القوات الجوية الإيرانية.. كفاح غير تقليدي
شهدت الآونة
الأخيرة تصاعدا ملحوظا في قدرات إيران الجوية والفضائية بشكل لافت، لكن لا يزال
لديها إشكاليات طويلة المدى بصدد أسطولها الجوي "المتهالك"
العتيق، سواء على المستوى العسكري أو المدني.
ومن أهم الأحداث اللافتة حول
هذه الظاهرة يمكن ذكر ما يلي:
1 - إطلاق أول قمر صناعي
إيراني.
2 - إعلان روسيا بيع 29
صاروخا أرض-جو (قصير المدى)، طراز
Tor-MI،
بتكلفة 700 مليون دولار، إلى إيران.
3 - سقوط طائرة نقل إيرانية C-130 في وسط
مدينة طهران، بعد اصطدامها بعمارة سكنية.
انقسام القوات الجوية
الإيرانية
تنقسم القوات الجوية
الإيرانية فيما بين "القوات الجوية الإيرانية للجمهورية الإسلامية" IRIAF من
جهة و"القوات الجوية للحرس الثوري الإسلامي" IRGCAF من جهة أخرى.
وتتميز الأولى بكونها أكثر
قدرة واتساعا، ويتلخص دورها الأساسي في الدفاع عن إيران وحمايتها من الأعداء
الخارجيين، وقد يشتمل ذلك "الدور الدفاعي" على مهام هجومية طويلة المدى.
وفي سبيل تطبيق ذلك الدور على أرض الواقع، قامت "القوات الجوية الإيرانية
للجمهورية الإسلامية" بتجهيز وإدارة وتشغيل الأسلحة الجوية الآتية:
1 - حوالي 220 طائرة مقاتلة
ومستعدة للحرب، من شتى الأنواع والأصناف:Tomcats, Phantoms, Tigers, Mirage .
2 - حوالي 15 طائرة
استطلاعية واستكشافية .
3 - 100 طائرة للتدريب [Simorghs, Bonanza/Parastoons].
4 - حوالي 45 طائرة نقل
وتموين [Boeing, Hercules,
Fokker, Friendships].
5 - حوالي 35 طائرة
هليوكوبتر للبحث والإنقاذ.
6 - 4 طائرات Orions مراقبة
للخليجين العربي والعُماني.
7 - وحدة مجهزة بصاروخ أرض
-أرض (صاروخ "زلزال")، على مدى 300 كيلومتر تقريبا.
أما دور "القوات الجوية
للحرس الثوري الإسلامي"، فيتلخص أساسا في توفير الدعم الجوي السريع، وفي رفع
الكفاءات والقدرات "الجوية" لدى الحرس الثوري الإسلامي. ويتكون العمود
الفقري لهذه القوات أولا من 10 طائرات مهاجمة [Su-25 Frogfoot]، من بينها 7 طائرات تم نقلها من العراق إلى إيران في أثناء حرب
الخليج الثانية (1991)، وتم الحفاظ على إمكاناتها بمساعدة تقنيين جورجيين، وثانيا
من حوالي 40 طائرة [EMB-312
Tucanos ] للدعم الجوي السريع. هذا بالإضافة إلى 30
طائرة للنقل، والطائرات الاستكشافية التي صُنعت داخليا -دون طيار -مثل
"أبابيل" و"مهاجر".
وتدير "القوات الجوية
للحرس الثوري الإسلامي" قوة جوية هائلة:
1 - قوة كبيرة من النقل
الجوي مُجهزة بحوالي 27 طائرة نقل، من بينها 15 طائرة عراقية سابقة.
