فكرت في استخدام السلاح النووي.. وديان يتحدث عن تدمير دمشق تاريخ النشر : 2010-10-07
غزة - دنيا الوطن
كشفت وثائق جديدة عن حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 في تل أبيب، الليلةقبل الماضية، عن أن قادة الدولة العبرية في ذلك الوقت وإزاء شعورهم بالخطرالوجودي على إسرائيل، تداولوا خلال الأيام الأولى من الحرب حول إمكانيةاستخدام «السلاح الأخير»، وهو ما يعرف وفقا لمصادر أجنبية بالسلاح النووي،ضد سورية بشكل خاص. وأن اقتراحات وردت أيضا حول إمكانية قصف الأحياءالمدنية في دمشق بقصد قتل أكبر عدد من المدنيين.
ففي مرحلة معينة، بعد أن تمكن الجيش السوري من تحرير هضبة الجولان،واستطاع الجيش المصري عبور القناة وتحطيم خط الدفاع القوي العروف باسم «خطبارليف» على طول قناة السويس والتقدم إلى عمق سيناء، قالت رئيسة الوزراء،غولدا مئير، إنها تفكر «بشيء مجنون»، وطلبت أن لا يتسرب هذا بأي شكل منالأشكال. وأشركت في تفاصيل أفكارها رئيس أركان الجيش، ديفيد العزار، وحده.
وكان مسؤول أرشيف الدولة التابع للحكومة قد قرر نشر المزيد من الوثائقالرسمية عن الأيام الأولى لتلك الحرب، (اثنان نشرا أول من أمس و6 وثائقنشرت الليلة قبل الماضية)، التي تلقى اهتماما وتأييدا كبيرين في صفوفالمواطنين ووسائل الإعلام وتثير في الوقت نفسه تساؤلات كبيرة: لماذا النشرالآن وما الهدف منه. فتجد بعض المهتمين في اليمين، يشكون بأن هناك نواياغمز ولمز لرئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، الذي يدير بسرية تامةالمفاوضات مع الفلسطينيين، حيث إن الوثائق تبين أن «الحقيقة ستظهر آجلا أمعاجلا» وأن «قادة إسرائيليين كانوا يعتبرون أسطورة مثل موشيه ديان يمكنفضحهم حتى بعد 37 سنة وإجراء حساب مع تاريخهم وإظهارهم على حقيقتهم».
وهناك من يرى النشر إشارة إلى خطورة الكذب على المواطنين، والقول إن الحرباضطرارية، فحرب أكتوبر نشبت لأن إسرائيل استهترت بقدرات العرب ورفضتعروضهم في تلك الحقبة لإبرام اتفاقيات سلام مع إسرائيل. وتشير الوثائق إلىكم كانت تقديرات القيادة الإسرائيلية خاطئة تجاه قوة العرب وقدراتهم علىالقتال.
وتعيد الوثائق الأخيرة قصة أشرف مروان، زوج ابنة الرئيس المصري الراحل،جمال عبد الناصر، الذي كان مقربا أيضا من الرئيس السادات. وأمر وزيرالدفاع موشيه ديان بقصف الرادارات الأردنية في حال اكتشاف تنسيق بينهاوبين المصريين والسوريين. كما تظهر الوثائق الاقتراحات الاستثنائية حولتجنيد الاحتياط، إذ يقترح ديان، استدعاء الإسرائيليين الذين تجاوزوا سنالتجنيد، وكذلك اليهود المقيمون خارج إسرائيل. وكان هناك اقتراح أيضابتجنيد من هم دون سن الـ18 من شبان يهود يتمتعون بالروح الوطنية، وذلك حتىيكونوا جاهزين للحرب في حال استمرارها طويلا. واقترحت غولدا مئير السفرإلى الولايات المتحدة بشكل سري لا يكشف حتى للوزراء، زيارة قصيرة مدتها 24ساعة برفقة جنرال في الجيش لتلتقي الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، لتطلبمنه الوقوف إلى جانبها في مواجهة العرب والاتحاد السوفياتي وتزويدهابمعونات عسكرية كبيرة، تتضمن 40 طائرة مقاتلة و400 دبابة.
