النظم الحالية للدفاع الجوي التي تطلق من على الكتف قد يكون الصاروخ (ستنجر) هو أشهر أنواع الصواريخ التي تطلق من على الكتف وقد يرجع ذلك إلى ما حققه من نجاح .
دخل هذا النظام الخدمة مع الجيش الأمريكي في نهاية عام 1980 وحل بذلك محل النظام السابق الذي كان يطلق عليه (رد آي) (Red Eye). يمكن لهذا النظام أن يشتبك مع الأهداف المعادية من أي اتجاه حتى في وجود الإجراءات المضادة باستخدام الأشعة تحت الحمراء. وبالرغم من أن النظام( ستنجر) يتم استخدامه بواسطة فرد واحد إلا أن جيوشاً كثيرة تستخدمه مع فردين حيث يعمل أحدهما رامياً بينما يعمل الفرد الثاني مراقباً ومشغلاً لنظام الاتصالات باللاسلكي .
ويوجد نظامان للصاروخ ستنجر أحدهما ذاتي الحركة محمل على مركبات يطلق عليه أفنجر (Avenger) والآخر يطلق عليه لاين باكر (Linebacker) وتحمل المركبة الواحدة أربعة صواريخ جاهزة للإطلاق ويستغل بهذه الطريقة كنظام دفاع جوي قصير المدى جدا محمل على مركبات.
| تم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لرؤية الصورة كاملة. الحجم الأصلي للصورة هو 4000 * 3200. |
تم في السنوات الأخيرة إجراء عدة تحسينات على الصاروخ (ستنجر) ليمكنه مواجهة الأهداف والإجراءات المضادة التي تتطور باستمرار. شملت تلك التحسينات استخدام وحدة معالجة صغيرة قابلة لإعادة البرمجة (Reprogrammable Micro Processor - RMP) وذلك بالإضافة إلى استخدام أشعة ثنائية اللون تحت الحمراء وفوق البنفسجية في التوجيه وذلك لمقاومة الإجراءات المضادة. أدت التحسينات التي تم إجراؤها على الصاروخ ستنجر من المجموعة الأولى (Stinger Block 1) إلى تحسين دقته ضد الأهداف البطيئة مثل الصواريخ الجوالة وذلك بالإضافة إلى تحسين القدرة على الاشتباكات الليلية.
يتم دراسة إجراء عدة تحسينات في المجموعة الثانية (Block 2) مثل استخدام مصفوفة المستوى البؤري (Focal Plane Array) التي ستحسن قدرات الصاروخ على الإمساك بالهدف.
تقوم المملكة المتحدة بإنتاج النظامين ستار ستريك وستار بيرست (Starburst) وبالرغم من أنهما يستخدمان نفس الصاروخ إلا أنهما يختلفان في خفة الحركة. قامت وزارة الدفاع البريطانية باختيار النظام ستار ستريك المحمل على مركبة ليحقق مطالبها لنظام دفاع جوي قصير المدى للقرن الحادى والعشرين، ودخل هذا النظام الخدمة مع الجيش البريطاني في عام 1997. يتميز الصاروخ ستار ستريك بأنه فائق السرعة وتحتوي رأسه الحربية على ثلاث وحدات من ذخائز العيار المصغر يتم انفصالها عندما تصل سرعة الصاروخ إلى ثلاثة أضعاف سرعة الصوت (3 ماخ) حيث يتم توجيهها جميعا بالليزر إلى الهدف، ويعمل النظام ستار بيرست، وهو النظام الأقدم، كنظام مفرزة (DETPADS) حيث يتم إطلاقه من فوق قاعدة ثلاثية الأرجل كما توجد منه نسخ يمكن إطلاقها من على الكتف أو من على مركبات. تعتبر الكويت إحدى الدول المستخدمة لهذا النظام. يستخدم الصاروخ ستار بيرست التوجيه باستخدام نظرية ركوب شعاع الليزر
وتقوم السويد بإنتاج النظام RBS 70 حيث تستخدمه أكثر من عشر دول. يستخدم صاروخ هذا النظام نظام التوجيه بركوب شعاع الليزر وبذلك يتمتع بمقاومة أكبر للإجراءات المضادة مقارنة بالأنظمة الأخرى التي تستخدم الأشعة تحت الحمراء في التوجيه. تتمتع النسخة المطورة من هذا النظام وهي النسخة ماركة (RBS - 70 MK2) بخصائص أفضل حيث تم زيادة مداها ليصل إلى 7 كيلومترات وارتفاع الاشتباك لها يصل إلى 4 كيلومترات، وتتمتع تلك النسخة بخاصية تمكن الرامي من القدرة على وقف الاشتباك باستخدام خاصية التدمير الذاتي للصاروخ قبل وصوله إلى الهدف متى لزم الأمر.
