العدوان العراقي على الكويت في مرآة وسائل الاعلام السوفيتية ( اغسطس/ آب عام 1990 - ابريل/نيسان عام 1991 ) . نشر اليكسى فاسيلييف العضو المراسل في اكاديمية العلوم الروسية مقالا تحت هذا العنوان في العدد العاشر لمجلة "آسيا وأفريقا اليوم " الصادرة باللغة الروسية، واليكم نص هذا المقال:
لا تزال احداث عامي 1990 – 1991 المأساوية المتعلقة باجتياح الكويت من قبل العراق وحرب الخليج التي اعقبتها واسفرت عن تحرير الكويت ودحر الآلة الحربية العراقية لا تزال تستقطب اهتمام الباحثين. وسبب ذلك جلي للعيان، اذ ان تلك الحرب الموافق عليها من قبل الامم المتحدة ترتبط عضويا بغزو العراق الذي لا يمكن اعتباره شرعيا والذي قامت به الولايات المتحدة وحلفاؤها في مارس/آذار عام 2003 وما تسبب فيه من العواقب. ويظل الوضع في منطقة الخليج متوترا ومنذراً بوقوع نزاع جديد مع ايران هذه المرة.
كان غزو العراق للكويت والحملة العسكرية التي اجراها التحالف المضاد للعراق في عامي 1990 – 1991 ، كان آنذاك موضوعا دوليا رئيسيا للصحافة السوفيتية كلها. لذلك فاننا سنحاول القاء نظرة فاحصة الى تلك الاحداث المأساوية من خلال منظور ما نشرته الصحافة السوفيتية من المقالات. وقد قام كاتب المقال هذا بمعالجة المواد المنشورة في صحف سوفيتية مركزية مثل "ازفيستيا" و"برافدا" وسوفيتسكايا روسيا" و"كومسومولسكايا برافدا" و"كراسنايا زفيزدا" و"رابوتشايا تريبونا" و"ترود" و"ليتيراتورنايا غازيتا". وقد شكلت تلك المقالات ما يزيد عن 100 صفحة مطبوعة، وذلك في الفترة ما بين 2 اغسطس/آب عام 1990 واواخر مارس/آذار عام 1991 . لذلك اضطر كاتب المقال الى التخلي عن تقديم معلومات تبين الاحداث نفسها وتسلسلها وجدول نقل قوات الولايات المتحدة وحلفائها الى المنطقة والمناورات الدبلوماسية حول الكويت وما يتعلق بصد العدوان العراقي. وقد ركز كاتب المقال على كيفية انعكاس سياسة الاتحاد السوفيتي في وسائل الاعلام السوفيتية وذلك على شكل بيانات الرئيس والحكومة ومجلس السوفيت الاعلى ووزارة الخارجية السوفيتية وما ادلوا من تصريحات وتعليقات بشأن التطورات في منطقة الخليج. كما اخذت بالحسبان تقارير مراسلي وسائل الاعلام السوفيتية من العراق والكويت او في موضوع الكويت.
وتعتبر المواد الصحفية المتعلقة بالازمة في منطقة الخليج والتي عكست الصراع السياسي على الصعيد السوفيتي الداخلي مثيرة وممتعة جدا. ومن السهل للمرء ان يلاحظ موقفا ايجابيا او سلبيا مما حدث في الخليج لدى رؤساء تحرير الصحف وكاتبي المقالات او التقارير حتى في حال لم ترافقها تعليقات سياسية.
