يشغل يعقوب بليومكين مكانة جديرة في قائمة عشاق المغامرات العالميين، وذلك قبل نابليون وبعد جوهر دودايف. وتتصف سيرة حياته بميله الى التقلبات السريعة والمغامرات والمخاطرات. وكان بليومكين ضمن اوائل الذين اسسوا المخابرات السوفيتية وكان عمره انذاك 20 سنة. وانه حاك شبكة تجسس واسعة عمت منطقة الشرق الاوسط والشرق الاقصى. وقام بليومكين بتوقيع احكام الاعدام بكثرة وقتل البشر بكثافة وتعرض لاكثر من محاولة اغتيال وكان صديقا للشاعرين الشهيرين ماياكوفسكي ويسينين. ويعد أبا
للتجسس السوفيتي لكونه حاك شبكة التجسس في منطقتي الشرق الاوسط والشرق الاقصى. لكنه فشل حين احب امرأة خانته وسلمته الى اجهزة المخابرات السوفيتية. فاعدم في نهاية المطاف على ايدي زملائه .
يعتبر اليهودي بليومكين احد مؤسسي المخابرات السوفيتية التي دعيت آنذاك "في تشي كا" او اللجنة الاستثنائية لعموم روسيا حيث ترأس ادارة مكافحة التجسس الاجنبي. وقبل ذلك التحق عام 1917 بحزب الثوار الاشتراكيين في روسيا الذي ايد قسمه اليساري البلاشفة في انقلابهم على الحكومة الديمقراطية المؤقتة برئاسة الثائر الاشتراكي اليميني الكسندر كيرينسكي.
قام بليومكين في 6 يونيو/حزيران عام 1918 بتدبير وتنفيذ اغتيال السفير الالماني في موسكو الكونت ميرباخ، مما كاد يؤدي الى فسخ اتفاقية بريست للسلام بين جمهورية روسيا وألمانيا القيصرية وذلك بعد دخوله في مبنى السفارة الالمانية مقدما للحراسة بطاقة مسؤول مخابراتي سوفيتي كبير. وعول بليومكين وزملاؤه في حزب الثوار الاشتراكيين على ان
ألمانيا ستعود اثر اغتيال سفيرها تحارب روسيا مما يتسبب في اندلاع انتفاضة في برلين وقيام الثورة الشيوعية هناك. ثم شارك بليومكين في حركة التمرد على الحكم البلشفي وبعد فشلها فر الى اوكرانيا ليتجنب المحكمة التي اصدرت بحقه حكم بالسجن 3 سنوات غيابيا. وشارك بليومكين في اوكرانيا بالانتفاضة ضد الوطنيين الاوكرانيين. وقام بتدبير محاولة اغتيال الحاكم الوطني الاوكراني سكوروبادسكي الموالي للالمان. وتقديرا لذلك اصدرت السلطة السوفيتية العفو عنه في صيف عام 1919، فارسلته بعد التحاقه بالحزب البلشفي الى منطقة بحر قزوين ليدبرهناك انقلابا شيوعيا على حكم شاه ايران ويشغل منصب المفوض السياسي الاعلى في جمهورية جيلان السوفيتية في شمال ايران ( اقليم اذربيجان الايراني). وهكذا تحققت امنيته بقيام الشيوعية في بلد شرقي على حدة.
التحق بليومكين عام 1920 بالقسم الشرقي في اكاديمية الاركان العامة في موسكو حيث تم اعداد الكوادر المخابراتية بغية القيام بالتجسس في دول آسيا. وتتصف فترة مطلع العشرينات باقامته لعلاقات وثيقة مع نخبة من الادباء الروس آنذاك. واثار بليومكين الدهشة لدى الشاعر ماياكوفسكي لولعه برومانسية الارهاب. ولم يستبعد ان ماياكوفسكي الذي ولع آنذاك بافكار الشيوعية اليسارية كتب قصيدته المعروفة" المارش اليساري" بتأثير من يعقوب بليومكين. وقال بليومكين مرة للشاعر سيرغي يسينين:" انا ارهابي في السياسة وانت ارهابي في الشعر". ويقال انه دعا يوما سيرغي يسينين ليحضر اعدام الاشخاص المتهمين بانتمائهم الى
"الثورة المضادة" وسلمه مسدسا ليطلق النيران. لكن يسينين تخلى عن المشاركة في الاعدام. ويقال ايضا ان بليومكين كان ينشر بعض اشعاره في الصحف السوفيتية. وسجلت لديه علاقات مع الشاعر اوسيب مانديلشتام الذي كان يعرض له دوما احكام الاعدام بحق اعضاء في التنظيمات المعادية للبلاشفة وقعها بيده.