وتكشف الوثائق عن أن الجيش الإسرائيلي بدأ يخطط في أول يوم للحرب لإخلاءالأطفال من مناطق التماس القريبة من جبهات القتال.. الجولان وسيناء،وتحديدا شرم الشيخ وأبو رديس.
ويتضح أن الإسرائيليين كانوا قد بحثوا في إمكانية القيام بمبادرة حربيةقبل ساعات من نشوب حرب أكتوبر، فالمعلومات التي وصلت إليهم من الأردن ومنمصر حول قرار سوري - مصري بالحرب، بدت جدية، ولكنهم اختلفوا في تقويم مدىجديتها. وكان رئيس الأركان، الجنرال دادو (ديفيد إلعزار)، الأكثر جدية فيالتعامل مع التحذيرات وإدراكا لخطورة الموقف، ولذلك أصر عشية الحرب علىتجنيد أكبر وأكثر كثافة في صفوف الجيش؛ أما ديان، فقد بدا متخبطا: «أنامقيد، أقترح تجنيد كل احتياط القوات الجوية، وتجنيد فرقتين مدرعتين فيالجولان وسيناء، وذلك يتطلب ما بين 50 - 60 ألف جندي، وربما أكثر قليلا..إذا تفاقمت الأمور وبدأ إطلاق النار، فحينها يمكننا الذهاب إلى التجنيدالشامل.. أما غير ذلك، فإنهم سيظنون أننا ذاهبون نحو الحرب.. لو رأيت أنهلا مفر، كنت سأجند كل الجيش». أما دادو، فلم تكن تهمه آراء الساحة الدوليةوالعرب، أو أن يقال إن إسرائيل تستعد لبدء الحرب، كل ما كان يهمه أن يفقدالعرب القدرة على المفاجأة وأن يقال أخيرا «إن الإسرائيليين بدأوا الحربوانتصروا.. ليتهم يقولون ذلك».
ومقابل معارضة ديان للضربة الاستباقية، تظهر الوثائق أن دادو كان متحمساجدا لها، فهي ذات مزايا ضخمة بالنسبة للإسرائيليين من جهته، وقد بين أنالإسرائيليين يمكنهم تدمير السلاح الجوي السوري مع الساعة الـ12:00 مناليوم الأول للحرب، وقبل اندلاعها، وأنهم سيحتاجون بعدها لـ30 ساعة حتىيتمكنوا من تدمير المنظومة الصاروخية العربية: «هذا الأمر يغريني جدا منالناحية التطبيقية.. إن كانوا سيهاجمون الليلة، فإن ذلك سيعتبر إنجازاومفاجأة لصالحنا». ويتضح من إحدى هذه الوثائق أنه في الوقت الذي بدأ فيهالسوريون زحفهم المدفعي المتوسط نحو الجبهة، وكان فيه المصريون يظهرونوكأنهم في حالة هجوم، كانت هناك دلائل عدة لدى الإسرائيليين على أن العربالآن قد تجاوزوا مرحلة الدفاع ودخلوا مرحلة الهجوم. إلا أنهم عاشوا حالةمن الاستهانة بالخصم وعدم إدراك قوته الحقيقية. ويظهر ذلك من أقوال بعضقادتهم، تؤكد أن السادات لن يجرؤ على بدء الهجوم لأنه متأكد من خسارتهالحتمية، ولأنه يعرف أن موازين القوى لم تتغير منذ حرب يونيو (حزيران)1967. وقال إيلي زعيرا، رئيس الاستخبارات الإسرائيلية، «إن العرب في الحربالسابقة لم يحاولوا أن يخفوا شيئا، أما الآن فهم يفعلون ذلك ظنا منهم أننالا نعرف نواياهم. إنهم ناضجون تقنيا وهجوميا للحرب». وتابع: «وفقا للخطةالتي نعرفها، فإن كل شيء جاهز لديهم، ورغم هذه الحقيقة، ووفقا لمعرفتي،فهم يعرفون أنهم سيخسرون. السادات اليوم ليس في وضعيةٍ يضطر فيها للذهابإلى الحرب.. كل شيء جاهز، لكنهم غير مضطرين».