وقد اتضح من خلال مطالعة المقالات المنشورة في صحيفة " سوفيتسكايا روسيا" على سبيل المثال ان تلك الصحيفة كانت تتخذ المواقف المعادية للولايات المتحدة الامريكية بشكل خفي في البداية، ومن ثم تحولت بالتدريج الى مواقف معادية للامريكان بشكل واضح . وكانت مقالاتها وتقاريرها تبدو وكأنها تدافع عن سيادة واستقلال الكويت، لكنها لم تخف تعاطفها الكبير مع العراق. اما صحيفة "برافدا" فحرصت اساسا على اتباع النهج الموالي للحكومة السوفيتية رغم ان كاتبي المقالات والتقارير اختلفوا في ارائهم وكانوا يشككون في صدق النوايا الامريكية. وكانت التعليقات الواردة في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" تتطابق، باستثناء القليل منها ، مع النهج الذي مارسته صحيفة "برافدا" . وكانت صحيفة "كراسنايا زفيزدا" تركز على اهمية التعاون مع العراق ونشرت عشية العملية البرية لحرب الخليج مقالات قيمت ولو بشكل ساذج القدرة العسكرية العراقية.
ومالت صحيفة "ازفيستيا" حتى في ذلك الحين الى مواقف موالية لامريكا رغم ان بعض مقالاتها كان يمكن للمرء ان يلاحظ فيها
موقفا واقعيا بات سائدا فيما بعد في الصحافة الروسية. ولم تتعد وكالة اباء "تاس" في طبيعة الحال الحدود المسموح بها من قبل القيادات السوفيتية.
وغدت حرب الخليج وسياسة القيادة السوفيتية ازاءها عرضة للصراع القاسي بين مختلف النزعات الاجتماعية والسياسية داخل الاتحاد السوفيتي الذي كان آنذاك على وشك تفككه. وكان اولئك الذين اعتبروا انفسهم موالين للغرب والكتلة الاطلسية او بالاحرى الديمقراطيون الراديكاليون، كانوا يدافعون عن الموقف الامريكي بلا شرط ، وضمنهم شيفارنادزه (وزير خارجية الاتحاد السوفيتي) آنذاك. اما الذين شكلوا فيما بعد نواة للقوى اليسارية والوطنية فباتوا يلفتون الانتباه الى مخططات الولايات المتحدة الرامية الى فرض الهيمنة التامة على المنطقة وتنحية الاتحاد السوفيتي منها، وذلك دون ان ينكروا ضرورة تحرير الكويت من الاحتلال العراقي واستعادة استقلالها. وقد اتخذت بعض القوى وبينها تكتلات في قطاع الصناعات الحربية وقسم من البيروقراطية موقفا مواليا للعراق، وذلك عن طريق دعم صدام حسين. وتحولت تلك التكتلات فيما بعد الى حركة الستالينيين و الشيوعيين الراديكالين وما الى ذلك..
وكانت القيادات السياسية آنذاك وميخائيل غورباتشوف على رأسها ( مهما كان الموقف الشخصي السلبي لكاتب المقال من هذه الشخصية السياسية) كانت تواجه مشاكل كبيرة تكمن في ضرورة ممارسة السياسة الرامية الى انهاء المواجهة مع الغرب وانضمام الاتحاد السوفيتي الى الاسرة الدولية من جهة، وضرورة الذود عن المصالح القومية من جهة اخرى، الامر الذي انعكس في قيام بعض القيادات وبصورة خاصة يفغيني بريماكوف الذي لم يكن يعتبرحينذاك من القيادات العليا في البلاد ببعض الزيارات الى بغداد، وذلك بتكليف من ميخائيل غورباتشوف.
بينما لم تغير الولايات المتحدة مهامها واساليبها ولم تتخل عن اصدقائها في الجزيرة العربية بالاضافة الى انها كانت تدافع عن مصالحها النفطية والعسكرية الاستراتيجية في المنطقة.
