نهاية قرنق بين نظريتي الاغتيال والقضاء والقدر باسم الجمل: ما أن يعلن نبأ مقتل جون قرنق حتى يثور السودانيون الجنوبيون منهم خاصة تدفعهم الشكوك المترسبة نحو الحكومة بأنها هي التي تقف وراء عملية الاغتيال. كان ذلك أكثر من تعبير عن حالة غضب. كان تعبيراً عن حالة فقدان الأمل الذي كان قرنق يمثله للملايين من أبناء السودان عرباً وأفارقة، شماليين وجنوبيين، أغنياء وفقراء. وكان عكساً للحالة التي توقعها البعض لما بعد مقتل قرنق توترات وانقسامات وتفتيت لوحدة السودان والعودة بالبلد إلى مربع الحروب الوطنية الداخلية الأول. وفوق ذلك كان خروج الناس إلى الشوارع حرقاً وضرباً تعبيراً عن هول الصدمة التي لم يصدقها الكثيرون. فقدان الطائرة يربك حسابات الجميع. ففي صبيحة اليوم التالي تدعو الحركة الشعبية ممثليها في الخرطوم لاجتماع طارئ بنيوسايت والحكومة الأوغندية تعترف أن الطائرة فقدت منذ مساء السبت.
ادوارد لينو (رئيس الاستخبارات السابق للحركة الشعبية): مجموعة من الضباط وعساكر الجيش الشعبي هم اللي وجدوا حطام الطائرة قريباً من نيوسايت.
باسم الجمل: وعلى التو يقر الرئيس السوداني عمر بشير خطاباً لفّه الحزن، نعى نائبه وأكد مقتله في حادث تحطم الطائرة مع تأكيده على مسيرة السلام والشراكة مع الحركة الشعبية التي اعتقد البعض أن موت قرنق ربما يضعها في مهب ريح دعوات الانفصال والحروب الداخلية ثانية. أما الرئيس الأوغندي موسيفيني فقد أصدر بياناً نعى فيه الدكتور جون قرنق وخصص نصفه تقريباً لامتداح طائرته الرئاسية التي أقلت الفقيد كما قيل وكان كما يقول البعض كمن يرد التهمة عن طائرته التي قيل إنها التي تحطمت. ويسارع موسيفيني إلى الوصول إلى جنوب السودان لتقديم التعازي ويشارك في دفن جثمان صديقه. كما في استقباله لما دخل الخرطوم رجل سلام ودّعه السودانيون بطلاً راح لأجل أحلامهم ومستقبلهم. ووري جثمانه الثرى وسط الدموع، دموع الفقراء من ناسه الذين رأوا فيه المخلص لهم من كابوس الحروب ونير الفقر والقهر.
بعد أن ذهبت سكرة موت قرنق جاءت فكرة التحقيق في مقتله. فهل هو نتيجة الأجواء أم نتيجة تدبير من الأعداء؟ وهنا تباشر الحكومة السودانية بتشكيل لجنة تحقيق في مقتل الرجل الثاني في الدولة والكشف عن ملابسات سقوط طائرته. كثرت السيناريوهات فيمن يقف وراء مقتل قرنق.
بكري مدني (صحافي متخصص بشؤون الحركة الشعبية): أول من أطلق اتهام هو الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني والذي أشار أن الطائرة ربما تكون قد تعرضت لعمل عدواني وكان الرئيس موسيفيني أول من وصل إلى موقع الحدث بعد فريق الاستطلاع والبحث الأميركي الذي وصل إلى المنطقة من قاعدة في جيبوتي بعد إذن السلطات السودانية.
باكانك أمون (الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان): لا أعتقد أن هناك جهات خارجية ذات مصلحة في مقتل وتغييب الدكتور جون، لا أعتقد. نعم يوجد قوى في داخل السودان كانت خائفة من التغيير وغير قابلة للتغيير هي عندها المصلحة.
