أخبار متفرقة لها معنى ودلالات...
أ-الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلو يريد تحديث ميثاق المنظمة التي تضم 57 دولة لمحاربة التطرف والفقر ويتبنى لغة «تجسد الاعتدال والتسامح في الاسلام ويركز على التنمية والتضامن في الحركة بين الاعضاء»، بحسب تعبيره. ب-ايران أصدرت طابعاً بريدياً يحمل رسم القائد العسكري في «حزب الله»، عماد مغنية، تكريماً له. وحسب ما نقلت صحيفة «الرأي العام» الكويتية عن وزير الاتصالات الايراني محمد سليماني «ان الطابع مزين بتوقيع قائد الثورة الاسلامية في ايران آية الله علي خامئني، وسيعرض في 30 متحفاً عالمياً وستقدم نسخة منه الى أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله. ج-هدنة ضمنية بين اسرائيل و «حماس» في غزة ينفيها الطرفان، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يعلن ان «حماس» و «الجهاد الاسلامي» تتفاوضان مع اسرائيل لتجنب استهداف قادتيهما، ورئيس الحكومة الفلسطينية المقالة اسماعيل هنية يتعهد «مساعدة» جهود الوساطة المصرية للتهدئة بين «حماس» واسرائيل والتي باتت الإدارة الأميركية متحمسة لها. د-وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير يقول: لا عودة عن المحكمة الدولية لمحاكمة الضالعين في الاغتيالات السياسية الارهابية في لبنان، وفي مقدمها جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه «ولا أعرف من يبحث عن ضمانات لدمشق» بأن المحكمة الدولية لن تمس أفرادا من عائلة الرئيس السوري بشار الأسد. هـ- تقديرات قاتمة للاستخبارات الاسرائيلية بأن إيران التهديد الأبرز في خمس جبهات، وان هناك احتمالا قويا لتجدد المواجهات مع «حزب الله» بما قد يشعل الجبهات الأخرى. و- نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني يبدأ الأحد جولة على المنطقة لتقديم تطمينات بالتزام عملية السلام.
في البدء، شكراً للأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي. محاولاته تحديث ميثاق المنظمة لاقت - نجاحا أم فشلاً مع انتهاء القمة الاسلامية اليوم في السنغال - محاولات مهمة، لأنه يضع في الواجهة ضرورة محاربة المتشددين المتطرفين والعنف وسط المخاوف بشأن المشاعر المعادية للاسلام. إنه يتقدم بوصفة التفاهم على محاربة الفقر والتطرف معاً إذا كان في مجال للتفاهم بين الاسلام والعالم. انه يدفع بمنظمة فائقة الأهمية من حيث عضويتها الى مقاومة الاندفاع الى التطرف والتغني به انتماء اسلامياً. بالمقارنة، ان الجمهورية الاسلامية في ايران ترفع راية التطرف وابتزاز مبدأ المقاومة لتتوسع وتفرض نموذجها الايديولوجي والديني المتشدد على الآخرين في منطقتها. وزير خارجيتها منوشهر متقي شارك في جنازة عماد مغنية في لبنان، على رغم ان مغنية مطلوب في 42 دولة. وها هو وزير الاتصالات الايراني يتباهى بطابع بريدي أصدرته ايران لمغنية «مزين» بتوقيع خامئني. قد لا يعرض الطابع في 30 متحفاً عالمياً، كما يدعي سليماني، انما مجرد إضافة الطابع البريدي الى المشاركة العلنية لوزير الخارجية في الجنازة يشكل رسالة تحدٍ من نوع آخر يجب على العالم الاسلامي والعالم الغربي ان يفهما مغزاه، والمغزى هو: اليكم نقدم التطرف، وعليكم ندفع بالتطرف. فإيران اصبحت مقر التطرف، عندما أتت ثورة آية الله الخميني والتهمت ثورة الايرانيين الآخرين الذين اعتقدوا انهم يأخذون ايران الى مستقبل مختلف تماماً عن حاضر حكم الملالي في الجمهورية الاسلامية. ايران تصنع التطرف في منطقة الشرق الوسط، وشركاؤها في ذلك ليسوا فقط سورية و «حزب الله» و «حماس»، وانما شريكها الخفي الأول هو الحكومة الاسرائيلية.