لذا فان سياسة القيادة السوفيتية تضمنت بادئ البدء عددا من العناصر : اولا - ان تحول دون ضم الكويت وتعمل على استعادة سيادتها وانسحاب القوات العراقية من هذا البلد العربي، وثانيا - ان تحافظ على حياة تسعة آلاف مواطن سوفيتي في العراق والكويت وتضمن الأمن لهم ، وثالثا - ان تدافع عن مبادئ القانون الدولي وتنتهج السياسة في اطاره وتعتمد على مؤسسات الامم المتحدة، ورابعا - ان تحاول حل المشاكل بطرق سلمية ووسائل سياسية وتحافظ على القدرة الاقتصادية العراقية وامكانات التعاون السوفيتي العراقي اللاحق.
وعندما اتضح ان الولايات المتحدة وحلفاءها تعدت الى حد كبير ما فوضتها به الامم المتحدة من المهام لم يكن بوسع غورباتشوف المرتبط باستراتيجيته الجيوسياسية مواجهتها باي شيء الا باصدار بيانات بلاغية جميلة. واتصفت تلك المرحلة بانحدار الاتحاد السوفيتي الى هوة التفكك رغم انه ما زال يعتبر دولة عظمى. ان عدم مواجهته للولايات المتحدة وتحوله من خصم الى شريك لها مكن كل ذلك واشنطن وحلفائها من نقل القسم الاكبر لقواتها الضاربة الى منطقة الشرق الاوسط وتحرير ايديها للعمل في كسرالآلة العسكرية العراقية دون ان تتكبد خسائر كبيرة، وتحويل هذا البلد الى ميدان لاختبار آلياتها الحربية الحديثة بالاعتماد على القرارات الصادرة عن مجلس الامن الدولي. ولم تتكلل بالنجاح تلك الخطوات المترددة ،وربما الساذجة، التي اتخذتها القيادة السوفيتية بهدف انعاش اللجنة العسكرية في مجلس الامن الدولي اذ ان الولايات المتحدة لم تعتزم اخضاع قواتها المسلحة لاي جهة سوى القيادة الامريكية. اما الدعوات الى ذلك التي وجهتها القيادة السوفيتية فلم تلق اذانا صاغية.
لقد وافقت الولايات المتحدة والاتحادي السوفيتي على 12 قرارا صادرا عن مجلس الامن الدولي بشأن الوضع في منطقة الخليج .واثارت كلها ،ماعدا القرار الاول الذي ادان العدوان العراقي على الكويت ، اثارت جدلا في الاتحاد السوفيتي والعالم الثالث وخاصة القرار الثاني عشر المرقم 678 الذي سمح باستخدام القوة ضد المعتدي وجعل حرب الولايات المتحدة وحلفائها ضد العراق شرعية. وكان الكثير من الناس يتساءل، ولا يزال حتى الآن يتساءل، عما اذا كان التصويت السوفيتي تأييدا لهذا القرار يعارض النية السوفيتية الصادقة الى التسوية السياسية ام لا؟ وعادة يفسر الامر كالآتي: لقد جاء في البيان الصادرعن وزارة الخارجية السوفيتية "ان مجلس الامن الدولي قدم بتبنيه للقرار 678 يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني تحذيرا اخيرا للعراق من استحالة تجاهل ارادة الاسرة الدولية. ومن جهة اخرى فان القرار يتيح حرفيا ومضمونا الفرصة الواقعية للحيولة دون حدوث اسوأ احتمال وهو اندلاع الحرب. ويحدد القرار المواعيد التي يمكن ان يتم في اطارها البحث عن حلول سلمية للنزاع. ويجب بذل الجهود الرامية الى عدم تفويت هذه الفرصة وتوجيه الوضع نحو خيار غيرعسكري. وان الاتحاد السوفيتي واثق بان الكرة الآن في ملعب العراق".
ومن حيث المبدأ كان يمكن ان يمتنع الاتحاد السوفيتي عن التصويت ، مثل ما فعلته الصين. لكن تعاونه مع الولايات المتحدة تعدى حدودا
معينة اذ ان غورباتشوف خشي ان تسيء مثل هذه الخطوة الى العلاقات السوفيتية الامريكية في شتى المسارات الاخرى للسياسة العالمية وتؤدي الى سوء التفاهم بين البلدين.