باسم الجمل: لكن نتائج لجنة التحقيق الحكومية خرجت بنتيجة تقول إن تضافر الأحوال الجوية وأخطاء قائد الطائرة هي التي كانت وراء سقوطها ومقتل قرنق.
السفير سراج الدين حامد (عضو لجنة التحقيق الوطنية): كانت محصلة التقرير النهائي هو أن هذا الحادث.. هو أنه حادث أولاً. وأنه يرجع إلى عدة أسباب تضافرت منها الأحوال الجوية السيئة ومنها خطأ الطيار، ومنها كذلك عدم الإعداد المسبق الجيد لهذه الرحلة. أخطأ الطيار في أنه قاد الطائرة من مطار عنتيبي حتى وصلت إلى منطقة جبال زوليا حيث وقع الحادث دون أن يستخدم المعدات الملاحية المتطورة التي كانت على متن الطائرة، يعني كان يستخدم ما يسمى بالفيجوال فلايت رولز بالعين المجردة، الشيء الآخر لم يكن هناك إعداد مسبق للرحلة، يعني معروف إذا أنت أردت أن تقود طائرة من منطقة عنتيبي إلى نيوسايت سوف تدرس التضاريس الموجودة، في طريق.. في خط مستقيم من عنتيبي إلى نيوسايت توجد سلسلة جبال جوليا أو زوليا وارتفاعها 6 آلاف قدم. هذا الطيار يعني عندما أقلع بالطائرة من مطار عنتيبي أقلع على ارتفاع 1500 قدم، ولو كانت قد وضعت خطة للطيران بالطرق السليمة أو الصحيحة لما طار على هذا الارتفاع، وبالتالي يعني عندما وصل إلى منطقة جبال زوليا كانت هنالك سحب كثيفة جداً. تقارير الشهود الذين استمعنا إليهم في منطقة نيوسايت فيما بعد أفادوا أنهم في ذلك الوقت كانت قد هطلت أمطار في منطقة نيوسايت وكان الجو ملبد بالغيوم، هؤلاء هم الجنود التابعين للحركة الشعبية الذين أدلوا بإفادات يعني سجلتها اللجنة.
باسم الجمل: لكن نظرية تضافر الأحوال الجوية وأخطاء الطيار لم تلقى التصديق العميق في أوساط الكثير من أعضاء الحركة الشعبية على وجه الخصوص وبين السودانيين عموماً.
ادوارد لينو (رئيس الاستخبارات السابق للحركة الشعبية): كل المؤشرات تقول قضاء وقدر.
- معظم قيادات الحركة الشعبية ومعظم قيادات الجنوب ترجح فرضية اغتيال الدكتور جون قرنق.
- جاءت نتائج التحقيق حول حادث فقدنا فيه زعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق، جاءت نتائج التحقيق بالطرح طارحة أسئلة أكثر مما أن تجاوب عليها.
باسم الجمل: هذه الشكوك عبرت عنها السيدة ربيكا زوجة قرنق بوضوح سافر عندما أعلنت أن زوجها قد قتل غيلة وليس قضاء وقدراً كما قيل. رغم أنها كانت قد صرحت في السابق أن الأمر لم يتعدَّ القضاء والقدر.
السيدة ربيكا جاندينغ (أرملة جون قرنق): لماذا أعتقد أنه قد اغتيل؟ لست لوحدي من يعتقد ذلك. الجميع في السودان يعلم ذلك. ولكن كان قراراً سياسياً بأن لا أصرح قبل. الآن إنه قراري الشخصي أنا أقول بأن الحادث كان اغتيالاً. أنا أقول هذا. لا أوجه أصابع الاتهام لأي جهة. ولكن هذا شعوري ولي الحق بالشعور بما شئت لأنه إذا تابعت تفاصيل الحادث فهو ليس بحادث عادي ونتيجة التقرير التقني تقول بأنه كان خطأ الطيار. هذه ليست الرحلة الأولى التي يطير فيها هذا الطيار بالهليكوبتر، وعلى نفس المسار، إنه كان قائداً للطائرة معي أنا وعلى نفس مسار الرحلة من قبل، ولم يحدث أي شيء من هذه الأخطاء أبداً.
