في مايو 73 انضممت الي رسميا الي المجموعه 145 صاعقه تحت قياده العقيد سيد الشرقاوي والذي رحب بس كثيرا واخبرني بأنني عدت الي وطني اخيرا .
وتم ترشيحي لدورة كاراتيه في كليه التربيه بمنشيه البكري ، لرفع مستواي في الكاراتيه ، واستمرت تلك الدورة حتي يوم 5 اكتوبر 1973 حيث تم الغاؤها وعدت الي قياده المجموعه بالجبل الاحمر بالقاهرة .
وعند عودتي وفي اليوم التالي اخبرني سيد الشرقاوي قائد المجموعه بأن حبيبتي تناديني وانني سأعود لها مشيرا الي جنوب سيناء وهي المنطقه التي اعرفها معرفه حقه من واقع خبراتي التدريبيه فيها سابقا .
فأخبرني بأننا سنقوم بعمليه في جنوب سيناء ، ولم اتخيل انها حرب شامله ، انما توقعت انها مجرد عمليه استطلاع او عمليه فرديه محدوده .
وقمنا بالتحرك الي بير عديب وهي المنطقه التي ستقوم منها طائرات الهليكوبتر بتحميل قوات الصاعقه المتوجهه الي العمل في جنوب سيناء ، وخاصه ممر سدر وطريق جنوب سيناء .
في الخامس من اكتوبر تحركت الكتيبه 143 صاعقه من معسكرها الي منطقه بير عديب وصدرت لي الاوامر من العقيد سيد الشرقاوي قائد المجموعه بعدم التحرك مع الكتيبه 143 لان لي واجب اخر خاص ، وكان العقيد سيد يعرف جيدا انني لن اتردد في اي فرصه قتال متاحه ، فكانت تعليماته لي صريحه وحاده بعدم التحرك من منطقه التحميل .
وفي السادس من اكتوبر شاهدت الحرب تبدأ امامي من منطقه بير عديب وشاهدت التراشق النيراني لقواتنا مع قوات العدو واعمده الدخان تملئ سيناء فعرفت ان الحرب قد بدأت فعلا
مما جعل معنوياتنا في السماء ، فتعالي التكبير بين الرجال ، واحسست ان قلبي قد انشرح بشكل لم احس به في حياتي .
وفي الخامسه والنصف بدأت في تحميل رجال الكتيبه في طائرات الهليكوبتر والتي بلغ عددها ثمان وعشرون طائرة هليكوبتر ، ثم عدنا الي قاعدتنا مرة اخري بعد ان ودعنا زملائنا ، وعرفنا ان تلك الكتيبه تعرضت لخسائر فادحه في طريقها الي الهدف ، لان طائرات الهليكوبتر تعرضت لهجوم جوي من طائرات العدو ، ولم تكن طائراتنا المقاتله في حمايه طائرات الهليكوبتر ، وعلمنا ان جزء من الكتيبه فقط هو الذي وصل لمنطقه الهدف ، وان الخسائر كانت عاليه في الطائرات ، لكننا تفاءلنا خيرا بوصول جزء من الكتيبه للهدف ، فقد كنت اعلم كفاءه رجال الكتيبه وقدراتهم .
وظلت يوم 6 اكتوبر أتابع الاذاعه وأتعرف علي سير المعارك منها ، من قاعدتنا بالجبل الاحمر بالقاهرة ، وكنا مستعدين لتنفيذ اي مهام ، وكنت اعمل في فرع عمليات المجموعه لذلك كنت علي درايه بأخبار الكتائب التي تم ابرارها في عمق سيناء
وكان السابع من اكتوبر مماثلا ، فنحن نعد العده لاي مهام قد تطلبها القياده منا ونتابع اخبار كتائبنا شرق القناه وفي عمق العدو .
وفي الثامن من اكتوبر صدرت لي الاوامر بالاستعداد لامداد الكتيبه 143 صاعقه جوا بواسطه طائرتين هليكوبتر ، فكان موقف الكتيبه 143 صعبا ، ففي البدايه تعرضت لخسائر كبيرة في الجنود والضباط نتيجه اسقاط عدد كبير من طائرات الهليكوبتر بمن فيها من ابطال الصاعقه وساء وضع الكتيبه بعد يومين من القتال بتأخر تقدم اللواء الاول الميكانيكي والذي كان من المفترض ان يحل محل الكتيبه ويغلق الطريق الاوسط والجنوبي للسويس ، لكن تأخر تقدم اللواء بسبب صعوبه فتح الثغرات بالساتر الترابي للفرقه 19 مشاه ، مما جعل القوات الاسرائيليه تحاصر بقايا الكتيبه وتقطع الاتصال اللاسلكي بيينا وبين الكتيبه ..فكانت مهمتنا امداد الكتيبه بالذخيرة والطعام من الجو ، وبالفعل بدأنا في تحميل الطائرات وكان معي راشد ابو العيون ( والده الشيخ ابو العيون شيخ الازهر سابقا ) وكان من ابطال الصاعقه وكان صديقي ورجل محترم وجرئ ووطني لابلغ درجه .
