تزايد التوقعات بعملية ينتقم فيها «حزب الله» لاغتيال مغنية ... انقسام في إسرائيل بين مؤيدي حرب على لبنان وسورية ... وراغبين في إحداث انعطافة «سلام شامل»القدس المحتلة - أمال شحادة الحياة - 14/03/08//يثير حديث عسكريين إسرائيليين عن توتر الأوضاع على الحدود مع لبنان مع اقتراب ذكرى مرور أربعين يوماً على اغتيال القائد العسكري في «حزب الله» عماد مغنية، مخاوف حقيقية من ان تتدهور الأوضاع وتؤدي الى نشوب حرب في المنطقة. وتزداد هذه الخطورة جدية إثر التقرير الذي قدمه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، عاموس يدلين، الى الحكومة وقال فيه إن هنالك احتمالات عالية لوقوع حرب مع «حزب الله» قبل نهاية هذه السنة.
المعروف انه حالما بدأت تطبق التفاهمات بين إسرائيل و«حماس» حول التهدئة في قطاع غزة منذ نهاية الأسبوع الماضي اتجهت الأنظار في إسرائيل نحو الشمال حيث احتمالات التدهور قائمة، بل ان هناك من يرى في إسرائيل ان موافقة حكومة ايهود اولمرت على التهدئة مع «حماس»، على رغم معارضة الجيش ووزير الدفاع ايهود باراك، تمت بهدف التفرغ للجبهة الشمالية. ولعل زيارة باراك الحدود الشمالية فور انتهاء عملية «شتاء حار» وتفقد الملاجئ وإعلانه ترميم 1700 ملجأ مؤشر الى ما تخطط له إسرائيل.
|
جنود اسرائيليون عائدون من جنوب لبنان |
ويرى المتحمسون لهذه الحرب في إسرائيل ان الخطر الآتي من الشمال هو اكثر ما يهدد إسرائيل، فإيران في نظرهم هي المسؤولة عن رسم المعارك ضد إسرائيل سواء كان ذلك من طرف «حزب الله» أم من طرف «حماس» وان كل يوم يمضي من دون توجيه ضربة حاسمة للأذرع الإيرانية بما فيها سورية يزيد من الأخطار على إسرائيل ووجودها.
وبحسب يوفال شطاينتس، نائب رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، فإن على إسرائيل ان تكف عن انتظار إجراءات دولية ضد إيران وتبدأ توجيه ضربات تدريجية لها، أولها لـ «حزب الله» وسورية ولـ «حماس» الى حين يأتي الوقت للحسم... «فإذا كانت إيران تغيرت أو غيرت من خطتها العسكرية المعادية لإسرائيل تكون إسرائيل كسبت نفسها، وإن استمرت في توجهها العدائي نوجه لها ضربة كبيرة إما بمشاركة قوى أخرى مثل الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي أو بقدرات إسرائيل الذاتية».
هذا التوجه يتبناه اليوم في إسرائيل الكثير من القوى، ليس فقط في المعارضة اليمينية، بل أيضاً في بعض أوساط الأحزاب الحاكمة وكذلك الكثير من الجنرالات الحاليين والسابقين. ولكن هناك قوى، أكثر اعتدالاً، ترى ان ليس بالضرورة ان يؤدي هذا التصعيد الى حرب فعلية، ويتحدثون عن إمكان حصول عملية كبيرة داخل إسرائيل أو عمليات عدة في آن واحد أو هجوم عسكري صاروخي مفاجئ من الشمال. ومثل هذه العمليات يثير في إسرائيل مخاوف حقيقية، ولذلك تحاول ان تردعها قبل ان تقع لأن نجاح أي منها سيؤدي حتماً الى تصعيد كبير وتوسيع لحلقة الصراع والصدامات الحربية.
