وجيوشهم وسلاحهم لاحتلال العراق وتدمير من يحميهم.. وساهموا في تهديم السد الذي كان يحميهم.. وساهموا في تدفق الوباء الطائفي الأصفر على مجتمعهم.. وساهموا في إشاعة انعدام الأمن الاجتماعي في الكويت وفي المنطقة!!
بماذا يفكر الحكام الكويتيون؟ هل في حماية الأمريكان لهم ولنظامهم؟.. الأمريكان لا يحمون غير مصالحهم، والكلام المعسول الذي يسمعونه من الأمريكان والبريطانيين ليس للتنفيذ إنما للمجاملة، لأن مصالح الأمريكان والبريطانيين فوق مصالح الشعب العربي الكويتي. هذا الواقع جعل الحكام الكويتيون يعيشون في مأزق مزدوج خلقوه لأنفسهم : مأزق الداخل الذي تستشري فيه النار الطائفية والخرق الأمني ومصدره إيران.. ومأزق التهديد الخارجي الإيراني، الذي يمهد لجعل الكويت محمية إيرانية تابعة لدويلة قد تظهر في جنوب العراق، تدمج مع البحرين والجزء الشرقي من السعودية!!
أقول.. الحكام الكويتيون مذعورون من التهديد الإيراني – وأود أن أذكرهم بمقولة ذكرها (هاشمي رفسنجاني)، بعد أن احتل الإيرانيون منطقة (الفاو)، يقول في إشارة إلى اقتراب إيران من الكويت بما معناه (ها نحن قد أصبحنا لا نحتاج إلى كبير عناء غير بضع دقائق لنصل إلى الكويت)!!
الحكام الكويتيون خائفون حتى من ممارسة حقهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم ومصالح شعبهم والدفاع عن ثوابت مجتمعهم، بدعوى العقلانية والتعقل، فيما الأمن الداخلي مخترق والتجاوز على القيم السماوية والوضعية ماثل أمام الجميع، والخطر محدق ويتربص بكل بيت كويتي.. فهم خائفون من الصواريخ الإيرانية إذا ما اندلعت الحرب في المنطقة، وهم يحاولون استرضاء ممثلو إيران في مجلس الأمة الكويتي بطريقة المداهنة على حساب الأمن الداخلي والثوابت الوطنية والإسلامية، ويسايرون الإيرانيين بالقول، إننا لا نسمح لأي كان أن يجعل من أراضي الكويت منطلقاً للعدوان على إيران، اعتقاداً منهم بأن إيران ستتعامل معهم على أساس مبدأ المعاملة بالمثل.. ولكن الإيرانيين لهم سياساتهم حيال المنطقة، ولهم مخططاتهم التي قسمها مؤتمر (قم) نحو خمسين سنة تتوزع على خمسة عقود يتم فيها تنفيذ هذه المخططات على مراحل، كما هو حال المخطط الصهيوني المعد من النيل إلى الفرات.. الأمريكان يدركون ذلك ويعلمون، ولكنهم صامتون لأن النظام الإيراني يعمل من أجل مصالحهم غير المشروعة في بناء (الشرق الأوسط الجديد)، تتفكك فيه الكتل الكبيرة وتدمج فيه الكيانات المجهرية، ويتم تشكيل المنطقة على وفق الرؤية الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية المشتركة!!
2- في هذه الظروف التي يعيش فيها العرب أحلك تاريخهم، والمسلمون يعانون من أشرس هجمة عرفها التاريخ.. في هذا التوقيت، وتبعاً لسلسلة من الإساءات المقصودة للرموز الإسلامية المبجلة، يظهر أحد عملاء إيران، وهو من أصل فارسي، بلباس طائفي مكشوف، بعد أن درب في مدينة قم الإيرانية، ومحكوم عليه رسمياً في الكويت، ويهرب من سجنه بمعاونة بعض المتنفذين في أجهزة الشرطة والأمن والقضاء ومن أعلى المراجع، إلى لندن ليفتي هناك، كما فعل سلمان رشدي من قبل في العاصمة البريطانية، وفي فتواه هذه يمكن حصر مغزاها بالآتي:
أ- يستهدف هدم الدين الإسلامي الحنيف بمعول التكفير الطائفي، وعلى أساس التدرج.. فالغرب أساء للرسول الكريم بالصور، والإيرانيون يسيئون من خلال تلك الفتوى إلى الرسول الكريم بعرضه أم المؤمنين عائشة (رض).. والمقصود هنا الرسول الكريم محمد بن عبد الله (ص).