2 - عدة مئات من الصواريخ
الباليستية، قصيرة ومتوسطة المدى، تتضمن صاروخ "شهاب -3/3 ب" الذي يبلغ
مداه إلى نحو 2000 كيلو مترا، وهو ما يمثل الرادع الإستراتيجي الأساسي للجمهورية
الإيرانية، ولذا، فإنه من المتوقع أن تصير "القوات الجوية للحرس الثوري
الإسلامي" هي المسيطرة والمهيمنة على السلاح النووي الإيراني إذا ما تم
إنتاجه وإخراجه إلى النور.
تنافس مؤسسي بين القوتين
الجويتين
وقد أدى التنافس بين القوتين
الجويتين -في أثناء المراحل الأولى للحرب الإيرانية العراقية- إلى عرقلة التعاون
المثمر والفعال بينهما. بل ظل ذلك التنافس السلبي قائما إلى ما بعد الحرب، حينما أفصح
الحرس الثوري الإسلامي عن رغبته في العمل باستقلالية، مما تطلب تنظيم قواته البرية
والبحرية والجوية في شكل القوات العسكرية النظامية. وكانت نتيجة ذلك، قيام
"آية الله الخميني" في عام 1986 بإصدار أمر، مطالبا فيه بإيجاد ثلاثة
أفرع منفصلة للحرس الثوري الإسلامي، تضم قوة جوية. إلا أن التنظيم الجديد لم يلق
استحسانا من قبل "الفقهاء"، نظرا لافتقاده للخبراء التقنيين، مما جعل
"الفقهاء" يصدرون أمرا مضادا بنقل الطائرة المقاتلة "الأولى" [Chinese Chengdu F-7s] من "القوات الجوية للحرس الثوري الإسلامي" إلى
"القوات الجوية الإيرانية للجمهورية الإسلامية"، الأمر الذي أوصل درجة
الاشتعال بين المؤسستين الجويتين إلى ذروتها. ومنذ ذلك الحين، لم يُسمع ولم يُعرف
عن المؤسستين أي نشاط تعاوني فيما بينهما، سواء في شكل تدريبات أو ممارسات عسكرية
مشتركة، ومن ثم، فإن إمكانية عملهما سويا - في وقت اندلاع الأزمات - يظل أمرا
مشوبا بالتكهنات والتساؤلات.
وعلى الرغم من الوضع الحالي
"للقوات الجوية للحرس الثوري الإسلامي" -باعتبارها أقل درجة من
"القوات الجوية الإيرانية للجمهورية الإسلامية"- فإنه بإمكان الأولى أخذ
محل الثانية، وذلك نتيجة لتميز الأولى بعدة مواصفات قد لا تتواجد في الثانية.
فـ"القوات الجوية للحرس الثوري الإسلامي" تتميز بتمويلاتها الضخمة
السخية، وبتشغيلها لأفضل الخريجين ذوي الدرجات العلمية في المجالات التقنية،
وأخيرا بتأثيرها المتصاعد على السياسيين المرتبطين بالحرس الثوري الإسلامي، مثل
الرئيس الحالي "محمود أحمدي نجاد". وعلى الوجه المناقض، نجد "القوات
الجوية الإيرانية للجمهورية الإسلامية" تعاني من افتقاد عدد كبير من الخبراء التقنيين
بسبب وصولهم إلى سن المعاش، الأمر الذي دفعها إلى "لم" جميع تقنييها
المتواجدين و"صبهم" في "قوات المهام المركزية". ولا يُنسى -في
ذلك الخصوص -أن نذكر فشل "القوات الجوية الإيرانية للجمهورية
الإسلامية"، إبان الثورة الإسلامية، حينما أخفقت في إيجاد بنية تحتية تدريبية
لإخراج جيل جديد من المتخصصين التقنيين، وهي مشكلة لم يتم تداركها إلا بإيجاد
جامعة "ساتاري الجوية" بعيد الحرب مع العراق، التي ساهمت في حل جزء من ذلك الفشل.