هذه الأجواء تثير نقاشاً جدياً في المجتمع الإسرائيلي وتساؤلات كثيرة عما إذا كانت هناك فعلاً حاجة الى التصعيد من جديد. ولكن الجميع يتفقون على ضرورة ان يواصل الجيش استعداده لمواجهة مختلف السيناريوات الى حد الاستعداد لاحتمال وقوع حرب خلال ساعات.
|
إيهود أولمرت |
وفي النقاش حول الحاجة الى التصعيد، ينقسم المجتمع السياسي - العسكري الإسرائيلي الى تيارين مركزيين أحدهما يروج للحرب والتصعيد في شكل صريح ويضم كبار العسكريين واحتكارات تجارة السلاح وقوى اليمين المتطرف وبعض الإعلاميين، الذين يخدمون هذا التيار، في مقابل تيار آخر يرى في الظروف الناشئة في المنطقة إمكاناً لانعطاف سياسي إيجابي. ويقف في مقدم هؤلاء رئيس الحكومة، ايهود اولمرت، وغالبية نواب حزبه وغالبية نواب حزب العمل وقوى اليسار وقادة المعسكر الاقتصادي وغالبية وسائل الإعلام. هؤلاء يرون ان أمام إسرائيل فرصة حقيقية لإحداث انعطافة، مستفيدة من وجود الرئيس جورج بوش في البيت الأبيض، وهو الذي يعتبر أكثر رئيس أميركي دعماً لإسرائيل، ووجود مبادرة عربية للسلام تلتف حولها غالبية العرب والفلسطينيين وعلى رغم التهديد العربي بالتراجع عنها إذا حصل تدهور عسكري.
ويعتبر اولمرت مؤيداً لهذا التيار وطليعياً في قيادته لأن هذا النهج السياسي والبعد عن الحروب هو الضمان الوحيد لإطالة عمر حكومته ولإنهاء حياته السياسية بإنجاز ما. فمنذ حرب لبنان الثانية، التي سجلت اخفاقاتها على جبين اولمرت قبل الجميع، وهو يحاول ان يخرج من الأزمات التي تسببت بها هذه الحرب. فهو يدرك ان المخرج الوحيد هو ان يسجل إنجازاً سياسياً، ولو على شكل ورقة يوقع عليها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يكون عنوانها اتفاق مبادئ للسلام الإسرائيلي - الفلسطيني. وأحداث غزة كانت دليلاً آخر على ان التدهور العسكري قد يقضي على هذه الفرصة قضاء تاماً، فحتى عباس الذي يعترض اعتراضاً تاماً على إطلاق صواريخ «حماس» على المستوطنات الإسرائيلية، لم يحتمل توجيه ضربة عسكرية شديدة الى «حماس» وأوقف المفاوضات، ووزراء خارجية الدول العربية هددوا بالتراجع عن المبادرة العربية، لذلك فليس من مصلحته الانجرار الى مغامرات عسكرية أخرى في المنطقة.
لجنة السلام مع سورية |
إيهود باراك |
ويلقى اولمرت دعماً مهماً للغاية في هذا الاتجاه مما يسمى «اللجنة الإسرائيلية للسلام مع سورية»، وهذه اللجنة تضم مجموعة كبيرة من القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين السابقين الذين ما زال لهم وزن في الحياة السياسية الإسرائيلية، وهم يرون ان هناك فرصة حقيقية للسلام مع سورية في شكل يحدث انعطافة تاريخية في المنطقة تخلط كل الأوراق وتفتح آفاقاً هائلة للسلام. ويرى هؤلاء ان سورية معنية بإخلاص، ليس فقط في الوصول الى سلام مع إسرائيل، بل أيضاً مستعدة للانسلاخ عن محور إيران – «حزب الله» العسكري الاستراتيجي، ومثل هذا الانسلاخ يشكل توازناً جديداً للقوى العسكرية في المنطقة ويعفي إسرائيل من الدخول في حرب كبيرة وخطيرة مع سورية ويخفف من احتمالات نشوب حرب مع إيران، بل يكبل أيدي «حزب الله» وربما «حماس» أيضاً التي سيضطر قادتها المقيمون في دمشق الى مغادرتها في حال حصول سلام مع سورية.