| تم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لمشاهدة الصورة كاملة. الصورة الأصلية بأبعاد 785 * 624 و حجم 38KB. |
يستخدم الصاروخ الفرنسي ميسترال (Mistral) تقنية التوجيه بالأشعة تحت الحمراء.
تم تطوير الصاروخ( ميسترال 1) إلى( ميسترال 2 ) فقد تم زيادة سرعة ومدى النسخة الأخيرة وقدرتها على المناورة. يحتوي النظام (ميسترال 2 )على قواذف صاروخية محملة على مركبة بالإضافة إلى محطة للسيطرة على النيران(تنسيق النيران مجهزة بوحدات استشعار تشمل راداراً أو أجهزة استشعار كهروبصرية)، كما يمكن لتلك المحطة الاتصال بالمستويات الأعلى.
قامت سلطنة عمان بطلب هذا النظام.
يمكن أيضا استخدام الصاروخ ميسترال من على قاذف ثلاثي الأرجل وأثناء التحرك يمكن فك النظام لحمله بواسطة فردين.
لقد حازت نظم الدفاع الجوي السوفيتية عموما، وخصوصا الأنواع المحمولة على الكتف، شهرة كبيرة أثناء حرب تشرين 1973 حيث أظهر الصاروخ السوفييتي من النوع Strela - 2n (المعروف لدى حلف الناتو باسم SA - 7) قدرة كبيرة على تدمير الأهداف الجوية المعادية المختلفة. قامت عدة دول بإنتاج نسخ مطورة من الصاروخ ستريلا، منها باكستان حيث قامت بإنتاج نسخة يطلق عليها اسم (أنزا ماركة 2) ANZAMK II تم تطويرها في معامل الدكتور عبدالقادر خان البحثية.
قامت روسيا بتطوير صواريخها من هذا النوع حيث تقوم بإنتاج الصاروخ إجلا (IGLA) (المعروف لدى حلف الناتو باسم SA - 16).
تتميز النسخة الأخيرة باستخدامها وحدة توجيه متقدمة تستخدم قناة مزدوجة للأشعة تحت الحمراء بها نظام للتعرف على الهدف ووحدة للتقدير الآلي لمنطقة الإطلاق ووحدة للإدخال الآلي لزواية السبق وزاوية الارتفاع.
قبل أن نختتم حديثنا عن نظم الدفاع الجوي الحالية التي تطلق من على الكتف، قد يكون من المفيد أن نتناول النظام الألماني الذي قد جمع بين اتجاهات التطوير الحالية لتلك النظم حيث يتجه التطوير بصفة أساسية إلى تطوير تلك النظم لتكون جزءاً من نظام الدفاع الجوي الأرض المتكامل وليس جزءا منفصلا يعتمد في تعامله مع الأهداف الجوية المعادية على التقدير الشخصي للرماة أو الطاقم.