وفي ضوء هذه الإشكاليات، فإنه ليس من البعيد قيام المؤسستين الجويتين الإيرانيتين
بالامتزاج مع بعضهما -حتى ولو كانتا في أوج التنافس والانقسام والتنازع- في سبيل
إيجاد منظمة أكثر فعالية ومسئولية للتعامل مع التحديات المستقبلية.
الصناعة الجوية الإيرانية
تسببت الثورة الإسلامية في
مغادرة أكثر من 40 ألفا من المستشارين العسكريين الأمريكيين للأراضي الإيرانية.
ففي مارس 1979 -قبيل الثورة- قامت الإدارة الأمريكية بحظر أي مبيعات عسكرية
إضافية إلى إيران، وفي نوفمبر 1979 -بعيد الثورة- قامت الإدارة الأمريكية، رسميا، بوقف
جميع رُخص التصدير للدولة ذاتها، وكانت النتيجة الغزو العراقي لإيران في سبتمبر
1980.
إلا أن العقوبات الأمريكية
-التي فرضتها واشنطن على إيران إبان الثورة- اضطرت الجمهورية الإسلامية الوليدة
إلى الاعتماد على الذات في إدارة وتنظيم وتشغيل وتعديل وإصلاح أنظمتها العسكرية
الموجودة حينذاك، والتي كانت أمريكية الصنع في المقام الأول. وكانت "القوات الجوية
الإيرانية" في وجه المدفع، إن صح التعبير. فكونها الفرع العسكري الأساسي،
الذي كان معتمدا في يومٍ من الأيام على المعونات الأمريكية، جعلها الأفضل والأنسب
للقيام بمعظم المسئوليات في ذلك الصدد.
فقد قررت "القوات
الجوية" الإيرانية حشد خبرائها، ووطدت العلاقات بينهم وبين الجامعات والمدارس
التقنية المحلية، الأمر الذي أسفر -على نهاية الحرب الإيرانية العراقية- عن قيام
مؤسسة "إشراف الجهاد الذاتي" (وحدة الأبحاث الصناعية سابقا) بتدشين محال للإمدادات
العسكرية في مختلف القواعد الجوية، على مستوى الجمهورية الإيرانية. وقد ساهمت هذه
المحال في إصلاح الأسلحة الإيرانية التي أتلفتها الحرب أو دمرتها.
ولم يكتف خبراء "القوات
الجوية الإيرانية" بإصلاح التالف، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك، ذهبوا إلى عمل
نسخ من أجزاء الطائرات، منتهجين نفس المنهاج الصيني في التصنيع العسكري. ومن هنا نستطيع
أن نفهم السر وراء نمو العلاقات بين البلدين في المجال التصنيعي العسكري. ولم تكن
الصين هي الوحيدة التي ساعدت إيران على تدشين خطوط إنتاجية لتصنيع تلك
"الأجزاء" محليا، بل كانت هناك دول غربية أخرى شاركت الصين في نفس
المهمة.
إن "القوات الجوية
الإيرانية" لديها اليوم كم ضخم من الإمدادات العسكرية المختلفة والمتوفرة في
وقت الشدائد: قنابل "ذكية" أي موجهة، قنابل "غير ذكية"، صواريخ جو
-جو مثل "فاطر" و"سجيل"، صواريخ جو -أرض،
مثل "قدر" و"ستار"، وهي كلها موجهة بالليزر.
بل إن "القوات الجوية
الإيرانية" قد بدأت بالفعل في خط إنتاج الطائرات. وليست طائرة Tazarve التدريبية
وطائرة Saegheh المقاتلة إلا مثلين واضحين عن
ذلك. ولكن هذا لا ينفي أن إيران ما زالت تخطو خطواتها الأولى في هذا المجال، فما
زال أمامها الكثير من الوقت والجهد لتدشين قاعدة صناعية "محترمة".