ب- إن الأسلوب الذي يتبعه الغرب في الإساءة إلى الدين الإسلامي الحنيف ورموزه الكرام، بات الأسلوب نفسه الذي يتبعه الفرس الصفويون في الإساءة إلى الدين الإسلامي الحنيف ورموزه العظام، الأمر الذي يجعل من دعاوى إيران بأنها مدافعة عن الإسلام كذب ومحض هراء!!
ت- إن الأسلوب الذي يعمل عليه الغرب هو (خلق الفوضى) والاضطراب السياسي والاجتماعي والمذهبي، ليتمكن من ثم الوصول إلى إضعاف مكونات المجتمع العربي الإسلامي الوطنية، الأمر الذي يسهل له التخلص من موقف وطني موحد حيال مشاريعه وسياساته القائمة على التوسع والنهب والاغتصاب.
ث- إن الغرب قد أعلن هجومه على العرب والإسلام وخلف هذا الهجوم الصهيونية العالمية.. والإيرانيون قد أعلنوا حربهم على رموز العرب والمسلمين أيضاً دون الحاجة إلى (التقية)، لأن الصراع بات مكشوفاً ولا يحتاج إلى تحفظات أو خشية.. وبهذا يتساوى الغربيون والإيرانيون في الهجوم على الإسلام ورموزه في آن واحد.
ج- الغرب يعلن مباشرة حربه على الإرهاب، والمقصود هنا هذين العقدين ومنذ الحادي عشر من سبتمبر2001، خلق معادل الصراع الإستراتيجي وهو الإسلام، بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، بغض النظر عن المسميات التكتيكية المرسومة ومعاني التفريق بين (إسلام متطرف) و (إسلام معتدل)، أنهم يعملون على تهديم الإسلام بالتصدي لرموزه وجوهر عقيدته.. والإيرانيون كانوا يعلنون حربهم الخفية على الإسلام، ويستخدمون أدوات نخره من الداخل بوسائل (البدع) و (خلق القصص والروايات غير الصحيحة) و (إدخال نصوص مشبوهة ومردودة أصلاً،على الدين الإسلامي الحنيف) و (وإدعاء مقولات وأحاديث لم تكن حقيقية ولا منطقية)، والعمل المتواصل على تشويه الوجه الطاهر لآل البيت الكرام وأصحاب الرسول العظيم.. وتلك حقائق يؤكدها التاريخ، وهم في مسلكهم المشبوه هذا يبدون (احتكارهم) حب أل البيت وكأنهم من آل البيت والعرب ليسوا من صلب آل البيت.. كل ذلك كان يحصل بصورة غير مباشرة، بيد أن الظرف الراهن يكشف الصيغة الفارسية الصفوية في شن الحرب على الإسلام بطريقة التعرض لرموزه، وهو الإظهار مباشرة في حرب مفتوحة!!
الأمر الذي يفصح عن بروز ملامح مرحلة جديدة لصراع سيتسع في صيغ مختلفة، يقع في مقدمتها تصدير الأزمة الإيرانية الاقتصادية والاجتماعية والنووية إلى الخارج بدوافع تحمل وجهين، تخفيف الضغط الخارجي، وربما إعادة ترتيب فتح جبهة أو أكثر قد ترتقي إلى مستوى الحوثيين في (صعده) في جنوب لبنان لأي ذريعة كانت، لغرض خلق ورقة ضاغطة لمصلحة إيرانية.
إيران ضعيفة من الداخل بسبب :
1- نسبة التضخم الاقتصادي الذي بلغ أكثر من 30%.. فقد كان الدولار يساوي عام 1979 (70) تومان إيراني، أصبح الآن يعادل أكثر من (10000) تومان.
2- الأسعار ازدادت في إيران نحو (300) مرة عن السابق.
3- عدم قدرة الحكومة الإيرانية على دفع رواتب الموظفين وأجور العمال.
4- تسريح عدد كبير من العمال والموظفين من الشركات والمؤسسات الإيرانية.
5- تصاعد سعر البنزين إلى (800) تومان للتر الواحد، بالرغم من أن إيران دولة نفطية.
6- ارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 12.5%.
7- تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن البطالة بلغت بين الشباب أكثر من (3) ملايين عاطل عن العمل.