النظام الألماني للدفاع الجوي قصير المدى
في يونيو من عام 2001 احتفل الجيش الألماني بدخول أكثر النظم العالمية للدفاع الجوي قصير المدى تقدما وهو النظام الذي يشار إليه بالأحرف Leflasys (وهي الأحرف الأولى للكلمات الألمانية Leichtes Flugabwehr System وتعني نظام الدفاع الجوي الخفيف. يرجع تاريخ هذا النظام إلى عام 1992 حيث قامت شركة أطلس اليكترونيك (ATLAS Elektronik) بتبني مشروع استثماري خاص لتطوير نظام للدفاع الجوي الخفيف أطلقت عليه اسم (نظام أطلس للدفاع الجوي قصير المدى) Atlas Short Range Air Defense ASRAD) ليحقق مطالب الدفاع الجوي الأرضي لدول حلف الناتو في ظل المهام الجديدة للحلف. كانت المطالب الجديدة تدعو إلى تأكيد الحاجة التكتيكية لنشر قوات الانتشار السريع لقوات حفظ السلام وقوات فرض السلام.
في العالم التالي قام الجيش الألماني بنشر مطالبه الفنية والتكتيكية لنظام جديد للدفاع الجوي وتمت صياغتها بحيث تتيح تلك المطالب أكبر قدر من الحرية للشركات لتقديم أفضل الحلول الفنية لتحقيق تلك المطالب وشملت تلك المطالب مايلي:
@ الاشتباك المؤثر مع جميع أنواع الأهداف الجوية على ارتفاع 3500 متر ومدى 6000 متر.
@ التعرف وتحديد الأهداف على مسافة 20 كيلومتراً.
@ الإمساك الآلي بالأهداف ومعالجة المعلومات وعرضها ونقلها.
@ تحليل التهديد باستغلال الحاسبات الآلية والسيطرة على نيران حتى 8 مركبات حاملة للقواذف الصاروخية.
@ القدرة على العمل مع (Interoperability) نظم القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات التي عادة ما يشار إليها اختصاراً بالأحرف C3I (بما في ذلك النظم الأجنبية). كما ذكرنا سابقا .
@ إمكانية نقل النظام جوا بما في ذلك استخدام الطائرات العمودية.
في عام 1993 تم توقيع أربعة عقود لدراسة جدوى هذا المفهوم الجديد، وفي عام 1994 فازت شركة STN Atlas Elektronik في هذه المنافسة حيث تم توقيع عقد معها في عام 1995 لإنتاج مكونات النظام الذي يحقق المطالب السابقة، ولم تشمل دورة توفير النظام مرحلة التطوير وذلك لأن هذا النظام ما هو إلا تكامل مكونات موجودة فعلا في الخدمة في السوق العالمي.
وتتكون مكونات هذا النظام من الآتي:
@ الصواريخ ستنجر التي يتم إنتاجها في أوربا في شركة دورنير (Dornier) ويتم استخدامها مع الجيش الألماني كصواريخ دفاع جوي فردية تطلق من على الكتف أو كبديل لها الصاروخ الروسي من النوع (إجلا) (IGLA) أو ما يطلق عليه في حلف الناتو SA - 16 أو الصاروخ ميسترال.
@ المركبات المجنزة طراز (ويزل 2) WIESEL 2 الموجودة فعلا في الخدمة مع الجيش الألماني لصالح القوات المنقولة جوا.
@ المركبات ذات العجل طراز MB290GDT وطراز MB WOLF.
@ الرادار ثلاثي الأبعاد من النوع هارد (HARD) الذي تنتجه شركة اريكسون.
@ نظام للسيطرة على النيران.
يحقق النظام الجديد القدرة على وقاية الوحدات المنقولة جوا، كما يمكنه مسايرة الوحدات الميكانيكية أثناء تحركها.
يوفر هذا النظام لأطقم الأسلحة عرض الموقف الجوي في وقته الحقيقي كما يمكنه عرض مدخلات من مصادر القوات الحليفة. لقد أظهرت قوة النيران التي توفرها الصواريخ ستنجر عند إطلاقها من هذا النظام تحسنا كبيرا في الأداء، عند مقارنتها بأداء نفس الصواريخ التي تطلق من على الكتف، وذلك للمعلومات المبكرة التي يتم توفيرها عن الهدف، وزيادة مجال الاشتباك، والربط على الهدف من على مسافات أكبر.