ويظهر من الوثائق، وكأن القادة الإسرائيليين يحاولون تعليق تقصيرهموتململاتهم على مشجب الساحة الدولية، فديان يخشى أن يقال إن الإسرائيليينهم السبب في اندلاع الحرب، ولا يقصي احتمال أن يتبنى الأميركيون هذاالرأي، خصوصًا أن معلوماتهم تفيد بأن لا نوايا عند العرب لمهاجمةإسرائيل.. ولتجنب مثل هذا السيناريو، اقترح أحدهم، هشومير هتسعير، «أنيكون التجنيد على مراحل، تماما كما هي سياسة فرق، مما لا يثير شك العالمالذي سيظهر بكل حقارته.. لن يصدقونا». بين رأي ديان بالتجنيد المتواضع،ورأي رئيس الأركان، دادو، بالتجنيد الشامل والكبير، تخبطت غولدا مئيركثيرا، لكنها قررت في النهاية أن ترجح كفة دادو وأن تجند 200 ألف جندي،تماشيا مع تخميناته. وتكشف الوثائق أن جدالا وقع بين غولدا مئير والقادةالأمنيين حول طبيعة التعامل مع الأميركيين، هل يقومون بمنح هنري كيسنجرصورة جزئية ومحرفة عن وضع إسرائيل القائم، يظهرها بأنها في وضعية أصعببكثير مما هي عليه، وذلك حتى تكون المساعدات الأميركية أكبر، أم أن تنقلله الصورة الحقيقية والصادقة؟. فقالت مئير: «يجب أن نبرق له بتفاصيلالتفاصيل، حتى يتلقى الصورة الحقيقية، لا يمكننا أن نتلاعب معه».
وتظهر الوثائق أيضا أن القيادة الإسرائيلية لم تكن مستعجلة نحو الذهابلقرار وقف إطلاق النار، يصدره مجلس الأمن باقتراح أميركي، فقد كانت تخشىأن يكون لذلك عواقب وخيمة تضر بإسرائيل، وفضلت أن تدحر الجيش المصري إلىما وراء القناة من خلال ضربه واجتثاثه، الأمر الذي لن يتحقق في حال أصدرقرار بوقف إطلاق النار.
وخمنت غولدا مئير أنه لا ضير من مناقشة الموضوع في الهيئة العامة للأممالمتحدة، رغم تحذيرات كيسنجر لها بأن الغلبة في الهيئة للعرب وأصدقائهم،إذ رأت أن الأميركيين لن يخضعوا للضغوط الدولية لوقف إطلاق النار، لا فيالهيئة ولا في مجلس الأمن، ولذلك فلا خشية من طرح الموضوع أمام الهيئة.وكشفت الوثائق عن أن غولدا مئير منحت لقادتها العسكريين خلال يومي 8 و10أكتوبر الإذن باستهداف مواقع في العمقين المصري والسوري، مهما كلف ذلك منقتل للمدنيين، وذلك بهدف تشكيل ضغط على القوات العربية للتراجع، فسمحتلرئيس الأركان بأن يستهدف 4 مواقع مدنية على الشاطئ المصري، بعد أن بينطلبه قائلا: «فليقلقوا.. يجب الضغط عليهم، فهم في نهاية الأمر بشر». كماأظهر موشيه ديان ثقة كبيرة بقدرة القوات الإسرائيلية على حسم المسألة معالسوريين، وطلب أن يتم قصف أهداف في دمشق بصورة غير مسبوقة، وإن أدى ذلكإلى تعرض تل أبيب لضربة مضادة: «هناك أمر.. لا انسحاب من الجولان، نحاربحتى الموت. أنا أقترح وأطلب الموافقة.. تفجيرات داخل دمشق.. داخل المدينةومحيطها. يجب كسر السوريين».