وما يميز هذه اللجنة ان أعضاء إدارتها هم من الشخصيات ذات الوزن الاستراتيجي في إسرائيل الذين لا يمكن تجاهل آرائهم حيال اي تطور في المستقبل. وأولمرت لا يريد ان يقف أمام لجنة تحقيق أخرى في المستقبل ليدافع عن نفسه إزاء عدم سماع كلمتهم. وما يميزهم أيضاً ان آراءهم يحملها أيضاً ايهود باراك، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، ورئيس الموساد السابق، داني ياتوم، وعشرات الشخصيات، وهذا الأمر يفيد معركة اولمرت من جهة، ويحرج باراك من جهة أخرى، وهو الذي يعبر عن مصالح جنرالات الحرب وينقل آراءهم الى الحكومة ويدافع عن مواقفهم في الشارع الإسرائيلي، وهو في الوقت نفسه الشخصية الأولى التي ستواجه بالأسئلة من الشارع الإسرائيلي إزاء أي تقصير عسكري في جبهة القتال أو في الجبهة الداخلية. وهذا امر بالغ الحساسية اليوم في إسرائيل، خصوصاً بعد ان أثيرت أسئلة كثيرة في الشارع الإسرائيلي عن جاهزية الجيش وجبهة الدفاع المدني لصد الضربات العسكرية والصواريخ وغيرها.
الخوف من إيقاظ الخلايا النائمةوالمسؤولية عن مدى الجاهزية الإسرائيلية لمواجهة حرب، وان كان اولمرت ورئيس أركان الجيش غابي اشكنازي، سيتحملان القسط الأكبر منها، لا تقل بالنسبة الى أجهزة الأمن والاستخبارات. فقيادة هذه الأجهزة، التي تعرضت لانتقادات بعد حرب تموز (يوليو) لفشلها في معرفة حجم القدرات العسكرية لـ «حزب الله» ودوره في جنوب لبنان منذ انسحاب إسرائيل عام 2000 وحتى اندلاع الحرب، تبدو اليوم أكثر حذراً واهتماماً وربما أيضاً قلقاً، من كيفية إبطال عنصر المفاجأة في اي مواجهات قد تقع في الشمال لضمان التفوق في المعركة. وتسعى هذه الأجهزة الى رسم صورة، اقرب الى الحقيقة، عن وضع الطرف الآخر، أي «حزب الله» وسورية وإيران، وتوفير الرد المناسب الذي يضمن أقل ما يكون من خسائر بين صفوف الإسرائيليين.
وتضع إسرائيل أمامها سيــناريوات تحاكي ما يمكن ان يفكر فيه «حزب الله» من عمليات انتقام لاغتيال مغنية. وعلى رغم أن التقديرات الأولية التي أعقبت اغتياله كانت تركز على احتمال تنفيذ عملية في سفارة إسرائيلية أو وكالة يهودية في الخارج، أعادت التقارير الاستخباراتية التي بدأت تتحدث عنها إسرائيل وتدعي انها حصلت عليها أخيراً، أعادت الى طاولة النقاش وبوتيرة عالية احتمال تنفيذ عمليات نوعية خاصة داخل إسرائيل أو على الحدود الشمالية، من لبنان وسورية أيضاً. وحتى اللحظة ترفض الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن تسقط من حساباتها احتمال ان تكون عملية القدس الأخيرة البداية لهذه العمليات. وما يقلق جهاز «الشاباك»، على وجه الخصوص، السرية المطلقة التي نفذت فيها العملية، خلافاً لعمليات سابقة كانت إسرائيل تتوصل أحياناً كثيرة الى تفاصيلها في اليوم الأول من تنفيذها، عبر عملائها أو نشاطها الاستخباراتي، لكن هذه العملية وباعتراف «الشاباك» نفذت بتخطيط متقن وبالغ السرية. وزاد من صعوبة التعرف الى أسرارها ان كلاً من «حزب الله» و «حماس» نفى أية علاقة بها، وأن أي تنظيم جدي لم يعلن مسؤوليته عنها. وأعد «الشاباك» لجنة خاصة للتحقيق فيها في وقت يروج ان تخطيطها وتنفيذها جاءا بالتنسيق والتعاون بين «حماس» في سورية و «حزب الله» في لبنان.
والعنوان العريض الذي يقلق «الشاباك» في هذه العملية، بل يقض مضاجعه، ان ينشط «حزب الله» في إيقاظ خلاياه النائمة. المؤشر الأول لهذا التخوف جاء بعد الإعلان السريع في محطة «المنار» التابعة لـ «حزب الله» عن اسم الجهة التي تحملت مسؤولية العملية ويطلق عليها اسم «أحرار الجليل». فالاسم بحد ذاته مقلق، وأحرار الجليل يعني احتمال ان يكون لفلسطينيين في الجليل، أي مناطق 1948، دور في ذلك، وأما الإعلان مرة أخرى عن دور «حماس» في العملية ومن ثم التراجع عن ذلك، فهو امر زاد من البلبلة والقلق.