يتكون نظام الدفاع الجوي الألماني الخفيف (Leflasys) من ثلاث بطاريات يمكن أن تعمل منفردة أو داخل شبكة للدفاع الجوي مكونة من عناصر أخرى.
تتكون كل بطارية من العناصر الآتية:
@ 15 منصة صواريخ يطلق عليها OZELOT (وحدات النيران) موزعة على ثلاث فصائل تتكون كل فصيلة من 5 وحدات نيران.
@ ثلاث مركبات للمراقبة، القيادة، وإدارة النيران (مركبات طراز ويزل محملة بالرادار).
@ مركبتان للقيادة إحداهما لقائد البطارية والثانية في قيادة اللواء لمساندة مجموعة الدفاع الجوي.
@ مركبة للاتصال مع الدفاع الجوي.
@ ثلاثة مركبات لمعدات الصيانة.
@ نظام واحد للتدريب- المحاكاة.
مهام ومحتويات مكونات النظام
يتم تركيب وحدة النيران OZELOT على مركبة مجنزرة طراز ويزل تم تطويرها بواسطة شركة أطلس اليكترونيك. تتكون وحدة النيران من قاعدة للتحريك في الاتجاه الأفقي والرأسي، مجموعة مشتركة من أجهزة الاستشعار وإلكترونيات النظام مع إلكترونيات الاتصال بالصواريخ، القاذف وبه أربعة صواريخ جاهزة للإطلاق (إما صواريخ ستنجر أو إجلا أو ميسترال)، وحدة السيطرة على السلاح وحزمة متكاملة من أجهزة الاستشعار تشمل جهاز استشعار للرؤية الأمامية بالأشعة تحت الحمراء (Forward Looking Infra - Red - FLIR) وأجهزة تصوير تلفزيونية وجهاز تقدير مسافة الليزر. يوجد أيضا باحث يعمل بالأشعة تحت الحمراء للبحث والتتبع (Infra Red Search and Track IRST) لتدعيم قدرة النظام على القيام بالعمليات الذاتية مستقلا عن أي مدخلات خارجية.
تشمل المعدات الأخرى نظاماً مختلطاً للملاحة يعمل بالقصور الذاتي وبالنظام العالمي لتحديد الموقع (GPS)، معدات اتصال لاسلكية، برامج للقيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات خاصة بالدفاع الجوي. يوجد أربعة صواريخ إضافية مخزنة في حاوية في مؤخرة الركبة. تدرس (أطلس اليكترونيك) استخدام خليط من الصواريخ المضادة للدبابات وصواريخ الدفاع الجوي.
تعمل المركبة المجنزرة للمراقبة والقيادة والسيطرة على النيران كمركز قيادة للفصيلة وتقوم بالمهام الآتية:
@ الكشف والتعرف على الأهداف الجوية باستخدام أجهزة الاستشعار السلبية والإيجابية.
@ تحليل التهديد.
@ تخصيص الأهداف.
@ نقل بيانات السيطرة على النيران إلى حتى 8 وحدات نيران.
@ نقل وعرض وتقييم الأوامر والتقارير الواردة إلى قيادة البطارية ومنها.
يتم تجهيز المركبة برادار ثلاثي الأبعاد من النوع (هارد) قادر على الإمساك بالأهداف الجوية على مسافة 20 كيلومتراً وارتفاع 5000 متر.
يقوم قائد البطارية بالسيطرة على الفصائل من خلال مركبة قيادة طراز (ويزل) حيث يتم تنسيق جميع المعلومات والتقارير الواردة من الفصائل وإصدار أوامر الاشتباك. توجد مركبة ثانية خفيفة على مستوى البطارية توفر الاتصال مع قيادة اللواء. يتم تحقيق الاتصالات بواسطة أجهزة راديو تعمل في نطاق الترددات العالية جدا (VHF) وأجهزة أخرى لنقل البيانات وأجهزة لنقل الصوت.