حلف التطرف هذا لا يريد حلاً سلمياً تفاوضياً يسفر عن قيام الدولة الفلسطينية الى جانب دولة اسرائيل. أطراف هذا الحلف يراقصون بعضهم بعضاً على نغمة استدراج هنا وجفاء هناك، انما بوقع مضر ومرير يدفع ثمنه المدنيون في فلسطين ولبنان... وكذلك في العراق حيث لحلف التطرف أكثر من شريك خفي وعلني يتمثل في ميليشيات ومنظمات واستخبارات والى ما هنالك من أدوات مميتة. هذا بالطبع الى جانب شراكات سياسية على نسق شراكة قادة في الحكومة العراقية مع قادة ايران. إنما عودة الى فلسطين واستقطاب التطرف باسمها وفيها، ملفت جداً ما يحدث من «هدنة» أو «تفاوض» او «صفقة» بين حكومة اسرائيل وبين «حماس» في مقريها في غزة ممثلة باسماعيل هنية، وفي دمشق ممثلة بخالد مشعل. ملفت ليس لغرابة الصفقات أو التفاهمات بين اسرائيل و «حماس»، لا سيما وان اسرائيل هي التي عكفت على انشاء «حماس» من أجل إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية، ملفت لأن «التهدئة» أو «الهدنة» قد يكون هدفها الالتفاف المشترك على عملية المفاوضات.
فالهدف المشترك بين الحكومة الاسرائيلية و «حماس» ومن معها تطويق المفاوضات السلمية لأن داخل الحكومة الاسرائيلية يوجد من لا يريد السلام مع الفلسطينيين ولا يريد تنفيذ خريطة الطريق لقيام الدولة الفلسطينية. وداخل «حماس» وأقطاب حلف التطرف الآخرين يوجد تجمع لكل من يرفض حل الدولتين والمفاوضات السلمية ومن يريد اسقاط «السلطة الفلسطينية» برئيسها محمود عباس ورئيس الحكومة سلام فياض. فليس لدى حكومة اسرائيل، وبالذات وزير الدفاع ايهود باراك، جهوزية للدولة الفلسطينية وللسلام. وليس لدى «حماس» أدنى جهوزية للموافقة على دولة فلسطين الى جانب دولة اسرائيل.
«حماس» تريد الاستمرار الدائم بأدوارها المتمثلة في تناقض طبيعي بين المقاومة المسلحة، والمفاوضات السلمية، والقيادة الدينية والروحية. وهي تقدم كل شيء ممكن لها من أجل البقاء.
مواقف الحكومة الاسرائيلية مدهشة إذا كانت حقاً تسعى وراء الحل السلمي التفاوضي، ذلك لأن مقتضيات ومتطلبات هذا الحل واضحة تماماً، وعربة هذا الحل هي الاعتدال. فإذا كانت تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية ان حلف التطرف العربي - الايراني المتمثل بإيران سيطوقها في خمس جبهات، غريب جداً أنها لا تعكف على مفاوضات جدية مع السلطة الفلسطينية تؤدي الى نتائج ملموسة تطيح بالتطرف وتقوي أواصر الاعتدال.
خلاصة ما أبلغه سلام فياض الى الإدارة الأميركية عندما زار واشنطن قبل أسابيع هو ان «السلطة الفلسطينية لن تستطيع ان تتحمل استمرار رفض اسرائيل اتخاذ اجراءات على الأرض وفي المفاوضات لا تمكن الجانب الفلسطيني المعتدل من الاستمرار. قال للمسؤولين الاميركيين ما معناه ان «السلطة الفلسطينية غير قادرة على لعب دور الشاهد الغائب على ما ترتكبه اسرائيل من جرائم». قال ما معناه انه «لا توجد مفاوضات جوهرية، ولا شيء ايجابي على الأرض»، ومع تحول غزة الى قوة ضاغطة ضخمة ومهيمنة وغير قابلة للضبط على نسق المثل القائل «الغوريلا بوزن 800 طن» يجب على الإدارة الاميركية ان تعيد التركيز على ما تحتاجه عملية السلام حقاً.