8- الإنفاق العسكري الإيراني بات على حساب الإنفاق الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي خلق ومنذ أكثر من عشر سنوات (فجوة) يصعب ردمها بسهولة إلا إذا تخلت إيران عن برنامج تسلحها التقليدي والنووي.
9- الشرخ ما يزال قائماً في المؤسستين الدينية والسياسية الإيرانية بشأن موضوع (تصدير الثورة) وموضوع (النووي) وموضوع (سياسة حافة الهاوية) التي يتبعها النظام الفارسي بشخص ولي الفقيه.
هذا الواقع الإيراني المزري يجعل من صانع القرار مدعاة للسخرية في مسألة تصدير (العمائم الفارسية الصفوية) إلى غيرها من الدول المنطقة بهدف زعزعة أمنها واستقرارها، وتحقيق مكاسب من جهة، وصرف الانتباه عن الواقع المزري الإيراني، وإبعاد الضغط الدولي، الذي لا يريد من إيران سوى التوقف عن الاستمرار في برنامجيها التسليحي (التقليدي الذي يستفز المنطقة دون مبرر) و (النووي الذي يثير فزع دول المنطقة كما هو حال السلاح النووي الإسرائيلي) و (الكف عن تصدير تلك العمائم السياسية، البيضاء والسوداء، بدعاوى مظلله)، من أجل تهديد أمن واستقرار المنطقة والعالم.
والأمر الملفت.. إن النظام الفارسي الصفوي في طهران إذا استمر في أسلوب التهديد والتوسع، فأن سلوكه السياسي الخارجي سيواجه بمختلف أوجه التعامل ومنها العمل العسكري(المحدود).. هذا ما يقوله الغرب.. ولكن الحقيقة : هي أن الأمريكان وأتباعهم من الصهاينة يحبذون أداة الطائفية الإيراني لتحقيق مخططاتهم في إعادة تشكيل المنطقة من جديد على أساس خارطة(الشرق الأوسط الجديد).. والإيرانيون لا مانع لديهم في هذا الأمر ما دامت أهدافهم وأدواتهم فاعلة في هذه الساحة أو تلك.. فلا اعتراض أمريكي أو بريطاني أو إسرائيلي على استخدام هذه الأداة الخطيرة التي ترمي إلى تقويض أسس الإسلام وتدمير العرب الذين يحملون لواء الإسلام عبر قرون وإلى يوم الدين.
نعود إلى مسألة الكويت وأزمتها الراهنة.. الشعب الكويتي العربي المسلم متقدم في الوطنية على حكامه، ومنتفض من أجل إحقاق الحق وصون العرض والشرف الذي مس رموز الإسلام والمسلمين والعرب، وأخل بأمن البلاد والعباد على السواء.. الحكام الكويتيون لا تهمهم القيم ولا المبادئ الوضعية والدينية، إنما تهمهم مصالحهم فقط وهم يتربعون على كراسيهم في قصر" دسمان "، يجاملون إيران الصفوية، والأخيرة تهينهم وتتعالى عليهم.. يتذرعون بالعقلانية السياسية، والتهديد المباشر يأتيهم من السفير الإيراني المعتمد في العاصمة الكويتية.. يرسلون مبعوثين ولا يصلهم أحد، لأنهم في نظر طهران مجرد أقزام خانعين ورعاة غنم.. والمشكلة أن هؤلاء الحكام صامتين، لا أحد منهم ينتفض لكرامته وعرضه ودينه ومبادئ سيادة الوطن!!
قد يقول أحد منهم : أن الكويت دولة صغيرة وضعيفة وعليها أن تتبع سياسة مرنة وسلسة وعقلانية مع جيرانها الكبار الأقوياء.. ولكن هل أتبع الحكام الكويتيون سياسة مرنة وسلسة مع العراق، وهل أتبعوا الحكمة والعقلانية مع العراق، الذي دافع عن الكويت وشعبه وعرضه ومصالحه؟! هل فكر الحكام الكويتيون بعقلانية السياسة حين مهدوا للجيوش الأمريكية والبريطانية وغيرها على أراضيهم قبل الاحتلال، وفتحوا الحدود والمعابر لاجتياح العراق وتدميره وتمزيق شعبه، والعراق يشكل الدعامة الأساسية لتوازن القوى في المنطقة عبر الأزمان؟!
الإشكالية يا شعب الكويت العربي المسلم تكمن في حكامكم.. والله على ما أقوله شهيد!!