قمنا بتحميل الطائرات يوم التاسع من اكتوبر في مطار الماظه وتركناها بالمطار وتحركنا برا الي منطقه بير عديب لتجهيز المكان ، حيث ستأتي الينا الطائرات في تلك المنطقه وتقوم بأعاده التموين بالوقود ثم نركبها ونتحرك تجاه الكتيبه شرق القناه .
كانت خبرتي بجنوب سيناء ومنطقه ابو جراد كبيرة لذلك كنا مختارين لتنفيذ مهمه الامداد وتحقيق الاتصال بالكتيبه وتوصيل فردين اشاره يحملون اجهزة اتصال لاعاده الاتصال بين الكتيبه والقياده .
بعد ان اقلعنا ، نظرت الي زميلي راشد نظرة يعرفها جيدا ، وسالته ونحن بالطائرة
- أيه رأيك يا راشد ؟؟؟ فعرف ما اعنيه تماما وسألني
- انت عايز ترجع ؟؟؟؟ اجبته سريعا بالنفي ، فأستكمل
- احنا نروح نحقق اتصال مع الكتيبه ، وننفصل عنهم ونتصل بشيوخ جنوب سيناء ونشتغل من هناك مع القبائل في الاغاره والكمائن
فقد كنا نرغب في القتال و الموت بشده ورغبنا في تجاهل الاوامر بعودتنا مرة اخري .
عبرنا خليج السويس وكان كل شئ هادئ وفجأه وجدنا ضرب علي الطائرة من اعلي ومن اسفل اثناء القاؤنا للامدادت ، وكان واضحا من ان الطلقات التي اخترفت سقف الطائرة تأتي من طائرات العدو ، لكن الطلقات التي كانت تأتي من الارض كانت مفاجأه لنا ، والقينا جهاز اللاسلكي ايضا وكان محاطا بما يحميه من الصدمه
وكنا علي ارتفاع لا يزيد عن 6 امتار من الارض ، ولم استطع رؤيه اشخاص بعينهم لكنني رصدت حركه في المكان مما يدل علي اننا في المكان الصحيح وقد علمت بعد ذلك من زميلي سيد درويش وكان ممن يتواجدون علي الارض ضمن كتيبه الصاعقه وحصل علي نجمه سيناء لدوره في الحرب ، وقد اخبرني ان الامداد وصل اليهم لكن في اماكن متفرقه مما جعلهم يرسلون دوريات لتجميع الامدادت .
وفجأه ووجدنا الطيار يقوم بمناورة جانبيه ويبتعد عن منطقه الانزال والطائرة تترنح يمينا ويسارا للحظات حتي سقطت علي الارض ، ودفنت انا وراشد تحت الرمال وبقيت رؤسنا فقط فوق الرمال وداخل الطائرة .
ولم نكن نعلم اين نحن ، هل علي ارض مصريه ام سيناء المحتله ، وكان الظلام دامس والرؤيه تكاد تكون منعدمه ، كل ما احسست به هو سقوط مستمر لوقود الطائرة ببطء علي رأسنا واجسادنا ، وكان وقود الطائره المي 8 هو الجاز النقي ، وتوقعت ان يشتعل الوقود في كل لحظه وتنفجر الطائرة فبدأت في محاسبه نفسي تقائيا ، وبدأت افكر في ما قمت به في حياتي وفي الحساب المنتظر من الملائكه .
ومع مرور الوقت ثقيلا بطيئا ونحن لا حول لنا ولا قوة ، فقدت الاحساس بالنصف الاسفل من جسدي ، فقد تشربت الرمال وقود الطائرة ووصل الي جسدي ، وكان راشد مصابا في رجله وكان يتألم ، لكن الوقود المتسرب تفاعل مع الجرح وقام بكيه فورا مما جعل راشد يتألم بشده من ذلك .