أبدت دول أخرى غير ألمانيا اهتمامها بهذا النظام حيث طلبت اليونان 54 وحدة نيران من هذا النظام سيتم تركيبها على مركبات 4×4 طراز وولف
(WOLF) التي يتم إنتاجها في اليونان. تأمل شركة أطلس المورد الرئيسي لهذا النظام في توسيع هذا العقد ليشمل مركبات للرادار والسيطرة على النيران.
من الدول الأخرى التي أبدت اهتمامها بهذا النظام فنلندا التي طلبت إجراء بعض التعديلات الإضافية، منها أن يُستبدل بالصاروخ ستنجر الموجه بالأشعة تحت الحمراء، الصاروخ RBS - 70 الموجه بركوب شعاع الليزر.
الدفاع الجوي أصبح آلية متكاملة وبالغة التعقيد في الرد على مختلف أنواع التهديدات الهجومية، وعلاقة التأثر والتأثير، لم تعد بحاجة إلى برهان، في سياق التشابك من جهة، والاختلاف من جهة ثانية، بين النظم الصاروخية والمدفعية المطلقة من الجو ووسائط الدفاع المصممة لمواجهتها. وانطلاقاً من ذلك، أصبح الدفاع الجوي، بالمعنى العريض والحديث للكلمة، آلية متكاملة وبالغة التعقيد، ذات عناصر يغلب عليها التكثيف والتركيب وتخضع لمنطق تدريجي متماسك في آلية الرد على التهديدات الهجومية القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى.
وحين يتم التحدث عن الدفاع الجوي، فأول ما يتبادر الى الذهن، مجموعة الطرائق الالكترونية التي تستفيد من أحدث المقومات التكنولوجية وتصب في مجال واسع لايشكل الرد المباشر إلا عنوانه الأبرز.
ومن هنا، أصبح الدفاع الجوي جزءاً من نشاط أعم، يحدد بشكل أو بآخر، مسارات العمل العسكري المرتبط بوضع تكتيكي معين، خاصة إذا كانت الاهداف البرية أو البحرية ترسم الطابع الهجومي للعمليات الجوية.
أن تكون الشركات الكبرى المصنعة للنظم الهجومية، هي نفسها وراء تصميم وتطوير النظم المضادة، ليس في ذلك ما يدعو الى الارتباك، بل ما يؤسس لعلاقة ترابط قلّما تجد معادلا لها في قطاعات التسلح الأخرى. وإذا كان مفهوم الدفاع الجوي قد تعزز بتقنيات طليعية وشهد قفزة نوعية خلال عقد التسعينات، فلعل السبب المباشر في ذلك، توافر تقنيات صاروخية خارقة الدقة محمولة جواً، ولعل من أبرز المعادلات الجديرة بالاهتمام خلال السنوات العشر الاخيرة، بالتزامن مع تجاوز مرحلة الحرب الباردة، ان نشاط الدراسات والابحاث العائد لتطوير المدافع والصواريخ وسبل مكافحتها لم يتأثر بخفض الموازنات، لا بل على العكس تكشفت محاولات وضع طرائق جديدة، يغلب فيها العامل النوعي على العامل الكمي وتسيطر عليها ظاهرة التعقيد عبر ادخال المزيد من المستشعرات الحساسة ووسائل الكشف وأنساق رد الفعل السريع في التعامل بفاعلية مع وضع تكتيكي مفاجئ في هذا السياق أو ذاك.