يصعب القول الآن الى اي مدى اثر الموقف الذي اتخذته الدبلوماسية السوفيتية بشأن الازمة في الخليج في انتقاد ادوارد شيفارندزه من قبل خصومه . لعل الحديث دار حول الصراع الداخلي على المستويت العليا للقيادات السوفيتية. لكن شيفارندزه قدم في 20 ديسمبر/كانون الاول عام 1990 الاستقالة. اما الكسندر بيسميرتنيخ الذي حل محله فقام بمواصلة سياسة التعاون مع الولايات المتحدة في موضوع الازمة الخليجية.
لكن القيادة السوفيتية بالرغم من موافقتها على استخدام القوة ضد العراق حاولت حتى اللحظة الاخيرة ايجاد حل سياسي من شأنه ان يتماشى ومهمة تحريرالكويت من جهة والمصالح القومية السوفيتية من جهة اخرى. واستخدمت لدى ذلك ما تبقى من عهد العلاقات الخاصة مع قسم من العالم العربي بما فيه العراق وما تبقى من الثقة المتبادلة وقنوات الاتصالات الشخصية. وفي هذا السياق تصب الزيارات الدبلوماسية التي قام بها يفغيني بريماكوف بصفته مندوبا خاصا لرئيس الاتحاد السوفيتي الى بغداد حيث ابرز بوضوح هذه النزعة. واذا تعود المسؤولية عن فشل المبادرات السياسية السوفيتية الى الاخطاء الفادحة التي ارتكبها صدام حسين فان احباط محاولات الحيلولة دون نشوب الحرب البرية هو نتيجة للحسابات الدقيقة التي قام بها الرئيس الامريكي جورج بوش الاب. وكان الرئيس الامريكي يحتاج الى نصر عسكري لامع والى دحر العراق التام الذي لم يشكك فيه احد والانتصار الشخصي على صدام حسين واحرازالنجاح الشخصي في الولايات المتحدة والوفاء بالتزامات قدمها لاسرائيل. لذلك فان محاولات الاتحاد السوفيتي لايجاد حل سياسي في آخر الايام قبل بدء العملية الحربية البرية واجهت موقفا امريكيا مهذباً منها من جهة، وانزعاجا لا يخفى من جهة اخرى. ورفضت الولايات المتحدة اتفاقا تم التوصل اليه في آخر لحظة بين ميخائيل غورباتشوف وصدام حسين حول سحب القوات العراقية من الكويت فقدمت واشنطن انذارا اخيرا غير مقبول بالنسبة الى العراق مما جعل الحرب لا مفر منها ، الامر الذي خيب آمال غورباتشوف الذي وصف بعد بضعة ايام العلاقات السوفيتية الامريكية بانها هشة.
كان الموقف من النزاع العربي الاسرائيلي ابان الازمة الخليجية مصدرا لبعض المشاكل في العلاقات بين موسكو وواشنطن. ووصفت الاخيرة الاقتراحات السوفيتية بالبحث عن حلول لتسوية النزاع العربي الاسرائيلي بانها ربط غير مقبول لا يمكن ان توافق عليه اسرائيل. لكن موسكو كانت تصر على الضرورة المنطقية لنزع حجة صدام حسين بالورقة الفلسطينية. لكن موقف اسرائيل بالنسبة الى الادارة الامريكية كان هو الاهم، كما جرت العادة. وفي هذا السياق يتصف بطابع خاص ذلك البيان المشترك الذي اصدره وزيرا الخارجية الامريكي والسوفيتي بيكر وبيسميرتنيخ في 28 يناير/كانون الثاني عام 1991. حيث اعلن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ان وقف العمليات الحربية في منطقة الخليج كان من الممكن ان يتحقق لو ان العراق قدم تعهدا لاريب فيه بالانسحاب من الكويت باتخاذه خطوات عملية فورية. واشار البيان الى الاهمية الخاصة التي ستكتسبها ازالة اسباب عدم الاستقرار ومصادر النزاعات ، بما فيها النزاع العربي الاسرائيلي. وأكد البيان ان هذا الامر مستحيل دون عملية السلام الواسعة النطاق التي من شأنها ان تساعد في احلال السلام العادل والآمن والصلح الحقيقي بين اسرائيل والدول العربية والفلسطينيين. واعرب البيان عن القناعة بان يساعد تجاوز الازمة في الخليج في تنشيط الجهود المشتركة التي يبذلها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بالتعاون مع غيرهما من الاطراف في المنطقة بهدف المساهمة في احلال السلام بين العرب واسرائيل والاستقرار الاقليمي.