أما بالنسبة "للقوات
الجوية للحرس الثوري الإسلامي"، فقد قامت بتطوير قاعدتها التقنية من خلال
تركيز معظم قدراتها وإمكاناتها في "شركة بارس للخدمات الجوية" التي باتت
مسئولة عن حفظ الأسطول المقاتل الخاص بـ"القوات الجوية للحرس الثوري
الإسلامي"، وكذلك عن توفير الخدمات للخطوط الجوية الداخلية التي تُشغل 17
طائرة ركاب من طراز Tupolev Tu-154. إلا أنه على
الرغم من كل ذلك، فإن إيران ما زالت تواجه مشاكل حقيقية بسبب أسطولها الجوي
"العتيق"، وهو ما تجلى عبر كوارث جوية عديدة في أثناء العقد الأخير.
التوجهات الحالية
تعتبر إيران الدولة الوحيدة
في المنطقة، التي لا تتلقى دعما من قبل الدول المصنعة للأسلحة. فحتى وقت قريب، لم
تكن روسيا مُدعمة لإيران في ذلك الجانب، حيث كانت الضغوط الأمريكية تلعب دورا كبيرا
في منع ذلك الدعم. فباستثناء ما طلبته إيران من روسيا من إمدادات مُسلحة في نهاية
الثمانينيات وبداية التسعينيات، فإن رفض روسيا توفير أي طائرات مقاتلة للجمهورية
الإيرانية كان هو القاعدة والأصل. صحيح أن روسيا قد قامت مؤخرا بأخذ خطوات جادة
لتحديث الأسطول الجوي الإيراني، إلا أنه طوال الفترة التي سبقت ذلك كانت إيران
مضطرة إلى الاعتماد فقط على التصميمات الصينية القديمة المتهالكة.
ولا يستطيع أحد إنكار جهود
الدولة الإيرانية في مجال الدفاع الجوي، على الرغم من قلة الإمكانات والإمدادات.
فالقوات الجوية الإيرانية تميزت -وما زالت تتميز- بخاصيتين متميزتين: العمق الإستراتيجي،
والقدرات المحلية العادية في مجال تصنيع الأسلحة. هاتان الخاصيتان ساعدتا
الجمهورية الإيرانية في الحفاظ على أسطولها الجوي "الهرِم" في وجه الحروب
والعقوبات التي فُرضت عليها منذ اندلاع الثورة الإيرانية في سبتمبر 1979.
ولكن هذا لا ينفي الحقيقة
التي يقر بها دوما القادة العسكريون الإيرانيون، وهي أن القوات الجوية الإيرانية
ليس في وسعها أو في مقدورها التصدي لغزو أي دولة كبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
ولذلك، قررت إيران تركيز جهودها في الاستفادة القصوى من قدراتها وإمكاناتها
المحدودة، بدلا من تركيز الجهود، أو إضاعتها، في تضخيم حجم القوات المسلحة
الإيرانية. ومن ثم، قامت إيران بإنفاق الجهد والوقت والمال في القنوات التالية:
1 - تمويل حروب غير متكافئة
وغير تقليدية من خلال إيجاد ميليشيا شعبية واسعة ("الباسيدج").
2 - الحصول على أقمار
استطلاعية وأنظمة صواريخية باليستية قصيرة ومتوسطة المدى، من أجل ضرب أكثر الأعداء
بعدا..
3 - تطوير القدرات للقيام
بعمليات مستمرة -ليلا ونهارا- من خلال الحصول على معدات وتجهيزات التبصر الليلي.
وفي ضوء تلك الخلاصة الأخيرة،
يستطيع القارئ فهم الأسباب وإدراك الدوافع وراء نزوع الدولة الإيرانية مؤخرا نحو
شراء 29 صاروخا روسيا، ونحو إطلاق أول قمر صناعي إيراني...
باحثة
دكتوراة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
المحلل
السياسي بموقع إسلام أون لاين.نت. *المقال
نشر في مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تحت عنوان Iran’s Air Forces: Struggling to Maintain Readiness، بتاريخ 22 ديسمبر
2005