وكان الاحساس بعدم الحليه وقرب الموت منا كبيرا جدا لدرجه انني قلت لزميلي ، الا يوجد من يطلق طلقه علي الطائرة ويشعلها لكي يخلصنا مما نحن فيه ؟
وبعد وقت غير معروف وجدت جسدي يسحب من قدمي ، فهناك من يشدني خارج الطائرة ، وبرد فعل تلقائي غريزي لفرد صاعقه مدرب ، بدأت في القتال المتلاحم مع ممن يشدني من قدمني ، حتي وجدت بعد فترة انهم جنود حرس حدود وقصاصي اثر من النوبه ، وكانوا يصرخون في لكي اتوقف عن توجيه اللكمات لهم وانا لا ادرك انهم يتحدثون العربيه فقد كان احساسي الكامل اننا سقطنا في سيناء وان من يخرجني من الطائرة هم جنود اسرائييلين ولم افكر يوما في ان اقع اسيرا في ايدي هؤلاء الاعداء ، لذلك قاومتهم علي امل ان يطلقوا علي النار واموت شهيدا .
وقت ان اخرجوني من الطائره احسست بالالم ، فقد كان الوقود قد تفاعل من النصف الاسفل من جسدي وسبب لي حروقا كثيرة .
وتم اصطحابي الي المستشفي في السويس ، وبعد دقائق وجدت رجلا قصيرا يحضر الينا ويلبس طربوش احمر ويقبل يد راشد زميلي ، واخبرني راشد بان هذا الرجل هو الشيخ حافظ سلامه ، وقبل الشيخ حافظ يد راشد لانه يعلم انه ابن شيخ الازهر ، وقد علمني الشيخ حافظ كيفيه الصلاه بالعين فقط ، واحضر لنا زبادي للسحور بعد ان علم اننا عازمين علي الصوم .
كانت حروقي شديده ، فتم نقلي الي مستشفي الماظه ،وتلقيت علاجا سريعا ، وعندما اعطاني تصريح خروج مع اجازة ، رفضت الاجازه وقمت بعمل تمرين ضغط ثلاثين مرة امامه لكي اقنعه بأني سليم ، فحاول ان يقنعني بأن جرحي بالغ ويحتاج للراحه لا تقل عن ثلاثه ايام لكي يتجدد الجلد المحترق مرة اخري ، الا انني رفضت وخرجت من المستشفي مرتديلا جلباب المستشفي ، وكانت الروح المعنويه لي ولكل من حولي عاليه جدا وهو شئ ادركت رغم سني الصغيرة انه مهم جدا لالتئام الجروح وسرعه الشفاء .
وكان ذلك الحوار مع الطبيب قبيل مغرب العاشر من اكتوبر ، فخرجت من المستشفي مباشرة الي قياده المجموعه 145 صاعقه .
واستقليت سياره تاكسي وحدث مع السائق حدث له ابلغ الاثر في حياتي ، اكاد اتذكره كل يوم
، فقد توقف السائق مع اذان المغرب قرب محل (كشك ) واشتري لي وله زجاجتين مياه غازيه وبسكويت واستمر في مسيرة تجاه الجبل الاحمر .
وبعد وصولي الي مدخل المعسكر ، هممت بأن اعطي السائق حسابه ، فأذا بالسائق ينفعل علي بشده ويبكي بحرقه ، وبدأ في توجيه اللوم لي علي ما فعلته قائلا لي بالحرف
(( يعني انت بتدافع عني وعن البلد وعايزني اخذ تمن التوصيله ؟)) واستمر في توجيه عبارات من نفس النوع وسط دموعه لدرجه انني احتضنه وانا اعتذر له علي ما قمت به ، فقد كان انفعاله قويا جدا لدرجه احسست معها انني قد اجرمت في حقه اشد اجرام .
تلك هي روح المصريين خلال الحرب وهذا مشهد بسيط مررت به لكنه اثر في حياتي ومازال يؤثر في حتي الان وانا اري الماده تحكم اسلوب حياتنا وتعاملتنا ، فهو سائق بسيط يبحث عن رزقه وربما قوت يومه ، لكنه رفض اخذ اي مبلغ مني لانه يحس انه يجب ان يشارك في الحرب بأي شكل واي وسيله ممكنه .
عندما دخلت الي الوحده وجدت التكبير والتهليل من الجنود بقدومي ، وقد فوجئت بهذا الاستقبال ، تبع ذلك قدوم المقدم عبد اللطيف البسيوني وهنأني بسلامه العوده واخبرني بأنه قد كتب شهاده استشهادي بخط يده عندما لم تعد الطائرات .
وكانت تلك اول شهاده استشهاد لي ، وظللت في الوحده اقوم باعمال اداريه طوال الايام حتي يوم 15 اكتوبر ، وانا ارتدي الجلبيه حتي تمكنت من ارتدي الافرول مرة اخري ، فقد كانت روحي المعنويه العاليه واخبار الانتصار تزيد من قدره التئأم الجروح .