انتقل بليمكين بعد التخرج من الاكاديمية للعمل في الامانة العامة لدى ليف تروتسكي احد الزعماء الكبار للبلاشفة آنذاك . لكن فيلكس دزيرجينسكي رئيس الادارة السياسية العامة (المخابرات السوفيتية) الذي اشاد بكفاءة بليومكين بصفته جاسوسا محترفا بالرغم من ميله الى المغامرات والارهاب اقنعه بان ينتقل الى شعبة الاستخبارات الخارجية في الادارة. وارسله الى فلسطين ليحوك هناك شبكة تجسس. بعد العودة من فلسطين تم تعيين بليومكين مسؤولا في مخابرات اقليم القوقاز حيث شارك في قمع انتفاضة الشيشان.
تدخل حياة بليومكين بحلول عام 1925 في مرحلة غامضة مبهمة حين تم تعيينه كبير المفتشين في منغوليا وعميلا في منطقة التبت في الوقت نفسه.
وتم تكليف بليومكين بواجب اقامة التعاون مع نيوقولاي ريريخ الفنان والشاعر الروسي الصوفي المعروف باعتباره شخصا
مؤمنا بوجود منطقة "الشمبلة" الاسطورية في التبت. ويقول الفلكلور الروسي ان تلك الشمبلة تسود فيها العدالة والحكمة المطلقتان والجبروت فوق الانساني.
لا يعلم احد هل وجد ريريخ ديارا اسطورية نائية يقيم فيها رهبان حافظون للحكمة العليا. لكن من المعروف بالتأكيد ان بليومكين شارك في بعثة ريريخ الثانية الى منطقة التبت. كما من غير المعروف هل تمكن بليومكين من تجنيد ريريخ ليكون عميلا سوفيتيا في التبت والهند. لكن من المؤكد ان ريريخ كان شخصا متعاطفا مع الشيوعيين واعتزم العودة الى الوطن بعد الحرب العالمية الثانية. وكان من الممكن ان يعود لو لا موته. اما بليومكين فرجع بعد تعاونه مع ريريخ في التبت الى منطقة الشرق الاوسط ليعمل هناك تاجرا للمخطوطات العبرية القديمة التي تسلمها من القيادات السوفيتية العليا وذلك اعتمادا على شبكة التجسس في تركيا ومصر والسعودية التي قد حاكها.
اقام بليومكين خلال عمله السري خارج روسيا العلاقات الوثيقة مع ليف تروتسكي الذي قامت السلطة الستالينية حينذاك اي عام 1928 بتهجيره قسرا الى تركيا. واكد ولاءه لزعيمه السابق وفتح قناة لايصال الادبيات المعادية للسوفيت الى الاتحاد السوفيت.
ورجع بليومكين الى موسكو بعد انجاز احدى المهام السرية خارج البلاد فتعرف بحسناء اسمها ليزا غورسكايا العميلة المخابراتية السوفيتية وحاول تجنيدها لتتعاون مع تروتسكي. فافشت غورسكايا سره الى المخابرات. فاعتقل بليوكين، وتم اعدامه بالرصاص في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1929 على ايدي زملائه.
من المعروف ان الثورة تأكل ابناءها، ولم يكن ابنها المغامر الارهابي الرومانسي يعقوب بليومكين استثناءا من هذه القاعدة. الا انه قال قبل اعدامه انه يموت من اجل الثورة العالمية.