هناك محاولات من قطاعات عدة مختلفة جداً في انتماءاتها لدرجة تثير الريبة، لتصوير الوضع الراهن على انه فشل للسلطة الفلسطينية واعتدالها، وانه اقرار في سرائيل وداخل الإدارة الأميركية بأن لا مناص من التفاوض مع «حماس» وعبر «حماس». هذا كلام فارغ يعكس غباء سياسياً، على رغم حسن نية بعض الداعين له، ولعلمهم، انه كلام المحافظين الجدد الذين حفروا لذوي حسن النية بؤرة الانهيار. إنه حملة منظمة من أجل تسويق التطرف على حساب الاعتدال.
العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني حمل الى جامعة «برنستون» العريقة رسالة اعتدال واعية في فحواها، جميلة في وطأتها. تحدث عن عزلة اسرائيل الدولية لأن «ثلث سكان العالم» لا يعيش بسلام مع اسرائيل، ولن، طالما تستمر بالاحتلال. حذر من الاخفاق في «اتخاذ الخطوات الضرورية لحل المشكلة المحورية الاساسية في المنطقة»، فلسطين. وقال ان الاخفاق سيجعل من الصعب جداً على دول الشرق الأوسط «ان تعمل بشراكة مع أميركا في المستقبل».
اصر على انخراط اضافي وجدي للإدارة الاميركية لأن تفويت فرصة وضع الأساس عام 2008 لإنشاء دولة فلسطينية سيقوض السلام ويعرضه لنكسة «وسيستمر المتطرفون في العمل، وسيلحق الضعف بقوى الاعتدال والتغيير الإيجابي». أثناء لقاءاته مع الأمين العام للأمم المتحدة والمسؤولين الاميركيين في واشنطن، تحدث العاهل الأردني عن مخاوفه من الأوضاع الراهنة في المنطقة، وشاطر محدثيه قراءته للمخاوف السورية من مسألتين اساسيتين هما: مخاوفها من الاستبعاد عن العملية السلمية بما يحرم دمشق من التحدث عن الجولان، ومخاوفها من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
بديهي ان اي شخص مسؤول لن يفكر ولن يقبل بحمل رسالة من دمشق ليوصلها الى نيويورك وواشنطن فحواها التالي: صفقة لإعطاء ضمانات للنظام السوري تحمي المقربين من الرئيس السوري من اتهامات قد توجه اليهم في المحكمة الدولية مقابل الحصول من سورية على تسهيل الأمور في لبنان والضغط على «حزب الله» و «حماس» من أجل تسوية في لبنان وتهدئة الأمور في فلسطين. أي عاقل في اي منصب في أي دولة يعرف تماماً ان لا مجال للحديث عن صفقة اعطاء عائلة الرئىس «حصانة» من الإدانة في محكمة انشأها مجلس الأمن الدولي. فلقد خرجت المحكمة الدولية عن اي مقايضات وصفقات، منذ ان صدر قرار انشائها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لا أحد بكامل عقله يمكن ان يفكر بصفقة ضمانات وحصانات لأن دخوله طرفاً في مثل هذه الصفقة ينطوي على تعطيل القضاء، وفي هذا إدانة ليس فقط للذين اقترفوا الجرائم وانما للذين حاولوا التغطية عليها.
اي عاقل لن يفكر بمثل هذا المنطق لأنه ناسف للصدقية، ويدمر كل من يتذاكى على الواقع، ويعري من يمارس السيطرة القاطعة ذات السيف القاطع بحدين. فلا عودة عن المحكمة وعن محاكمة أي كان وهذا ما يثير الذعر في دمشق مهما اختلف التظاهر.
العبرة الأهم تكمن في كيفية التعاطي مع الخوف من التخويف. جيران سورية خائفون من القوة التي تستمدها دمشق من تحالفها مع ايران، وبعضهم يخاف جداً من انتقامهما ومضايقتهما.
لا يحق للأطراف التي تدعي انها اساس في جبهة الاعتدال ان تتنحى عن الاعتدال كاستراتيجية اقليمية عندما يسوغ لها ان مقومات العلاقة الثنائية هي أولويتها حتى وان تطلبت تشجيع التطرف.