حتي جاء يوم 16 اكتوبر وبدأت البلاغات تصل الينا بأختراق 7 دبابات في منطقه مطار الدفرسوار فصحت في انحاء الغرفه التي بها العقيد سيد الشرقاوي قائد المجموعه (( انا لها يا فندم )) فحاول اثنائي ، ورفضت وابلغته بجاهزيتي للعمل .
وتحركت برا مع قوة من جنود الصاعقه تجاه الدفرسوار وعددهم 13 فرد صاعقه ، فنزلنا تجاه منطقه فناره قرب فايد ، واستغللنا الترعه الحلوه وبدأنا البحث عن دبابات العدو ، وكانت الاوامر هي الاشتباك مع العدو وتدمير ما يمكن من دبابات العدو
وقمنا بالاشتباك مع دبابات العدو التي رصدناها وتمكنت المجموعه من تدمير عربيتين نصف جنزير بمن فيها
وفي اليوم التالي الموافق 18 اكتوبر تمكنا من تدمير دبابتين وعربه مدرعه نصف جنزير للعدو
في اشتباكات متفرقه وصلت الي خمس اشتباكات علي مداراليومين ، وبحساب القتلي الاسرائيليين نجد ان مجموعتي قد قتلت ما لا يقل عن 40 جندي اسرائيلي
وما كنت اراه بعيني مختلف تماما عن التلقين الذي تلقيته قبل الاشتباك ، فدبابات العدو كثيرة جدا جدا وتتحرك جنوبا بسرعه كبيرة وقد قمت بأرسال بلاغ الي قياده المجموعه 145 صاعقه
(( يا فندم – الصواري عندي كتير – انا جنب النادي دلوقت ، وذخيرتي خلصت )) فأصدر لي العقيد سيد الشرقاوي امرا بالارتداد الي المعسكر بالقاهرة لاعاده التموين مره اخري ، وكانت كلمه الصواري الكثيرة تعني العربات المتحركه .
فلم ينقطع الطيران الاسرائيلي من الطيران فوق رأسنا ، وضرب اي اهداف قد تشكل اي تهديد علي القوات الاسرائيليه .
وكان مشاهد عودتي من الدفرسوار الي السويس فرصه لمشاهده ما يحدث واستيعاب ان القوات الاسرائيليه تتحرك بأندفاع سريع بهدف كسب اي ارض ممكن بأسرع وقت
فأرتددنا الي منطقه جنيقه ومنها الي منطقه المثلث بالسويس ، وتوجهت الي مكتب مخابرات السويس وسلمته خرائط اسرائيليه حصلت عليها من احد العربات المدرعه التي دمرتها ، فنظر فيها الضابط متعجبا واخبرني انها خرائط خاصه باحد الويه الجنرال شارون المدرعه وان ما دمرته هي عربه قياده احد اللواءات ، واخبرني بمدي اهميه تلك الخرائط ، وشكرني ، وتركته
بعدها قابلت ضابط المخابرات مدحت مرسي في السويس واحتضنني الرجل واخبرني انه يحمل خبرا سيئا فقد اصيب ابراهيم الرفاعي امس ( الموافق 19 اكتوبر 73) فأرتعشت يدي ودمعت عيني ورددت عليه (( ابراهيم مش ممكن يصاب – ابراهيم استشهد ))
عدت الي القاهره يوم 21 اكتوبر بمجموعتي كامله وبدون اي خسائر الحمد لله ، وكان ذلك نتيجه قوة تدريب الجنود معي وروحهم المعنويه العاليه فقد كانوا يتلقوا التعليمات العنيفه مني بحب ، رغم انهم يعلمون انني ارسلهم للموت ، لكنهم كانوا مقبلين علي الموت والشهاده بكل حب ، وللحقيقه ان تحركنا داخل الارض التي احتلها الجيش الاسرائيلي في الثغرة كان سهلا جدا ، فقد كانوا يتواجدون في الدفرسوار وفايد لكنهم لا يسيطرون علي كل الاراضي ولا يعرفون ما الذي يحدث فيها ، وذلك اعطانا حريه حركه
لكن الملاحظه المهمه هنا هي السيطرة الجويه الاسرائيليه الكامله علي سماء المنطقه بعد ان قاموا بتدمير محطتي الدفاع الجوي بالمنطقه وفتحوا ثغرة في حائط الصواريخ مكنتهم من التحرك فوق رأسنا بحريه تا