لكن تل ابيب فهمت ربط تسوية النزاع الشرق اوسطي بوقف الحرب في الخليج بانه اشارة الى ضرورة عقد مؤتمر دولي كانت اسرائيل آنذاك تعارض انعقاده. واتخذت واشنطن بدورها موقفا حساسا جدا من الامزجة السائدة في اسرائيل سعيا الى منعها من توجيه ضربة انتقامية الى بغداد ردا على القصف الصاروخي العراقي كان من شأنها ان تؤدي الى تفكك التحالف المضاد للعراق. لذلك فان ممثلي البيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكية باتوا يقللون من شأن واهمية الوثيقة الموقعة من قبلهم بعد مواجهتهم لعدم رضاء اسرائيل. وكانت الصحف السوفيتية تبرزهذه المواقف الامريكية .
يذكر ان الصيغ الواردة في البيان المشترك اتصفت بنوع من الغموض ولم تطرح الا النية الطيبة للجانبين. لكن اسرائيل لم تكن آنذاك ترفض فكرة مشاركة الاتحاد السوفيتي في التسوية الشرق اوسطية فحسب ،بل لم تسمح بامكانية تقديم واشنطن اي موقف آخر غير موقفها في هذه المسألة.
و اذا بحثنا عن دوافع اخرى لتصرف الاتحاد السوفيتي لتبين ان سمعة غورباتشوف ومصلحته الشخصية اخذت بالحسبان الى جانب مبادئ السياسة الخارجية والمصالح الحقيقية للاتحاد السوفيتي في الشرقين الادنى والاوسط. زد على ذلك ان انقسام الرأي العام السوفيتي اخذ، كما يبدو ،هو ايضا بنظر الاعتبار لاول مرة في التاريخ السوفيتي. لا شك ان مصائر الكويت والعراق ونظام صدام حسين كانت غريبة بالنسبة الى البلاد السوفيتية المتعبة والمريضة. لكنه تبين ان عددا غير قليل من المواطنين السوفيت كان يدعم صدام حسين. وهناك عدد معادل له يدعم العمليات الحربية ضده.
كانت القيادة السوفيتية تأخذ بالحسبان العوامل الداخلية لدى سعيها الى الحيلولة دون نشوب الحرب في منطقة الخليج والعمليات الحربية للحلفاء ضد صدام حسين. لكن ثمة عوامل خارجية. وادركت القيادة السوفيتية تمام الادراك ان النصر الامريكي الذي لم يشك به احد قد يؤدي، وقد ادى في الواقع، الى ما يدعى "كبرياء القوة". وكان بوسع الولايات المتحدة بعد الانتصارعلى العراق تجاهل موقف الاتحاد السوفيتي اكثر فاكثر،"ولا قيمة للخدمة التي قدمها ".