باسم الجمل: شكوك ربيكا هذه بل اتهاماتها تجد لها أصداء بين الكثيرين من السودانيين.
العميد حسن بيومي (ضابط سابق في الاستخبارات السودانية): كل الملابسات تؤكد أنه هو ما مات موتاً طبيعياً. هذا الرجل بهذا الحجم بهذا الزخم الشعبي ما مفروض ما خلاص دوره انتهى، دوره هنا انتهى في اتفاقية نيفاشا، لازم يمشي، شفتها؟ لازم لازم ما عايزين تتكرر، وبعدين في يدهم كل شيء، متحكمين في كل شيء، يعني متحكمين.. مش أوغندا؟ متحكمين في أوغندا ورئيس أوغندا، متحكمين في أي حتة.
باسم الجمل: تأكيداً لهذه الشكوك فإن الطائرة التي قيل إنها رئاسية يكشف التحقيق أنها لم تكن طائرة موسيفيي الرئاسية، وإنما إحدى طائرات الجيش الأوغندي، وفق ما جاء به إيليو يانغ وزير الدولة بالداخلية وعضو لجنة التحقيق، والذي انسحب منها بعد ثلاثة أشهر من تشكيلها، وأن رقم المحرك والأجهزة الملاحية تختلف أرقامها أيضاً عن الطائرة الرئاسية، وذلك بعد العودة إلى سجلات الشركة الروسية المصنعة للطائرة.
البروفسور حسن مكي (خبير في الشؤون الإستراتيجية): يعني دعنا من نظرية المؤامرة بتفصيلاتها، لأني لا أملك أي معلومات عن ذلك. أنا أتكلم عن التحليل، ارتاحت جهات كثيرة جداً بل النخبة الجنوبية الموجودة الآن رغم دموع التماسيح الموجودة، هي ارتاحت إلى أن جون قرنق بعد عن المسرح، يعني بعض الناس يعتقد أن الذين ارتاحوا، ارتاحت مثلاً قوى النخب الإنقاذية الحاكمة، هذا قد يكون أيضاً حدث، لكن من منظورين مختلفين. النخب الإنقاذية الحاكمة شعرت بالراحة لأن منافساً خطيراً قد اختفى من الساحة، كان سيعقّد الحسابات السياسية بالنسبة لها، بل أنه كان سيضعها على حافة الهاوية. ولكن بالنسبة للنخب الجنوبية التي كانت ما تريده هو جنوب مستقل، وهي متعاونة مع قوة أخرى متنفّذة تريد البترول وتريد الجغرافيا السياسية، وتنظر للمشروع الجنوبي كجزء من مشروع أفريقيا الشرقية ومنطقة ارتكاز للنفوذ الغربي بما فيه إسرائيل فإن هذه أيضاً رأت أن جون قرنق يجب أن يذهب، وأعتقد سواء هي التي يعني قامت بتنفيذ ذلك أو لم تقم بتنفيذ ذلك بالنسبة لها كان حتى لو لم يذهب في ذلك اليوم كان ينبغي أن يذهب في يوم آخر، لأنه هو أصبح عبئاً، وأصبح مهدِّداً وليس رصيداً.
باسم الجمل: رحل الرجل بصورة لم تفك لجان التحقيق ألغازها بعد. رحل وترك وراءه أحلاماً لم تحقق ومستقبلاً لم يرسم بعد.
في آخر حديث له اتهم وزير الدولة بالداخلية السودانية السابق اليو ايانغ اليو الجيش الأوغندي بالوقوف وراء اغتيال الدكتور جون قرنق. وقال: إن وزير الدفاع الأوغندي اماما بابازي يعلم من يقف وراء الاغتيال لكن الوزير والمتحدث باسم الجيش الأوغندي رفضا التعليق على هذا الاتهام.