التوجه الأساسي يبقى في أى حال، في صلب المواجهات المحتملة واكثر السيناريوهات اقتراباً من أرض الواقع القتالي. من جهة، تعقدت آلية العمليات الجوية. كما دلت على ذلك بصورة أو بأخرى، الحملة الاطلسية على يوغوسلافيا في ربيع عام 1999 ثم حملة التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد افغانستان في خريف عام 2001 ومن جهة ثانية، توسعت دائرة النزاعات والازمات ذات الطابع الاقليمي وتوسعت معها احتمالات التدخل من جانب قوات دولية او اطلسية، وربما قوات اوروبية ابتداء من العام 2003 ويعني كل ذلك إعطاء نشر الوسائط الجوية الهجومية والدفاعية معاً، أهمية متزايدة، حتى في اطار سيناريوهات محدودة تراهن على إدارة الازمات اكثر من الدخول كطرف في النزاع.
الملاحظ خلال الثمانينات والتسعينات بشكل عام، ان الدول التي تتمتع بقوة عسكرية متوسطة او تندرج توازناتها في اطار اقليمي، عمدت الى التجهز بنظم للدفاع الجوى من المدى القصير والمتوسط بحيث تتكامل الى حد ما، آلية الربط بين الصواريخ والمدفعية. غير ان النظم الهجومية من الاجيال الجديدة، او قيد التطوير أو الدراسة، تدفع بالضرورة الى اعادة نظر جزئية على اساس التحديث لضمان فعالية النظم القائمة واحتمال تدعيمها بمقومات طليعية اذا أمكن.
ولا يخفى، ان المقاتلات متعددة المهام من الجيل الجديد على غرار "اف- 22" و "جوانت سترايك فايتر" في الولايات المتحدة والنموذج الاوروبى "يورو فايتر- تيفون" والنموذج الفرنسى "رافال" تتمتع بقدرات هجومية خارقة ومناورات فائقة لعمليات الانقضاض والانسحاب معا.
ومع كل المسؤوليات الاضافية التي يمكن ان تلقى على قطاع الدفاع الجوي لاسباب مالية وتقنية ولوجستية، لم يعد من المتيسر لدى العديد من قوات الدفاع الجوى، حيازة النماذج الصاروخية نفسها ومقذوفاتها الحقيقية، للقيام بمهام التدريب الهادفة الى الرد على تهديداتها. الا ان هذه الالية، التي تعتبر الأفضل علي الاطلاق في تكوين العناصر البشرية المؤهلة: اخذت تتراجع امام التقدم الحاسم الذى احرزته تقنيات التدريب والتشبيه، كأداة اساسية مكملة لعمل الصواريخ والمدافع، خاصة إذا أدمجت بالنظم المساعدة المختصة بالتحكم الكمبيوترى.
ومهما يكن، يبقى للعامل البشرى الدور الرئيسي، في توجيه النظم ووسائط الرد معا. وقد افادت التجربة اكثر من مرة، ان التجهيز الممتاز للوحدات الصاروخية والمدفعية المضادة، لايغني عن التجربة الانسانية ذات الكفاءة العالية والحس الإيجابي في تقدير الموقف التكتيكي في لحظة معينة، وكما في السابق، كذلك في الحاضر وعلى الارجح في المستقبل، يبقى تحييد الهجمة الجوية الاولى، على هدف بري او بحرى، الرد الافضل، بمعزل عن اصابة المقاتلة او الحوامة المهاجمة ام لا. إلا ان هذه الملاحظة تجوز ايضا في الاتجاه المعاكس، وتدفع الطيارين الى الرهان على فعالية الضربة الاولى كعامل مفاجئ لارباك الدفاعات الجوية والحد من خطرها.
يطرح ذلك اهمية نماذج التشبيه ومدى مماثلتها للنماذج الاصلية وان كانت عرضة لادخال تحسينات او تعديدلات حسب التقنية المتبعة. ومع ان هذا التوجه لم يبلغ مداه بعد، بمعزل عن النموذج الاساسي وفعاليته التكنولوجية، فالملاحظ ايضا، انطلاقاً من تجربة الفنيين والمشغلين، ان محاكاة النظم الصاروخية المتوسطة والطويلة المدى، اقل تعقيداً من محاكاة النظم القصيرة، نظراً لطابع الاستخدام الفردي المسيطر عليها وحساسية توفير افضل اشكال التوازن بين الوزن والاداء، مما يتطلب خبرة فنية عالية جداً.