ومسألة إيقاظ الخلايا النائمة وردت في نقاش أجهزة الاستخبارات منذ اليوم الأول الذي تلا اغتيال مغنية، ويعود ذلك الى النشاط الذي بذله «حزب الله» منذ انتهاء الحرب على لبنان. فقد تم اعتقال سبعة أشخاص بتهمة التخابر والتعاون مع «حزب الله» بينهم من تمكن من ذلك عبر الحدود، بخاصة قرية الغجر، وهناك من حاول «حزب الله» تجنيده عبر الأردن، وكانت آخر الملفات لطالبة حقوق من منطقة المثلث داخل الخط الأخضر، كانت تدرس في إحدى الجامعات الأردنية، ودينت بتهمة التعاون مع «حزب الله» عبر شابة في الأردن ونقلها أجهزة خليوية ومعلومات لأشخاص داخل الخط الأخضر.
أولويات أمنيةونشاط «حزب الله» المتمثل بتجنيد خلايا داخل الخط الأخضر ليس جديداً على إسرائيل. فخلال السنوات الثلاث التي سبقت حرب تموز كشفت إسرائيل خمس خلايا جنّدها «حزب الله»، بينها واحدة ضمت ضباطاً في الجيش الإسرائيلي. ومع تنفيذ عملية القدس ونجاحها اصبح الاهتمام بمسألة الخلايا النائمة من جهة واتخاذ كل الاحتياطات والاستعدادات لمنع تنفيذ عمليات نوعية وقاسية من جهة أخرى، على رأس أولويات الأجهزة الأمنية.
وسلّم أولويات الأجهزة الأمنية يشمل أيضاً ضمان الموارد للتدريبات العسكرية والتطوير، ولم يكن مصادفة عرض رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، يوسي بايداتس تقريراً أمام لجنة الخارجية والأمن ركز فيه على قوة «حزب الله» واستمرار تسلحه عبر تهريب الأسلحة من سورية وإيران وعبر الأراضي التركية، وعلى ان الصواريخ الجديدة التي تلقاها، يصل مداها الى 300 كيلومتر وقادرة على ضرب جنوب إسرائيل، أي مفاعل ديمونة، حتى لو أطلقت من بيروت.
وبايداتس، حاول وضع صورة متكاملة أمام اللجنة، وهي صورة يدركها السياسيون الإسرائيليون جيداً، لكنهم يخشون من عرضها على الجمهور، وفيها إشارة الى أن فاتورة الحساب على الجبهة الشمالية، بدأت منذ العملية الجوية التي قالت مصادر أجنبية ان سلاح الجو الإسرائيلي نفذها في دير الزور السورية والتهبت مع العملية الثانية باغتيال مغنية، ويرى بايداتس ان لـ «حزب الله» ألف سبب وسبب لتفجير المنطقة، بدءاً من تحليق الطيران الإسرائيلي في لبنان وتحرك قوات تابعة لقيادة الجبهة الشمالية في جيوب على طول الحدود اللبنانية وقضية مزارع شبعا التي لم يتم حلها بعد».
وكشف بايداتس أن باراك شارك الى جانب أولمرت وأشكنازي ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين في اجتماع في مقر الفرقة العسكرية 91 «فرقة الجليل». ومثل هذه المشاركة لا يكون لمجرد الزيارة ورفع المعنويات.
بقيت الإشارة الى ان حروباً كثيرة نشبت بدافع من دينامية التهديدات الحربية، وإذا كانت مواصلة التهديدات وحشد القوات العسكرية يجعلان مسألة التراجع صعبة، فكيف ونحن نتحدث عن جيش إسرائيل الذي لن يهدأ له بال إلا باستعادة هيبته التي فقدها في حرب لبنان وتحقيق انتصار وتفوق يعيد قوة ردعه في المنطقة. من هنا فإن الحدود الشمالية باتت كمن يجلس على برميل بارود... شرارة واحدة كافية لإشعال لهيب... أدوات إخماده قد تكون هذه المرة ضعيفة أمام الأدوات التي سيستخدمها الأطراف المشاركون في محاولة كل منهم تسجيل الانتصار.