وتعتبر المقالات التي نشرتها الصحف السوفيتية آنذاك ذات اهمية لان المراقبين الاكثر قدرة على التنبؤ اشاروا حينذاك الى تجاهل الولايات المتحدة والغرب بشكل عام لمصالح الاتحاد السوفيتي واستعدادها لتنحيته من المنطقة بالرغم من اتخاذ واشنطن لبعض الشكليات بهذا الشأن التي تخلت عنها بعد سنة او سنتين. ويمكننا الآن الحديث بعد فترة انقضت حول من هو قاهر ومن هو مقهور
في تلك الحرب. ولا تتوفر لدى كاتب المقال حقائق مقنعة تدل على ان الولايات المتحدة كانت مستعدة لان تضحي بالكويت لجر الدكتاتور العراقي الى هذا البلد ثم كسر آلته العسكرية هناك بحجة انقاذ الكويت كما يقول بعض الباحثين. الا ان هذه الفرضية لم تفند لحد الآن آخذا بعين الاعتبار الموقف الغامض الذي اتخذته ابريل غلاسبي سفيرة الولايات المتحدة انذاك في بغداد لدى لقائها بصدام حسين عشية الغزو العراقي للكويت. بالرغم عن ان الحقائق - إن توفرت - تبقى سرا لم يكشف عنه على مدى عشرات سنين. وبات من الواضح الان ان واشنطن قررت بدء الحرب مهما كانت الظروف. اما محاولات موسكو لحل النزاع بطرق سلمية فكانت بمثابة عقبة على طريقها.
وفي اي حال من الاحوال فان الكويت غدت ضحية وتكبدت خسائر فادحة في الارواح بالنسبة الى بلد صغير. وبالرغم من انها استطاعت استعادة ازدهارها ومستواها المعيشي فان جروحا اصيبت بها آنذاك لا تزال تؤلمها. والجهات الرابحة في تلك الحرب هي الولايات المتحدة واسرائيل بالاضافة الى ايران التي رصدت بهدوء سحق خصمها الاقليمي. ووقع الاتحاد السوفيتي وروسيا التي ورثت حقوقه بالطبع ضمن الجهات الخاسرة . نعم اقامت روسيا العلاقات الدبلوماسية مع عدد من الدول في الجزيرة العربية . لكن هذه الدول لم تصبح شركاء اقتصاديين ولا حلفاء بالنسبة الى روسيا الجديدة. وكان حجم التعاون الاقتصادي يتخلف مدة طويلة عما هو عليه مع العراق عام 1990. وتقدر الخسائر الاقتصادية للاتحاد السوفيتي وروسيا نتيجة الحصار الاقتصادي للعراق بمليارات الدولارات.
وكان يبدو ان خصوم العراق مثل دول الخليج المصدرة للنفط والنظام المعتدل للرئيس حسني مبارك ربحت نتيجة الحرب. لكن رد فعل الشارع العربي على قصف الولايات المتحدة للعراق تحت حجج واقعية ووهمية وتصرفاتها المتعجرفة تجاه الشعوب والحكومات في الدول الاسلامية ساعد كل ذلك على نهوض الامزجة المعادية للغرب وامريكا التي اكتسبت صبغتها شتى ألوان الاسلام السياسي. ويمكن القول ان "كبرياء القوة" ادت ولو بشكل غير مباشر الى وقوع موجات من الارهاب.
وكان من الصعب جدا اعادة النظر في اولويات الاتحاد السوفيتي على الصعيد الخارجي في اواخر الثمانينات ومطلع التسعينات. وبنفس الدرجة من الصعوبة بدأت روسيا الوارثة لحقوق الاتحاد السوفيتي في مطلع الالفية الثالثة في اعادة تقييم دورها. يبدو ان الكثير من الافكار التي طرحت آنذاك تعود لتعتبر ملحة ايضا هذا اليوم. وفي هذا السياق فان مطالعة التاريخ القريب الذي انعكس في مرآة الصحافة السوفيتية حينذاك تعتبر ذات قيمة واهمية لادراك الوضع الحالي في روسيا وسياستها في الشرق الاوسط ومنطقة الخليج بصورة خاصة.
http://arabic.rt.com/news_all_analytics/57904