إلى ذلك، إذا كان النموذج الاصلى لا يتغير، فان وسائط التشبيه لا تخضع لمسار تقني واحد والمهم في كل ذلك توفير الانسجام الافضل مع المحيط القتالي الفعلى، من دون الحكم بصورة مسبقة على فعالية او تفضيل تقنية محددة. ويضاف إلى ذلك بالطبع، ان مايجوز بالاجمال على الصواريخ لايجوز بالضرورة على المدافع، سوى في حالات تطوير برامج ثنائية، مصممة في الاساس للعمل على المستويين بالتناوب او في وقت واحد.
لقد اجتازت عملية التطوير، حقبة طويلة من التجارب، قبل التوصل إلى آلية التشبيه المقببة (على شكل قبة)، كنمط محسن لمماثلة الصواريخ جو- ارض وجو- بحر، بما فيها قصيرة المدى، لاسيما النظم التي تتميز بسعة الانتشار او تتمتع بخبرة عملياتية طويلة نسبياً.
ينطبق ذلك بالدرجة الاولى، على الصاروخ الاميركي طراز "ستينغر" من تطوير مجموعة "رايثيون" الذي مازال قيد الانتاج بعد أن خضع لسلسلة واسعة من التحسينات.
قد يكون الفرع الالماني المختص "دورنييه" التابع لمجموعة "دازا" التى اصبحت بدورها من اسس التكتل الأوربي EADS، من اوائل الذين نجحوا في تطوير آلية محاكاة مناسبة لصاروخ "ستينغر" إلا ان هذا التحقيق، تزامن الى حدًّ ما مع نظام تشبيه طورته المجموعة الامريكية المصنعة، الى جانب نموذج آخر من الفئة المقببة من شركة AAI التابعة لتجمع الصناعات الحربية الاسرائيلية، فيما تبعت الصناعة الهولندية منحى اخر عبر جهاز الفيديو المتقدم لاغراض التدريب NAL الذي يتميز من جهة بمحاكاة الوضع القتالي التكتيكي، ومن جهة ثانية بالملاءمة مع طرازات صاروخية أخرى قصيرة المدى.
في المقابل طورت المجموعة المصنعة الفرانكو -بريطانية، (ماترا بريتش ايروسبايس ديناميكس) نمط محاكاة لصاروخ "ميسترال" يشبه الوضع القتالي داخل قاعة الدراسة بدلا من المجال الميدانى، وهو الاتجاه الذي عمقته شركة "شورتس ميسيل سيستمز" فيما يتعلق بصاروخ ستار بيرست" من خلال ادخال صواريخ من الدمى وحدات مدمجة لاختيار الاهداف، تناسب أيضا أغراض التدريب خارج القاعات المغلقة.
مع ذلك قد يكون المنهج الاكثر انفتاحاً على التقنيات الحديثة المصممة، ما حققته الشركة الفنلندية المختصة "Instrumenoiti" عبر نظام التدريب الصاروخي "AMSI -MI" المعد في الاساس لتشبيه الصاروخ الروسي قصير المدى "Igla" المصنف كمنافس دولى ل"ستينغر" و"ميسترال". واذ يستخدم هذا النظام تقنية الكمبيوتر الفردي لمفتاح "ويندوز" من ميكروسوفت، فانه يمنح صورا حقيقية للتضاريس من خلال لائحة معطيات قياسية ورقمية معا. وفي حين يمكن تطبيق هذه الآلية، لتوفير مشبهات لصواريخ اخرى قصيرة المدى، فقد اثبتت الوسيلة المتبعة فعالية ممتازة في قاعة الدراسة، بغاية التباعد عن تقنية الاطلاق الالكترونى كنمط تدريبي، وفق صورة التقليد التي رسمتها للصاروخ "ايغلا" الشركة المصنعة "كولومنا".
((يتبع))
المجال المدفعي للدفاع الجوي