يعود
تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الإمبراطورية الروسية ومصر الى أكثر من
مئتين وخمسة وعشرين عاما عندما اصدرت الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية عام
1784 مرسوما يقضي بتعين كندراتي فون تونوس كأول قنصل روسي في الاسكندرية
ليضع حجر الأساس في بناء تاريخ طويل من العلاقات بين مصر وروسيا لا تزال
مستمرة ليومنا هذا ، لكن أول قنصلية روسية أفتتحت بشكل فعلي في القاهرة
يعود تاريخها إلى العام 1862 عندما أرسلت وزارة الخارجية خريج دائرة الشرق
الاوسط الدبلوماسي ألكسي لاغوفسكي في محاولة لتنشيط دور روسيا
الامبراطورية في الشرق ، وتحديدا من مصر التي كانت ولو بشكل غير رسمي لا
تزال في حينها خاضعة للسيطرة العثمانية مما جعل من عمل القنصلية في
القاهرة امرا ذا أهمية قصوى. فخلال فترات قصيرة وبنتيجة النجاحات التي
حققها لاغوفسكي استطاعت القنصلية الروسية توسيع نشاطها الدبلوماسي على
الاراضي المصرية لتصل الى مدن اخرى فبإضافة إلى توسيع عمل القنصلية في
الإسكندرية تم إفتتاح مكاتب إخرى في كل من بورسعيد والسويس والمنصورية
والاسماعلية وغيرها من المدن المصرية.
ومع تشكل الجمعية الروسية
للملاحة والتجارة عام 1856 ودخول قناة السويس قيد الخدمة، بدأت العلاقات
الروسية المصرية تأخذ طابع التعاون في مجالات
عدة
بما فيها التعاون في مجال ري الاراضي والجيولوجيا والآثار والسياحة والطب
والثقافة. وشهدت تلك الفترة تبادل الزيارات لممثلين عن القيصر الكسندر
الثاني ومحمد علي الذي فتح بدوره نافذة للحوار السياسي ايضا مع
الإمبراطورية الروسية في حينها، تكللت فيما بعد بزيارة أخوة القيصر
ألكسندر الثالث الى مصر عام 1888 ونجليه نيقولاي (اخر امبراطور لروسيا
مستقبلا) وغيورغي في عام 1890ومن ثم الزيارة التي قام بها الخديوي عباس
قبل تولية مهمات السلطة إلى مدينة بطرسبورغ. وفي العام 1900 قام بزيارة
إلى مدينة أوديسا عندما كان متوجها إلى رومانيا. إلا أن الزيارة المهمة في
تاريخ العلاقات بين البلدين هي تلك التي قام بها محمد علي عام 1909 إلى
القوقاز ورحلته الشهيرة إلى سيبيريا في طريقه إلى اليابان.
وعلى
الرغم من كل هذه العلاقات المنفتحة على مصر فإن الدبلوماسية الروسية لم
تنظر الى مصر كدولة مستقلة، وذلك مراعاة لأعتبارات اخلاقية وادبية تجاه
السلطان التركي ولكنها كانت تدعم توجهات الشعب المصري للحصول على
الاستقلال عن السيطرة التركية والبريطانية. ونتيجة الدور الكبير الذي لعبه
الكسي سميرنوف كمبعوث وسفير للإمبراطور الروسي استطاعت مصر الحفاظ على
القرار السياسي الذاتي المستقل في إطار
الامبراطورية العثمانية واستمر الامر على هذا الحال حتى الحرب العالمية الاولى.
هذه
الحرب كانت بالنسبة للدبلوماسية الروسية تجربة جديدة لتثبت قدراتها على
تحمل مسؤوليتها أمام الامبراطورية، ولاسيما أن المعارك الطاحنة على جبهات
الحرب في فلسطين أوقعت المئات من الجنود الروس وكان على القنصلية استقبال
الأعداد الكبيرة من الضحايا والجرحى والمهجرين وقد نجحت في إنجاز هذه
المهمة الصعبة.
لكن لم تكن هذه هي المهمة الوحيدة التي وجب على
الدبلوماسين الروس وتحديدا سميرنوف مواجهتها، فالنشاط الملحوظ لمؤيدي ثورة
البلاشفة المتواجدين في مصر في حينها ونتيجة عدم الاستقرار السياسي فيها
والوجود الكبير للمهاجرين من أوروبا جعل من نشاط البلاشفة أمرا واقعيا كان
على القنصلية مواجهته، وقد نجحت في نهاية المطاف في طرد مجموعة كبيرة من
البلاشفة خارج الحدود المصرية، إلا أن انتصار ثورة أكتوبر في روسيا ووصول
البلاشفة الى الحكم وانهيار الامبراطورية حوَّلت سميرنوف وعددا كبير من
الدبلوماسيين الروس إلى مهاجرين نتيجة عدم انصياعهم لقرارات حكومة روسيا
السوفيتية آنذاك.
ان التقلبات السياسية التي عصفت بروسيا بعد
انتصار البلاشفة أثرت بشكل أو بآخر على العلاقات الدبلوماسية مع العالم
ككل، لكن العلاقات المصرية السوفيتية استؤنفت من جديد فقط في العام 1943
ومنذ ذلك الحين تربط البلدين علاقات متميزه تسعى الحكومة المصرية لتحويلها
الى إستراتيجية والفضل في كل هذا يعود الى الدبلوماسيين الروس الأوائل
الذين وضعوا اللبنة الاولى في تاريخ العلاقات الروسية المصرية.
قدم المعلومات :
ن . خوخلوف- القنصل العام لروسيا الاتحادية في الاسكندرية
غ. غورياتشكين - نائب القنصل العام لروسيا الاتحادية في الاسكندرية